الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَاحِبَكَ كَأَنَّك تَرْفَعُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْل الْكَلِمَةِ: الرِّفْعَةُ، وَمِنْهُ: النَّجْوَةُ مِنَ الأَْرْضِ، وَالسِّرُّ أَعَمُّ مِنَ النَّجْوَى، لأَِنَّ السِّرَّ قَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ الْمَعَانِي مَجَازًا. يُقَال: فَعَل هَذَا سِرًّا، وَقَدْ أَسَرَّ الأَْمْرَ، وَالنَّجْوَى لَا تَكُونُ إِلَاّ كَلَامًا (1) .
أَنْوَاعُ السِّرِّ:
3 -
يَتَنَوَّعُ السِّرُّ إِلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ:
1 -
مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِكِتْمَانِهِ.
2 -
مَا طَلَبَ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ.
3 -
مَا مِنْ شَأْنِهِ الْكِتْمَانُ، وَاطُّلِعَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْخُلْطَةِ أَوِ الْمِهْنَةِ.
وَلِلتَّفْصِيل فِي أَنْوَاعِ السِّرِّ وَحُكْمِ كُل نَوْعٍ (ر: إِفْشَاءُ السِّرِّ)(2) .
الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ إِظْهَارِ الأَْعْمَال وَالإِْسْرَارِ بِهَا:
4 -
إِنَّ فِي إِسْرَارِ الأَْعْمَال فَائِدَةَ الإِْخْلَاصِ وَالنَّجَاةِ مِنَ الرِّيَاءِ، وَفِي إِظْهَارِهَا فَائِدَةُ الاِقْتِدَاءِ وَتَرْغِيبُ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ، وَلَكِنْ فِيهِ آفَةُ الرِّيَاءِ. قَال الْحَسَنُ: قَدْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ السِّرَّ أَحْرَزُ الْعَمَلَيْنِ، وَلَكِنْ فِي الإِْظْهَارِ أَيْضًا فَائِدَةٌ، وَلِذَلِكَ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فَقَال: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا
(1) الفروق في اللغة ص 48.
(2)
الموسوعة الفقهية جـ 5 ص 292 وما بعدها.
الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (1) .
وَضَابِطُ أَفْضَلِيَّةِ إِظْهَارِ الأَْعْمَال أَوْ إِسْرَارِهَا: هُوَ أَنَّ كُل عَمَلٍ لَا يُمْكِنُ إِسْرَارُهُ كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْجُمُعَةِ فَالأَْفْضَل الْمُبَادَرَةُ إِلَيْهِ وَإِظْهَارُ الرَّغْبَةِ فِيهِ لِلتَّحْرِيضِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ شَوَائِبُ الرِّيَاءِ، وَأَمَّا مَا يُمْكِنُ إِسْرَارُهُ كَالصَّدَقَةِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ إِظْهَارُ الصَّدَقَةِ يُؤْذِي الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ يُرَغِّبُ النَّاسَ فِي الصَّدَقَةِ فَالسِّرُّ أَفْضَل؛ لأَِنَّ الإِْيذَاءَ حَرَامٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِيذَاءٌ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الأَْفْضَل. فَقَال قَوْمٌ: السِّرُّ أَفْضَل مِنَ الْعَلَانِيَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَلَانِيَةِ قُدْوَةٌ. وَقَال قَوْمٌ:
السِّرُّ أَفْضَل مِنْ عَلَانِيَةٍ لَا قُدْوَةَ فِيهَا، أَمَّا الْعَلَانِيَةُ لِلْقُدْوَةِ فَأَفْضَل مِنَ السِّرِّ، وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل أَمَرَ الأَْنْبِيَاءَ بِإِظْهَارِ الْعَمَل لِلاِقْتِدَاءِ بِهِمْ وَخَصَّهُمْ بِمَنْصِبِ النُّبُوَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ أَنَّهُمْ حُرِمُوا أَفْضَل الْعَمَلَيْنِ (2) .
هَذَا فِي عَامَّةِ الأَْعْمَال، أَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَالإِْخْفَاءُ فِيهِ أَفْضَل مِنَ الإِْظْهَارِ لاِنْتِفَاءِ الرِّيَاءِ عَنْهُ (3) .
وَفِيمَا يَلِي نَذْكُرُ بَعْضَ النَّوَافِل الَّتِي يَكُونُ الإِْسْرَارُ بِهَا أَفْضَل مِنْ إِظْهَارِهَا.
(1) سورة البقرة / 271.
(2)
إحياء علوم الدين 3 / 308 - 309 ط الحلبي.
(3)
تفسير القرطبي 3 / 332، وعمدة القاري 5 / 180، وكشاف القناع 1 / 435.