الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما سجاح بنت الحارث بن سويد ابن عقفان التميمية
قد أقبلت من الجزيرة وادعت النبوة، وكانت ورهطها في أخوالها من تغلب تقود أفناء ربيعة، معها الهزيل بن عمران في بني تغلب، وكان نصرانيا فترك دينه، وتبعها، وعقبة بن هلال في النمر، وزياد بن فلان أياد، والسليل ابن قيس في شيبان، فأتاهم أمر أعظم مما هم فيه لاختلافهم.
وكانت سجاح تريد غزو أبي بكر، فأرسلت إلي مالك بن نويرة تطلب الموادعة، فأجابها وردها من غزوها وحملها على أحياء من بني تميم، فأجابته وقالت: أنا امرأة من بني يربوع، فإن كان ملك فهو لكم. وهرب منها عطارد ابن حاجب وسادة بني مالك وحنظلة إلي بني العنبر، وكرهوا ما صنع وكيع وما صنع مالك بن نويرة، واجتمع مالك ووكيع وسجاح فسجعت لهم سجاح وقالت: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم أغيروا علي الرباب فليس دونهم حجاب. فساروا إليهم، فلقيهم حنبة وعبد مناة فقتل بينهم قتلى كثيرة وأسر بعضهم من بعض ثم تصالحو، وقال قيس بن عاصم شعرا ظهر فيه ندمه على تخلفه عن أبي بكر بصدقته. ثم صارت سجاح في جنود الجزيرة حتى بلغت النياح، فأغار عليهم أوس بن خزيمة الهجيمي في بني عمرو فأسر الهزيل وأعتقه، ثم اتفقوا على أن يطلق أسرى سجاح ولا يطأ أرض أوس ومن معه.
ثم خرجت سجاح في الجنود وقصدت اليمامة وقالت: عليكم باليمامة، ودفوا دفيف الحمامة، فإنّها غزوة حرامه، لا يلحقكم بعدها ملامة. فقصدت ابن حنيفة، فبلغ ذلك مسيلمة فخاف إن هو شغل بها أن يغلب ثمامة وشرحبيل بني حسنة والقبائل التي حولهم على حجر، وهي اليمامة، فأهدى لها ثم أرسل إليها يستأمنها علي نفسه حتى يأتيها، فأمنته، فجاءها في أربعين من بني حنفية فقال مسيلمة: لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت، وقد رد اللَّه عليك النصف الّذي ردت قريش.
وكان مما شرع لهم أن من أصاب ولدا واحدا ذكرا لا يأتي النساء يموت ذلك الولد فيطلب الولد حتى يصيب ابنا ثم ينسك، وقيل: بل تحصن منها،
فقالت له: انزل، فقال لها: أبعدي أصحابك ففعلت، وقد ضرب لها قبة وجحرها لتذكر بطيب الريح الجماع، واجتمع بها فقالت له: ما اوحي إليك ربك؟ فقال ألم تر إلي ربك كيف فعل بالحبلى، أخرج منها نسمة تسعى بين صفاق وحشي. قالت: وماذا أيضا؟ قال: إن اللَّه خلق النساء أفواجا، وجعل الرجال لهن أزواجا، فتولج فيهن قعسا إيلاجا، ثم تخرجها إذا تشاء إخراجا، فينتجن لنا سخالا إنتاجا. قالت: أشهد أنك نبي. قال هل لك أن أتزوجك وآكل بقومي وقومك العرب؟ قالت: نعم. قالت: بذلك أوحي إلي فأقامت عنده ثلاثا ثم انصرف إلي قومها، فقالوا لها: ما عندك؟ قالت: كان علي الحق فتبعته وتزوجته. قالوا: هل أصدقك شيئا؟ قالت: لا. قالوا: فارجعي فاطلبي الصداق، فرجعت. فلما رآها أغلق باب الحصن وقال: ما لك؟ قالت:
أصدقني. قال: من مؤذنك؟ قالت: شبث بن ربعي الرياحي، فدعاه وقال له: ناد في أصحابك أن مسيلمة رسول اللَّه قد وضع عنكم صلاتين مما جاءكم به محمد: صلاة الفجر وصلاة العشاء الآخرة.
فانصرفت ومعها أصحابها، منهم: عطارد بن حاجب وعمرو بن الأهتم وغيلان بن خرشة وشبث بن ربعي، فقال عطارد بن حاجب:
أمست نبيتنا أنثى نطوف بها
…
وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
وصالحها مسيلمة على غلات اليمامة سنة تأخذ النصف وتترك عنده من يأخذ النصف، فأخذت النصف وانصرفت إلي الجزيرة وخلقت الهذيل وعقة وزيادا لأخذ النصف الباقي، فلم يفاجئهم إلا دنو خالد إليهم فارفضوا.
فلم تزل سجاح في تغلب حتى نقلهم معاوية عام الجماعة وجاءت معهم وحسن إسلامهم وإسلامها، وانتقلت إلي البصرة وماتت بها وصلي عليها سمرة ابن جندب وهو على البصرة لمعاوية قبل قدوم عبيد اللَّه بن زياد من خراسان وولايته البصرة.
وقيل: إنها لما قتل مسيلمة سارت إلي أخواله تغلب بالجزيرة فماتت عندهم ولم يسمع لها ذكر [ (1) ] .
[ (1) ](الكامل لابن الأثير) : 2/ 354- 357.