الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَال صلى الله عليه وسلم: كُل أُمَّتِي مُعَافًى إِلَاّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَل الرَّجُل بِاللَّيْل عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ فَيَقُول: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ. (1)
سَتْرُ السُّلْطَانِ عَلَى الْعَاصِي:
4 -
يُنْدَبُ لِوَلِيِّ الأَْمْرِ إِذَا رَفَعَ الْعَاصِي أَمْرَهُ إِلَيْهِ مِمَّا فِيهِ حَدٌّ أَوْ تَعْزِيرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مُعْلِنًا تَوْبَتَهُ أَنْ يَتَجَاهَلَهُ وَأَنْ لَا يَسْتَفْسِرَهُ، بَل يَأْمُرَهُ بِالسِّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالسِّتْرِ عَلَيْهِ، وَيُحَاوِل أَنْ يَصْرِفَهُ عَنِ الإِْقْرَارِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ وَالاِسْتِقَامَةِ أَوْ كَانَ مَسْتُورَ الْحَال.
لِمَا رَوَاهُ أَنَسٌ رضي الله عنه قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ: أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ قَال: وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى مَعَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ فِي كِتَابَ اللَّهِ قَال: هَل حَضَرْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا؟ قَال: نَعَمْ: قَال: قَدْ غُفِرَ لَكَ. (2)
(1) حديث: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ". أخرجه البخاري (الفتح 10 / 486 - ط السلفية) ومسلم (4 / 2291 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، واللفظ للبخاري
(2)
حديث أنس: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله. . . " أخرجه مسلم (4 / 2117 - ط الحلبي) .
سِتْرُ الْمَظْلُومِ عَنِ الظَّالِمِ:
5 -
قَال الْعُلَمَاءُ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتُرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ إِذَا سَأَلَهُ عَنْهُ إِنْسَانٌ ظَالِمٌ يُرِيدُ قَتْلَهُ أَوْ أَخْذَ مَالِهِ ظُلْمًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ وَدِيعَةٌ وَسَأَل عَنْهَا ظَالِمٌ يُرِيدُ أَخْذَهَا يَجِبُ عَلَيْهِ سِتْرُهَا وَإِخْفَاؤُهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ بِإِخْفَاءِ ذَلِكَ، وَلَوِ اسْتَحْلَفَهُ عَلَيْهَا لَزِمَهُ أَنْ يَحْلِفَ، وَلَكِنَّ الأَْحْوَطَ فِي هَذَا كُلِّهِ أَنْ يُوَرِّيَ، وَلَوْ تَرَكَ التَّوْرِيَةَ وَأَطْلَقَ عِبَارَةَ الْكَذِبِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ فِي هَذِهِ الْحَال (1) وَاسْتَدَلُّوا بِجَوَازِ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الْحَال بِحَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ رضي الله عنها: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُول خَيْرًا. (2)
سِتْرُ الأَْسْرَارِ:
6 -
يُنْدَبُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتُرَ أَسْرَارَ إِخْوَانِهِ الَّتِي عَلِمَ بِهَا، وَأَنْ لَا يُفْشِيَهَا لأَِحَدٍ كَائِنًا مَا كَانَ، حَتَّى وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ ذَلِكَ لأَِنَّ إِفْشَاءَ السِّرِّ يُعْتَبَرُ خِيَانَةً لِلأَْمَانَةِ، وَيُسْتَدَل لِهَذَا بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا:
(1)
قَوْله تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} . (3)
(1) القوانين الفقهية ص 434، دليل الفالحين 4 / 382، الأذكار للإمام النووي ص 580.
(2)
حديث: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس. . . " أخرجه مسلم (4 / 2011 - 2012 - ط الحلبي) .
(3)
سورة الإسراء / 34.
وَقَوْل أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه لِعُمَرَ رضي الله عنه: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أُرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا، قَال عُمَرُ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَال " فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلَاّ أَنِّي كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُِفْشِيَ سِرَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ تَرَكَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَقَبِلْتُهَا (1)
(3)
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَال: أَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَبَعَثَنِي فِي حَاجَةٍ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ: بَعَثَنِي رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَةٍ. قَالَتْ: مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ: إِنَّهَا سِرٌّ. قَالَتْ: لَا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُول اللَّهِ أَحَدًا (2) .
(4)
وَقَوْل السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها لأُِمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عِنْدَمَا سَأَلَتْهَا مَا قَال لَكِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَا كُنْتُ لأُِفْشِيَ عَلَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِرَّهُ (3) .
(5)
وَقَدْ جَاءَ فِي الأَْثَرِ: إِذَا حَدَّثَ الرَّجُل
(1) قول أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه: " لعلك وجدت. . . " أخرجه البخاري (الفتح 9 / 176 - ط السلفية) .
(2)
حديث أنس: " أتى عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب. . . " أخرجه مسلم (4 / 1429 - ط الحلبي) .
(3)
قول السيدة فاطمة: " ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره ". أخرجه البخاري (الفتح 11 / 80 - ط السلفية) ، ومسلم (4 / 1905 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ. (1)
وَيَدْخُل فِي هَذَا الْبَابِ حِفْظُ الأَْسْرَارِ الزَّوْجِيَّةِ، حَيْثُ يَجِبُ عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَسْتُرَ سِرَّ الآْخِرِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ تَفَاصِيل مَا يَقَعُ حَال الْجِمَاعِ وَقَبْلَهُ مِنْ مُقَدِّمَاتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْسْرَارِ الْبَيْتِيَّةِ (2) . لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُل يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرَ سِرَّهَا. (3)
وَلأَِنَّ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم أَقْبَل عَلَى صَفِّ الرِّجَال بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَال لَهُمْ: هَل مِنْكُمْ إِذَا أَتَى عَلَى أَهْلِهِ أَرْخَى بَابَهُ وَأَرْخَى سِتْرَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُحَدِّثُ فَيَقُول: فَعَلْتُ بِأَهْلِي كَذَا وَفَعَلْتُ بِأَهْلِي كَذَا؟ فَسَكَتُوا. فَأَقْبَل عَلَى النِّسَاءِ. فَقَال: هَل مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟ فَقَالَتْ فَتَاةٌ مِنْهُنَّ: وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَيُحَدِّثُونَ وَإِنَّهُنَّ لَيُحَدِّثْنَ. فَقَال: هَل تَدْرُونَ مَا مَثَل مَنْ فَعَل ذَلِكَ؟ إِنَّ مَثَل مَنْ فَعَل ذَلِكَ مَثَل شَيْطَانٍ وَشَيْطَانَةٍ، لَقِيَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ
(1) دليل الفالحين 3 / 148، القوانين الفقهية ص 435. وحديث:" إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة ". أخرجه الترمذي (4 / 301 - ط دار الكتب العلمية) من حديث جابر بن عبد الله، وقال: حديث حسن.
(2)
كشاف القناع 5 / 194، دليل الفالحين 3 / 149.
(3)
حديث: " إن من أشر الناس عند الله منزلة ". أخرجه مسلم (2 / 1060 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري.