الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إنذار رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بارتداد قوم ممن آمن عن إيمانهم فكان كما أنذر وارتدت العرب بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
قال اللَّه تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ (1) ] وهذه الآية يعرض اللَّه فيها بارتداد من ارتد وانقلابهم على أعقابهم. بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها معنى
قوله صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا بضرب بعضكم رقاب بعض [ (2) ] .
وعن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه قال المراد بالشاكرين: أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأصحابه، وعنه أيضا: أبو بكر أمين الشاكرين وأمير من أحب اللَّه.
وعنه: السن أن أبا بكر كان واللَّه إمام الشاكرين، هو واللَّه إمام الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال اللَّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [ (3) ] .
قال الحسن علم اللَّه قوما يرجعون عن الإسلام بعد نبيهم فأخبرهم أنه سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه. فقوله: مَنْ يَرْتَدَّ جملة شرطية مستقبلية وهي إخبار عن الغيب وقع الخبر على وقعة فيكون معجزا لأنه من الكائنات التي أخبر عنها القرآن قبل كونها.
وقال الضحاك عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- في قوله تعالي يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ قال: حصت وعمت
[ (1) ] آل عمران: 144.
[ (2) ](جامع الأصول) : 3/ 458، في ذكر حجة الوداع، حديث رقم (1795) وعزاه للبخاريّ ومسلم.
[ (3) ] المائدة: 54.
أبناءهم وجدودهم ومن أظهر غير ما ستر فهو حشو في المؤمنين، فأخبرهم بما هم لاقون إن فعلوا بارتداد من ارتد منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكاتبهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالرسل، وماثلهم من بعده بأبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ومن أقام معه في الدار فهم جنود اللَّه الذين أقامهم على أمره وأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، الذين قاتلوا بني قينقاع، والنضير، وقريظة، وخيبر، فبدأ القوم بسعد بن عبادة، ثم أبواب الشام، ثم ثلثوا ببني أسد، وغطفان، ثم أثبتوا في نواحي جزيرة العرب حتى ضربوا البحرين من قبل عدن، وحضرموت من قبل عمان، والبحرين من قبل الشام والعراق حتى أدخلوا الناس في الباب الّذي خرجوا منه.
فأتى اللَّه تعالي بفلولهم المرتدة في دورهم، فكانوا أذل أهل رأفة على المؤمنين من تلك القبائل، أهل غلظة وانتقام على المرتدة لا يجعلوا في جهادهم بلوم من لام في ذلك، هذا ما خصهم اللَّه تعالى به فأتى من رجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في بيوتهم.
وعن سعيد بن مسلم وسعيد بن أبي عروبة. عن الحسن في قوله تعالى:
مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ [ (1) ] الآية، قال أبو بكر وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبره أنه يأتيهم به في دورهم، وحيث كانوا فهم أحباء اللَّه.
وقال طلحة بن الأعلم، عن ماهان، عن ابن عباس قال: كانت منازل الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: مسلم خالص، ومنافق، وكافر، فمن دخل من أهل الكفر في الإسلام فهو مسلم. ومن خرج من المسلمين إلى الكفار فهو منهم.
ومن أسر الكفر وأظهر الإسلام حقن بذلك دمه حتى يظهره، وعلى هذا قابل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم العرب. وقابل أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- العرب من بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منهم خاصة أو عامة، ما خلا أهل مكة، وأهل الطائف، والقبائل التي أجابت النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبيّة ممن حول مكة، والقبائل التي عاقب اللَّه يوم الحديبيّة منهم، وفائت عبد القيس، وحضرموت بعد الريب وحسن إسلامهم واستفاقوا من نومهم. قال هشام بن عروة، عن أبيه: ما مات
[ (1) ] المائدة: 54.
النبي صلى الله عليه وسلم حتى قل أهل الردة، وذلوا ودخلوا عامتهم في الباب الّذي خرجوا منه فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم لم يبق حي إلا ارتاب منهم خاصة أو عامة، ما خلا أهل مكة، وأهل الطائف.
وقد جاء أهل الطائف لموافاتهم عثمان بن أبي العاص من غير ظان تموت على دينهم فاستيقظوا، ولم يبق أحد على دينه في عبد القيس وحضرموت فإنّهم نزعوا عن دينهم ثم استقاموا.
وقال مجاهد عن سعيد عن الشعبي: لما فصل أسامة بن زيد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- تضرمت الأرض وارتدت من كل قبيلة وعامة إلا قريش وثقيف.
وقال هشام بن عروة، عن أبيه. لما مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفصل أسامة، ارتدت العرب خواص وعوام، وتروخي عن مسيلمة وطليحة فاستغلظ أمرهما.
واجتمعت على طلحة عوام طيِّئ وأسد. وارتدت غطفان إلا ما كان من أشجع وخواص من الأفناء فبايعوه وقدمت هوازن رجلا وأخرت أخرى، أمسكوا الصدقة إلا ما كان من ثقيف ومن إليهم فإنّهم أقيدوا بهم عوام جذيلة والأعجار، وارتدت خواص من سليم وكذلك سائر الناس من كل مكان.
وقدمت رسل النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن واليمامة وبلاد بني أسد مع وفود من كان كاتبه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر أمره في الأسود ومسيلمة وطليحة بالأخبار والكتب، فدفعوا كتبهم إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وأخبره الخبر، فقال لهم: لا تبرحوا حتى تجيء رسل أمرائكم وغيرهم بأوهى مما وصفهم، فلم يلبثوا أن قدمت كتب أمراء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من كل مكان بأنقاض العرب عامة وخاصة وتبسطهم بأنواع المثل على المسلمين، فجاءهم أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جاءهم بالرسل، فردوا رسلهم بأمره واتبع الرسل وانتظر بمصادمتهم قدوم أسامة، وكان أول من صادم عبس، وذبيان، عاجلهم وأعجلوه فقاتلهم قبل رجوع أسامة وقدوم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك.
فخرج البخاري في أول كتاب الفتن [ (1) ] من حديث بشر بن السري، عن نافع عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة قال: قالت أسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا على حوضي أنتظر من يرد علي فيؤذن بناس من دوني فأقول: أمتي فيقال: لا تدري، مشوا على القهقرى.
قال ابن أبي مليكة: اللَّهمّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن.
وخرج مسلم في كتاب المناقب [ (2) ] من حديث داود بن عمر الضبي قال:
حدثنا نافع بن عمر الجمحيّ، عن ابن أبي مليكة قال: قال عبد اللَّه بن عمرو ابن العاص الحديث. قال: وقالت أسماء بنت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إني على الحوض حتى انظر من يرد علي منكم وسيؤخذ أناس من دوني فأقول يا رب مني ومن أمتي فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؟ واللَّه ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم
قال: فكان ابن أبي مليكة يقول: اللَّهمّ إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا.
وخرج مسلم من حديث وهب قال: سمعت عبد العزيز بن صهيب يحدث قال: حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليردن على الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتم ورفعوا إلى اختلجوا دوني فلأقولن: أي رب أصحابي فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ذكره في المناقب [ (3) ] وخرجه البخاري في الرقاق [ (4) ] من حديث وهب حدثنا عبد العزيز، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليردن علي ناس من أصحابي الحوض حتى إذا عرفتهم
[ (1) ](فتح الباري) : 13/ 3، كتاب الفتن، باب (1) . ما جاء في قوله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من الفتن، حديث رقم (7048) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 61، كتاب الفضائل باب (9) إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته، حديث رقم (2293) .
[ (3) ](المرجع السابق) : 15/ 70، حديث رقم (40) وفي (الأصل)«المناقب» وأثبتناه من كتاب الفضائل.
[ (4) ](فتح الباري) : 11/ 566، كتاب الرقاق، باب (53) في الحوض. وقول اللَّه تعالى:
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ حديث رقم (6582) .
اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي، فيقول لا تدري ما أحدثوا بعدك.
وله من حديث جرير وشعبة، عن مغيرة، عن أبي وائل، عن عبد اللَّه. وخرج البخاري في كتاب الفتن [ (3) ] . ومسلم في المناقب [ (4) ] من حديث يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم قال سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول. أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليردن على أقوام أعرفهم، ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم.
قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلا؟ فقلت: نعم قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدريّ لسمعته يزيد فيه قال: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي. لفظهما فيه متقارب وقد تداخلت بعض ألفاظهم.
وخرجه مسلم [ (5) ] من حديث ابن وهب قال: حدثنا أسامة، عن أبي حازم، عن سهل، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعن النعمان بن أبي عياش، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث يعقوب. وخرجه البخاري بمثله في آخر كتاب الرقاق [ (6) ] .
وخرج فيه من حديث يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أنه كان يحدث أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول:
يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى [ (1) ] .
[ (3) ](المرجع السابق) : 13/ 4، حديث رقم (7050- 7051) .
[ (4) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 59، كتاب الفضائل، باب (9) إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته، حديث رقم (26) .
[ (5) ](المرجع السابق) : الحديث الّذي يلي رقم (2291) بدون رقم.
[ (6) ] سبق تخريجه.
[ (1) ](فتح الباري) : 11/ 567، كتاب الرقاق، باب (53) في الحوض. وقول اللَّه تعالى إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ، حديث رقم (6585) .