الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ ذَهَبًا، وَبِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ إِنْ كَانَ: الْمَسْرُوقُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَبِمَا قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْ غَيْرِهِمَا (1) .
2 - وَقْتُ تَحْدِيدِ النِّصَابِ:
الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ وَقْتَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ وَفِي مَكَانِ السَّرِقَةِ، وَلَا عِبْرَةَ بِتَغَيُّرِ هَذِهِ الْقِيمَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لأَِيِّ سَبَبٍ كَانَ.
3 -
اخْتِلَافُ الْمُقَوِّمِينَ فِي تَحْدِيدِ قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ: إِذَا قَدَّرَ بَعْضُ الْمُقَوِّمِينَ قِيمَةَ الْمَسْرُوقِ بِنِصَابٍ، وَقَدَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَقَل مِنْ نِصَابٍ، فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ؛ لأَِنَّهُ فِي حَالَةِ تَعَارُضِ الْبَيِّنَاتِ فِي الْقِيمَةِ يُؤْخَذُ بِالأَْقَل.
4 -
عِلْمُ السَّارِقِ بِقِيمَةِ الْمَسْرُوقِ: يَشْتَرِطُ الْحَنَابِلَةُ، لإِِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ، أَنْ يَعْلَمَ السَّارِقُ بِأَنَّ مَا سَرَقَهُ يُسَاوِي نِصَابًا. وَعَلَى ذَلِكَ: لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْدِيلاً، لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ النِّصَابَ، وَقَدْ شُدَّ عَلَيْهِ دِينَارٌ، مَا دَامَ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ. فَأَمَّا إِنْ عَلِمَ بِوُجُودِ الدِّينَارِ، أُقِيمَ عَلَيْهِ. حَدُّ السَّرِقَةِ (2) .
3 - أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مُحْرَزًا:
37 -
الْحِرْزُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: الْمَوْضِعُ الْحَصِينُ الَّذِي
(1) شرح منتهى الإرادات 3 / 364، كشاف القناع 4 / 78، المغني 10 / 242، 278.
(2)
كشاف القناع 4 / 78 - 237، المغني 10 / 278.
يُحْفَظُ فِيهِ الْمَال عَادَةً، بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ صَاحِبُهُ مُضَيِّعًا لَهُ بِوَضْعِهِ فِيهِ (1) .
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ لَا يُقَامُ إِلَاّ إِذَا أَخَذَ السَّارِقُ النِّصَابَ مِنْ حِرْزِهِ؛ لأَِنَّ الْمَال غَيْرُ الْمُحْرِزِ ضَائِعٌ بِتَقْصِيرٍ مِنْ صَاحِبِهِ (2) .
وَاسْتَدَل الْجُمْهُورُ بِمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَال: سَمِعْتُ رَجُلاً مِنْ مُزَيْنَةَ يَسْأَل رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحَرِيسَةِ (3) الَّتِي تُوجَدُ فِي مَرَاتِعِهَا، فَقَال: فِيهَا ثَمَنُهَا مَرَّتَيْنِ، وَضَرْبُ نَكَالٍ، وَمَا أُخِذَ مِنْ عَطَنِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ قَال: يَا رَسُول اللَّهِ: فَالثِّمَارُ وَمَا أُخِذَ مِنْهَا فِي أَكْمَامِهَا؟ قَال: مَنْ أَخَذَ بِفَمِهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ خُبْنَةً فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَمَنِ احْتَمَل فَعَلَيْهِ ثَمَنُهُ مَرَّتَيْنِ، وَضَرْبُ نَكَالٍ، وَمَا أُخِذَ مِنْ أَجْرَانِهِ فَفِيهِ الْقَطْعُ، إِذَا بَلَغَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ (4)
(1) فتح القدير 5 / 380، الخرشي على خليل 8 / 97، القليوبي وعميرة 4 / 190، كشاف القناع 6 / 110.
(2)
ابن عابدين 3 / 267، البدائع 7 / 66، المبسوط 9 / 136، بداية المجتهد 2 / 439، الشرح الكبير للدردير 4 / 338، القليوبي وعميرة 4 / 190، مغني المحتاج 4 / 164، المهذب 2 / 94، شرح منتهى الإرادات 3 / 367، كشاف القناع 6 / 110.
(3)
حريسة الجبل: الشاة يدركها الليل قبل رجوعها إلى مأواها فتسرق من الجبل (المصباح المنير) .
(4)
حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " سمعت رجلاً من مزينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحريسة التي توجد. . . " أخرجه أحمد (2 / 203 ط الميمنية) من حديث عبد الله بن عمرو، وصححه أحمد شاكر (6891 ط دار المعارف) ، وبداية المجتهد 2 / 301، 439، المغني 10 / 250. والعطن: الموضع الذي يترك فيه الإبل على الماء. والمجن: الترس. والخبنة: ما يحمله الشخص في حضنه. انظر: الزاهر، والصحاح.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْل الْحَدِيثِ إِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْحِرْزِ لإِِقَامَةِ حَدِّ السَّرِقَةِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (1) .
وَالْحِرْزُ نَوْعَانِ:
1 -
حِرْزٌ بِنَفْسِهِ، وَيُسَمَّى حِرْزًا بِالْمَكَانِ: وَهُوَ كُل بُقْعَةٍ مُعَدَّةٍ لِلإِْحْرَازِ، يَمْنَعُ الدُّخُول فِيهَا إِلَاّ بِإِذْنٍ، كَالدَّارِ وَالْبَيْتِ.
2 -
وَحِرْزٌ بِغَيْرِهِ، وَيُسَمَّى حِرْزًا بِالْحَافِظِ: وَهُوَ كُل مَكَانٍ غَيْرُ مُعَدٍّ لِلإِْحْرَازِ، لَا يَمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ دُخُولِهِ، كَالْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ (2) . وَلَمَّا كَانَ ضَابِطُ الْحِرْزِ وَتَحْدِيدُ مَفْهُومِهِ يَرْجِعُ إِلَى الْعُرْفِ، وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَنَوْعِ الْمَال الْمُرَادِ حِفْظُهُ، وَبِاخْتِلَافِ حَال السُّلْطَانِ مِنَ الْعَدْل أَوِ الْجَوْرِ، وَمِنَ الْقُوَّةِ أَوِ الضَّعْفِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الشُّرُوطِ الْوَاجِبِ تَوَافُرُهَا لِيَكُونَ الْحِرْزُ تَامًّا، وَبِالتَّالِي يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنْهُ.
(1) سورة المائدة / 38.
(2)
بدائع الصنائع 7 / 73، الخرشي 8 / 117، القليوبي وعميرة 4 / 190 وما بعدها، المغني 10 / 251، وما بعدها.
38 -
أ - فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحِرْزَ نَفْسَهُ: كُل بُقْعَةٍ مُعَدَّةٍ لِلإِْحْرَازِ بِمَنْعِ دُخُولِهَا إِلَاّ بِإِذْنٍ، كَالدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْخِيَمِ وَالْخَزَائِنِ وَالصَّنَادِيقِ وَالْجُرْنِ وَحَظَائِرِ الْمَاشِيَةِ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا أَوْ مَفْتُوحًا، أَوْ لَا بَابَ لَهَا؛ لأَِنَّ هَذِهِ الأَْبْنِيَةَ قُصِدَ بِهَا الإِْحْرَازُ كَيْفَمَا كَانَ.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْحِرْزِ بِنَفْسِهِ عِنْدَهُمْ وُجُودُ الْحَافِظِ، وَلَوْ وُجِدَ فَلَا عِبْرَةَ بِوُجُودِهِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الْحِرْزَ بِنَفْسِهِ إِذَا اخْتَل، بِأَنْ أَذِنَ لِلسَّارِقِ فِي دُخُولِهِ، فَلَا يُقَامُ حَدُّ السَّرِقَةِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ حَافِظٌ. وَعَلَى هَذَا: لَا يُقَامُ حَدُّ السَّرِقَةِ عَلَى الضَّيْفِ، لأَِنَّ الإِْذْنَ لَهُ بِالدُّخُول أَحْدَثَ خَلَلاً فِي الْحِرْزِ، وَلَا عَلَى الْخَادِمِ؛ لأَِنَّ فِعْلَهُ يُوصَفُ بِالْخِيَانَةِ، وَلَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ قَطْعٌ، وَلَا عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنَ الْحَوَانِيتِ فِي فَتَرَاتِ الإِْذْنِ بِالدُّخُول، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ.
وَالسَّرِقَةُ مِنَ الْحِرْزِ بِنَفْسِهِ لَا تَشْمَل سَرِقَةَ الْحِرْزِ نَفْسِهِ؛ لأَِنَّ السَّرِقَةَ تَقْتَضِي الإِْخْرَاجَ مِنَ الْحِرْزِ، وَنَفْسُ الْحِرْزِ لَيْسَ فِي الْحِرْزِ، فَلَا إِخْرَاجَ. وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ: لَوْ سَرَقَ بَابَ الدَّارِ، أَوْ حَائِطَ الْحَانُوتِ، أَوِ الْخَيْمَةَ الْمَضْرُوبَةَ، فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ سَرَقَ نَفْسَ الْحِرْزِ، وَلَمْ يَسْرِقْ مِنَ الْحِرْزِ.
أَمَّا الْحِرْزُ بِغَيْرِهِ: فَهُوَ كُل مَكَانٍ غَيْرُ مُعَدٍّ
لِلإِْحْرَازِ، يَدْخُل إِلَيْهِ بِدُونِ إِذْنٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، كَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ وَالأَْسْوَاقِ، وَهِيَ لَا تُعْتَبَرُ حِرْزًا إِلَاّ إِذَا كَانَ عَلَيْهَا حَافِظٌ (1) ، أَيْ شَخْصٌ لَيْسَ لَهُ مِنْ مَقْصِدٍ سِوَى الْحِرَاسَةِ وَالْحِفْظِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَقْصِدٌ آخَرُ فَلَا يَكُونُ الْمَال مُحْرَزًا بِهِ.
وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ: لَا يُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْمَاشِيَةَ مِنَ الْمَرْعَى، وَلَوْ كَانَ الرَّاعِي مَعَهَا؛ لأَِنَّ عَمَل الرَّاعِي هُوَ الرَّعْيُ، وَالْحِرَاسَةُ تَحْصُل تَبَعًا لَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَعَ الرَّاعِي حَافِظٌ يَخْتَصُّ بِالْحِرَاسَةِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَكُونُ الْمَاشِيَةُ مُحْرَزَةً بِالْحَافِظِ، فَيُقَامُ الْحَدُّ.
وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَتَاعًا تَرَكَهُ صَاحِبُهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لأَِنَّ الْمَسْجِدَ لَا يُعْتَبَرُ مِنَ الأَْمَاكِنِ الْمُعَدَّةِ لِحِفْظِ الأَْمْوَال، وَيَدْخُل إِلَيْهِ بِلَا إِذْنٍ، فَأَمَّا إِذَا سَرَقَ الْمَتَاعَ حَالَةَ وُجُودِ الْحَافِظِ، فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، لِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ يَدَ سَارِقِ خَمِيصَةِ صَفْوَانَ، وَكَانَ نَائِمًا عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ (2) . وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْحِرْزَ بِالْحَافِظِ: كَمَنْ يَسْرِقُ بَعِيرًا،
(1)) بدائع الصنائع 7 / 73 - 74، فتح القدير 4 / 240 - 246، الفتاوى الهندية 2 / 179.
(2)
نيل الأوطار 7 / 143. وحديث: " قطع يد سارق خميصة صفوان ". أخرجه أبو داود (4 / 553 - تحقيق عزت عبيد الدعاس)، والنسائي (8 / 69 - ط دار البشائر) والحاكم (4 / 380 - ط دائرة المعارف العثمانية) . وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
وَرَاكِبُهُ نَائِمٌ فَوْقَهُ؛ لأَِنَّ الْبَعِيرَ مُحْرَزٌ بِالْحَافِظِ، فَإِذَا أَخَذَهُمَا جَمِيعًا صَارَ كَمَنْ يَسْرِقُ نَفْسَ الْحِرْزِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ مُحْرَزًا بِالْحَافِظِ كُلَّمَا كَانَ الشَّيْءُ وَاقِعًا تَحْتَ بَصَرِهِ، مُمَيَّزًا أَمْ غَيْرَ مُمَيَّزٍ؛ لأَِنَّهُ وُجِدَ لِلْحِفْظِ وَيَقْصِدُهُ. وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِنَّ مَا يَلْبَسُهُ الإِْنْسَانُ أَوْ يَحْمِلُهُ أَوْ يَرْكَبُهُ أَوْ يَقَعُ تَحْتَ بَصَرِهِ مِنْ مَتَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ، يُعْتَبَرُ مُحْرَزًا بِحَافِظٍ، يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ النِّصَابَ.
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمَسْجِدَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِالْحَافِظِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ حَارِسٌ وَسَرَقَ شَخْصٌ شَيْئًا مِمَّا يَلْزَمُ الْمَسْجِدَ ضَرُورَةً، كَالْحُصْرِ وَالْقَنَادِيل، أَوْ لِلزِّينَةِ كَالْعَلَمِ وَالْمِشْكَاةِ، أَوْ لِلاِنْتِفَاعِ بِهِ كَالْمُصْحَفِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ، فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لاِنْعِدَامِ الْحِرْزِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ حَارِسٌ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُحْرَزًا بِهِ (1) .
39 -
ب - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحِرْزَ بِنَفْسِهِ: كُل مَكَانٍ اتَّخَذَهُ صَاحِبُهُ مُسْتَقَرًّا لَهُ، أَوِ اعْتَادَ النَّاسُ وَضْعَ أَمْتِعَتِهِمْ بِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُحَاطًا أَمْ غَيْرَ مُحَاطٍ، كَالْبُيُوتِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْخَزَائِنِ، وَكَالْجَرِينِ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ الْحَبُّ وَالتَّمْرُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَابٌ وَلَا حَائِطٌ وَلَا غَلْقٌ، وَكَالأَْمَاكِنِ الَّتِي يَضَعُ التُّجَّارُ بَضَائِعَهُمْ فِيهَا، فِي السُّوقِ أَوْ فِي
(1) بدائع الصنائع 7 / 74 - 76، فتح القدير 4 / 242، 245 - 246.
الطَّرِيقِ دُونَ تَحْصِينٍ، وَكَالأَْمَاكِنِ الَّتِي تُرَاحُ فِيهَا الدَّوَابُّ دُونَ بِنَاءٍ، أَوِ الَّتِي تُنَاخُ فِيهَا الإِْبِل لِلْكِرَاءِ (1) .
وَلَا يَرَى الْمَالِكِيَّةُ مَا يَمْنَعُ مِنَ اعْتِبَارِ الْحِرْزِ بِنَفْسِهِ حِرْزًا بِالْحَافِظِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ إِذَا اخْتَل الْحِرْزُ بِنَفْسِهِ، بِأَنْ أَذِنَ لِلسَّارِقِ فِي دُخُولِهِ، صَارَ حِرْزًا بِالْحَافِظِ إِنْ كَانَ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ. وَعَلَى ذَلِكَ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الضَّيْفِ إِذَا سَرَقَ مِنْ مَنْزِل مُضِيفِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُضِيفُ نَائِمًا أَوْ مُسْتَيْقِظًا، مَا دَامَ الشَّيْءُ الْمَسْرُوقُ يَقَعُ تَحْتَ بَصَرِهِ. كَمَا يَرَوْنَ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنْ أَفْنِيَةِ الْحَوَانِيتِ وَقْتَ الإِْذْنِ بِدُخُولِهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا حَافِظٌ؛ لأَِنَّهَا تُحْفَظُ عَادَةً بِأَعْيُنِ الْجِيرَانِ وَمُلَاحَظَتِهِمْ.
وَيُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَهُمْ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْحِرْزَ نَفْسَهُ؛ لأَِنَّ نَفْسَ الْحِرْزِ يُعْتَبَرُ مُحْرَزًا بِإِقَامَتِهِ، فَالْحَائِطُ مُحْرَزٌ بِبِنَائِهِ، وَالْبَابُ مُحْرَزٌ بِتَثْبِيتِهِ، وَالْفُسْطَاطُ مُحْرَزٌ بِإِقَامَتِهِ.
أَمَّا الْحِرْزُ بِغَيْرِهِ فَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْهُ صَاحِبُهُ مُسْتَقَرًّا لَهُ، وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِوَضْعِ الأَْمْتِعَةِ فِيهِ، كَالطَّرِيقِ وَالصَّحْرَاءِ. وَهُوَ يَكُونُ حِرْزًا بِصَاحِبِ الْمَتَاعِ إِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ مَتَاعِهِ عُرْفًا، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا عَاقِلاً مُمَيِّزًا. وَلِذَا لَا يُقَامُ
(1)) الدسوقي 4 / 331، الخرشي 8 / 117، المدونة 16 / 79، المنتقى شرح الموطأ 7 / 159:" إذا آوى الماشية المراح ففيها القطع، وإن كان في غير دور ولا تحظير ولا غلق، وأهلها في مدنهم ".
الْحَدُّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مَتَاعًا بِحَضْرَةِ مَيِّتٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ.
وَيَسْتَثْنِي الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ سَرِقَةَ الْغَنَمِ فِي الْمَرْعَى، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا رَاعِيهَا فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهَا؛ لِتَشَتُّتِ الْغَنَمِ وَعَدَمِ ضَبْطِهَا أَثْنَاءَ الرَّعْيِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ مُعَلَّقٍ، وَلَا فِي حَرِيسَةِ جَبَلٍ (1) . وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ: سَرِقَةُ الثِّيَابِ الْمَنْشُورَةِ وَلَوْ بِحَضْرَةِ الْحَافِظِ؛ لأَِنَّ آخِذَهُ خَائِنٌ أَوْ مُخْتَلِسٌ.
وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مَتَاعًا وَضَعَهُ صَاحِبُهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُعَدَّ لِحِفْظِ الْمَال أَصْلاً، إِلَاّ إِذَا كَانَ هُنَاكَ حَارِسٌ يُلَاحِظُهُ؛ لأَِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَصِيرُ حِرْزًا بِالْحَافِظِ. وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ كَذَلِكَ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ الْحِرْزَ بِالْحَافِظِ، كَمَنْ يَسْرِقُ بَعِيرًا وَرَاكِبُهُ نَائِمٌ فَوْقَهُ؛ لأَِنَّ يَدَ الْحَافِظِ لَمْ تَزُل عَنِ الْبَعِيرِ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ الرَّاكِبُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْفِعْل اخْتِلَاسًا إِذَا أُزِيلَتْ يَدُهُ عَنِ الْبَعِيرِ (2) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَتَانِ فِي حُكْمِ سَارِقِ
(1) حديث: " لا قطع في ثمر معلق، ولا في حريسة جبل ". أخرجه مالك في الموطأ (2 / 831 - ط الحلبي) من حديث عبد الله المكي مرسلاً. قال ابن عبد البر: " لم تختلف رواة الموطأ في إرساله ويتصل معناه من حديث عبد الله بن عمر وغيره ". اهـ.
(2)
شرح الزرقاني 8 / 99 - 104، شرح الخرشي 8 / 119، مواهب الجليل 6 / 309.
الْمَسْجِدِ: تَذْهَبُ الأُْولَى إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، كَالْحَائِطِ أَوِ الْبَابِ أَوِ السَّقْفِ، وَعَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنْ أَدَوَاتِهِ الْمُعَدَّةِ لِلاِسْتِعْمَال فِيهِ كَالْحُصْرِ أَوِ الْبُسُطِ أَوِ الْقَنَادِيل، لأَِنَّهَا مُحْرَزَةٌ بِنَفْسِهَا.
أَمَّا الرِّوَايَةُ الأُْخْرَى فَتُفَرَّقُ فِي أَدَوَاتِ الْمَسْجِدِ بَيْنَ مَا هُوَ مُثَبَّتٌ كَالْبَلَاطِ. أَوْ مَا هُوَ مُسَمَّرٌ كَالْقَنَادِيل الْمَشْدُودَةِ بِالسَّلَاسِل، أَوْ مَا شُدَّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ كَالْبُسُطِ الْمُخَيَّطِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ، وَهَذِهِ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى سَارِقِهَا، وَبَيْنَ غَيْرِ الْمُثَبَّتِ أَوِ الْمُسَمَّرِ أَوِ الْمَشْدُودِ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى سَارِقِهَا (1) .
40 -
ج - وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَا يَكُونُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ إِلَاّ الْمَكَانُ الْمُغْلَقُ الْمُعَدُّ لِحِفْظِ الْمَال دَاخِل الْعُمْرَانِ، كَالْبُيُوتِ وَالْحَوَانِيتِ وَحَظَائِرِ الْمَاشِيَةِ. فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ غَيْرَ مُغْلَقٍ، بِأَنْ كَانَ بَابُهُ مَفْتُوحًا، أَوْ لَيْسَ لَهُ بَابٌ، أَوْ كَانَ حَائِطُهُ مُتَهَدِّمًا أَوْ بِهِ نَقْبٌ، فَلَا يَكُونُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ غَيْرَ مُعَدٍّ لِحِفْظِ الْمَال كَالسُّوقِ وَالْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ خَارِجَ الْعُمْرَانِ، بِأَنْ كَانَ مُنْفَصِلاً عَنْ مَبَانِي الْقَرْيَةِ أَوِ الْبَلْدَةِ وَلَوْ بِبُسْتَانٍ، فَلَا يَكُونُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ. وَلَا يَرَى الشَّافِعِيَّةُ مَا يَمْنَعُ مِنَ اعْتِبَارِ الْحِرْزِ بِنَفْسِهِ حِرْزًا بِالْحَافِظِ إِذَا
(1) مواهب الجليل 6 / 309، 313.
اخْتَل الْحِرْزُ بِالْمَكَانِ، بِأَنْ أَذِنَ لِلسَّارِقِ بِالدُّخُول، أَوْ فَتْحِ الْبَابِ، أَوْ أَحْدَثَ بِهِ نَقْبٌ وَعَلَى ذَلِكَ: يُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَهُمْ عَلَى الضَّيْفِ إِذَا سَرَقَ مِنْ غَيْرِ الْمَكَانِ الَّذِي نَزَل بِهِ، لأَِنَّهُ سَرَقَ مَالاً مُحْرَزًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سَرَقَ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي نَزَل بِهِ، لاِخْتِلَال الْحِرْزِ بِالإِْذْنِ، إِلَاّ إِذَا كَانَ بِالْمَكَانِ الَّذِي نَزَل فِيهِ حَافِظٌ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَكَانَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِالْحَافِظِ، وَلَوْ كَانَ الْحَافِظُ نَائِمًا اخْتَل الْحِرْزُ، إِلَاّ إِذَا سَرَقَ الضَّيْفُ شَيْئًا يَلْبَسُهُ النَّائِمُ، أَوْ يَتَوَسَّدُهُ، أَوْ يَتَّكِئُ عَلَيْهِ، أَوْ يَلْتَفُّ بِهِ، فَيُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ. وَيُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ نَفْسَ الْحِرْزِ؛ لأَِنَّهُ مُحْرَزٌ بِإِقَامَتِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ يُقْطَعُ مَنْ يَسْرِقُ حِجَارَةَ الْحَائِطِ أَوْ بَابَ الْبَيْتِ أَوْ خَشَبَ السَّقْفِ.
أَمَّا الْحِرْزُ بِغَيْرِهِ: فَهُوَ كُل مَكَانٍ لَمْ يُعَدَّ لِحِفْظِ الْمَال، أَوْ كَانَ خَارِجَ الْعُمْرَانِ، أَوْ غَيْرَ مُغْلَقٍ (1) . وَهُوَ لَا يَكُونُ حِرْزًا إِلَاّ بِمُلَاحِظٍ يَقُومُ بِحِرَاسَةِ الْمَال بِحَيْثُ لَا يَعْتَبِرُ الْعُرْفُ صَاحِبَهُ مُقَصِّرًا عِنْدَ سَرِقَتِهِ. فَالْمُلَاحَظَةُ يَخْتَلِفُ مَدَاهَا بِاخْتِلَافِ نَوْعِ الْحِرْزِ:
1 -
فَإِنْ كَانَ الْمَال فِي مَكَانٍ لَا حَصَانَةَ لَهُ،
(1) أسنى المطالب 4 / 141 - 142، القليوبي وعميرة 4 / 192، المهذب 2 / 280، مغني المحتاج 4 / 165.
كَصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ شَارِعٍ، اشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ لاِعْتِبَارِهِ مُحْرَزًا دَوَامَ مُلَاحَظَتِهِ مِنَ الْمَالِكِ أَوْ مِمَّنِ اسْتَحْفَظَهُ الْمَالِكُ، وَلَا يَقْطَعُ هَذَا الدَّوَامُ الْفَتَرَاتِ الْعَارِضَةَ فِي الْعَادَةِ الَّتِي يَغْفُل فِيهَا الْمُلَاحَظُ، فَيُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ أَثْنَاءَهَا. وَلِذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ هَذَا الْمَكَانُ حِرْزًا، إِذَا كَانَ الْمُلَاحِظُ بَعِيدًا عُرْفًا عَنِ الْمَال، أَوْ كَانَ نَائِمًا أَوْ أَعْطَاهُ ظَهْرَهُ، أَوْ كَانَ ثَمَّةَ ازْدِحَامٍ يَحُول بَيْنَ الْمُلَاحِظِ وَبَيْنَ الْمَال.
وَدَوَامُ الْمُلَاحَظَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمُلَاحِظُ قَادِرًا عَلَى مَنْعِ السَّارِقِ مِنَ السَّرِقَةِ بِقُوَّةٍ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ بِقُوَّةٍ مِنْ غَيْرِهِ كَاسْتِغَاثَةٍ، فَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ السَّارِقِ، وَالْمَوْضُوعُ بَعِيدٌ عَنِ الْغَوْثِ، فَإِنَّ الْمَال لَا يُعْتَبَرُ مُحْرَزًا بِهِ. وَيُعْتَبَرُ الْمَرْعَى مِنَ الأَْمَاكِنِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى لِحَاظٍ دَائِمٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ حِرْزًا لِلْمَاشِيَةِ إِلَاّ إِذَا كَانَ مَعَهَا حَافِظٌ يَرَاهَا وَيَسْمَعُ صَوْتَهَا إِذَا بَعُدَتْ عَنْهُ. وَإِنْ كَانَتِ الْمَاشِيَةُ مَقْطُورَةً يَقُودُهَا قَائِدٌ، فَلَا تَكُونُ مُحْرَزَةً بِهِ إِلَاّ إِذَا كَانَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا كُل سَاعَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْطُورَةٍ، أَوْ كَانَ الْقَائِدُ لَا يَسْتَطِيعُ رُؤْيَةَ بَعْضِهَا لِحَائِلٍ، اخْتَل الْحِرْزُ، وَيُدْرَأُ الْحَدُّ عَنِ السَّارِقِ.
2 -
وَإِنْ كَانَ الْمَال فِي مَكَانٍ مُحْصَنٍ، كَدَارٍ وَحَانُوتٍ وَإِصْطَبْلٍ، كَفَى لِحَاظٌ مُعْتَادٌ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَكَانُ مُتَّصِلاً بِالْعُمْرَانِ، وَلَهُ بَابٌ مُغْلَقٌ، اعْتُبِرَ حِرْزًا، سَوَاءٌ كَانَ الْحَافِظُ قَوِيًّا أَوْ ضَعِيفًا،
نَائِمًا أَوْ يَقِظًا، فِي النَّهَارِ أَوْ فِي اللَّيْل، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الزَّمَنُ زَمَنَ أَمْنٍ، أَمْ كَانَ زَمَنَ خَوْفٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَافِظٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ حِرْزًا إِلَاّ إِذَا كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا وَالْوَقْتُ نَهَارًا وَالزَّمَنُ زَمَنَ أَمْنٍ، وَإِلَاّ فَلَا (1) .
وَإِنْ كَانَ هَذَا الْمَكَانُ بَعِيدًا عَنِ الْعُمْرَانِ، وَبِهِ حَافِظٌ قَوِيٌّ يَقْظَانُ، اعْتُبِرَ حِرْزًا سَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا أَوْ مُغْلَقًا، وَالأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ يَكُونُ حِرْزًا إِذَا كَانَ بِهِ شَخْصٌ قَوِيٌّ نَائِمٌ، وَالْبَابُ مُغْلَقٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَكَانِ أَحَدٌ، أَوْ كَانَ بِهِ شَخْصٌ ضَعِيفٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ حِرْزًا لِمَا فِيهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا.
وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْمَسْجِدَ يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ فِيمَا جُعِل لِعِمَارَتِهِ كَالْبِنَاءِ وَالسَّقْفِ، أَوْ لِتَحْصِينِهِ كَالأَْبْوَابِ وَالشَّبَابِيكِ، أَوْ لِزِينَتِهِ كَالسَّتَائِرِ وَالْقَنَادِيل الْمُعَلَّقَةِ لِلزِّينَةِ.
فَأَمَّا مَا أُعِدَّ لاِنْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِ كَالْحُصْرِ وَالْقَنَادِيل الَّتِي تُسْرَجُ فِيهِ وَالْمَصَاحِفِ، فَالأَْصَحُّ أَنَّهُ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى سَارِقِهَا إِذَا كَانَ لَهُ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ، لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ. وَمُقَابِل الأَْصَحِّ: وُجُوبُ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى سَارِقِ الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيل (2) .
(1)) القليوبي وعميرة 4 / 192، مغني المحتاج 4 / 166، نهاية المحتاج 7 / 428، 450، 452.
(2)
أسنى المطالب 4 / 142، القليوبي وعميرة 4 / 192، المهذب 2 / 273، نهاية المحتاج 7 / 425.
41 -
د - وَيَتَّفِقُ الْحَنَابِلَةُ مَعَ الشَّافِعِيَّةِ فِي أَنَّ الْحِرْزَ بِنَفْسِهِ: هُوَ كُل مَوْضِعٍ مُغْلَقٍ مُعَدٍّ لِحِفْظِ الْمَال دَاخِل الْعُمْرَانِ كَالْبُيُوتِ وَالْحَوَانِيتِ وَحَظَائِرِ الْمَاشِيَةِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُغْلَقًا: بِأَنْ كَانَ بَابُهُ مَفْتُوحًا أَوْ بِهِ نَقْبٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَدًّا لِحِفْظِ الْمَال كَالسُّوقِ وَالْمَسْجِدِ، فَلَا يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ. وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الْعُمْرَانِ فَلَا يُعْتَبَرُ حِرْزًا بِنَفْسِهِ. وَلَا يَرَى الْحَنَابِلَةُ مَانِعًا مِنَ اعْتِبَارِ الْحِرْزِ بِنَفْسِهِ حِرْزًا بِالْحَافِظِ إِذَا اخْتَل الْحِرْزُ بِالْمَكَانِ بِأَنْ أَذِنَ لِلسَّارِقِ بِالدُّخُول، أَوْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا، أَوْ أَحْدَثَ بِالْمَكَانِ نَقْبٌ. وَلِهَذَا لَا يُقَامُ الْحَدُّ عِنْدَهُمْ عَلَى الضَّيْفِ إِذَا سَرَقَ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ بِدُخُولِهِ لاِخْتِلَال الْحِرْزِ بِالإِْذْنِ.
فَأَمَّا إِذَا سَرَقَ مِنْ مَوْضِعٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِدُخُولِهِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مُعَامَلَةِ الضَّيْفِ: فَإِنْ كَانَ الْمُضِيفُ قَدْ مَنَعَهُ قِرَاهُ فَسَرَقَ بِقَدْرِهِ لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنَعَهُ قِرَاهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّ السَّرِقَةِ.
وَيَذْهَبُ الْحَنَابِلَةُ إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ نَفْسَ الْحِرْزِ، لأَِنَّهُ مُحْرَزٌ بِإِقَامَتِهِ. وَعَلَى ذَلِكَ يُقْطَعُ مَنْ يَسْرِقُ حِجَارَةً مِنْ حَائِطِ الدَّارِ، أَوْ بَابِهِ، أَوْ نَحْوِهِ.
أَمَّا الْحِرْزُ بِغَيْرِهِ: فَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي لَمْ يُعَدَّ
لِحِفْظِ الْمَال دُونَ حَافِظٍ فِي الْعَادَةِ، كَالْخِيَامِ وَالْمَضَارِبِ، أَوِ الْمَوْضِعِ الْمُنْفَصِل عَنِ الْعُمْرَانِ، كَالْبُيُوتِ فِي الْبَسَاتِينِ وَالطُّرُقِ وَالصَّحْرَاءِ، مُغْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مَفْتُوحَةً، فَلَا تَكُونُ حِرْزًا إِلَاّ بِحَافِظٍ أَيًّا كَانَ: صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، قَوِيًّا أَوْ ضَعِيفًا، مَا دَامَ لَمْ يُفَرِّطْ فِي الْحِفْظِ بِنَحْوِ نَوْمٍ، أَوْ يَشْتَغِل عَنِ الْمُلَاحَظَةِ بِنَحْوِ لَهْوٍ. وَعَلَى ذَلِكَ تُحْرَزُ الْمَاشِيَةُ فِي الْمَرْعَى بِمُلَاحَظَةِ الرَّاعِي لَهَا، بِأَنْ يَرَاهَا وَيَبْلُغَهَا صَوْتُهُ. فَإِنْ نَامَ أَوْ غَفَل عَنْهَا أَوِ اسْتَتَرَ بَعْضُهَا عَنْهُ فَلَا تَكُونُ مُحْرَزَةً. أَمَّا الإِْبِل فَإِنَّهَا تُحْرَزُ وَهِيَ بَارِكَةٌ إِذَا عُقِلَتْ وَكَانَ مَعَهَا حَافِظٌ وَلَوْ نَائِمًا (1) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رَأْيَانِ فِي حُكْمِ السَّرِقَةِ مِنَ الْمَسْجِدِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ حِرْزًا بِنَفْسِهِ إِلَاّ فِيمَا جُعِل لِعِمَارَتِهِ أَوْ لِزِينَتِهِ، كَالسَّقْفِ وَالأَْبْوَابِ وَنَحْوِهَا، فَأَمَّا مَا أُعِدَّ لاِنْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِ، كَالْحُصْرِ أَوِ الْبُسُطِ أَوْ قَنَادِيل الإِْضَاءَةِ، فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى سَارِقِهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُحْرَزَةً بِحَافِظٍ؛ لأَِنَّ حَقَّ السَّارِقِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِهَا يُعْتَبَرُ شُبْهَةً تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ. وَالرَّأْيُ الآْخَرُ: لَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى مَنْ يَسْرِقُ مِنَ الْمَسْجِدِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْرُوقُ لِعِمَارَتِهِ وَزِينَتِهِ، أَوْ كَانَ مُعَدًّا لاِنْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِ؛ لأَِنَّ الْمَسْجِدَ لَا مَالِكَ لَهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ؛ وَلأَِنَّهُ مُعَدٌّ لاِنْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ،
(1) كشاف القناع 4 / 81، وما بعدها، المغني والشرح الكبير 10 / 250، 257.