الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إجابة دعائه صلى الله عليه وسلم في هداية ثقيف ومجيئهم إليه
فخرّج البيهقيّ [ (1) ] من حديث ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: أقبلت امرأة من المهاجرات كانت مع زوجها في الجيش يقال لها: خولة بنت حكيم، كانت ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت قبل ذلك تحت عثمان بن مظعون قبل بدر، فدخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه ما يمنعك أن تنهض إلى أهل الطائف، قال: لم يؤذن لنا حتى الآن فيهم، وما أظن أن نفتحها الآن، فأقبل عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فلقيها خارجة من عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: هل ذكر لك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئا بعد؟
قالت: أخبرني أنه لم يؤذن له في قتال أهل الطائف بعد، فلما رأى ذلك عمر ابن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- اجترأ على كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: ألا تدعو على أهل الطائف فتنهض إليهم لعل اللَّه- عز وجل يفتحها فإن أصحابك كثير، وقد شق عليهم الحبس، ومنعهم معايشهم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لم يؤذن لنا في قتالهم، فلما رأى ذلك عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: أفلا آمر الناس فلا يسرحوا ظهرهم حتى يرتحلوا بالغداة؟ قال: بلى، فانطلق عمر حتى أذن في الناس بالقفول وأمرهم أن لا يسرحوا ظهرهم، فأصبحوا وارتحل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم حين ركب قافلا: اللَّهمّ اهدهم واكفنا مئونتهم.
وقال الواقدي [ (2) ] : وجاءت خولة بنت حكيم بن أمية بن الأوقص السلمية وهي امرأة عثمان بن مظعون، فقالت: يا رسول اللَّه أعطني إن فتح اللَّه عليك حلي الفارعة بنت الخزاعي، أو بادية بنت غيلان، وكانتا من أجمل نساء
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 5/ 168- 169، باب إذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالقفول من الطائف، ودعائه لثقيف بالهداية، وإجابة اللَّه- تعالى- دعاءه.
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 3/ 935- 936، شأن غزوة الطائف.
ثقيف، فقال لها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن كان لم يؤذن لنا في ثقيف يا خولة؟
قال: فخرجت خولة فذكرت ذلك لعمر، فدخل عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على رسول اللَّه ولم يؤذن لك فيهم؟ قال: لا، قال: أفلا أؤذن في الناس بالرحيل؟ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بلى،
فأذن عمر بالرحيل، فجعل المسلمون يتكلمون، يمشي بعضهم إلى بعض، فقالوا: ننصرف ولا نفتح الطائف! لا نبرح حتى تفتح علينا، واللَّه إنهم أذل وأقل من لاقينا، قد لقينا جمع مكة، وجمع هوازن، ففرق اللَّه تلك الجموع، وإنما هؤلاء ثعلب في جحر لو حصرناهم لماتوا في حصنهم هذا، وكثر القول بينهم والاختلاف، فمشوا إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فكلموه [ (1) ]، فقال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ] : اللَّه ورسوله أعلم، والأمر ينزل عليه من السماء.
فكلموا عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأبى وقال: قد رأينا الحديبيّة وداخلني في الحديبيّة من الشك ما لا يعلمه إلا اللَّه، وراجعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومئذ بكلام، ليت أني لم أفعل وأن أهلي ومالي ذهبا، ثم كانت الخيرة لنا من اللَّه فيما صنع، فلم يكن فتح كان خيرا للناس من صلح الحديبيّة بلا سيف، دخل فيه من أهل الإسلام مثل من كان دخل من يوم بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، إلى يوم كتب الكتاب، فاتهموا الرأي، والخيرة فيما صنع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولن أراجعه في شيء من ذلك الأمر أبدا، والأمر أمر اللَّه، وهو يوحي إلى نبيه ما يشاء.
وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد قال لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إني رأيت، أني أهديت لي قعبة [ (3) ] مملوءة زبدا، فنقرها ديك فأهراق ما فيها، قال أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ما أظن أن تدرك منهم يا رسول اللَّه يومك هذا ما تريد، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وأنا لا أرى ذلك.
[ (1) ] كذا بالأصل، وفي (المغازي) :«فتكلموا»
[ (2) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (3) ] القعبة: القدح.
[قال الواقدي][ (1) ] حدثني كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: لما مضت خمس عشرة ليلة من حصارهم استشار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نوفل بن معاوية الديليّ فقال: يا نوفل ما [تقول أو] ترى؟ فقال: يا رسول اللَّه ثعلب في جحر، إن أقمت عليه أخذته، وإن تركته لم يضرك شيء، قال أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: ولم يؤذن لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في فتحها.
قال وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عمر فأذن في الناس بالرحيل، فجعل الناس يضجون من ذلك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فاغدوا على القتال، فغدوا، فأصابت المسلمين جراحات، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنا قافلون إن شاء اللَّه، فسروا بذلك وأذعنوا [ (2) ] ، وجعلوا يرحلون، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يضحك، فلما استقل الناس لوجههم نادى سعد بن عبيد بن أسيد بن عمرو بن علاج الثقفي قال: ألا إن الحي مقيم.
قال: يقول عيينة بن حصن: أجل واللَّه مجدة كرام، فقال له عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قاتلك اللَّه، تمدح قوما مشركين بالامتناع من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقد جئت تنصره؟ فقال: إني واللَّه ما جئت معكم أقاتل ثقيفا، ولكن أردت أن يفتح محمد الطائف، فأصيب جارية من ثقيف فأطأها لعلها تلد لي رجلا، فإن ثقيفا قوم مباركون.
قال: فأخبر عمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمقالته فتبسم صلى الله عليه وسلم، ثم قال: هذا الأحمق [ (3) ] المطاع، وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين أرادوا أن يرتحلوا:
قولوا: لا إله إلا اللَّه وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، فلما ارتحلوا واستقلوا قال: قولوا آئبون إن شاء اللَّه تائبون، عابدون
[ (1) ] زيادة يقتضيها السياق.
[ (2) ] أذعن: أسرع في الطاعة.
[ (3) ] كذا في (الأصل)، وفي (المغازي) :«الحمق» .