الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ إِلَاّ عَلَى الْمُبَاشِرِ، أَمَّا الْمُتَسَبِّبُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ (1) .
وَيَبْدُو مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ فِي الاِشْتِرَاكِ: أَنَّهُمْ يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الشَّرِيكِ وَالْمُعَيَّنِ فَيَعْتَبِرُونَ الشَّرِيكَ هُوَ الَّذِي يَقُومُ مَعَ غَيْرِهِ بِعَمَلٍ مِنَ الأَْعْمَال الْمُكَوِّنَةِ لِلسَّرِقَةِ، وَخَاصَّةً: هَتْكُ الْحِرْزِ، وَإِخْرَاجُ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَإِدْخَالُهُ فِي حِيَازَةِ السَّارِقِ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ فَهُوَ مَنْ يُسَاعِدُ السَّارِقَ، فِي دَاخِل الْحِرْزِ أَوْ فِي خَارِجِهِ، وَلَكِنْ عَمَلُهُ لَا يَصِل إِلَى دَرَجَةٍ يُمْكِنُ مَعَهَا نِسْبَةُ السَّرِقَةِ إِلَيْهِ
وَكَانَ هَذَا أَسَاسَ اخْتِلَافِهِمْ فِي تَطْبِيقِ الْحَدِّ عَلَى بَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ الْبَعْضِ، وَذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي:
1 - الْحَنَفِيَّةُ:
51 -
يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُل مَنْ دَخَل الْحِرْزَ يُعْتَبَرُ شَرِيكًا فِي السَّرِقَةِ سَوَاءٌ قَامَ بِعَمَلٍ مَادِّيٍّ، كَأَنْ وَضَعَ الْمَسْرُوقَ عَلَى ظَهْرِ زَمِيلِهِ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ، أَوْ قَامَ بِعَمَلٍ مَعْنَوِيٍّ، كَأَنْ وَقَفَ لِلْمُرَاقَبَةِ أَوْ لِلإِْشْرَافِ عَلَى نَقْل الْمَسْرُوقِ مِنَ الْحِرْزِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الْجَمِيعِ إِذَا بَلَغَ
(1) القليوبي وعميرة 4 / 194: " الحد إنما يجب بالمباشرة، دون السبب ".
نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمْ نِصَابًا، أَمَّا إِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ لَا تَكْفِي لِيُصِيبَ كُل وَاحِدٍ نِصَابًا، فَلَا يُقَامُ الْحَدُّ، بَل يَنْتَقِل إِلَى التَّعْزِيرِ. وَيَنْطَبِقُ نَفْسُ الْحُكْمِ عَلَى الشُّرَكَاءِ إِذَا أَخْرَجَ بَعْضُهُمْ مَا قِيمَتُهُ نِصَابًا فَأَكْثَرَ، وَأَخْرَجَ الْبَعْضُ الآْخَرُ مَا قِيمَتُهُ دُونَ النِّصَابِ، فَإِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ مَا يَكْفِي لأََنْ يَخُصَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابٌ، قُطِعُوا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ حَظُّ كُل وَاحِدٍ نِصَابًا، قُطِعَ مَنْ أَخْرَجَ نِصَابًا، وَعُزِّرَ الآْخَرُونَ (1) .
أَمَّا إِذَا دَخَل الْحِرْزَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَبَقِيَ الآْخَرُ خَارِجَهُ، ثُمَّ أَخْرَجَ مَنْ بِالدَّاخِل يَدَهُ بِالْمَسْرُوقِ إِلَى خَارِجِ الْحِرْزِ فَتَنَاوَلَهَا شَرِيكُهُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَرَى أَنَّ الأَْخْذَ غَيْرُ تَامٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِل، لأَِنَّهُ أَخْرَجَ الْمَسْرُوقَ مِنَ الْحِرْزِ وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُدْخِلْهُ فِي حِيَازَةِ نَفْسِهِ، بَل فِي حِيَازَةِ الْخَارِجِ، فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ. وَيَرَى كَذَلِكَ أَنَّ الأَْخْذَ غَيْرُ تَامٍّ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَارِجِ؛ لأَِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ دَخَل فِي حِيَازَتِهِ، إِلَاّ أَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ لَا مِنْ حِرْزِهِ وَلَا مِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَيْضًا.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الأَْخْذَ تَامٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِل دُونَ الْخَارِجِ؛ لأَِنَّ الْمَسْرُوقَ دَخَل فِي حِيَازَتِهِ، حَيْثُ أَقَامَ شَرِيكَهُ الْخَارِجَ
(1) بدائع الصنائع 7 / 66، 78، فتح القدير 4 / 225، الفتاوى الهندية 2 / 171، المبسوط 9 / 143.