الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَاجِبَاتُ وَالسُّنَنُ الَّتِي يَجِبُ بِتَرْكِهَا سُجُودُ السَّهْوِ:
6 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي: فِيمَا يُطْلَبُ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ سَهْوًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إِذَا لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَا تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا وَتُعَادُ وُجُوبًا فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ إِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا يَكُونُ فَاسِقًا آثِمًا.
وَمِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمُ: الْقَعْدَةُ الأُْولَى مِنَ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ، وَدُعَاءُ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ، وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهَا. أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَسَّمُوا الصَّلَاةَ إِلَى فَرَائِضَ وَسُنَنٍ. فَالْمَالِكِيَّةُ يُسْجَدُ عِنْدَهُمْ لِسُجُودِ السَّهْوِ لِثَمَانِيَةٍ مِنَ السُّنَنِ وَهِيَ: السُّورَةُ، وَالْجَهْرُ، وَالإِْسْرَارُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّشَهُّدَانِ، وَالْجُلُوسُ لَهُمَا.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَالسُّنَّةُ عِنْدَهُمْ نَوْعَانِ: أَبْعَاضٌ وَهَيْئَاتٌ، وَالأَْبْعَاضُ هِيَ الَّتِي يُجْبَرُ تَرْكُهَا بِسُجُودِ السَّهْوِ، فَمِنْهَا التَّشَهُّدُ الأَْوَّل وَالْقُعُودُ لَهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ الأَْوَّل، وَالصَّلَاةُ عَلَى الآْل فِي التَّشَهُّدِ الأَْخِيرِ، وَالْقُنُوتُ الرَّاتِبُ فِي الصُّبْحِ، وَوِتْرُ النِّصْفِ الأَْخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيَامُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْقُنُوتِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ نَوْعَانِ: وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ، فَالْوَاجِبَاتُ تَبْطُل الصَّلَاةُ بِتَرْكِهَا عَمْدًا، وَتَسْقُطُ سَهْوًا أَوْ جَهْلاً، وَيُجْبَرُ تَرْكُهَا سَهْوًا بِسُجُودِ السَّهْوِ كَالتَّكْبِيرِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُكَبِّرُ كَذَلِكَ، وَقَال صلى الله عليه وسلم: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي. (1) وَالتَّسْمِيعُ لِلإِْمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ دُونَ الْمَأْمُومِ، وَالتَّحْمِيدُ وَغَيْرُهَا. (2)
مَوْضِعُ سُجُودِ السَّهْوِ:
7 -
لَمْ يَتَّفِقِ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَوْضِعِ سُجُودِ السَّهْوِ: فَقَدْ رَأَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَوْضِعَ سُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ فِي الزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ، أَيْ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَلَى الأَْصَحِّ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ كَذَلِكَ، فَإِنْ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ سَقَطَ السُّجُودُ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: لِكُل سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ. (3)
(1) حديث: " صلوا كما رأيتموني أصلي ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 111 - ط السلفية) من حديث مالك بن الحويرث.
(2)
الفتاوى الهندية (1 / 71 - 72) حاشية ابن عابدين 1 / 306، الشرح الصغير (1 / 303 - 322 ط. دار المعارف) ، القوانين الفقهية ص 55 - 58، كشاف القناع 1 / 408 - 410، مغني المحتاج 1 / 148 وما بعدها.
(3)
حديث: " لكل سهو سجدتان بعدما يسلم ". أخرجه أبو داود (1 / 630 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، والبيهقي (2 / 337 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث ثوبان، وأعله البيهقي.
وَيُرْوَى نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَسٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَإِنْ وَقَعَ السَّهْوُ بِالنَّقْصِ فِي الصَّلَاةِ فَالسُّجُودُ يَكُونُ قَبْل السَّلَامِ. وَدَلِيلُهُمْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَلَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. (1) وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَال: صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسًا فَقُلْنَا: يَا رَسُول اللَّهِ، أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَال: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا! " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَذْكُرُ كَمَا تَذْكُرُونَ، وَأَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ "، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ (2) وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَال: كُل شَيْءٍ شَكَكْتَ فِيهِ مِنْ صَلَاتِكَ مِنْ نُقْصَانٍ مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَاسْتَقْبِل أَكْثَرَ ظَنِّكَ، وَاجْعَل سَجْدَتَيِ السَّهْوِ مِنْ
(1) حديث عبد الله بن مالك بن بحينة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 92 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 399 - ط الحلبي) والسياق للبخاري.
(2)
حديث عبد الله بن مسعود: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا ". أخرجه مسلم (1 / 402 - ط الحلبي) .
هَذَا النَّحْوِ قَبْل التَّسْلِيمِ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ السَّهْوِ فَاجْعَلْهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ فَيَسْجُدُ قَبْل السَّلَامِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ النَّقْصِ.
وَالْجَدِيدُ وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَبْل السَّلَامِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى الأَْنْصَارِيِّ. وَدَلِيلُهُمْ حَدِيثُ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَأُبَيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَجَدَ قَبْل السَّلَامِ. كَمَا سَبَقَ؛ وَلأَِنَّهُ يُفْعَل لإِِصْلَاحِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ قَبْل السَّلَامِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنَ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَذَهَبُوا فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّ السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْل السَّلَامِ، إِلَاّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذَيْنِ وَرَدَ النَّصُّ بِسُجُودِهِمَا بَعْدَ السَّلَامِ. وَهُمَا إِذَا سَلَّمَ مِنْ نَقْصِ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ، كَمَا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. (1) وَحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ. (2)
وَالثَّانِي إِذَا تَحَرَّى الإِْمَامُ فَبَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَمَا تَحَرَّى فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ.
(1) حديث ذي اليدين: " أنه سلم من ركعتين فسجد بعد السلام ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 98 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(2)
حديث عمران بن حصين: " أنه سلم من ثلاث فسجد بعد السلام ". أخرجه مسلم (1 / 405 - ط الحلبي) .