الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الأَْوَّل) سُؤَال الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ. وَذَلِكَ فِي الْمَشْرُوعِ يَقَعُ عَلَى وُجُوهٍ، كَتَحْقِيقِ مَا حَصَل، أَوْ رَفْعِ إِشْكَالٍ عَنَّ لَهُ، وَتَذَكَّرَ مَا خَشِيَ عَلَيْهِ النِّسْيَانُ، أَوْ تَنْبِيهِ الْمَسْئُول عَلَى خَطَأٍ يُورِدُهُ مَوْرِدَ الاِسْتِفَادَةِ، أَوْ نِيَابَةٍ مِنْهُ عَنِ الْحَاضِرِينَ مِنَ الْمُتَعَلِّمِينَ، أَوْ تَحْصِيل مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ فَاتَهُ مِنَ الْعِلْمِ.
(وَالثَّانِي) سُؤَال الْمُتَعَلِّمِ لِمِثْلِهِ، وَذَلِكَ أَيْضًا يَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ، كَمُذَاكَرَتِهِ لَهُ بِمَا سَمِعَ، أَوْ طَلَبِهِ مِنْهُ مَا لَمْ يَسْمَعْ مِمَّا سَمِعَهُ الْمَسْئُول، أَوْ تَمَرُّنِهِ مَعَهُ فِي الْمَسَائِل قَبْل لِقَاءِ الْعَالِمِ، أَوِ التَّهَدِّي بِعَقْلِهِ إِلَى فَهْمِ مَا أَلْقَاهُ الْعَالِمُ.
(وَالثَّالِثُ) سُؤَال الْعَالِمِ لِلْمُتَعَلِّمِ. وَهُوَ عَلَى وُجُوهٍ كَذَلِكَ، كَتَنْبِيهٍ عَلَى مَوْضِعِ إِشْكَالٍ يَطْلُبُ رَفْعَهُ، أَوِ اخْتِبَارِ عَقْلِهِ أَيْنَ بَلَغَ؟ وَالاِسْتِعَانَةِ بِفَهْمِهِ إِنْ كَانَ لِفَهْمِهِ فَضْلٌ، أَوْ تَنْبِيهِهِ عَلَى مَا عَلِمَ لِيَسْتَدِل بِهِ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ.
(وَالرَّابِعُ) وَهُوَ الأَْصْل الأَْوَّل، سُؤَال الْمُتَعَلِّمِ لِلْعَالِمِ، وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى طَلَبِ عِلْمِ مَا لَمْ يَعْلَمْ. فَأَمَّا الأَْوَّل وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مُسْتَحَقٌّ إِنْ عُلِمَ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ عَارِضٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، وَإِلَاّ فَالاِعْتِرَافُ بِالْعَجْزِ. وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلَيْسَ الْجَوَابُ بِمُسْتَحَقٍّ بِإِطْلَاقٍ، بَل فِيهِ تَفْصِيلٌ. فَيَلْزَمُ الْجَوَابُ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِمَا سُئِل عَنْهُ مُتَعَيِّنًا عَلَيْهِ فِي نَازِلَةٍ وَاقِعَةٍ، أَوْ فِي أَمْرٍ فِيهِ نَصٌّ شَرْعِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُتَعَلِّمِ،
لَا مُطْلَقًا، وَيَكُونُ السَّائِل مِمَّنْ يَحْتَمِل عَقْلُهُ الْجَوَابَ، وَلَا يُؤَدِّي السُّؤَال إِلَى تَعَمُّقٍ وَلَا تَكَلُّفٍ، وَهُوَ مِمَّا يُبْنَى عَلَيْهِ عَمَلٌ شَرْعِيٌّ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ. وَقَدْ لَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ فِي مَوَاضِعَ، بِمَا إِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ. أَوِ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةٌ لَا نَصَّ فِيهَا لِلشَّارِعِ. وَقَدْ لَا يَجُوزُ، كَمَا إِذَا لَمْ يَحْتَمِل عَقْلُهُ الْجَوَابَ أَوْ كَانَ فِيهِ تَعَمُّقٌ، أَوْ أَكْثَرُ مِنَ السُّؤَالَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ الأَْغَالِيطِ وَفِيهِ نَوْعُ اعْتِرَاضٍ. (1) انْتَهَى كَلَامُ الشَّاطِبِيِّ.
هَذَا وَالسُّؤَال مِنَ الْمُقَلِّدِ عَنِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِيمَا وَقَعَ لَهُ يُسَمَّى اسْتِفْتَاءً، وَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ:(فَتْوَى) .
ثَانِيًا - السُّؤَال بِمَعْنَى طَلَبِ الْحَاجَةِ:
التَّعَرُّضُ لِلصَّدَقَةِ بِالسُّؤَال، أَوْ إِظْهَارِ أَمَارَةِ الْفَاقَةِ:
9 -
يَحْرِصُ الإِْسْلَامُ عَلَى حِفْظِ كَرَامَةِ الْمُسْلِمِ، وَصَوْنِ نَفْسِهِ عَنِ الاِبْتِذَال وَالْوُقُوفِ بِمَوَاقِفِ الذُّل وَالْهَوَانِ، فَحَذَّرَ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلصَّدَقَةِ بِالسُّؤَال، أَوْ بِإِظْهَارِ أَمَارَاتِ الْفَاقَةِ، بَل حَرَّمَ السُّؤَال عَلَى مَنْ يَمْلِكُ مَا يُغْنِيهِ عَنْهَا مِنْ مَالٍ أَوْ قُدْرَةٍ عَلَى التَّكَسُّبِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا يَسْأَلُهُ زَكَاةً أَوْ تَطَوُّعًا أَوْ كَفَّارَةً، وَلَا يَحِل لَهُ أَخْذُ ذَلِكَ إِنْ أُعْطِيَ بِالسُّؤَال أَوْ إِظْهَارِ الْفَاقَةِ. قَال الشَّبْرَامَلِّسِي: لَوْ أَظْهَرَ الْفَاقَةَ وَظَنَّهُ الدَّافِعُ مُتَّصِفًا بِهَا لَمْ يَمْلِكْ
(1) الموافقات 4 / 312 - 313.
مَا أَخَذَهُ، لأَِنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِ رِضَا صَاحِبِهِ، إِذْ لَمْ يَسْمَحْ لَهُ إِلَاّ عَلَى ظَنِّ الْفَاقَةِ. (1) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَأَل النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَسْأَلَتُهُ خُمُوشٌ، أَوْ خُدُوشٌ، أَوْ كُدُوحٌ قِيل: يَا رَسُول اللَّهِ، وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَال: خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ (2) وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم: إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَل اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ (3) وَقَال عليه الصلاة والسلام: لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِل نَفْسَهُ. (4)
أَمَّا إِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى الصَّدَقَةِ، وَمِمَّنْ يَسْتَحِقُّونَهَا لِفَقْرٍ أَوْ زَمَانَةٍ، أَوْ عَجْزٍ عَنِ الْكَسْبِ فَيَجُوزُ لَهُ السُّؤَال بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يُذِل نَفْسَهُ، وَأَنْ لَا يُلِحَّ فِي السُّؤَال، أَوْ يُؤْذِيَ الْمَسْئُول، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بَاعِثَ الْمُعْطِي الْحَيَاءُ مِنَ السَّائِل أَوْ مِنَ الْحَاضِرِينَ، فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ السُّؤَال وَأَخْذُ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ
(1) نهاية المحتاج 6 / 169، كشاف القناع 2 / 273، الاختيار لتعليل المختار 4 / 175 - 176.
(2)
حديث: " من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ". أخرجه الترمذي (3 / 32 - ط الحلبي) من حديث ابن مسعود، وقال: حديث حسن.
(3)
حديث: " إذا سألت فاسأل الله ". أخرجه الترمذي (4 / 667 - ط الحلبي) . من حديث ابن عباس، وقال: حديث حسن صحيح.
(4)
حديث: " لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه ". أخرجه الترمذي (4 / 523 - ط الحلبي) من حديث حذيفة، وقال أبو حاتم الرازي: هذا حديث منكر. كذا في علل الحديث (2 / 138 - ط السلفية) .
مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، وَيَحْرُمُ أَخْذُهَا، وَيَجِبُ رَدُّهَا إِلَاّ إِذَا كَانَ مُضْطَرًّا بِحَيْثُ يَخْشَى الْهَلَاكَ إِنْ لَمْ يَأْخُذِ الصَّدَقَةَ، لِحَدِيثِ: لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِل نَفْسَهُ. فَإِنْ خَافَ هَلَاكًا لَزِمَهُ السُّؤَال إِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ التَّكَسُّبِ. فَإِنْ تَرَكَ السُّؤَال فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى مَاتَ أَثِمَ لأَِنَّهُ أَلْقَى بِنَفْسِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَالسُّؤَال فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِي مَقَامِ التَّكَسُّبِ؛ لأَِنَّهَا الْوَسِيلَةُ الْمُتَعَيِّنَةُ لإِِبْقَاءِ النَّفْسِ، وَلَا ذُل فِيهَا لِلضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ كَأَكْل الْمَيْتَةِ. (1)
وَلَا بَأْسَ بِسُؤَال الْمَاءِ لِلشُّرْبِ لِفِعْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَال أَحْمَدُ فِي الْعَطْشَانِ الَّذِي لَا يَسْتَسْقِي: يَكُونُ أَحْمَقَ، وَلَا بَأْسَ بِمَسْأَلَةِ الاِسْتِعَارَةِ وَالاِسْتِقْرَاضِ نَصَّ عَلَيْهِمَا أَحْمَدُ قَال الآْجُرِّيُّ يَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ حَل الْمَسْأَلَةِ وَمَتَى تَحِل، وَمَا قَالَهُ بِمَعْنَى قَوْل أَحْمَدَ فِي أَنَّ تَعَلُّمَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِدَيْنِهِ فَرْضٌ، وَلَا بَأْسَ بِسُؤَال الشَّيْءِ الْيَسِيرِ، كَشَسْعِ النَّعْل أَيْ سَيْرِهِ؛ لأَِنَّهُ فِي مَعْنَى مَسْأَلَةِ شُرْبِ الْمَاءِ، وَإِنْ أُعْطِيَ مَالاً طَيِّبًا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا اسْتِشْرَافِ نَفْسٍ مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ صَدَقَةِ تَطَوُّعٍ أَوْ هِبَةٍ وَجَبَ أَخْذُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَنَقَلَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَحْمَدَ (2)
(1) نهاية المحتاج 6 / 169، كشاف القناع 2 / 273، والاختيار 4 / 176.
(2)
كشاف القناع 2 / 274.