الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إخباره لأبى ذر [الغفاريّ] بأنهم يخرجون من المدينة فكان كما أخبر صلى الله عليه وسلم
فخرّج الإمام أحمد [ (1) ] من حديث هاشم، عن عبد الحميد، عن شهر حدثتني أسماء [بنت يزيد] أن أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فرغ من خدمته آوى إلى المسجد فكان هو بيته يضطجع فيه،
فدخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليلة فوجده منجدلا في المسجد فنكته برجله حتى استوى جالسا، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ألا أراك نائما في المسجد؟ قال أبو ذر: يا رسول اللَّه وأين أنام؟ وهل لي بيت غيره؟ فجلس إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال له: كيف أنت إذا أخرجوك منه قال: إذا ألحق بالشام، فإن الشام أرض الهجرة، وأرض المحشر، وأرض الأنبياء، فأكون رجلا من أهلها، فقال: كيف أنت إذا أخرجوك من الشام؟ قال: إذا أرجع إليه فيكون بيتي ومنزلي، قال: فكيف بك إذا أخرجوك منه الثانية؟ قال: إذا آخذ سيفي فأقاتل عني [حتى أموت قال:] فكشر إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأثبته بيده، فقال: أدلك على خير من ذلك؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه قال: تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك، حتى تلقاني وأنت على ذلك.
قال جامعه: قد صدق اللَّه- تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من إخراجهم له من الشام والمدينة، وذلك أنه أخرج من المدينة أولا في خلافة عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى الشام لإنكاره أشياء من سيرته، فأقام بها، فأنكر على معاوية بن أبي سفيان وهو يومئذ أمير الشام، فشكاه إلى عثمان، فأمره بحمله إليه، فحمله إلى المدينة، فأخذ يطعن على عثمان، فأخرجه من المدينة، وأسكنه
[ (1) ](مسند أحمد) : 7/ 611- 612، حديث رقم (27041) ، من حديث أسماء بنت يزيد.
الرَّبَذَة حتى مات، وقد ذكرته في كتاب (التاريخ الكبير المقفى [ (1) ] ) ذكرا مستوفي.
وخرّج ابن حبان في (صحيحه) من حديث النضر بن شميل، عن كهمس بن الحسن [القيسيّ]، عن أبي السليل ضريب بن نقير القيسيّ قال: قال أبو ذر: جعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتلو هذه الآية: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [ (2) ][فجعل يرددها] حتى نعست فقال: يا أبا ذر لو أن الناس أخذوا بها لكفتهم، ثم قال: يا أبا ذر كيف تصنع إذا أخرجت من المدينة؟ قلت: إلى السعة والدعة، أكون حماما من حمام مكة، قال: فكيف تصنع إذا أخرجت من مكة؟ قلت: إلى السعة والدعة، إلى أرض الشام والأرض المقدسة، قال: فكيف تفعل إذا أخرجت منها؟ قال: [إذا] والّذي بعثك بالحق آخذ سيفي فأضعه على عاتقي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أو خير من ذلك، تسمع وتطيع لعبد حبشيّ مجدّع [ (3) ] ، واللَّه- تعالى- أعلم.
[ (1) ](المقفى الكبير) : 1/ 541، 2/ 418، 4/ 302، 5/ 17.
[ (2) ] الطلاق: 3- 4.
[ (3) ](الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان) : 15/ 53- 54، كتاب التاريخ، باب (10) إخباره صلى الله عليه وسلم عما يكون في أمته من الفتن والحوادث، ذكر الإخبار عن إخراج الناس أبا ذر الغفاريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من المدينة، حديث رقم (6669) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه، ثم قال في (هامشه) : إسناده ضعيف لانقطاعه، فإن ضريب بن نقير لم يدرك أبا ذر ولا سمع منه.
والثابت أن أبا ذر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إنما نزل الرَّبَذَة باختياره، وعثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إنما أمره بالتنحي عن المدينة لدفع المفسدة التي خافها على غيره من مذهبه الّذي انفرد به في حرمة ادخار المال ولو أديت زكاته، فاختار الرَّبَذَة، فقد روى البخاريّ في (صحيحه) [1406] عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذرّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ.