الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر إرادة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكتب كتابا لأصحابه وقد اشتد به الوجع
خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] والنسائي [ (3) ] من حديث عبد الرزاق قال:
أنبأنا معمر عن الزهري، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن ابن عباس قال لما حضر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده، قال عمر:
إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب اللَّه، واختلف أهل البيت واختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر: فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال قوموا عني. قال عبيد اللَّه: فكان ابن عباس يقول إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم.
لفظهم فيه متقارب
وذكر البخاري في كتاب المرض، وفي كتاب الاعتصام بالكتاب والسنه [ (4) ] ، وفي آخر المغازي، وذكره مسلم في الوصايا، وأخرجه البخاري في كتاب العلم [ (5) ] في باب كتابة العلم من حديث يونس عن الزهري
[ (1) ](فتح الباري) : 8/ 167، كتاب المغازي، باب (84) مرضى النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، حديث رقم (432) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 11/ 102- 104، كتاب الوصية باب (5) ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصى فيه، حديث رقم (22) .
[ (3) ] لعله في (الكبرى) .
[ (4) ](فتح الباري) /: 13/ 414، كتاب الاعتصام، باب (26) كراهية الاختلاف، حديث رقم (7366) : يقول أن الرزية كل الرزية أن حال شيء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب. من اختلافهم ولغطهم.
[ (5) ] قوله: باب كراهية الاختلاف ولبعضهم الخلاف أي في الأحكام الشرعية أو أعم من ذلك وسقطت هذه الترجمة لابن بطال فصار حديثها من جملة باب النهي للتحريم ووجهه بأن الأمر بالقيام عن الاختلاف في القرآن للندب لا لتحريم القراءة عند الاختلاف والأولى ما وقع عند الجمهور وبه جزم الكرماني فقال في آخر حديث عبد اللَّه بن مغفل: هذا آخر إيراد في الجامع من مسائل أصول الفقه
قال: لما اشتد بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وجعه قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب اللَّه حسبنا، فاختلفوا وأكثروا اللغط: قال صلى الله عليه وسلم قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع، فخرج ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبين كتابه.
وخرج البخاري ومسلم من حديث سفيان. بن عيينة، عن سليمان بن أبي مسلم أنه سمع سعيد بن جبير. قال: إنه سمع ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول: يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بلى دمعه، فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي أبدا فتنازعوا وما ينبغي عند نبي تنازع، وقالوا: ما شأنه أهجر؟ استفهموه، فقال صلى الله عليه وسلم دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه فأمرهم بثلاث:
فقال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، والثالثة إما أن سكت عليها وإما أن
[ () ] قوله: «حدثنا إسحاق» هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم في (المستخرج) وقوله في آخر قال أبو عبد اللَّه سمع عبد الرحمن يعني ابن مهدي المذكور في السند سلاما يعني بتشديد اللام وهو ابن أبي مطيع، وأشار بذلك قوله: قال عبيد اللَّه هو ابن عبد اللَّه بن عتبة هو موصول بالسند المذكور وقد تقدم بيان ذلك في (كتاب العلم) وفي آخر المغازي في باب الوفاة النبويّة.
إلى ما أخرجه في فضائل القرآن عن عمرو بن على عن عبد الرحمن قال: حدثنا سلام بن أبي مطيع ووقع هذا الكلام للمستملي وحده.
قوله: «وقال يزيد بن هارون إلخ، وصله الدارميّ عن يزيد بن هارون لكن قال عن همام، ثم أخرجه عن أبي النعمان، عن هارون الأعور، وتقدم في آخر فضائل القرآن الاختلاف على أبي عمران في سند هذا الحديث مع شرح الحديث، وقال الكرماني: مات يزيد بن هارون سنة ست ومائتين فالظاهر أن رواية البخاري عنه تعليق انتهى. وهذا لا يتوقف فيه من اطلع على ترجمة البخاري، فإنه لم يرحل من بخارى إلا بعد موت يزيد بن هارون بمدة.
قوله في حديث ابن عباس. واختلف أهل البيت: اختصموا، كذا لأبي ذر وهو تفسير لاختلفوا، ولغيره واختصموا بالواو العاطفة وكذا تقدم في آخر المغازي.
قالها فنسيتها. قال سفيان: هذا من قول سليمان. اللفظ للبخاريّ. ذكره في كتاب الجزية، وذكره مسلم في كتاب الوصايا ولم يقل فكيف؟ ولا قال: مما تدعوا إليه. وقال: لا تضلوا بعدي، وقال: أوصيكم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب. وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجزهم، قال: وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها، ولم يقل: قول سفيان.
وذكره البخاري في آخر المغازي [ (1) ] من حديث ابن عيينة، عن سليمان الأحول بهذا الإسناد. ولم يقل: في هذا، ثم بكي حتى بلّ دمعه الحصى، ولا قال: يكتب، وقال: لن تضلوا بعده، وقال: أوصاهم. بثلاث، وقال:
سكت عن الثالثة، أو قال: فنسيتها. وذكره في كتاب الجهاد. [ (2) ]
وخرجه النسائي [ (3) ] من حديث سفيان قال: سمعت سليمان يحدث، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس. وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
ائتوني بكتف والدواة واللوح أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. قالوا: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هجر [ (4) ] .
وقال الإمام أحمد حدثنا معاوية، [ (5) ] حدثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن ابن أبي مليكة. عن عائشة قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبى بكر كتابا لا يختلف عليه، فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال: أبى اللَّه والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر.
وقال الواقدي: قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس؟ ثم
[ (1) ](سبق تخريجه) .
[ (2) ](المرجع السابق) : 6/ 209، باب (175) جوائز الوفد، وباب (176) هل يستشفع إلى أهل الذمة؟ ومعاملتهم، حديث رقم (3053) .
[ (3) ](لعله في الكبرى) .
[ (4) ](مسند أحمد) : 7/ 17، حديث رقم (23679) من حديث السيدة عائشة.
[ (5) ](دلائل البيهقي) : 7/ 181.
بكى حتى بل دمعه الحصى، قيل: وما يوم الخميس؟ قال: اشتد برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: ائتوني بدواة وصحيفة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعدة أبدا فتنازعوا ولا ينبغي التنازع عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: ما له؟
أهجر؟ فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنده. قال:
دعوني فما أنا فيه خير مما تألونني، فأوصاهم بثلاث: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما تروني أجيزهم، وأنفذوا جيش أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قوموا.
وكان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول: الرزية كل الرزية ما حال بين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم [ (1) ] .
وقال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه وعبد الملك بن جرير، عن عطاء، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وعن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه عن أبيه قال: كان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- يقول لما كانت ليلة الخميس وما يوم الخميس، وما يوم الخميس، قال ليلة الخميس وما ليلة الخميس؟ قلت: ليلة الخميس وما ليلة الخميس ويوم الخميس؟ ثم سكت وإذا ذكر الخميس قلت: وما ذاك؟ فقال: هي الليلة التي ثقل فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثقلا ثقل مثله، وهو اليوم التي ثقل فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ائتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لا تختلفون بعده.
وأغمي عليه فدعا العباس بالدواة والصحيفة، فقال رجل من أهل البيت:
رسول اللَّه هجر، فأناق، فقال يا رسول اللَّه إلا نأتيك بالصحيفة التي طلبت والدواة لتكتب لها فيها ما لا نختلف بعده؟
فقال: الآن بعد ما قلتم يهجر؟ فلم نفعل، فأنا مقنع على ما فاته من ذلك.
ورواه عن أبى الزبير، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- مثل ذلك قال: وكان ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 11/ 102- 103 كتاب الوصية باب (5) الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، حديث رقم (22) .
يقول: ما ضياع ما ضيع من إضاعة الرأى.
قال سيف: عن وائل بن داود، عن يزيد النهي، عن النبي قال: لتؤتونى بكتف وداوة، أكتب لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كتابا لا يختلف عليه معه اثنان من بعدي فأتي بهما قال صلى الله عليه وسلم: ألا معاذ اللَّه لأبي بكر من ذلك، ومعاذ اللَّه أن تختلفوا على أبي بكر.
قال البيهقي رحمة اللَّه: وإنما قصد عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بما قال في التخفيف على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين رآه قد غلب عليه الوجع، ولو كان ما يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب لهم شيئا مفروضا، لا يستغنون عنه أم يتركه باختلافهم ولغطهم لقول اللَّه عز وجل: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [ (1) ] كما لم يترك تبليغ غيره بمخالفة من خالفه، ومعاداة من عاداه، وإنما أراد فيما حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أن يكتب استخلاف أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثم ترك كتابته اعتمادا على ما علم من تقدير اللَّه تعالى ذلك كما هم به في ابتداء مرضه حين قال: وا رأساه، ثم بدا له صلى الله عليه وسلم أن لا يكتب،
وقال: يأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر،
ثم نبه أمته على خلافته باستخلافه إياه في الصلاة حين عجز عن حضورها، وإن كان المراد به رفع الخلاف في الدين، قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: علم أن اللَّه تعالى قد أكمل دينه بقوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [ (2) ] وعلم انه لا يحدث واقعه إلى يوم القيامة إلا وفي كتاب اللَّه تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بيانها، نصا ودلالة وفي نصّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على جميع ذلك في مرض موته مع شدة وعكه، مما يشق عليه، فرأى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- الاقتصار على ما سبق بيانه نصا أو دلالة، تخفيفا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولكيلا تزول فضيلة أهل العلم بالاجتهاد في الاستنباط وإلحاق الفروع بالأصول، بما دلّ الكتاب والسنة عليه، وفيما سبق من
قوله صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد،
دليل على أنه وكل بيان بعض
[ (1) ] المائدة: 67.
[ (2) ] المائدة: 3.
الأحكام إلى اجتهاد العلماء، وأنه أحرز من أصاب منهم الأجرين الموعودين:
أحدهما بالاجتهاد والآخر بإصابة العين بما عليها من الدلالة في الكتاب والسنة وإنه أحرز من اجتهد فأخطأ أجرا واحدا باجتهاده، ورفع إثم الخطأ عنه وذلك في أحكام الشريعة التي لم يأت بيانها نصا، وإنما ورد خفيا [ (1) ] .
فأما مسائل الأصول فقد ورد بيانها جليا، فلا عذر لمن خالف بيانه لما فيه من فضيلة العلماء بالاجتهاد وإلحاق الفروع بالأصول، بالدلالة مع طلب التخفيف على صاحب الشريعة، وفي ترك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الإنكار فيما قال دليل واضح على استصوابه رأيه [ (2) ][وباللَّه التوفيق][ (3) ] .
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 7/ 184- 185.
[ (2) ](المرجع السابق) : 185.
[ (3) ] زيادة للسياق من (المرجع السابق) .