الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفيّ بأن قومه يقتلونه فكان كذلك
فقال ابن لهيعة: عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير قال: فلما صدر أبو بكر وعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- وأقاما [ (1) ] للناس الحج، قدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مسلما [ (2) ]، وقال موسى بن عقبة:
وأقام أبو بكر للناس حجتهم [ (3) ] ، وقدم عروة بن مسعود الثقفي على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم استأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليرجع إلى قومه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إني أخاف أن يقتلوك، قال: لو وجدوني نائما ما أيقظوني، فأذن له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
فرجع إلى الطائف وقدم الطائف عشيا، فجاءته ثقيف فحيوه، ودعاهم إلى الإسلام ونصح لهم، فاتهموه، وعصوه، وأسمعوه من الأذى ما لم يكن يخشاهم عليه، فخرجوا من عنده حتى إذا أسحر [ (4) ] وطلع الفجر قام على غرفة له في داره، فأذن بالصلاة وتشهد، فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله،
فزعموا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتله، قال: مثل عروة مثل صاحب ياسين حين دعا قومه إلى اللَّه فقتلوه [ (5) ] .
وقال الواقدي [ (6) ] :
[ (1) ] كذا (بالأصل)، وفي (دلائل البيهقيّ) :«وأقام» .
[ (2) ] كذا (بالأصل)، وفي (دلائل البيهقيّ) :«فأسلم» .
[ (3) ] كذا (بالأصل)، وفي (دلائل البيهقيّ) :«حجتهم» .
[ (4) ] كذا (بالأصل)، وفي (دلائل البيهقيّ) :«سحر» .
[ (5) ](دلائل البيهقيّ) : 5/ 299- 300، باب قدوم وفد ثقيف وهم أهل الطائف على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وتصديق ما قال في عروة ابن مسعود الثقفيّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ثمّ إجابة اللَّه- تعالى- دعاءه في هداية ثقيف.
[ (6) ](مغازي الواقدي) : 3/ 960- 962، قدوم عروة بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
قالوا: كان عروة بن مسعود حين حاصر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف بجرش يتعلم عمل الدبابات [ (1) ] والمنجنيق [ (2) ] ، ثم رجع إلى الطائف بعد أن ولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فعمل المنجنيق والدبابات والعرادات [ (3) ] ، وأعد ذلك حتى قذف اللَّه في قلبه الإسلام.
فقدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، ثم قال: يا رسول اللَّه ائذن لي فأتي قومي فأدعوهم إلى الإسلام، فو اللَّه ما رأيت مثل هذا الدين ذهب عنه ذاهب، فأقدم على أصحابي وقومي بخير قادم، وما قدم وافد قط على قومه إلا من قدم بمثل ما قدمت به، وقد سبقت يا رسول اللَّه في مواطن كثيرة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنهم إذا قاتلوك، قال: يا رسول اللَّه لأنا أحب إليهم من أبكار أولادهم.
ثم استأذنه الثانية، فأعاد عليه الكلام الأول، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنهم إذا قاتلوك. فقال: يا رسول اللَّه لو وجدوني نائما ما أيقظوني، واستأذنه الثالثة فقال: إن شئت فاخرج.
فخرج إلى الطائف فسار إليها خمسا، فقدم على قومه عشاء فدخل منزله، فأنكر قومه دخوله منزله من قبل أن يأتي الربة [ (4) ]، ثم قالوا: السفر قد حصره [ (5) ] ، فجاءوا منزله، فحيوه بتحية الشرك، فكان أول ما أنكر عليهم تحية الشرك، فقال: عليكم تحية أهل الجنة، ثم دعاهم إلى الإسلام وقال: يا قوم أتتهمونني؟ ألستم تعملون أني أوسطكم نسبا، وأكثركم مالا، وأعزكم نفرا؟ فما حملني على الإسلام إلا أني رأيت أمرا لا يذهب عنه ذاهب، وأقبلوا
[ (1) ] الدبّابة- بالدال المهملة فموحدة مشددة، وبعد الألف موحدة فتاء تأنيث-: آلة من آلات الحرب يدخل فيها الرجال، فيندفعون بها إلى الأسوار لينقبوها.
[ (2) ] المنجنيق- بفتح الميم وقد تكسر، يؤنث وهو أكثر، ويذكر فيقال: هي المنجنيق، وعلى التذكير: هو المنجنيق، ويقال: المنجنوق ومنجليق، وهو معرب، وأول من عمله قبل الإسلام إبليس- لعنه اللَّه- حين أرادوا رمي سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وهو أول منجنيق رمى به في الإسلام.
أما في الجاهلية فيذكر أن جذيمة- بضم الجيم، وفتح الذال المعجمة وسكون التحتية- ابن مالك المعروف بالأبرش، أول من رمى بها، وهو من ملوك الطوائف.
[ (3) ] العرادة: أصغر من المنجنيق.
[ (4) ] يعنى: اللات.
[ (5) ] حصره: أي منعه عن مقصده.
فما حملني على الإسلام إلا أن رأيت أمرا لا يذهب عنه ذاهب، وأقبلوا نصحي ولا تستعصوني، فو اللَّه ما قدم وافد قط على قوم بأفضل مما قدمت به عليكم، فاتهموه، واستغشوه، وقالوا: قد واللات وقع في أنفسنا حيث لم تقرب الربة، ولم تحلق رأسك عندها أنك قد صبوت فآذوه ونالوا منه، وحلم عليهم، فخرجوا من عنده يأتمرون كيف يصنعون به حتى إذا طلع الفجر أوفى على غرفة له، فأذّن بالصلاة، فرماه رجل من رهطه من الأحلاف يقال له:
وهب ابن جابر، ويقال: الّذي رماه أوس بن عوف بن بني مالك، وهذا أثبت عندنا.
وكان عروة رجل من الأحلاف فأصاب أكحله [ (1) ] فلم يرقأ دمه [ (2) ] وحشد قومه في السلاح وجمع الآخرون وتجايشوا، فلما رأى عروة ما يصنعون قال:
لا تقتتلوا فيّ، فإنّي قد تصدقت بدمي على صاحبه ليصلح بذلك نبيكم، فهي كرامة اللَّه أكرمني بها، الشهادة ساقها اللَّه إليّ، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، واللَّه خبرني عنكم هذا أنكم تقتلونني، ثم قال لرهطه: ادفنوني مع الشهداء الذين قتلوا مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم، قال: فدفنوه معهم،
وبلغ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قتله، فقال: مثل عروة مثل صاحب ياسين، دعا قومه إلى اللَّه- تعالى- فقتلوه.
ويقال: إن عروة لم يقدم المدينة وإنما لحق رسول اللَّه بين مكة والمدينة فأسلم، ثم انصرف، والقول الأول أثبت عندنا،
فلما قتل عروة قال ابنه أبو مليح بن عروة بن مسعود وابن أخيه قارب بن الأسود بن مسعود لأهل الطائف: لا نجامعكم على شيء أبدا، وقد قتلتم عروة، ثم لحقا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأسلما، فقال لهما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: توليا من شئتما، قالا: نتولى اللَّه ورسوله، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: وخالكما أبو سفيان بن حرب، حالفاه ففعلا، ونزلا على المغيرة بن شعبة، فأقاما بالمدينة حتى قدم وفد ثقيف في رمضان سنة تسع واللَّه- تعالى- أعلم.
[ (1) ] الأكحل: عرق في اليد.
[ (2) ] رقأ الدم: إذا سكن وانقطع.