الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويكون منعه مع قدرة الدولة وحاجة الشعب وفاقته مشقةً وضرراً، وهي مذمومة؛ لذلك دعا النبي صلى الله عليه وسلم على من شقَّ على الرعية «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه» (1)، وهذا منه.
ومما قلناه تُفهم شروطٌ للإقراض:
الشرط الأول: الآلية المنظمة لذلك؛ لأن الإقراض بدونها خبط عشواء تترتب عليه مفاسد كثيرة وفساد.
والشرط الثاني: إقرارُ ذلك من نواب الشعب أو جهة مخولة بتقنين يخدم مقاصد الشريعة في التيسير على الناس، وحفظ مصالحهم وأموالهم؛ لأنه إن لم يكن بتخويل من جهة تنوب عن الشعب دخل فيه فساد وعبث وتحكم بالهوى.
والشرط الثالث: أن يكون القرض للمواطنين، لا لدولة أخرى، فسيأتي تفصيل هذا؛ لأن أحقيتهم في القرض مقدمة؛ إذ المال مالهم، ويجب أن تعود منافعه لهم، والقرض عقد إرفاق من أعظم المنافع والمصالح؛ فهم أولى به.
والشرط الرابع: أن يكون الإقراض بلا فوائد ربوية.
والشرط الخامس: غلبة المصالح في إقراض الناس، وعدم الضرر على المال العام.
حكم الاقتراض بالربا لبناء مسكن أو شراء سيارة:
ودليل حرمة الإقراض بالربا ظاهرٌ؛ لأنه محرم قطعيا بالنص (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)(البقرة: 275)، ويحرم على الدولة فعل ذلك، ولا يجوز الدخول من أحد في هذا العقد قطعي التحريم.
(1) - حديث «من ولي من أمر أمتي شيئا
…
» أخرجه الإمام مسلم برقم 4826 عن عبدالرحمن بن شماسة قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء، فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر. فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئا إن كان ليموت للرجل منا البعير فيعطيه البعير والعبد فيعطيه العبد ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة. فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في محمد بن أبي بكر أخي أن أخبرك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به» .
هذا هو الأصل الشرعي، ومن أفتى بجواز ذلك لمضطر لبناء مسكن، أو شراء سيارة جَعَلها استثناءً على خلاف الأصل، بعلة الاضطرار قياسا على النص (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المائدة: 3).
وهو قياس مع الفارق؛ إذ الاضطرار في النص لحفظ ضروري لا يدفع عنه التلف إلا بذلك، فجاز أكل الميتة؛ لدفع الموت جوعا ولحفظ ضروري ولعدم بدلٍ يحفظ به من التلف إلا بذلك، بخلاف المسكن فهو مع كونه حاجياً ينزل منزلة الضروريات تدفع ضرورته بالاستئجار، وكذا السيارة، فافترق الفرع عن الأصل المقيس عليه.
فإن لم يوجد السكن بعقد الإيجار ولا التبرع، وكذا الركوب استوى القياس وجوزت المسألة.
وعلة الحاجة لمسكن أو مركب كانت موجودة زمن الصحابة حال نزول هذه الآيات، ولم تستثن.
كما لم تستثن حاجة الأيتام لتخليل الخمر (1).
ونزل تحريم الربا وكان الاقتراض الربوي لتجارة، أو لحاجة ضرورية، أو حاجية كبناء مسكن، أو شراء مركب موجوداً، وإنما نزل فيه ولم يتسثنه.
ولذلك لا يُدْفع حد السرقة عمن سرق لعلة بناء بيت أو شراء سيارة، بخلاف دفع الحد لشبهة دفع الهلكة جوعا.
(1) - قولنا «لم تستثن حاجة الأيتام .. » الحديث أخرجه أبو داود برقم 3677 من طريق وكيع عن سفيان عن السدي عن أبي هبيرة عن أنس بن مالك «أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا. قال أهرقها. قال أفلا أجعلها خلا؟ قال لا» .
قلت: هذا سند حسن، والسدي هو السدي الكبير إسماعيل بن عبدالرحمن المفسر، روى له مسلم، واختُلِف فيه، وقد وثقه أحمد ومرة حسّنَه، والنسائي قال صالح ومرة ليس به بأس، وقال الذهبي حسن الحديث، وقال أبو حاتم لا يُحتَج به، وقال القطان لا بأس به. وخلاصة القول فيه أن حديثه يُحسَّن. وقد أخرجه أحمد عن وكيع كذلك. وأورد له ابن عبدالبر في التمهيد شاهدا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان عندي خمر لأيتام فلما نزل تحريم الخمر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نهرقها. وهذا الشاهد مخرج في سنن الترمذي برقم 1263 وفيه مجالد بن سعيد ضعيف. وتصحيح الترمذي له وتابعه الألباني هو لشواهده ومتابعاته.