الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا يَتَعَلَّقُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ مِنْ أَحْكَامٍ:
أَوَّلاً - سَتْرُ الْعَوْرَةِ عَمَّنْ لَا يَحِل لَهُ النَّظَرُ:
2 -
اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ وَاجِبٌ عَمَّنْ لَا يَحِل لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا.
وَمَا يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الْجُمْلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ جَمِيعُ جَسَدِهَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلأَْجْنَبِيِّ.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَحَارِمِهَا مِنَ الرِّجَال فَعَوْرَتُهَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالأَْطْرَافَ (الرَّأْسَ وَالْعُنُقَ) . وَضَبَطَ الْحَنَابِلَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَا يُسْتَتَرُ غَالِبًا وَهُوَ مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالرَّأْسَ وَالرَّقَبَةَ وَالْيَدَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ. وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: مَا عَدَا الصَّدْرَ أَيْضًا. وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، كَمَا أَنَّ عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ الَّتِي يَجِبُ سَتْرُهَا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ هِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ.
أَمَّا عَوْرَةُ الرَّجُل فَهِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ (1) .
وَفِي كُل ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (عَوْرَةٍ)
وَالدَّلِيل عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {قُل لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
(1) المغني 6 / 554، وكشاف القناع 5 / 11، الدسوقي 1 / 214، مغني المحتاج 1 / 185، 3 / 131، حاشية ابن عابدين 1 / 271.
يَصْنَعُونَ وَقُل لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} . (1)
وَقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأََسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَاّ هَذَا وَهَذَا وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ (2) ، وَوَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالنِّسْبَةِ لِعَوْرَةِ الرِّجَال أَنَّهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ (3) .
3 -
وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ أَنْ لَا يَكُونَ رَقِيقًا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ بَل يَكُونُ كَثِيفًا لَا يُرَى مِنْهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ وَيُشْتَرَطُ كَذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ مُهَلْهَلاً تُرَى مِنْهُ أَجْزَاءُ الْجِسْمِ لأَِنَّ مَقْصُودَ السِّتْرِ لَا يَحْصُل بِذَلِكَ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ سِتْرَ الْعَوْرَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ بَيْنَ الرَّجُل وَزَوْجَتِهِ، إِذْ كَشْفُ الْعَوْرَةِ مُبَاحٌ بَيْنَهُمَا، فَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَاّ مِنْ
(1)) سورة النور / 29، 30.
(2)
حديث: " يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض ". أخرجه أبو داود (4 / 358 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث عائشة، وأعله بالانقطاع.
(3)
ورد في ذلك حديث: " إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره فلا ينظرن إلى شيء من عورته، فإن ما أسفل من سرته إلى ركبتيه من عورته ". أخرجه أحمد (2 / 187 - ط الميمنية) من حديث عبد الله بن عمرو، وإسناده حسن. وفي رواية البيهقي 2 / 226:" إذا زوج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظرن إلى عورتها " وعلى هذه الرواية لا يكون الحديث دليلاً على حد عورة الرجل.
زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. (1)
4 -
وَالصَّغِيرَةُ إِنْ كَانَتْ كَبِنْتِ سَبْعِ سِنِينَ إِلَى تِسْعٍ فَعَوْرَتُهَا الَّتِي يَجِبُ سَتْرُهَا هِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَل مِنْ سَبْعِ سِنِينَ فَلَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهَا - وَهَذَا كَمَا يَقُول الْحَنَابِلَةُ - وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي:" عَوْرَةٍ ".
وَالْمُرَاهِقُ الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَسْتُرَ عَوْرَتَهَا عَنْهُ، أَمَّا إِنْ كَانَ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا بَأْسَ مِنْ إِبْدَاءِ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ أَمَامَهُ (2) . لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَقُل لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِْرْبَةِ مِنَ الرِّجَال أَوِ الطِّفْل الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} . (3)
(1) حديث: " احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ". أخرجه الترمذي (5 / 97 - 98 ط الحلبي) وقال: حديث حسن.
(2)
ابن عابدين 1 / 270 وما بعدها، 5 / 233 وما بعدها، والفواكه الدواني 2 / 367، 407، 409، 410، ونهاية المحتاج 6 / 184 إلى 196، والقليوبي 1 / 177، والمهذب 2 / 35، والمغني 6 / 553 - 560، وشرح منتهى الإرادات 3 / 4 - 7، ومغني المحتاج 1 / 185.
(3)
سورة النور / 31.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ مَا كَانَ لِضَرُورَةٍ، كَعِلَاجٍ وَشَهَادَةٍ، جَاءَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ عَمَّنْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالأَْمَةِ إِلَاّ لِضَرُورَةٍ فَلَا يَحْرُمُ بَل قَدْ يَجِبُ، وَإِذَا كَشَفَ لِلضَّرُورَةِ كَالطَّبِيبِ يُبْقَرُ لَهُ ثَوْبٌ عَلَى قَدْرِ مَوْضِعِ الْعِلَّةِ (1) .
سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ:
5 -
سَتْرُ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُل مَسْجِدٍ} (2) وَالآْيَةُ إِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ بِسَبَبٍ خَاصٍّ فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، قَال ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: الْمُرَادُ بِالزِّينَةِ فِي الآْيَةِ: الثِّيَابُ فِي الصَّلَاةِ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لَا يَقْبَل اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إِلَاّ بِخِمَارٍ. (3)
وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى فَسَادِ صَلَاةِ مَنْ تَرَكَ ثَوْبَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الاِسْتِتَارِ بِهِ وَصَلَّى عُرْيَانًا. وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ أَنَّهُ يَمْنَعُ إِدْرَاكَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ.
وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلَاّ ثَوْبًا نَجَسًا أَوْ ثَوْبًا مِنَ الْحَرِيرِ
(1) الشرح الصغير 4 / 736، وابن عابدين 5 / 237، ومغني المحتاج 3 / 134، وكشاف القناع 5 / 13.
(2)
سورة الأعراف / 31.
(3)
حديث: " لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ". أخرجه أبو داود (1 / 421 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والترمذي (1 / 215 - ط الحلبي) من حديث عائشة واللفظ لأبي داود، وحسنه الترمذي.
صَلَّى بِهِ وَلَا يُصَلِّي عُرْيَانًا؛ لأَِنَّ فَرْضَ السَّتْرِ أَقْوَى مِنْ مَنْعِ النَّجَسِ وَالْحَرِيرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (1) . عَلَى خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (صَلَاةٍ) .
هَذَا وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ الْعَوْرَةِ الْوَاجِبِ سَتْرُهَا فِي الصَّلَاةِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (عَوْرَةٍ) .
ثَانِيًا: سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ:
6 -
كَمَا يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ يَجِبُ كَذَلِكَ سَتْرُهَا وَلَوْ كَانَ الإِْنْسَانُ فِي خَلْوَةٍ، أَيْ فِي مَكَانٍ خَالٍ مِنَ النَّاسِ. وَالْقَوْل بِالْوُجُوبِ هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُنْدَبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ.
وَالسَّتْرُ فِي الْخَلْوَةِ مَطْلُوبٌ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَلَائِكَتِهِ، وَالْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ قَالُوا: إِنَّمَا وَجَبَ لإِِطْلَاقِ الأَْمْرِ بِالسَّتْرِ؛ وَلأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ، وَفِي حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَال: قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ، عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ؟ قَال: احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلَاّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُكَ، فَقَال: الرَّجُل يَكُونُ مَعَ الرَّجُل؟ قَال: إِنِ اسْتَطَعْتَ
(1) ابن عابدين 1 / 270 وما بعدها، والدسوقي 1 / 216 - 217، ومغني المحتاج 1 / 184 - 186، وكشاف القناع 1 / 263.
أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَل، قُلْتُ: وَالرَّجُل يَكُونُ خَالِيًا؟ قَال: فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ. (1)
وَالسَّتْرُ فِي الْخَلْوَةِ مَطْلُوبٌ إِلَاّ لِحَاجَةٍ، كَاغْتِسَالٍ وَتَبَرُّدٍ وَنَحْوِهِ (2) .
(1) حديث: " احفظ عورتك إلا من زوجتك ". أخرجه الترمذي (5 / 97 - 98 ط الحلبي) وقال: هذا حديث حسن.
(2)
ابن عابدين 1 / 270، والفواكه الدواني 2 / 407، ومنح الجليل 1 / 134 - 135، ومغني المحتاج 1 / 185، وكشاف القناع 1 / 264.