الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَذَرَارِيِّهِمْ، وَسَبَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَنِي نَاجِيَةَ. (1)
وَكَانَ السَّبْيُ مَوْجُودًا قَبْل الإِْسْلَامِ، فَقَيَّدَهُ الإِْسْلَامُ بِشُرُوطٍ، وَخَصَّهُ بِحَالَةِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي أَسْبَابِهِ.
أَسْبَابُ السَّبْيِ:
الأَْوَّل - الْقِتَال:
5 -
شُرِعَ الْقِتَال فِي سَبِيل اللَّهِ تَعَالَى لإِِعْلَاءِ دِينِ الْحَقِّ وَكَسْرِ شَوْكَةِ الأَْعْدَاءِ. وَالأَْصْل أَنَّ مَنْ لَمْ يُشَارِكْ فِي الْقِتَال فَلَا يُقْتَل، وَلِذَلِكَ يُمْنَعُ التَّعَرُّضُ لِلنِّسَاءِ وَالأَْطْفَال وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْعَجَزَةِ الَّذِينَ لَا يُشَارِكُونَ فِي الْقِتَال لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْل النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. (2) قَال صلى الله عليه وسلم: لَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا طِفْلاً وَلَا امْرَأَةً. (3)
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا جَوَازُ قَتْل مَنْ يُشَارِكُ فِي الْقِتَال مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ أَوْ يُحَرِّضُ عَلَى
(1) المهذب 2 / 236، والمغني 8 / 138، والخراج لأبي يوسف / 67.
(2)
حديث: " نهى عن قتل النساء والصبيان ". أخرجه البخاري (الفتح 6 / 148 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1364 ط الحلبي) من حديث ابن عمر.
(3)
حديث: " لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلاً ولا امرأة ". أخرجه أبو داود (3 / 86 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث أنس بن مالك، وإسناده حسن لغيره.
الْقِتَال، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي (جِهَادٍ ف 29) .
وَإِذَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْغَنَائِمَ فَإِنَّ مَنْ يُوجَدُ فِيهَا مِنَ النِّسَاءِ وَالأَْطْفَال يُعْتَبَرُ سَبْيًا. (1)
الثَّانِي: النُّزُول عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ:
6 -
لَوْ حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنًا لِلْعَدُوِّ، وَطَلَبَ أَهْل الْحِصْنِ النُّزُول عَلَى حُكْمِ فُلَانٍ وَارْتَضَوْا حُكْمَ أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ، فَلَهُ الْحُكْمُ بِسَبْيِ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ. (2)
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ لَمَّا حَاصَرَهُمْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَحَكَمَ سَعْدُ أَنْ تُقَتَّل رِجَالُهُمْ وَتُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ، فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ حَكَمْتَ بِمَا حَكَمَ الْمَلِكُ. (3)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (جِهَادٍ ف 24)
الثَّالِثُ - الرِّدَّةُ:
7 -
يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
(1) البدائع 7 / 101، 119، والدسوقي 2 / 176، 184، وأسنى المطالب 4 / 190 - 191، والمغني 8 / 372.
(2)
البدائع 7 / 108، والدسوقي 2 / 185، والمغني 8 / 480 - 481.
(3)
حديث: " لقد حكمت بما حكم الملك " أخرجه البخاري (الفتح 7 / 411، 11 / 49 - ط السلفية) من حديث أبي سعيد الخدري.
وَالْحَنَابِلَةُ - أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ إِنِ اسْتُتِيبَتْ وَلَمْ تَتُبْ فَإِنَّهَا تُقْتَل، لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً يُقَال لَهَا أُمُّ رُومَانَ ارْتَدَّتْ عَنِ الإِْسْلَامِ، فَبَلَغَ أَمْرُهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ أَنْ تُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلَاّ قُتِلَتْ. (1) وَلأَِنَّهَا شَخْصٌ مُكَلَّفٌ بَدَّل دِينَ الْحَقِّ بِالْبَاطِل، فَيُقْتَل كَالرَّجُل.
8 -
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تُحْبَسُ إِلَى أَنْ تَتُوبَ - إِلَاّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - عَلَى مَا سَيَأْتِي.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا ارْتَدَّتْ فَإِنَّهَا تُسْبَى وَلَا تُقْتَل، لأَِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَأَعْطَى عَلِيًّا مِنْهُمُ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَانَ هَذَا بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ قَال: إِنَّهَا تُسْتَرَقُّ وَلَوْ كَانَتْ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ، قِيل: لَوْ أَفْتَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حَسْمًا لِتَوَصُّلِهَا لِلْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرُ رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ - لَا تُسْبَى الْمَرْأَةُ إِلَاّ إِذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ ارْتِدَادِهَا، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ سِبَاؤُهَا. (2)
(1) حديث: " أن امرأة يقال لها أم رومان ارتدت ". أخرجه الدارقطني (3 / 118 - 119 ط دار المحاسن) من حديث جابر بن عبد الله، وضعف إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير (4 / 49 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(2)
حاشية ابن عابدين 3 / 304، والبدائع 7 / 139، 140، والدسوقي 4 / 304، والقوانين الفقهية / 356، والمهذب 2 / 223 - 225، والمغني 8 / 123.
9 -
أَمَّا ذُرِّيَّةُ الْمُرْتَدِّ فَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ رِدَّةِ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ، لأَِنَّهُ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَيَجُوزُ سِبَاؤُهُ حِينَئِذٍ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمُرْتَدٍّ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَيُحْتَمَل أَنْ لَا يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُهُمْ؛ لأَِنَّ آبَاءَهُمْ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ؛ لأَِنَّهُمْ لَا يُقِرُّونَ بِدَفْعِ الْجِزْيَةِ فَلَا يُقِرُّونَ بِالاِسْتِرْقَاقِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُسْبَى مَنْ وُلِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَحِقَ أَبَوَاهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ مَعَهُمَا، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا قُتِل الْمُرْتَدُّ بَقِيَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا سَوَاءٌ وُلِدَ قَبْل الرِّدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا. (1)
10 -
وَمَتَى ارْتَدَّ أَهْل بَلَدٍ وَجَرَتْ فِيهِ أَحْكَامُهُمْ صَارَ دَارَ حَرْبٍ، فَإِذَا غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ كَانَ لَهُمْ سَبْيُ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَالَّذِينَ وُلِدُوا بَعْدَ الرِّدَّةِ، كَمَا سَبَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذَرَارِيَّ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَكَمَا سَبَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَنِي نَاجِيَةَ مُوَافَقَةً لأَِبِي بَكْرٍ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَصْبَغَ
(1) ابن عابدين 3 / 306، والبدائع 7 / 139 - 140، والخرشي 8 / 66، والمغني 8 / 137، والأحكام السلطانية للماوردي / 56.