الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واللَّه يا رسول اللَّه لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدّ عن سبيل اللَّه إلا أنفقت ضعفها في سبيل اللَّه، ولا قتالا كنت أقاتل في صدّ عن سبيل اللَّه إلا أبليت ضعفه في سبيل اللَّه، ثم اجتهد في القتال حتى قتل شهيدا، فرد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم امرأته بذلك النكاح الأول.
وأما تيقن صفوان بن أمية نبوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
فقال الواقدي في ذكر فتح مكة [ (1) ] : وأما صفوان بن أمية فهرب حتى أتى الشعيبة [ (2) ] وجعل يقول لغلامه يسار وليس معه غيره: ويحك! انظر من ترى؟ قال: هذا عمير بن وهب، قال صفوان: ما أصنع بعمير؟ واللَّه ما جاء إلا يريد قتلي، قد ظاهر محمدا عليّ فلحقه، فقال: يا عمير، ما كفاك ما صنعت بي؟ حملتني دينك وعيالك، ثم جئت تريد قتلي! فقال أبو وهب:
جعلت فداءك جئتك من عند أبر الناس وأوصل الناس،
وقد كان عمير قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا رسول اللَّه، سيد قومي خرج هاربا ليقذف نفسه في البحر، وخاف ألا تؤمنه فأمنه، فداك أبي وأمي! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: قد أمنته.
فخرج في أثره فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد أمنك، فقال صفوان: لا واللَّه لا أرجع معك حتى تأتيني بعلامة أعرفها،
فرجع إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه جئت صفوان هاربا يريد أن يقتل نفسه فأخبرته بما أمنته، فقال: لا أرجع حتى تأتيني بعلامة أعرفها، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: خذ عمامتي، قال:
فرجع عمير إليه بها، وهو البرد الّذي دخل فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومئذ معتجرا [ (3) ]
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 2/ 853- 855.
[ (2) ] الشعيبة: مرفا السفن من ساحل بحر الحجاز، وهو كان مرفا مكة ومرسى سفنها قبل جدة.
[ (3) ] الاعتجار بالعمامة: هو أن يلفها على رأسه، ويرد طرفها على وجهه، ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه.
به، برد حبرة [ (1) ] ، فخرج عمير في طلبه الثانية حتى جاءه بالبرد، فقال: أبا وهب، جئتك من عند خير الناس، وأوصل الناس، وأبرّ الناس، وأحلم الناس، مجده مجدك، وعزه عزك، وملكه ملكك، ابن أمك وأبيك، أذكرك اللَّه في نفسك، قال له: أخاف أن أقتل، قال: قد دعاك إلى أن تدخل في الإسلام، فإن رضيت وإلا سيّرك شهرين، فهو أوفى الناس وأبرهم، وقد بعث إليك ببرده الّذي دخل به معتجرا، تعرفه؟ قال: نعم، فأخرجه، فقال: نعم هو هو! حتى انتهى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلي بالمسلمين العصر بالمسجد، فوقفا، فقال صفوان: كم تصلون في اليوم والليلة؟ قال:
خمس صلوات، قال: يصلي بهم محمد؟ قال: نعم، فلما سلم صاح صفوان:
يا محمد! إن عمير بن وهب جاءني ببردك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك، فإن رضيت أمرا وإلا سيرتني شهرين، قال: انزل أبا وهب.
قال: لا واللَّه حتى يتبين لي، قال: بل تسير أربعة أشهر، فنزل صفوان، وخرج رسول اللَّه قبل هوازن، وخرج معه صفوان وهو كافر، وأرسل إليه يستعيره سلاحه، فأعاره سلاحه، مائة درع بأداتها، فقال صفوان: طوعا أو كرها؟ قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: [بل] عارية مؤداه، فأعاره، فأمره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحملها إلى حنين، فشهد حنينا والطائف، ثم رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى الجعرّانة، فبينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسير في الغنائم ينظر إليها، ومعه صفوان بن أمية، فجعل صفوان ينظر إلى شعب ملي نعما، وشاء، ورعاء، فأدام إليه النظر ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرمقه، فقال: أبا وهب يعجبك هذا الشعب؟
قال: نعم، قال: هو لك وما فيه، فقال صفوان عند ذلك: ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمدا عبده ورسوله، وأسلم مكانه [ (2) ] .
[ (1) ] الحبرة: ضرب من ثياب اليمن.
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 2/ 855.
قال الواقدي [ (1) ] : فحدثني عبد الحميد بن جعفر، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، قال: أسلم أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، ومخرمة بن نوفل قبل نسائهم، ثم قدموا على نسائهم في العدة، فردهن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بذلك النكاح، وأسلمت امرأة صفوان وامرأة عكرمة قبل زوجيهما، ثم أسلما، فردّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نساءهم عليهم، وذلك أن إسلامهم كان في عدتهم.
وخرّج الإمام أحمد من حديث يزيد بن هارون، عن شريك، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أمية بن صفوان بن أمية، عن أبيه: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعا، فقال: اغصبا يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة،
فضاع بعضها، فعرض عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يضمنها له، فقال:
أنا اليوم يا رسول اللَّه في الإسلام أرغب [ (2) ] .
وخرّج الترمذي من حديث يحيى بن آدم، عن ابن المبارك، عن يونس ابن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن صفوان بن أمية [ (3) ] :
أعطاني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم حنين وإنه لأبغض الخلق إليّ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إليّ.
قال أبو عيسى: حديث صفوان، رواه معمر وغيره، عن الزهريّ، عن سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية قال: أعطاني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكأن هذا الحديث أصح وأشبه، وإنما هو «سعيد بن المسيب عن صفوان» [ (4) ] .
[ (1) ](المرجع السابق) .
[ (2) ](مسند أحمد) : 7/ 617- 619، حديث رقم (27089) ، من حديث صفوان بن أمية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (3) ] هو صفوان بن أمية بن خلف بن حذافة بن جمح القرشيّ الجمحيّ أمه أيضا جمحية، من ولد جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤيّ بن غالب، يكنى أبا وهب، وقيل أبا أمية، وهما كنيتان له مشهورتان. (الإستيعاب) : 2/ 718، ترجمة رقم (1214) .
[ (4) ](سنن الترمذي) 3/ 53، كتاب الزكاة، باب (30) ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم حديث رقم (666) ثم قال: وقد اختلف أهل في إعطاء المؤلفة قلوبهم، فرأى أكثر أهل العلم أن لا يعطوا، وقالوا: إنما كانوا قوما على عهد النبي، كان يتألفهم على الإسلام حتى أسلموا، ولم.
وخرجه الإمام أحمد من حديث زكريا بن عدي، عن ابن المبارك، عن يونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن صفوان بن أمية قال:
أعطاني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما زال يعطيني حتى صار وإنه لأحب الناس إليّ [ (1) ] .
[ () ] يروا أن يعطوا اليوم من الزكاة على مثل هذا المعنى، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وغيرهم، وبه يقول أحمد وإسحاق.
وقال بعضهم: من كان اليوم على مثل حال هؤلاء ورأى الإمام أن يتألفهم على الإسلام فأعطاهم، جاز ذلك، وهو قول الشافعيّ. (المرجع السابق) :54.
[ (1) ](مسند أحمد) : 4/ 401، حديث رقم (14880) من حديث صفوان بن أمية العجمي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه، 7/ 620، حديث رقم (27090) من حديث صفوان ابن أمية- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وخرجه الإمام مسلم في كتاب الفضائل، باب (14) ما سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شيئا قط فقال: لا، وكثرة عطائه، حديث رقم (59) .