الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما ما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن الحطم بن هند الكبريّ فكان كما أخبر
فذكر أبو زيد عمر بن شيبة في كتاب (أخبار مكة) بسنده إلى عبد اللَّه ابن المبارك، عن أبي بكر الهذلي قال: كان شريح بن ضبيعة بن شرحبيل بن عمرو مرثد سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس يغزو ببكر بن وائل في الجاهلية وابن أبي رميض العتري ارتجز به في مسيره:
قد لفها الليل بسواق حطم
…
ليس براعي إبل ولا غنم
فسماه الناس الحطم
وأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فقال يا محمد! إني سيد قومي، وداعية قومي، وإني إن أسلمت دعوت إليك الناس وإن تركت دينك صرفت عنك من بعدي، فما دينك يا محمد؟ قال: ديني الإسلام، قال: وما الإسلام؟ فذكر له، وقال:
لا تشرب الخمر، فقال يا محمد! ولا نشرب الخمر؟! قال: نعم، قال: إن في دينك لغلظ وشدة، أذهب فأعرضه على قومي، فإن قبلوا قبلت معهم وأن أدبروا كنت معهم، قال: اذهب فاعرض عليهم ما بدا لك، فلما أدبر، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لقد دخل عليّ بوجه كافر وخرج من عندي بعقبي غادر، ولن يسلم أبدا
فخرج حتى أتى سرح المسلمين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل من سفر سرح الناس ظهرهم، وإن عدو اللَّه اطرد سرح المسلمين هو وأصحابه، وطلبه المسلمون فسبقهم إلى اليمامة فنزلها، وأهل اليمامة مشركون فلما دخلت شهور الحرم علم أن الناس قد وضعوا السلاح، فباع تلك الإبل واشترى تجارة، فعهد بها إلى مكة يريد الحج والتجارة، وأهل مكة مشركون، فبلغ ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فقالوا: يا رسول اللَّه إن الحطم عدد وختر وباع إبلنا، واشترى تجارات بأثمانها، وتوجه إلى مكة، أفلا نعرض له فنضرب عنه وننزع ما في يده؟ فقال: بلى،
فجمع رجالا ودعا رجلا يستعمله عليهم، إذ نزل عليه الوحي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً [ (1) ] فكف النبي صلى الله عليه وسلم عنه فلم يعرض له.
[ (1) ] المائدة: 2.
قال أبو زيد: أما الهدي: فهي البدن، كانت تهدى إلى البيت فيعلق في أعناقها النعال وعليها جلالها فتمر بالمشركين وهم يأكلون الميتة والجلد، ولقد واللَّه لهذا هو أخبث ما أكل الناس، كان يبلغ بهم الجوع أن يحلقوا أوبار الإبل فيجمعونها بالدم، فيأكلونه، وكانوا لا يعرضون للبدن تعظيما لها، وأما القلائد فكان الرجل إذا توجه إلى مكة حاجا جعل في عنقه قلائد من لحاء السمر [ (1) ] أو من شعر أسود فيمر بالكفار، فلا يعرضون له وإن كانوا يطلبونه بدم، فيقولون: هذا يريد بيت اللَّه، وإذا صدر من مكة راجعا جعل في عنقه قلادة من إذخر [ (2) ] مكة، فقالوا: شجر الحرم في عنقه، إياكم وإياه وأما آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ فهو من كان توجه يريد مكة يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا.
قال أبو بكر حدثنا محمد بن بلال بن أبي بردة- وهو أمير البصرة يومئذ: فأرسل إلى الحسن في الليل فأتيته فقال: أرأيت قوله: يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً الفضل والرضوان؟ قلت: الفضل: التجارة، والرضوان: الأجر. قال: الكفار يدرون ما الأجر ويريدونه؟ قلت: نعم، قد كانوا يعتقون الرقاب ويصلون الأرحام ويحجون، وأنشد أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتاب الكامل. فأنشدني.
قوله: أن النشد يعني فرس أو ناقة، وقوله: قد لفها الليل بسواق حطم فهو الّذي لا يبقى من السير شيئا ويقال: رجل حطم للذي يأتي شيئا على الزاد لشدة أكله، يقال للنار التي لا تبقى حطمة! وقوله: على ظهر وضم، الوضم: كل ما قطع اللحم. [عليه] .
[ (1) ] قشر الشجر.
[ (2) ] شجر ينبت بالحرم المكيّ.