الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في آخر يوم من ذي الحجة فقال: ألا ما تتركوا في جزيرة العرب دينين، انبذوا إلى كل ذي دين خالف الإسلام أن يخرجوا من جزيرة العرب: ألا لعن اللَّه الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ويتخذون آبارهن معاطن، إن أهل الكتاب خالفوا أنبيائهم واتخذوا قبورهم مساجد، وآبارهم معاطن فلا تضلوا عن سنتي به.
ذكر نعي النبي صلى الله عليه وسلم وإنذاره بذلك قبل موته عليه السلام
اعلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما أنزل اللَّه تعالى عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [ (1) ] كانت علامة لاقتراب، أجله وعارضه جبريل عليه الصلاة والسلام بالقرآن في ذلك العام مرتين فكانت علامة أخرى لأجله وخيره اللَّه تعالى بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، فكانت علامة أخرى لآخر أجله، إلى غير ذلك.
فأما نزول إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ
فخرج البخاري في غزوة الفتح [ (2) ] من طريق موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة عن أبى بشر عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان عمر
[ (1) ] النصر: 1.
[ (2) ](فتح الباري) : 8/ 953، باب (4) قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً تواب على العباد، والتواب من الناس التائب من الذنب، حديث رقم (4970) هو كلام الفراء في موضعين.
قوله: «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر» أي من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار، وكانت عادة عمر إذا جلس للناس أن يدخلوا عليه على قدر منازلهم في السابقة، وكان ربما أدخل مع أهل المدينة من ليس منهم إذا كان فيه مزية تجبر ما فاته من ذلك.
قوله: (فكأن بعضهم وجد) أي غضب. ولفظ (وجد) الماضي يستعمل بالاشتراك بمعنى الغضب والحب والغنى واللقاء، سواء كان الّذي يلقى ضالة أو مطلوبا أو إنسانا أو غير ذلك.
قوله: (لم تدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله) ؟ ولابن سعد من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير (كان أناس من المهاجرين وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس) وفي تاريخ محمد ابن عثمان بن أبي شيبة من طريق عاصم بن كليب عن أبيه نحوه وزاد (وكان عمر أمره أن لا يتكلم حتى يتكلموا، فسألهم عن شيء فلم يجيبوا، وأجابه ابن عباس، فقال عمر: أعجزتم أن تكونوا مثل هذا الغلام؟ ثم قال: إني كنت نهيتك أن تتكلم.
_________
[ () ] على العباد، والتواب من الناس التائب من الذنب، حديث رقم (4970) هو كلام الفراء في موضعين.
قوله: «كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر» أي من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار، وكانت عادة عمر إذا جلس للناس أن يدخلوا عليه على قدر منازلهم في السابقة، وكان ربما أدخل مع أهل المدينة من ليس منهم إذا كان فيه مزية تجبر ما فاته من ذلك.
قوله: «فكأن بعضهم وجد» أي غضب. ولفظ «وجد» الماضي يستعمل بالاشتراك بمعنى الغضب والحب والغنى واللقاء، سواء كان الّذي يلقى ضالة أو مطلوبا أو إنسانا أو غير ذلك.
قوله: «لم تدخل هذا معا، ولنا أبناء مثله» ؟ ولابن سعد من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير «كان أناس من المهاجرين وجدوا على عمر في إدنائه ابن عباس» وفي تاريخ محمد بن عثمان بن أبي شيبة من طريق عاصم بن كليب عن أبيه نحوه وزاد «كان عمر أمره أن لا يتكلم حتى يتكلموا، فسألهم عن شيء فلم يجيبوا. وأجابه ابن عباس، فقال عمر: أعجزتم أن تكونوا مثل هذا الغلام؟ ثم قال: إني كنت نهيتك أن تتكلم، فتكلم الآن معهم «وو هذا القائل الّذي عبر هنا بقوله: «بعضهم» هو عبد الرحمن بن عوف الزهري أحد العشرة كما وقع مصرحا به عند المصنف في علامات النبوة من طريق شعبة عن أبي شعبة عن أبي بشر بهذا الإسناد كان عمر يدني ابن عباس، فقال له عبد الرحمن بن عوف: إن لنا أبناء مثله، وأراد بقوله:«مثله» أي في مثل سنه، لا في مثل فضله وقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لا أعرف لعبد الرحمن بن عوف ولدا في مثل سن ابن عباس، فإن أكبر أولاده محمد وبه كان يكنى، لكنه مات صغيرا وأدرك عمر من أولاده إبراهيم بن عبد الرحمن، ويقال: إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إن كان كذلك لم يدرك من الحياة النبويّة إلا سنة أو سنتين. لأن أباه تزوج أمه بعد فتح مكة فهو أصغر من ابن عباس بأكثر من عشر سنين، فلعله أراد بالمثلية غير السن، أو أراد بقوله:«لنا» من كان له ولد في مثل سن ابن عباس من البدريين إذ ذلك غير المتكلم.
قوله: «فقال: إنه من حيث علمتم» . في غزوة الفتح من هذا الوجه بلفظ إنه أنتم علمتم «وفي رواية شعبه» إنه من حيث نعلم» وأشار بذلك إلى قرابته من النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى معرفته وفطنته.
وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: قال المهاجرون العمر: ألا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس؟ قال: ذلكم فتى الكهول، إن له لسانا سئولا وقلبا عقولا.
وأخرج الخرائطي في (مكارم الأخلاق) من طريق الشعبي، والزبير بن بكار من طريق عطاء بن يسار قالا: قال العباس لابنه: إن هذا الرجل يعني عمر- يدنيك، فلا تفشين له سرا، ولا تغتابن عنده أحدا، ولا يسمع منك كذبا. وفي رواية عطاء بدل الثالثة:«ولا تبتدئه بشيء حتى يسألك عنه» .
قوله: «فدعا ذات يوم فأدخله معهم» في رواية للكشميهني «فدعاه» ، وفي غزوة الفتح:«فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم» .
قوله: «فما رئيت» بضم الراء وكسر الهمزة، وفي غزوة الفتح من رواية المستملي:
«فما أريته» بتقديم الهمزة والمعني واحد.
يدخلني مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حديث علمتم، فدعا ذات يوم فأدخله معهم، فما رئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم. قال: ما تقولون في قوله اللَّه تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد اللَّه ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس.
[ () ] قوله: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ زاد في غزوة الفتح (فتح مكة) .
قوله: (وذلك علامة أجلك) ف] رواية ابن سعد (فهو آيتك في الموت) وفي الباب الّذي قبله:
(أجل أو مثل ضرب لمحمد، نعيت إليه نفسه) ووهم عطاء بن السائب
فروى هذا الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت إذا جاء نصر اللَّه والفتح قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعيت إلي نفسي) أخرجه بن مردويه من طريقه،
والصواب رواية حبيب بن ثابت التي في الباب الّذي قبله بلفظ (نعيت إليه نفسه) وللطبراني من طريق عكرمة عن ابن عباس قال:
(لما نزلت إذا جاء نصر اللَّه والفتح ونعيت إلي نفسه) فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة) ، ولأحمد من طريق أبي رزين عن ابن عباس قال:(لما نزلت علم أن نعيت إليه نفسه) ولأبي يعلي من حديث ابن عمر (نزلت هذه السورة في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع، فعرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه الوداع) . وسئلت عن قول الكشاف: إن سورة النصر نزلت في حجة الوداع أيام التشريق، فكيف صدرت بإذا الدالة على الاستقبال؟، فأجبت بضعف ما نقله، وعلى تقدير صحته فالشروط لم يكتمل بالفتح، لان مجيء الناس أفواجا لم يكن كمل، فبقية الشرط مستقبل. وقد أورد الطيبي السؤال وأجاب بجوابين: أحدهما: أن (إذ) قد ترد بمعنى (إذا) كما في قوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة) الآية.
ثانيهما: أن كلام اللَّه قديم، وفي كل من الجوابين نظر لا يخفى.
قوله: (إلا ما تقول) في غزوة الفتح (إلا ما تعلم) زاد أحمد وسعيد بن منصور في روايتهما عن هشيم عن أبي بشر في هذا الحديث في أخره (فقال عمر: كيف تلومونني على حب ما ترون) ووقع في رواية ابن سعد أنه سألهم حينئذ عن ليلة القدر، وذكر جواب ابن عباس واستنباطه وتصويب عمر قوله، وقد تقدمت لابن عباس مع عمر قصة أخرى في أواخر سورة البقرة، لكن أجابوا فيها بقولهم: اللَّه أعلم، فقال عمر: قولوا: نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء، الحديث. وفيه فضيلة ظاهرة لابن عباس وتأثير لإجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه اللَّه التأويل ويفقهه في الدين، كما تقدم في كتاب العلم. وفيه جواز تحديث المرء عن نفسه بمثل هذا لإظهار نعمة اللَّه عليه، وإعلام من لا يعرف قدره لينزله منزلته، وغير ذلك من المقاصد الصالحة، لا للمفاخرة والمباهاة وفيه جواز تأويل
وخرج البيهقي من طريق عباد بن العوام، عن هلال بن حباب، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما نزلت:
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ دعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فقال: إنه قد نعيت إلي نفسي. فبكت، ثم ضحكت، قالت:
وأخبرني أنه نعي إليه نفسه فبكيت، فقال صلى الله عليه وسلم لي: اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت [ (1) ]
وقال سيف بن عمر: حدثنا محمد بن عون عن يحيى بن معمر الوسقي، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: أنزل اللَّه عز وجل علي نبيه صلى الله عليه وسلم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فنعى إليه نفسه فيها، والفتح فتح مكة والنصر على العرب قاطبة ورأينا الناس يدخلون في دين اللَّه أفواجا وذلك أن الهجرة انقطعت إلى المدينة بعد الفتح، وكانت القبيلة بأسرها تسلم ويقيم مكانها وكان دخولهم قبل ذلك الرجل بعد الرجل والعدة بعد ولاتهم فنقلت فإذا كان ذلك فسبح وأكثروا حمد اللَّه تعالى واستغفروه للأموات من أمتك والأحياء إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً لمن تاب منهم، ففعل صلوات اللَّه وسلامه عليه فأكثروا
قال حدثني عطية بن الحارث عن أبي أيوب، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يكثر الدعاء للأحياء والأموات ويكثر الاستغفار للأموات ولا سيما من استشهد قبل الفتح حتى إذا حج حجة التمام، فهي حجة الإسلام، زادني ذلك وعرف أن الأمر قد أظله، فكان في ذلك
[ () ] القرآن بما يفهم من الإشارات، وإنما يتمكن من ذلك من رسخت قدمه في العلم،
ولهذا قال علي رضي اللَّه تعالى عنه: أو فهما يؤتيه اللَّه رجلا في القرآن.
(3)
(المرجع السابق) : 6/ 779، باب (25) عاملات النبوة في الإسلام- حديث رقم (3627) وأخرجه أيضا في كتاب المغازي باب (52) بدون ترجمة حديث رقم (4294) ، وباب (84) مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، حديث رقم (4430) .
(4)
(سبق تخريجه) .
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 7/ 167.
منصرفه من حجته كالرجل الّذي ينذر الغارة ويقول: اسم اسم صبحتم أو مسيتم ويأتي البقيع كل خميس ويستغفر لأهله.
وقال سيف عن عطية عن الضحاك. عن ابن عبّاس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: كان اللَّه عز وجل قد عهد إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه متوفيه على حين فراغة من الّذي نعته به، وأمره أن ينعي إلى أمته نفسه بعزته لكيلا يفتتنوا من بعده فقرأ عليهم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وقص عليهم رؤيا رآها أن القمر ولي إليه ثم رفع وقال لهم غداة عرفات: إني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا. وعن محمد بن كريب، عن أمية، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قد نعى لنا نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم نفسه مرارا لو علمنا عنه، فكره أن يفجعنا فلم نعرف ما ذاك حتى كان من أمره حين أنزل اللَّه تعالى عليه إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وحين قال: إني رأيت بأن القمر ولي لي بامرأتين فركبته ثم رفعت إلي السماء حين قال: إني لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا أبدا
وقوله صلى الله عليه وسلم على المنبر: إن عبدا خيره اللَّه تعالى أن يكون ملكا مخلدا في الدنيا ما بقيت، ثم الجنة وبين ما عنده. فاختار ما عند اللَّه عز وجل.
وقال سيف: عن الوليد بن عبد اللَّه عن أبيه، عن ابن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: آخر من بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك عمرو بن العاص- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- منصرفه من حجته وكان كتاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك آخر حجة أصبح بها علي من يليه إلي من وراءه حتى يجاز عليه فتمت حجة اللَّه وكمل الدين فأوضح النبي صلى الله عليه وسلم شأن موته عند تكامل الأحكام فأدرج الأمور إدراجا وما ندري لم ذلك حتى وقع الأمر.
وخرج البيهقي من طريق راشد بن سعد، عن عاصم بن حميد السكونيّ أن معاذ بن جبل صلى الله عليه وسلم راكب ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ، قال صلى الله عليه وسلم: يا معاذ إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري. فبكى معاذ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال صلى الله عليه وسلم: البكاء أو إن البكاء من الشيطان [ (1) ] .
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 5/ 404- 405، وفي (الأصل) : فإن البكاء من الشيطان، وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) : 6/ 311، حديث رقم (921549) ، حديث معاذ بن جبل.