الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما كان ليلة دخل الناس مكة ليلة الفتح لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا، فقال أبو سفيان لهند: أترين هذا من اللَّه؟ ثم أصبحوا، فغدا أبو سفيان إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قلت لهند: أترين هذا من اللَّه؟ قالت نعم هو من اللَّه، فقال أبو سفيان: أشهد أنك عبد اللَّه ورسوله، والّذي يحلف به أبو سفيان ما سمع قولي هذا أحد من الناس إلا اللَّه- عز وجل وهند
[ (1) ] .
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بمجيء عكرمة بن أبي جهل مؤمنا قبل قدومه فكان كذلك
فقال الواقدي [ (2) ] : ثم قالت أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل: يا رسول اللَّه قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فأمّنه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هو آمن،
فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتى قدمت به على حي من عك [ (3) ] ، فاستعانتهم عليه [ (4) ] ، فأوثقوه رباطا، وأدركت عكرمة، وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة، فركب البحر، فجعل نؤتي السفينة يقول له: أخلص، فقال: أي شيء أقول؟ قال: قل: لا إله إلا اللَّه قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا، فجاءت أم حكيم على هذا الكلام، فجعلت تلحّ إليه وتقول: يا ابن عم جئتك من عند أوصل الناس، وأبر الناس، وخير الناس، لا تهلك نفسك، فوقف لها حتى أدركته، فقالت: إني قد استأمنت لك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: أنت فعلت؟ قالت:
نعم أنا كلمته فأمنك، [قال: وكيف يؤمنني وقد صنعنا به أنا وأبي ما صنعناه؟
[ (1) ](المرجع السابق) : 103.
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 2/ 851.
[ (3) ] عكّ: مخلاف من مخاليف مكة التهامية.
[ (4) ] كذا في (الأصل)، وفي (مغازي الواقدي) :«فاستغاثتهم عليه» .
قالت: بلى إنه خير الناس] [ (1) ]، فرجع معها وقال: ما لقيت من غلامك الروميّ؟ فخبرته خبره،
فقتله عكرمة وهو يومئذ لم يسلم، فلما دنا من مكة، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأصحابه: يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحيّ ولا يبلغ الميت، قال: وجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها فتأبى عليه، وتقول: إنك كافرا وأنا مسلمة، فيقول: إن أمرا منعك مني لأمر كبير، فلما رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عكرمة وثب إليه- وما على النبي صلى الله عليه وسلم رداء- فرحا بعكرمة، ثم جلس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فوقف بين يديه ومعه امرأته منتقبة، فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني، فقال:
صدقت، فأنت آمن، فقال عكرمة: فإلى ما تدع يا محمد؟ قال: أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا اللَّه وأني رسول اللَّه، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتفعل وتفعل حتى عدّ خصال الإيمان [ (2) ]، فقال عكرمة: واللَّه ما دعوت إلا إلى الحق وإلى أمر حسن جميل، قد كنت فينا واللَّه قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا، وأبرّنا برا، ثم قال عكرمة: فأني أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا رسول اللَّه [ (3) ] ، فسر بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا رسول اللَّه علمني خير شيء أقوله، قال: خير شيء تقوله: أشهد من حضر أني مسلم مهاجر، فقال عكرمة: ذلك ثم ماذا؟ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: تقول أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأشهد من حضر أني مسلم مهاجر، فقال عكرمة ذلك، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدا إلا أعطيتكه، قال عكرمة:
فإنّي أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها أو مسير أوضعت فيه أو مقام لقيتك فيه، أو كلام قلته في وجهك، أو وأنت غائب عنه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللَّهمّ اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، فاغفر له وما نال مني من عرض في وجهي، أو وأنا غائب عنه، فقال عكرمة: رضيت يا رسول اللَّه، ثم قال عكرمة: أما
[ (1) ] ما بين الحاصرتين في (الأصل) فقط، وليس في (مغازي الواقدي) .
[ (2) ] كذا في (الأصل)، وفي (المغازي) : خصال الإسلام.
[ (3) ] كذا في (الأصل)، وفي (المغازي) : 2/ 852.