الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
الشُّبْهَةُ فِي الْمَحَل: وَتُسَمَّى أَيْضًا الشُّبْهَةُ الْحُكْمِيَّةُ وَشُبْهَةُ الْمِلْكِ:
17 -
وَتَنْشَأُ عَنْ دَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْحِل فِي الْمَحَل، فَتُصْبِحُ الْحُرْمَةُ الْقَائِمَةُ فِيهَا شُبْهَةً أَنَّهَا لَيْسَتْ ثَابِتَةً، نَظَرًا إِلَى دَلِيل الْحِل، كَقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنْتَ وَمَالُكَ لأَِبِيكَ (1) . فَلَا يَجِبُ الْحَدُّ لأَِجْل شُبْهَةٍ وُجِدَتْ فِي الْمَحَل وَإِنْ عَلِمَ حُرْمَتَهُ؛ لأَِنَّ الشُّبْهَةَ إِذَا كَانَتْ فِي الْمَوْطُوءَةِ يَثْبُتُ فِيهَا الْمِلْكُ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ اسْمُ الزِّنَى فَامْتَنَعَ الْحَدُّ؛ لأَِنَّ الدَّلِيل الْمُثْبِتَ لِلْحِل قَائِمٌ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ إِثْبَاتِهِ لِمَانِعٍ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً.
وَالشُّبْهَةُ فِي الْمَحَل تَكُونُ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ: وَاحِدٌ مِنْهَا فِي الزَّوْجَاتِ، وَالْبَاقِي فِي الْجَوَارِي.
فَمَوْضِعُ الزَّوْجَاتِ: وَطْءُ الْمُعْتَدَّةِ بِالطَّلَاقِ الْبَائِنِ بِالْكِنَايَاتِ، فَلَا يُحَدُّ، لاِخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي كَوْنِهَا رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً.
وَمَوَاضِعُ الْجَوَارِي: هِيَ وَطْءُ الأَْبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ، وَوَطْءُ الْبَائِعِ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ قَبْل تَسْلِيمِهَا لِلْمُشْتَرِي، وَوَطْءُ الزَّوْجِ الْجَارِيَةَ الْمَجْعُولَةَ مَهْرًا قَبْل تَسْلِيمِهَا لِلزَّوْجَةِ حَيْثُ إِنَّ الْمِلْكَ فِيهِمَا لَمْ يَسْتَقِرَّ لِلْمُشْتَرِي وَالزَّوْجَةِ، وَوَطْءُ الْجَارِيَةِ
(1) حديث: " أنت ومالك لأبيك ". أخرجه ابن ماجه (2 / 769 - ط الحلبي) من حديث جابر بن عبد الله، وصححه البوصيري في مصباح الزجاجة (2 / 25 - ط دار الجنان) .
الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَغَيْرِهِ، وَوَطْءُ الْمُرْتَهِنِ لِلْجَارِيَةِ الْمَرْهُونَةِ فِي رِوَايَةٍ لَيْسَتْ بِالْمُخْتَارَةِ. وَزَادَ الْكَمَال بْنُ الْهُمَامِ: وَطْءَ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ، وَوَطْءَ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمَدْيُونِ، وَوَطْءَ جَارِيَةِ عَبْدِهِ الْمُكَاتَبِ، وَوَطْءَ الْبَائِعِ الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالَّتِي فِيهَا الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي. وَكَذَا وَطْءُ جَارِيَتِهِ الَّتِي هِيَ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ، وَجَارِيَتُهُ قَبْل الاِسْتِبْرَاءِ، وَوَطْءُ الزَّوْجَةِ الَّتِي حُرِّمَتْ بِرِدَّتِهَا، أَوْ بِمُطَاوَعَتِهَا لاِبْنِهِ أَوْ جِمَاعِهِ أُمَّهَا ثُمَّ جَامَعَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ بَعْضَ الأَْئِمَّةِ لَمْ يُحَرِّمْ بِهِ، فَاسْتُحْسِنَ أَنْ يَدْرَأَ بِذَلِكَ الْحَدِّ. قَال: وَالاِسْتِقْرَاءُ يُفِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ أَيْضًا، فَالاِقْتِصَارُ عَلَى السِّتَّةِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. فَفِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ قَال: عَلِمْتُ أَنَّهَا حَرَامٌ؛ لأَِنَّ الْمَانِعَ هُوَ الشُّبْهَةُ، وَهِيَ هَاهُنَا قَائِمَةٌ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَعْرِفَتِهِ بِالْحُرْمَةِ وَعَدَمِهَا. وَيَثْبُتُ النَّسَبُ فِي شُبْهَةِ الْمَحَل إِذَا ادَّعَى الْوَلَدَ.
3 -
شُبْهَةُ الْعَقْدِ:
18 -
قَال بِهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزُفَرُ.
وَهِيَ عِنْدَهُ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ النَّسَبِيَّةِ، أَوْ بِالرَّضَاعِ، أَوْ بِالْمُصَاهَرَةِ عَلَى التَّحْرِيمِ بِهِمَا، فَإِذَا وَطِئَ الشَّخْصُ إِحْدَى
مَحَارِمِهِ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَكِنْ يَجِبُ الْمَهْرُ وَيُعَاقَبُ عُقُوبَةً هِيَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ التَّعْزِيرِ سِيَاسَةً لَا حَدًّا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَلَا تَعْزِيرَ. فَوُجُودُ الْعَقْدِ يَنْفِي الْحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَلَالاً كَانَ الْعَقْدُ أَوْ حَرَامًا، مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ، عَلِمَ الْوَاطِئُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ لِشُبْهَةِ الْعَقْدِ بِأَنَّ الأُْنْثَى مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ مَحَلٌّ لِهَذَا الْعَقْدِ؛ لأَِنَّ مَحَل الْعَقْدِ مَا يَكُونُ قَابِلاً لِمَقْصُودِهِ الأَْصْلِيِّ، وَكُل أُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ قَابِلَةٌ لِمَقْصُودِ النِّكَاحِ وَهُوَ التَّوَالُدُ وَالتَّنَاسُل. وَإِذَا كَانَتْ قَابِلَةً لِمَقْصُودِهِ كَانَتْ قَابِلَةً لِحُكْمِهِ، إِذِ الْحُكْمُ يَثْبُتُ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَقْصُودِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْعَقِدَ فِي جَمِيعِ الأَْحْكَامِ، إِلَاّ أَنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إِفَادَةِ الْحِل حَقِيقَةً لِمَكَانِ الْحُرْمَةِ الثَّابِتَةِ فِيهِنَّ بِالنَّصِّ فَيُورِثُ شُبْهَةً، إِذِ الشُّبْهَةُ مَا يُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ لَا الْحَقِيقَةَ نَفْسَهَا.
وَالأُْنْثَى مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ مَحَلٌّ لِلْعَقْدِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ أَوْلَى بِإِيرَاثِ الشُّبْهَةِ، وَكَوْنُهَا مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ لَا يُنَافِي الشُّبْهَةَ "، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَالنِّكَاحُ فِي إِفَادَةِ مِلْكِ الْمُتْعَةِ أَقْوَى مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، لأَِنَّهُ شَرَعَ لَهُ بِخِلَافِ مِلْكِ الْيَمِينِ، فَكَانَ أَوْلَى فِي
إِفَادَةِ الشُّبْهَةِ؛ لأَِنَّ الشُّبْهَةَ تُشْبِهُ الْحَقِيقَةَ فَمَا كَانَ أَقْوَى فِي إِثْبَاتِ الْحَقِيقَةِ كَانَ أَقْوَى فِي إِثْبَاتِ الشُّبْهَةِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّا لِذَلِكَ بِأَنَّ حُرْمَتَهُنَّ ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ، وَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إِلَيْهِنَّ كَإِضَافَتِهِ إِلَى الذُّكُورِ، لِكَوْنِهِ صَادَفَ غَيْرَ الْمَحَل فَيَلْغُو؛ لأَِنَّ مَحَل التَّصَرُّفِ مَا يَكُونُ مَحَلًّا لِحُكْمِهِ وَهُوَ الْحِل هُنَا، وَهِيَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ فَيَكُونُ وَطْؤُهَا زِنًى حَقِيقَةً لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَالْحَقِّ فِيهَا. وَإِلَيْهِ الإِْشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} (1) وَالْفَاحِشَةُ هِيَ الزِّنَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} (2) وَمُجَرَّدُ إِضَافَةِ الْعَقْدِ إِلَى غَيْرِ الْمَحَل لَا عِبْرَةَ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ الْوَارِدَ عَلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا حَتَّى لَا يُفِيدَ شَيْئًا مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا يُعْذَرُ بِالاِشْتِبَاهِ. وَمَحَل الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ فِي النِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى التَّأْبِيدِ. أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَبِلَا شُهُودٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ عِنْدَ الْكُل. فَالشُّبْهَةُ إِنَّمَا
(1) سورة النساء / 22.
(2)
سورة الإسراء / 32.