الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَرْكَانُ الزِّنَى:
7 -
صَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ رُكْنَ الزِّنَى الْمُوجِبَ لِلْحَدِّ هُوَ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ. فَقَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَرُكْنُهُ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَمُوَارَاةُ الْحَشَفَةِ؛ لأَِنَّ بِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الإِْيلَاجُ وَالْوَطْءُ. وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنَ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى، حَيْثُ إِنَّهُمْ يُعَلِّقُونَ حَدَّ الزِّنَى عَلَى تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا عِنْدَ عَدَمِهَا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَكُنْ تَغْيِيبٌ انْتَفَى الْحَدُّ. (1) وَالْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ هُوَ الَّذِي يَحْدُثُ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْوَاطِئِ - مِلْكِ يَمِينِهِ وَمِلْكِ نِكَاحِهِ - فَكُل وَطْءٍ حَدَثَ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَهُوَ زِنًى يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ. أَمَّا إِذَا حَدَثَ الْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْوَاطِئِ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ زِنًى وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ مُحَرَّمًا، حَيْثُ إِنَّ التَّحْرِيمَ هُنَا لَيْسَ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِعَارِضٍ. كَوَطْءِ الرَّجُل زَوْجَتَهُ الْحَائِضَ أَوِ النُّفَسَاءَ. (2)
وَيُشْتَرَطُ تَعَمُّدُ الْوَطْءِ، وَهُوَ أَنْ يَرْتَكِبَ الزَّانِي الْفِعْل وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَطَأُ امْرَأَةً مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ، أَوْ أَنْ تُمَكِّنَ الزَّانِيَةُ مِنْ نَفْسِهَا وَهِيَ تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ يَطَؤُهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا. وَمِنْ ثَمَّ فَلَا حَدَّ عَلَى الْغَالِطِ
(1)) الفتاوى الهندية 2 / 143 المطبعة الأميرية 1310 هـ، التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل 6 / 290 دار الفكر - 1978 م، شرح روض الطالب 4 / 125 المكتبة الإسلامية، كشاف القناع 6 / 95 عالم الكتب 1983 م.
(2)
حاشية ابن عابدين 3 / 141 دار إحياء التراث العربي، حاشية الدسوقي 4 / 313 دار الفكر، مغني المحتاج 4 / 144 دار إحياء التراث العربي.
وَالْجَاهِل وَالنَّاسِي (1) .
حَدُّ الزِّنَى:
8 -
كَانَ الْحَبْسُ وَالإِْمْسَاكُ فِي الْبُيُوتِ أَوَّل عُقُوبَاتِ الزِّنَى فِي الإِْسْلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَل اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} . (2)
ثُمَّ إِنَّ الإِْجْمَاعَ قَدِ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّ الْحَبْسَ مَنْسُوخٌ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الأَْذَى هَل هُوَ مَنْسُوخٌ أَمْ لَا؟ فَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، فَعَنْ مُجَاهِدٍ قَال:{وَاللَاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ} {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا} (3) كَانَ فِي أَوَّل الأَْمْرِ فَنَسَخَتْهُمَا الآْيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النُّورِ. وَذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ فَالأَْذَى وَالتَّعْبِيرُ بَاقٍ مَعَ الْجَلْدِ؛ لأَِنَّهُمَا لَا يَتَعَارَضَانِ بَل يُحْمَلَانِ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ. وَالْوَاجِبُ أَنْ يُؤَدَّبَا بِالتَّوْبِيخِ فَيُقَال لَهُمَا: فَجَرْتُمَا وَفَسَقْتُمَا، وَخَالَفْتُمَا أَمْرَ اللَّهِ عز وجل. (4)
(1) حاشية الدسوقي 4 / 313 دار الفكر، روضة الطالبين 10 / 93، 95 المكتب الإسلامي، كشاف القناع 6 / 96، 97 عالم الكتب 1983 م.
(2)
سورة النساء / 15.
(3)
سورة النساء / 16.
(4)
تفسير القرطبي 5 / 82 وما بعدها مطبعة وزارة التربية، القاهرة 1958 م، أحكام القرآن لابن العربي 1 / 354 وما بعدها عيسى البابي الحلبي 1957 م، المغني لابن قدامة 8 / 156 الرياض.
وَالنَّاسِخُ هُوَ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (1) . وَبِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَل اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً. الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ، وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ (2) .
9 -
وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الزَّانِي الْمُحْصَنِ الرَّجْمُ حَتَّى الْمَوْتِ رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الإِْجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ.
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَال الْبُهُوتِيُّ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ التَّوَاتُرَ. وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، ثُمَّ نُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ، لِمَا وَرَدَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَال: " إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالْحَقِّ وَأَنْزَل عَلَيْهِ الْكِتَابَ. فَكَانَ مِمَّا أَنْزَل اللَّهُ آيَةَ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا، رَجَمَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إِنْ طَال
(1) سورة النور / 2.
(2)
حديث: " خذوا عني، خذوا عني. . . " أخرجه مسلم (3 / 1316 - ط الحلبي) .
بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُول قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَل أَوِ الاِعْتِرَافُ. وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا أَنْ يَقُول النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا: الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (1) . وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يُجْلَدُ وَيُرْجَمُ. لِمَا وَرَدَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه " أَنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَال: أَجْلِدُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَرْجُمُهَا بِسُنَّةِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (2) . وَرِوَايَةُ الرَّجْمِ فَقَطْ هِيَ الْمَذْهَبُ.
10 -
كَمَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً مِائَةُ جَلْدَةٍ إِنْ كَانَ حُرًّا. وَأَمَّا الْعَبْدُ أَوِ الأَْمَةُ فَحَدُّهُمَا خَمْسُونَ جَلْدَةً سَوَاءٌ كَانَا بِكْرَيْنِ أَوْ ثَيِّبَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (3) .
(1) حديث عمر: " إن الله بعث محمدا " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 144 - ط السلفية) والرواية الأخرى لمالك في الموطأ (4 / 145 - بشرح الزرقاني - نشر دار الفكر) .
(2)
أثر: " علي بن أبي طالب حين جلد شراحة ". أخرجه أحمد (1 / 107 - ط الميمنية) ، وإسناده صحيح.
(3)
سورة النساء / 25.