الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ دَارِهِمَا، وَمَصِيرِهِ إِلَى دَارِ الإِْسْلَامِ تَبَعًا لِسَابِيهِ الْمُسْلِمِ فَكَانَ تَابِعًا لَهُ فِي دِينِهِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَرِوَايَةُ أَهْل الْمَدِينَةِ عَنْ مَالِكٍ، وَمُقَابِل ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ تَبَعًا لأَِبِيهِ، وَلَا يَتْبَعُ السَّابِي فِي الإِْسْلَامِ؛ لأَِنَّ يَدَ السَّابِي يَدُ مِلْكٍ فَلَا تُوجِبُ إِسْلَامَهُ كَيَدِ الْمُشْتَرِي.
الثَّانِي: أَنْ يُسْبَى مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - يُعْتَبَرُ كَافِرًا تَبَعًا لأَِبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فِي الْكُفْرِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ وَلِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: كُل مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ. (1)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَبِهَذَا قَال الأَْوْزَاعِيُّ لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: كُل مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، الْحَدِيثُ، فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُ أَحَدَهُمَا؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بِشَيْئَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا؛ وَلأَِنَّهُ يَتْبَعُ سَابِيهِ مُنْفَرِدًا فَيَتْبَعُهُ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الأَْبَوَيْنِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُسْبَى مَعَ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى دِينِهِمَا لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ
(1) حديث: " كل مولود يولد على الفطرة ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 246 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، وَهُمَا مَعَهُ وَمِلْكُ السَّابِي لَهُ لَا يَمْنَعُ اتِّبَاعَهُ لأَِبَوَيْهِ بِدَلِيل مَا لَوْ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ مِنْ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ الْكَافِرَيْنِ.
وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُ الأَْبَوَيْنِ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهُ لأَِنَّ الإِْسْلَامَ أَعْلَى، فَكَانَ إِلْحَاقُهُ بِالْمُسْلِمِ مِنْهُمَا أَوْلَى.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ عَلَى دِينِ أَبِيهِ وَلَا عِبْرَةَ بِإِسْلَامِ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ. (1)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي بَحْثِ: (إِسْلَامٍ ف 25)(4 270)
أَثَرُ السَّبْيِ فِي النِّكَاحِ:
سَبْيُ الْمُتَزَوِّجَاتِ مِنَ الْكُفَّارِ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
24 -
أَحَدُهَا: أَنْ يُسْبَى الزَّوْجَانِ مَعًا، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا، وَهُوَ قَوْل الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَبِي ثَوْرٍ، كَمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال: أَصَابُوا سَبْيًا يَوْمَ أَوْطَاسٍ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فَتَخَوَّفُوا فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (2) فَحَرَّمَ الْمُتَزَوِّجَاتِ إِلَاّ الْمَمْلُوكَاتِ
(1) البدائع 7 / 104، والكافي لابن عبد البر 1 / 467 - 468، الدسوقي 4 / 305، والمهذب 2 / 240، والمغني 8 / 426.
(2)
سورة النساء / 24. وحديث أبي سعيد: " أصابوا سبيًا يوم أوطاس ". أخرجه مسلم (2 / 1080 - ط الحلبي) .
بِالسَّبْيِ فَدَل عَلَى ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ، قَال الشَّافِعِيُّ: سَبَى رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْطَاسَ وَبَنِيَّ الْمُصْطَلِقِ وَقَسَّمَ الْفَيْءَ، وَأَمَرَ أَلَاّ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ، وَلَمْ يَسْأَل عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلَا غَيْرِهَا (1) قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ مَمْلُوكَيْنِ فَسُبِيَا فَلَا نَصَّ فِيهِ، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ لَا يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ، لأَِنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ بِالسَّبْيِ رِقٌّ، وَإِنَّمَا حَدَثَ انْتِقَال الْمِلْكِ فَلَمْ يَنْفَسِخِ النِّكَاحُ كَمَا لَوِ انْتَقَل الْمِلْكُ فِيهِمَا بِالْبَيْعِ، قَال أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؛ لأَِنَّهُ حَدَثَ سَبْيٌ يُوجِبُ الاِسْتِرْقَاقَ وَإِنْ صَادَفَ رِقًّا كَمَا أَنَّ الزِّنَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِنْ صَادَفَ حَدًّا. (2)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا بِالسَّبْيِ مَعًا. قَال الْحَنَفِيَّةُ: لِعَدَمِ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ، فَسَبَبُ الْبَيْنُونَةِ هُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ دُونَ السَّبْيِ؛ لأَِنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ لَا تَحْصُل مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لأَِنَّ مَصَالِحَهُ إِنَّمَا تَحْصُل بِالاِجْتِمَاعِ، وَالتَّبَايُنُ مَانِعٌ مِنْهُ، أَمَّا السَّبْيُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً
(1) حديث: " أمر ألا توطأ حامل حتى تضع. . . " أخرجه أبو داود (2 / 614 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث أبي سعيد الخدري، وحسنه ابن حجر في التلخيص (1 / 172 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(2)
الدسوقي 2 / 200، والمهذب 2 / 241.
فَكَذَا بَقَاءً. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الرِّقَّ مَعْنًى لَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فَلَا يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَهُ كَالْعِتْقِ، وقَوْله تَعَالَى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَاّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، (1) نَزَلَتْ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ، وَكَانُوا أَخَذُوا النِّسَاءَ دُونَ أَزْوَاجِهِنَّ، وَعُمُومُ الآْيَةِ مَخْصُوصٌ بِالْمَمْلُوكَةِ الْمُزَوَّجَةِ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ فَيَخُصُّ مِنْهُ مَحَل النِّزَاعِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ. (2)
25 -
الثَّانِي: أَنْ تُسْبَى الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا فَيَنْفَسِخَ النِّكَاحُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَالآْيَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَهُوَ الْحَدِيثُ السَّابِقُ، وَتَعْلِيل الْفَسْخِ وَسَبَبُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ السَّبْيُ، أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَهُوَ اخْتِلَافُ الدَّارِ. (3)
26 -
الثَّالِثُ: أَنْ يُسْبَى الرَّجُل وَحْدَهُ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لاِخْتِلَافِ الدَّارِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلِلسَّبْيِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - غَيْرِ أَبِي الْخَطَّابِ - لَا يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لأَِنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا الْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ. وَقَدْ سَبَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْعِينَ مِنَ الْكُفَّارِ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَنَّ عَلَى بَعْضِهِمْ وَفَادَى بَعْضًا. (4) وَلَمْ يَحْكُمْ
(1) سورة النساء / 24.
(2)
الاختيار 3 / 113، والبدائع 2 / 339، والمغني 8 / 427.
(3)
الاختيار 3 / 113، والبدائع 2 / 339، والدسوقي 2 / 200، والمهذب 2 / 241، والمغني 8 / 427.
(4)
حديث: " سبى النبي صلى الله عليه وسلم سبعين من الكفار يوم بدر " أخرجه البخاري (الفتح 7 / 307 - ط السلفية) من حديث البراء بن عازب. وأما فداء بعضهم فقد ورد من حديث ابن عباس. أخرجه أبو داود (3 / 139 - تحقيق عزت عبيد دعاس) .