الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر تأميره صلى الله عليه وسلم في مرضه أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
-
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني محمد بن عبد اللَّه، عن الزهري، عن عروة بن الزبير قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد بعث أسامة وأمّره أن يوطئ الخيل نحو البلقاء حيث قتل أبوه وجعفر، فجعل أسامة وأصحابه يتجهزون وقد عسكر بالجرف، فاشتكي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو على ذلك، ثم وجد من نفسه راحة، فخرج عاصبا رأسه فقال: أيها الناس! أنفذوا بعث أسامة، ثلاث مرات، ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم فتوفي.
أخبرنا محمد بن عمر، حدثني عبد اللَّه بن يزيد بن قسيط، عن أبيه، عن محمد بن أسامه بن زيد عن أبيه قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قول الناس: استعمل أسامة بن زيد على المهاجرين والأنصار، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى جلس علي المنبر، فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس! أنفذوا بعث أسامة! فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله، وإنه لخليق بالإمارة، وإن كان أبوه لخليقا بها.
قال: فخرج جيش أسامة حتى عسكروا بالجرف وتتامّ الناس إليه فخرجوا، وثقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأقام أسامة والناس ينتظرون ما اللَّه قاض في رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال أسامة: فلما ثقل هبطت من معسكري وهبط الناس معي وقد أغمي على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلا يتكلم فجعل يرفع يده إلي السماء ثم يصبها علي فأعرف أنه يدعو لي.
حدثنا عبد الوهاب بن عطاء العجليّ قال: أخبرنا العمري عن نافع، عن ابن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيهم أبو بكر وعمر واستعمل عليهم أسامة بن زيد، فكان الناس طعنوا فيه أي في صغره، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فصعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه وقال: إن الناس قد طعنوا في إمارة أسامة وقد كانوا طعنوا في إمارة أبيه من قبله، وإنهما لخليقان لها، وإنه لمن أحب الناس إليّ، ألا فأوصيكم بأسامة خيرا.
أخبرنا أبو بكر بن عبد اللَّه بن أبي أويس وخالد بن مخلد قالا: أخبرنا
سليمان بن بلال وأخبرنا عبد اللَّه بن مسلمة بن قعنب الحارثي، أخبرنا عبد العزيز بن مسلم وأخبرنا معن بن عيسى، قال: أخبرنا مالك بن أنس، جميعا عن عبد اللَّه بن دينار، عن عبد اللَّه بن عمر قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا، وأمّر عليهم أسامة بن زيد فطعن بعض الناس في إمارته، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبله! وأيم اللَّه إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ بعده!
أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا وهيب وأخبرنا المعلى بن أسد، أخبرنا عبد العزيز بن المختار عن موسى بن عقبة، حدثني سالم بن عبد اللَّه بن أبيه أنه كان يسمعه يحدث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين أمر أسامه بن زيد، فبلغه أن الناس عابوا أسامة وطعنوا في إمارته، فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الناس فقال:
ألا إنكم تعيبون أسامة وتطعنون في إمارته وقد فعلتم ذلك بأبيه من قبل! وأيم اللَّه إن كان لخليقا للإمارة. وإن كان لأحب الناس كلهم إليّ وإن ابنه هذا من بعده لأحب الناس إلي فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم. [ (1) ]
وخرج البخاري في كتاب الأحكام [ (2) ] في باب من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء، حديثا من حديث عبد اللَّه بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما يقول: بعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن في إمارته، فقال صلى الله عليه وسلم: إن تطعنوا في إمارته
…
الحديث إلي آخره. وقال: لخليق للإمارة. وخرجه في المغازي [ (3) ] في غزوة زيد بن حارثة. [ (4) ]
وقال الواقدي في (مغازيه) : قالوا: لم يزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يذكر مقتل زيد بن حارثة وجعفر وأصحابه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- ووجد عليه
[ (1) ](طبقات ابن سعد) : 2/ 248- 250.
[ (2) ](فتح الباري) : 13/ 223، كتاب الأحكام، باب (33) من لم يكترث بطعن من لا يعلم في الأمراء حديثا، حديث رقم (8187) .
[ (3) ](المرجع السابق) : 7/ 634، حديث رقم (4250) .
[ (4) ](مغازي الواقدي) : 3/ 117 وما بعدها، غزوة أسامة بن زيد مؤتة.
وجدا شديدا، فلما كان يوم الاثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة، أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وأمرهم بالانكماش [ (1) ] في غزوهم فتفرق المسلمون من عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهم مجدون في الجهاد، فلما أصبح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الغد يوم الثلاثاء لثلاث بقين من صفر دعا أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا أسامة، سر على اسم اللَّه وبركته حتى تنتهي إلي مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش، فأغر صباحا على أهل أبنى وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الخير، فإن أظفرك اللَّه تعالى فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون أمامك والطلائع.
فلما كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، بدئ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فصدع وحمّ، فلما أصبح يوم الخميس لليلة بقيت من صفر، عقد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيده لواء ثم قال: يا أسامة، اغز باسم اللَّه، في سبيل اللَّه، فقاتلوا من كفر باللَّه، اغزوا ولا تغدروا، ولا تقتلوا وليدا، ولا امرأة، ولا تمنوا لقاء العدو، فإنكم لا تدرون لعلكم تبتلون بهم، ولكن قولوا: اللَّهمّ اكفناهم، واكفف بأسهم عنا، فإن لقوكم قد أجلبوا وصيّحوا، فعليكم بالسكينة والصمت، ولا تنازعوا فتفشلوا [ (2) ] فتذهب ريحكم، وقولوا: اللَّهمّ إنا نحن عبادك وهم عبادك، نواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تغلبهم أنت، واعلموا أن الجنة تحت البارقة. [ (3) ]
ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأسامة: امض على اسم اللَّه، فخرج بلوائه معقودا فدفعه إلى بريدة بن الحصيب الأسلميّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فخرج به إلي بيت أسامة وأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعسكر بالجرف، وجعل الناس يجدّون بالخروج إلي العسكر وخرج من فرغ من حاجته إلي معسكره، ومن لم يقض حاجته فهو على فراغ، ولم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة: عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن
[ (1) ] الانكماش: الإسراع.
[ (2) ] في (المغازي) : «ولا تفشلوا» وما أثبتناه من الأصل، فهو أصوب.
[ (3) ] البارقة: بارقة السيوف.
الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبو الأعور سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم، في رجال من المهاجرين والأنصار عدة: قتادة ابن النعمان، وسلمه بن أسلم بن حريش، فقال رجال من المهاجرين، وكان أشدهم في ذلك قولا عياش بن أبي ربيعة: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين؟ فكثرت المقالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بعض ذلك القول، فردّه على من تكلّم به، وجاء إلي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأخبره بقول من قال، فغضب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غضبا شديا، وخرج قد عصب على رأسه عصابة، وعليه قطيفة، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، يا أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وأيم اللَّه إن كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليّ وإنهما لمخيلان لكل خير [ (1) ] فاستوصوا به خيرا فإنه لمن خياركم.
ثم نزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر ليال خلون من ربيع الأول، وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامه يودعون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيهم عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول:
أنفذوا بعث أسامة! ودخلت أم أيمن فقالت: أي رسول اللَّه! لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل، فإن أسامة إن خرج علي حالته هذه لم ينتفع بنفسه.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أنفذوا بعث أسامه، فمضى الناس إلي المعسكر فباتوا ليلة الأحد، ونزل أسامة يوم الأحد، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثقيل مغمور، وهو اليوم الّذي لدوه [ (2) ] فيه فدخل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعيناه تهملان، وعنده العباس والنساء حوله فطأطأ عليه أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقبّله، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا يتكلم فجعل يرفع يده إلي السماء ثم يصبها على أسامة قال: فأعرف أنه كان يدعو لي.
[ (1) ] فلان مخيل للخير: أي خليق له.
[ (2) ] لدوه: أعطوه الدواء، واللدود: ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم.
قال أسامة فرجعت إلي معسكري، فلما أصبح يوم الاثنين غدا من معسكره، وأصبح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مفيقا، فجاءه أسامة فقال: أغد على بركة اللَّه، فودعه أسامة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مفيق مريح [ (1) ] وجعل نساؤه يتماشطن سرورا براحته، فدخل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: يا رسول اللَّه:
أصبحت مفيقا بحمد اللَّه، واليوم يوم ابنة خارجة فائذن لي، فأذن له، فذهب إلي السنح [ (2) ]
وركب أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلي معسكره، وصاح في أصحابه باللحوق بالعسكر، فانتهي إلي معسكره، فنزل وأمر الناس بالرحيل وقد متع [ (3) ] النهار فينا أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- يريد أن يركب من الجرف أتاه رسول أم أيمن وهي أمه يخبره أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يموت، فأقبل أسامة إلي المدينة، معه عمر وأبو عبيدة بن الجراح فانتهوا إلي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يموت فتوفي صلى الله عليه وسلم حين زاغت الشمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلي المدينة، ودخل بريدة بن الحصيب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بلواء أسامة معقودا حتى أتي به باب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فغرزه عنده، فلما بويع لأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أمر بريدة أن يذهب باللواء إلي بيت أسامة وأن لا يحله أبدا، حتى يغزوهم أسامة قال بريدة: فخرجت باللواء حتى انتهيت به إلى بيت أسامة، خرجت به إلى الشام معقودا مع أسامة ثم رجعت به إلي بيت أسامة، فما زال في بيت أسامة حتى توفي أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وذكر بقيمة الخبر.
قال الواقدي: فحدثني محمد بن الحسن بن أسامة بن زيد، عن أهله، قال ك توفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأسامة ابن تسع عشرة سنة، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم زوجه وهو ابن خمس عشر سنة وامرأة من طيِّئ، ففارقها، وزوجه أخرى، وولد له في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأولم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على بنائه بأهله.
[ (1) ] يقال: أراح الرجل إذا رجعت نفسه إليه بعد الإعياء.
[ (2) ] موضع بأعالي المدينة.
[ (3) ] متع النهار، إذا طال وامتد وتعالى.