الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جِنْسٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ كَانَتَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَالْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّ الْبَعِيرَ لَا يَكَادُ يَسْبِقُ الْفَرَسَ فَلَا يَحْصُل الْغَرَضُ مِنْ هَذِهِ الْمُسَابَقَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى الْجَوَازِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَوِ اخْتِلَافِهِ.
و أَنْ تَكُونَ الْمُسَابَقَةُ فِيمَا يُحْتَمَل أَنْ يَسْبِقَ وَيُسْبَقَ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِيمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْبِقُ غَالِبًا فَلَا يَجُوزُ؛ لأَِنَّ مَعْنَى التَّحْرِيضِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَتَحَقَّقُ، فَبَقِيَ الرِّهَانُ الْتِزَامُ الْمَال بِشَرْطٍ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ فَيَكُونُ عَبَثًا وَلَعِبًا.
ز - وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا أَنْ يَرْكَبَ الْمُتَسَابِقَانِ الدَّابَّتَيْنِ، وَأَنْ يُعَيَّنَ الرَّاكِبَانِ، وَأَنْ يَجْتَنِبَ الشَّرْطَ الْمُفْسِدَ لِحِل الْجُعْل كَأَنْ يَقُول الْمُخْرِجُ لِصَاحِبِهِ: إِنْ سَبَقْتَنِي فَالْجُعْل لَكَ عَلَى أَنْ تُطْعِمَهُ أَصْحَابَكَ؛ لأَِنَّهُ تَمْلِيكٌ بِشَرْطٍ يَمْنَعُ كَمَال التَّصَرُّفِ.
وَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَعْيِينُ الرَّاكِبَيْنِ. (1)
مَا يَحْصُل بِهِ السَّبْقُ:
14 -
عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَحْصُل السَّبْقُ فِي الإِْبِل بِالْكَتِفِ وَفِي الْخَيْل بِالْعُنُقِ إِذَا اسْتَوَى الْفَرَسَانِ فِي خِلْفَةِ الْعُنُقِ؛ لأَِنَّ الإِْبِل تَرْفَعُ أَعْنَاقَهَا فِي
(1) الدسوقي 2 / 210، وكشاف القناع 4 / 49.
الْعَدْوِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا، وَالْخَيْل تَمُدُّهَا فَاعْتُبِرَ بِهَا.
وَقِيل: يُعْتَبَرُ السَّبْقُ بِالْقَوَائِمِ فِي الإِْبِل وَالْخَيْل وَنَحْوِهِمَا؛ لأَِنَّ الْعَدْوَ بِالْقَوَائِمِ. وَهُوَ الأَْقْيَسُ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ السَّبْقَ يَحْصُل فِي الْخَيْل بِالرَّأْسِ إِذَا تَمَاثَلَتِ الأَْعْنَاقُ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي طُول الْعُنُقِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي الإِْبِل اعْتُبِرَ السَّبْقُ بِالْكَتِفِ؛ لأَِنَّ الاِعْتِبَارَ بِالرَّأْسِ مُتَعَذَّرٌ.
وَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّ السَّبْقَ يَحْصُل بِالأُْذُنِ، فَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا بِالأُْذُنِ كَانَ سَابِقًا. (1)
الْمُنَاضَلَةُ:
15 -
وَهِيَ الْمُسَابَقَةُ فِي الرَّمْيِ بِالسِّهَامِ. وَالْمُنَاضَلَةُ: مَصْدَرُ نَاضَلْتُهُ نِضَالاً وَمُنَاضَلَةً. وَسُمِّيَ الرَّمْيُ نِضَالاً؛ لأَِنَّ السَّهْمَ التَّامَّ يُسَمَّى نَضْلاً، فَالرَّمْيُ بِهِ عَمَلٌ بِالنَّضْل، فَسُمِّيَ نِضَالاً وَمُنَاضَلَةً.
16 -
وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِصِحَّةِ الْمُسَابَقَةِ فِي الرَّمْيِ بِالسِّهَامِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْمَال الْمَشْرُوطِ مَا يَلِي:
أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الرَّشْقِ مَعْلُومًا؛ لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْهُولاً لأََفْضَى إِلَى الْخِلَافِ؛ لأَِنَّ أَحَدَهُمَا يُرِيدُ الْقَطْعَ، وَالآْخَرَ يُرِيدُ الزِّيَادَةَ فَيَخْتَلِفَانِ.
ب - أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الإِْصَابَةِ مَعْلُومًا، فَيَقُولَانِ:
(1) البدائع 6 / 206، والدسوقي 2 / 209 - 210، ومغني المحتاج 4 / 312 - 315، والمغني 8 / 659 - 660.
الرَّشْقُ عِشْرُونَ، وَالإِْصَابَةُ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ أَوْ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْهَا. إِلَاّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ إِصَابَةٍ نَادِرَةٍ كَإِصَابَةِ جَمِيعِ الرَّشْقِ، أَوْ إِصَابَةِ تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ وَنَحْوِ هَذَا؛ لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا لَا يُوجَدُ فَيَفُوتُ الْغَرَضُ.
ج - اسْتِوَاؤُهُمَا فِي عَدَدِ الرَّشْقِ وَالإِْصَابَةِ وَصِفَتِهَا وَسَائِرِ أَحْوَال الرَّمْيِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْمُتَنَاضِلَيْنِ فِي الْمَسَافَةِ، وَلَا فِي عَدَدِ الإِْصَابَةِ، وَلَا فِي مَوْضِعِ الإِْصَابَةِ.
د - مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْغَرَضِ. وَالْغَرَضُ: هُوَ مَا يُقْصَدُ إِصَابَتُهُ مِنْ قِرْطَاسٍ أَوْ وَرَقٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ قَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ.
هـ - أَنْ يَصِفَا الإِْصَابَةَ مِنْ قَرْعٍ، وَهُوَ إِصَابَةُ الْغَرَضِ بِلَا خَدْشٍ، أَوْ خَزْقٍ، وَهُوَ أَنْ يَثْقُبَهُ وَلَا يَثْبُتَ فِيهِ، أَوْ خَسْقٍ، وَهُوَ أَنْ يُثْبِتَ فِيهِ، أَوْ مَرْقٍ، وَهُوَ أَنْ يَنْفُذَ مِنْهُ، فَإِنْ أَطْلَقَا اقْتَضَى الْقَرْعُ لأَِنَّهُ الْمُتَعَارَفُ.
وَيُسَمَّى أَيْضًا شَارَةً وَشَنًّا.
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْرُهُ مَعْلُومًا بِالْمُشَاهَدَةِ، أَوْ بِتَقْدِيرِهِ بِشِبْرٍ أَوْ شِبْرَيْنِ بِحَسَبِ الاِتِّفَاقِ، فَإِنَّ الإِْصَابَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سَعَتِهِ وَضِيقِهِ.
و مَعْرِفَةُ الْمَسَافَةِ: إِمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ أَوْ بِالذُّرْعَانِ؛ لأَِنَّ الإِْصَابَةَ تَخْتَلِفُ بِقُرْبِهَا وَبُعْدِهَا، وَمَهْمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ جَازَ، إِلَاّ أَنْ يَجْعَلَا مَسَافَةً بَعِيدَةً تَتَعَذَّرُ الإِْصَابَةُ فِي مِثْلِهَا، وَهِيَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ فَلَا يَصِحُّ؛ لأَِنَّ الْغَرَضَ يَفُوتُ بِذَلِكَ. وَقَدْ
قِيل: إِنَّهُ مَا رَمَى إِلَى أَرْبَعِمِائَةِ ذِرَاعٍ إِلَاّ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ، رضي الله عنه.
ز - تَعْيِينُ الرُّمَاةِ، فَلَا يَصِحُّ مَعَ الإِْبْهَامِ؛ لأَِنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ حِذْقِ الرَّامِي بِعَيْنِهِ لَا مَعْرِفَةُ حِذْقِ رَامٍ فِي الْجُمْلَةِ.
ح - أَنْ تَكُونَ الْمُسَابَقَةُ فِي الإِْصَابَةِ. فَلَوْ قَالَا: السَّبْقُ لأَِبْعَدِنَا رَمْيًا لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّ الْغَرَضَ مِنَ الرَّمْيِ الإِْصَابَةُ، لَا بُعْدُ الْمَسَافَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الرَّمْيِ: إِمَّا قَتْل الْعَدُوِّ أَوْ جَرْحُهُ، أَوِ الصَّيْدُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَكُل هَذَا إِنَّمَا يَحْصُل مِنَ الإِْصَابَةِ لَا مِنَ الإِْبْعَادِ.
ط - أَنْ يَبْتَدِئَ بِالرَّمْيِ أَحَدُهُمَا؛ لأَِنَّهُمَا لَوْ رَمَيَا مَعًا لأََفْضَى إِلَى الاِخْتِلَافِ وَلَمْ يُعْرَفِ الْمُصِيبُ مِنْهُمَا. (1)
وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا غَرَضَانِ يَرْمِيَانِ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ يَمْضِيَانِ إِلَيْهِ فَيَأْخُذَانِ السِّهَامَ، وَيَرْمِيَانِ الآْخَرَ؛ لأَِنَّ هَذَا كَانَ فِعْل أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَال: مَا بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ. (2)
(1) الدسوقي 2 / 210، والمنهاج ومغني المحتاج 4 / 315 - 317، والمغني 8 / 661، وما بعدها.
(2)
حديث: " ما بين الغرضين روضة من رياض الجنة ". نصه كاملا: " تعلموا الرمي، فإن ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة ". أخرجه الديلمي (مسند الفردوس 2 / 61 - ط دار الكتاب العربي) . وقال ابن حجر: إسناده ضعيف مع انقطاعه. كذا في التلخيص الحبير (4 / 164 - ط شركة الطباعة الفنية) .