الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قِرَاءَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ لِلسُّجُودِ:
18 -
ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْجُمْلَةِ الاِقْتِصَارُ عَلَى قِرَاءَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ وَحْدَهَا دُونَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا بِقَصْدِ السُّجُودِ فَقَطْ. وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لأَِنَّهُ قَصَدَ السَّجْدَةَ لَا التِّلَاوَةَ وَهُوَ خِلَافُ الْعَمَل، وَحَيْثُ كُرِهَ الاِقْتِصَارُ لَا يَسْجُدُ.
وَلَوْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ لَا بِقَصْدِ السُّجُودِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَخَصَّ الرَّمْلِيُّ الْقِرَاءَةَ لِسَجْدَةِ:{أَلَم تَنْزِيل} فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ، فَلَوْ قَرَأَ غَيْرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ لأَِنَّهُ كَزِيَادَةِ سُجُودٍ فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا. (1)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ وَيَدَعَ مَا سِوَاهَا؛ لأَِنَّهُ مُبَادَرَةٌ إِلَيْهَا؛ وَلأَِنَّهَا مِنَ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَةُ مَا هُوَ مِنَ الْقُرْآنِ طَاعَةٌ كَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ، وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ مَعَهَا آيَاتٍ دَفْعًا لِوَهْمِ تَفْضِيل آيِ السَّجْدَةِ عَلَى غَيْرِهَا. (2)
(1) شرح الزرقاني 1 / 276 - 277، وجواهر الإكليل 1 / 72، حاشية العدوي 1 / 309، وروضة الطالبين 1 / 323 - 324، ونهاية المحتاج 2 / 92، والقليوبي 1 / 206، وتحفة المحتاج 2 / 211، وأسنى المطالب 1 / 198.
(2)
بدائع الصنائع 1 / 192، فتح القدير 1 / 392.
مُجَاوَزَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ:
19 -
ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُل أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ أَوِ الآْيَاتِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا يَدَعُ آيَةَ السَّجْدَةِ حَتَّى لَا يَسْجُدَهَا، لأَِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنِ السَّلَفِ بَل نُقِلَتْ كَرَاهَتُهُ، وَلأَِنَّهُ يُشْبِهُ الاِسْتِنْكَافَ؛ لأَِنَّهُ قَطْعٌ لِنَظْمِ الْقُرْآنِ وَتَغْيِيرٌ لِتَأْلِيفِهِ، وَاتِّبَاعُ النَّظْمِ وَالتَّأْلِيفِ مَأْمُورٌ بِهِ، قَال تَعَالَى:{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} . (1) أَيْ تَأْلِيفَهُ، فَكَانَ التَّغْيِيرُ مَكْرُوهًا؛ وَلأَِنَّهُ فِي صُورَةِ الْفِرَارِ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالإِْعْرَاضِ عَنْ تَحْصِيلِهَا بِالْفِعْل وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَكَذَا فِيهِ صُورَةُ هَجْرِ آيَةِ السَّجْدَةِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآن مَهْجُورًا. (2)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ مُجَاوَزَةُ مَحَل السَّجْدَةِ بِلَا سُجُودٍ عِنْدَهُ لِمُتَطَهِّرٍ طَهَارَةً صُغْرَى وَقْتَ جَوَازٍ لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا أَوْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ نَهْيٍ فَالصَّوَابُ أَنْ يُجَاوِزَ الآْيَةَ بِتَمَامِهَا لِئَلَاّ يُغَيِّرَ الْمَعْنَى فَيَتْرُكَ تِلَاوَتَهَا بِلِسَانِهِ وَيَسْتَحْضِرَهَا بِقَلْبِهِ مُرَاعَاةً لِنِظَامِ التِّلَاوَةِ (3) .
سُجُودُ التِّلَاوَةِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ:
20 -
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي رِوَايَةِ الأَْثْرَمِ عَنْ أَحْمَدَ - إِلَى أَنَّهُ
(1) سورة القيامة / 18.
(2)
فتح القدير 1 / 391 - 392، وبدائع الصنائع 1 / 192، كشاف القناع 1 / 449، مطالب أولي النهى 1 / 584.
(3)
جواهر الإكليل 1 / 72، حاشية الدسوقي 1 / 309.
لَا سُجُودَ لِلتِّلَاوَةِ فِي الأَْوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِيهَا لِعُمُومِ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ. (1)
وَعِنْدَهُمْ بَعْدَ هَذَا الْقَدْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ تَفْصِيلٌ: قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ تَلَا شَخْصٌ آيَةَ السَّجْدَةِ أَوْ سَمِعَهَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَكْرُوهٍ فَأَدَّاهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ لَا تُجْزِئُهُ؛ لأَِنَّهَا وَجَبَتْ كَامِلَةً فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ كَالصَّلَاةِ، وَلَوْ تَلَاهَا فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ وَسَجَدَهَا فِيهِ أَجْزَأَهُ؛ لأَِنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَسَجَدَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ مَكْرُوهٍ جَازَ أَيْضًا؛ لأَِنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا وَجَبَتْ لأَِنَّهَا وَجَبَتْ نَاقِصَةً وَأَدَّاهَا نَاقِصَةً. (2)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُجَاوِزُ الْقَارِئُ آيَةَ السَّجْدَةِ إِنْ كَانَ يَقْرَأُ وَقْتَ النَّهْيِ - كَوَقْتِ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ غُرُوبِهَا أَوْ خُطْبَةِ جُمُعَةٍ - وَلَا يَسْجُدُ - عَلَى الْخِلَافِ عِنْدَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ - مَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ، فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ قَرَأَ وَسَجَدَ قَوْلاً وَاحِدًا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمْ لأَِنَّ السُّجُودَ تَبَعٌ لِلْفَرْضِ (3) .
(1) حديث: " لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 61 - ط السلفية) ومسلم (1 / 567 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري، والسياق للبخاري.
(2)
بدائع الصنائع 1 / 192، 296 - 297.
(3)
جواهر الإكليل 1 / 72، العدوي على كفاية الطالب 1 / 309.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَا يَسْجُدُ فِي الأَْوْقَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهَا تَطَوُّعًا، قَال الأَْثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَل عَمَّنْ قَرَأَ سُجُودَ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْفَجْرِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ أَيَسْجُدُ؟ قَال: لَا، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَسْجُدُ. وَاسْتَدَلُّوا لِلرَّاجِحِ - رِوَايَةِ الأَْثْرَمِ - بِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَبِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ قَال: كُنْتُ أَقُصُّ (أَغَطُّ) بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَأَسْجُدُ فَنَهَانِي ابْنُ عُمَرَ، فَلَمْ أَنْتَهِ، ثَلَاثَ مِرَارٍ ثُمَّ عَادَ فَقَال: إِنِّي صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم فَلَمْ يَسْجُدُوا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ (1) وَرَوَى الأَْثْرَمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ أَنْ قَاصًّا كَانَ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَيَسْجُدُ فَنَهَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَال: إِنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ.
وَقَالُوا: لَا يَنْعَقِدُ السُّجُودُ لِلتِّلَاوَةِ إِنِ ابْتَدَأَهُ مُصَلٍّ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَلَوْ كَانَ جَاهِلاً بِالْحُكْمِ أَوْ بِكَوْنِهِ وَقْتَ نَهْيٍ لأَِنَّ النَّهْيَ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ (2) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ
(1) حديث أبي تميمة الهجيمي: " كنت أقص بعد صلاة الصبح ". أخرجه أبو داود (2 / 127 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وأورده المنذري في مختصره (2 / 120 - نشر دار المعرفة) وقال: " في إسناده أبو بحر البكراوي، لا يحتج بحديثه ".
(2)
مطالب أولي النهى 1 / 594، المغني 1 / 623.