الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر وثوب مسيلمة في بني حنيفة ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حي
هو أبو ثمامة مسيلمة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عدي بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هيت بن أفصى بن دعمي بن جديله بن أسد بن ربيعة القرشي بن نزار بن معد بن عدنان.
فلما بعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين، أرسل عكرمة بن أبي جهل في عسكر إلى مسيلمة وأتبعه شرحبيل بن حسنة، فعجل عكرمة ليذهب بصوتها، فواقعهم فنكبوه، وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه الخبر، وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر. فكتب إليه أبو بكر: لا أرينّك ولا تراني، لا ترجعنّ فتوهن النّاس، امض إلى حذيفة وعرفجة فقاتل أهل عمان ومهرة، ثمّ تسير أنت وجندك تستبرون النّاس حتى تلقى مهاجر بن أبي أميّة باليمن وحضرموت.
فكتب إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد، فإذا فرغوا من مسيلمة تلحق بعمرو بن العاص تعينه على قضاعة.
فلمّا رجع خالد من البطاح إلى أبي بكر واعتذر إليه قبل عذره ورضي عنه ووجّهه إلى مسيلمة وأوعب معه المهاجرين والأنصار، وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شمّاس، وعلى المهاجرين أبو حذيفة وزيد بن الخطّاب، وأقام خالد بالبطاح ينتظر وصول البعث إليه. فلمّا وصلوا إليه سار إلى اليمامة وبنو حنيفة يومئذ كثيرون كانت عدّتهم أربعين ألف مقاتل، وعجل شرحبيل ابن حسنة، وبادر خالدا بقتال مسيلمة، فنكب، فلامه خالد، وأمدّ أبو بكر خالدا بسليط ليكون ردءا له لئلّا يؤتى من خلفه. وكان أبو بكر يقول: لا أستعمل أهل بدر، أدعهم حتى يلقوا اللَّه بصالح أعمالهم، فإنّ اللَّه يدفع بهم وبالصالحين أكثر ممّا ينتصر بهم. وكان عمر يرى استعمالهم على الجند وغيره.
وكان مع مسيلمة نهار الرّجّال بن عنفوة، وكان قد هاجر إلى النبيّ، صلى الله عليه وسلم، وقرأ القرآن، وفقه في الدين، وبعثه معلّما لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم، يقول: إنّ مسيلمة قد أشرك معه، فصدقوه واستجابوا له، وكان مسيلمة ينتهي إلى أمره، وكان يؤذّن له عبد اللَّه بن النواجة، والّذي يقيم له حجير بن عمير، فكان حجير يقول: أشهد أنّ مسيلمة يزعم أنّه رسول اللَّه. فقال له مسيلمة: أفصح حجير، فليس في المجمجمة خير. وهو أوّل من قالها.
وكان ممّا جاء به وذكر أنّه وحي: يا ضفدع بنت ضفدع نقّي ما تنقّين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدّرين.
وقال أيضا: والمبديات ذرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما إهالة وسمنا، لقد فضّلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريقكم فامنعوه، والمعيي فأوّوه، والباغي فناوئوه. وأتته امرأة فقالت: إنّ نخلنا لسحيق، وإنّ آبارنا لجرز، فادع اللَّه لمائنا ونخلنا كما دعا محمّد، صلى الله عليه وسلم، لأهل هزمان.
فسأل نهارا عن ذلك، فذكر أنّ النبيّ، صلى الله عليه وسلم، دعا لهم وأخذ من ماء آبارهم فتمضمض منه ومجّه في الآبار ففاضت ماء وأنجيت كلّ نخلة وأطلعت فسيلا قصيرا مكمّما، ففعل مسيلمة ذلك، فغار ماء الآبار ويبس النخل، وإنّما ظهر ذلك بعد مهلكه.
وقال له نهار: أمرّ يدك على أولاد بني حنيفة مثل محمّد، ففعل وأمرّ يده على رءوسهم وحنّكهم فقرع كلّ صبيّ مسح رأسه، ولثغ كلّ صبيّ حنكه، وإنّما استبان ذلك بعد مهلكه.
وقيل: جاءه طلحة النّمريّ فسأله عن حاله، فأخبره أنّه يأتيه رجل في ظلمة، فقال: أشهد أنّك الكاذب، وأنّ محمّدا صادق، ولكنّ كذّاب ربيعة أحبّ إلينا من صادق مضر. فقتل معه يوم عقرباء كافرا.
ولما بلغ مسيلمة دنوّ خالد ضرب عسكره بعقرباء، وخرج إليه النّاس وخرج مجّاعة بن مرارة في سريّة يطلب ثأرا لهم في بني عامر، فأخذه المسلمون وأصحابه، فقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في بني حنيفة، وكانوا ما بين أربعين إلى ستّين.
وترك مسيلمة الأموال وراء ظهره، فقال شرحبيل بن مسيلمة: يا بني حنيفة قاتلوا فإنّ اليوم يوم الغيرة، فإن انهزمتم تستردف النساء سبيّات، وينكحن غير خطّيبات، فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساءكم. فاقتتلوا بعقرباء، وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، وكانت قبله مع عبد اللَّه بن حفص بن غانم، فقتل، فقالوا: تخشى علينا من نفسك [شيئا] فقال: بئس حامل القرآن أنا إذا! وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شمّاس، وكانت العرب على راياتهم، والتقى النّاس، وكان أوّل من لقي المسلمين نهار الرّجّال بن عنفوة فقتل، قتله زيد بن الخطاب، واشتدّ القتال،
ولم يلق المسلمون حربا مثلها قطّ، وانهزم المسلمون، وخلص بنو حنيفة إلى مجّاعة وإلى خالد، فزال خالد عن الفسطاط ودخلوا إلى مجّاعة وهو عند امرأة خالد، وكان سلّمه إليها، فأرادوا قتلها، فنهاهم مجّاعة عن قتلها وقال:
أنا لها جار، فتركوها، وقال لهم: عليكم بالرجال، فقطّعوا الفسطاط. ثم إنّ المسلمين تداعوا، فقال ثابت بن قيس: بئس ما عودّتم أنفسكم يا معشر المسلمين! اللَّهمّ إنّي أبرأ إليك ممّا يصنع هؤلاء، يعني أهل اليمامة، وأعتذر إليك ممّا يصنع هؤلاء، يعنى المسلمين، ثمّ قاتل حتى قتل.
وقال زيد بين الخطّاب: لا نحور بعد الرجال، واللَّه لا أتكلّم اليوم حتى نهزمهم أو أقتل فأكلمّه بحجّتي. غضّوا أبصاركم وعضّوا على أضراسكم أيّها النّاس، واضربوا في عدوّكم وامضوا قدما. وقال أبو حذيفة: يا أهل القرآن زيّنوا القرآن بالفعال. وحمل خالد في النّاس حتى ردّوهم إلى أبعد ممّا كانوا، واشتدّ القتال وتذامرت بنو حنيفة وقاتلت قتالا شديدا، وكانت الحرب يومئذ تارة للمسلمين وتارة للكافرين، وقتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطّاب وغيرهم من أولي البصائر. فلمّا رأى خالد ما النّاس فيه قال: امتازوا أيّها النّاس لنعلم بلاء كلّ حيّ ولنعلم من أين نؤتي. فامتازوا، وكان أهل البوادي قد جنّبوا المهاجرين والأنصار وجنّبهم المهاجرون والأنصار. فلمّا امتازوا قال بعضهم لبعض: اليوم يستحي من الفرار، فما رئي يوم كان أعظم نكاية من ذلك اليوم، ولم يدر أيّ الفريقين كان أعظم نكاية، غير أن القتل كان في المهاجرين والأنصار وأهل القرى أكثر منه في أهل الوادي.
وثبت مسيلمة فدارت رحاهم عليه، فعرف خالد أنّها لا تركد إلّا بقتل مسيلمة، ولم تحفل بنو حنيفة بمن قتل منهم. ثمّ برز خالد ودعا إلى البراز ونادى بشعارهم، وكان شعارهم: يا محمّداه! فلم يبرز إليه أحد إلّا قتله.
ودارت رحى المسلمين، ودعا خالد مسيلمة فأجابه، فعرض عليه أشياء ممّا يشتهي مسيلمة فكان إذا همّ بجوابه أعرض بوجهه ليستشير شيطانه فينهاه أن يقبل. فأعرض بوجهه مرّة وركبه خالد وأرهقه، فأدبر وزال أصحابه، وصاح خالد في النّاس فركبوهم، فكانت هزيمتهم، وقالوا لمسيلمة: أين ما كنت تعدنا؟ فقال: قاتلوا عن أحسابكم. ونادى المحكّم: يا بنى حنيفة الحديقة الحديقة! فدخلوها وأغلقوا عليهم بابها.
وكان البراء بن مالك، وهو أخو أسد بن مالك، إذا حضر الحرب أخذته رعدة حتى يقعد عليه الرجال ثمّ يبول، فإذا بال ثار كما يثور الأسد، فأصابه
ذلك، فلمّا بال وثب وقال: إليّ أيّها النّاس، أنا البراد بن مالك! إليّ إليّ! وقاتل قتالا شديدا، فلمّا دخلت بنو حنيفة الحديقة قال البراء: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة. فقالوا: لا نفعل. فقال: واللَّه لتطرحنّني عليهم بها! فاحتمل حتى أشرف على الجدار فاقتحمها عليهم وقاتل على الباب وفتحه للمسلمين ودخلوها عليهم فاقتتلوا أشدّ قتال، وكثر القتلى في الفريقين لا سيّما في بني حنيفة، فل يزالوا كذلك حتى قتل مسيلمة. واشترك في قتله وحشيّ مولى جبير بن مطعم ورجل من الأنصار، أمّا وحشيّ فدفع عليه حربته، وضربه الأنصاريّ بسيفه، قال ابن عمر: فصرخ رجل: قتله العبد الأسود، فولّت بنو حنيفة عند قتله منهزمة، وأخذهم السيف من كل جانب، وأخبر خالد بقتل مسيلمة، فخرج بمجّاعة يرسف في الحديد ليد له على مسيلمة، فجعل يكشف له القتلى حتى مرّ بمحكّم اليمامة، وكان وسيما، فقال: هذا صاحبكم؟ فقال مجّاعة: لا، هذا واللَّه خير منه وأكرم، هذا محكّم اليمامة، ثمّ دخل الحديقة فإذا رويجل أصيفر أخينس، فقال مجّاعة:
هذا صاحبكم قد فرغتم منه. وقال خالد: هذا الّذي فعل بكم ما فعل.
وكان الّذي قتل محكّم اليمامة عبد الرحمن بن أبي بكر، رماه بسهم في نحره وهو يخطب ويحرّض النّاس فقتله. وقال مجّاعة لخالد: ما جاءك إلّا سرعان النّاس، وإنّ الحصون مملوّة، فهلمّ إلى الصلح على ما ورائي، فصالحه على كلّ شيء دون النفوس، وقال: أنطلق إليهم فأشاورهم. فانطلق إليهم وليس في الحصون إلّا النساء والصبيان ومشيخة فانية ورجال ضعفي، فألبسهم. الحديد وأمر النساء أن ينشرن شعورهنّ ويشرفن على الحصون حتى يرجع إليهم. فرجع إلى خالد فقال: قد أبوا أن يجيزوا ما صنعت، فرأى خالد الحصون مملوّة وقد نهكت المسلمين الحرب وطال اللّقاء وأحبّوا أن يرجعوا على الظفر ولم يدروا ما هو كائن، وقد قتل من المهاجرين والأنصار من أهل المدينة ثلاثمائة وستّون، ومن المهاجرين من غير المدينة ثلاثمائة رجل، وقتل ثابت بن قيس، قطع رجل من المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله، وقتل ثابت بن قيس، قطع رجل من المشركين رجله فأخذها ثابت وضربه بها فقتله، وقتل من بني حنيفة بعقرباء سبعة آلاف، وبالحديقة مثلها، وفي الطلب نحو منها. وصالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح ونصف السّبي، وقيل ربعه.
فلمّا فتحت الحصون لم يكن فيها إلّا النساء والصبيان والضعفاء، فقال خالد لمجاعة: ويحك خدعتني! فقال: هم قومي ولم أستطع إلّا ما صنعت.
ووصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كلّ محتلم، وكان قد صالحهم، فوفى لهم ولم يغدر. ولما رجع النّاس قال عمر لابنه عبد اللَّه، وكان معهم:
ألا هلكت قبل زيد؟ هلك زيد وأنت حيّ! ألا واريت وجهك عني؟ فقال عبد اللَّه: سأل اللَّه الشهادة فأعزيتها وجهدت أن تساق إليّ فلم أعصها [ (1) ] .
وقال سيف: حدثنا طلحة بن الأعلم، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ضرب بعث أسامة بن زيد فلم يسر لوجع النبي صلى الله عليه وسلم ولخلع مسيلمة والأسود، وقد أكثر المنافقون في تأمير أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى بلغ النبي صلى الله عليه وسلم فخرج عاصبا رأسه من الصداع لذلك الشأن، لرؤيا أريها صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة- رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها- وقال: إني رأيت البارحة فيما يرى النائم أن في عضدي سوارين من ذهب فكرهتهما، فنفختهما، فطارا، فأولتهما هذين الكذابين.
صاحب اليمامة وصاحب اليمن، وقد بلغني أن أقواما يقولون في إمرة أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولعمري لئن قالوا في إمارته لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله، وإن كان أبوه لخليقا لها، وإنه لها لخليق فأنفذوا بعث أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، فقال صلى الله عليه وسلم: لعن اللَّه الذين يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، فخرج أسامة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعرس بالجرف وأنشأ الناس في العسكر ونجم طليحة، وثقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم يستتم الأمر.
وقد خرج البخاري ومسلم [ (2) ] طرقا من ذلك، وخرج البخاري في باب علامات النبوة في الإسلام [ (3) ] من حديث أبي اليمان، أخبرنا شعيب عن عبد اللَّه بن أبي حسين حدثنا نافع بن جبير عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: إن
[ (1) ] عامة هذا الفصل مطموس في (الأصل) أو مضطرب السياق فأثبتناه من (الكامل في التاريخ لابن الأثير) :
2/ 360- 366.
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 38- 40، كتاب الرؤيا، باب (4) رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حديث رقم (18) ، (19) ، (20) ، (21) ، (22) .
[ (3) ](فتح الباري) : 6/ 777، كتاب المناقب، حيث رقم (3620) .
جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس- وفي يد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قطعة جريد- حتى وقف علي مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر اللَّه فيك ولئن أدبرت ليغفرنك اللَّه.
وإني لأراك الّذي أريت فيه ما رأيت، وهذا ثابت يجيبك عني. ثم انصرف.
قال ابن عباس: فسألت عن
قول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إني أرى الّذي أريت فيه ما أريت،
فأخبرني أبو هريرة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما فأوحي إلي في المنام أن انفخهما، فنفحتهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان بعدي: أحدهما العنسيّ، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة [ (1) ] .
وقال فيه البخاري: وإني لأراك الّذي أريت فيه ما أريت، وقال مسلم: ولن أتعدى أمر اللَّه تعالى فيك.
وخرج البخاري من حديث يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن عبيدة بن نشيط- وكان في موضع آخر اسمه عبد اللَّه- أن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة قال: بلغنا أن مسيلمة الكذاب قدم المدينة فنزل في دار بنت الحارث، وكانت تحته بنت الحارث بن كريز، وهي أم عبد اللَّه بن عامر، فأتاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وهو الّذي يقال له:
خطيب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وفي يد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قضيب فوقف عليه فكلمه، فقال له مسيلمة: إن شئت خلينا بينك وبين الأمر، ثم جعلته لنا بعدك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه، وإني لأراك الّذي أريت فيه ما أريت. هذا ثابت بن قيس سيجيبك عني، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم [ (2) ] .
قال عبيد اللَّه بن عبد اللَّه: سألت عبد اللَّه بن عباس، عن رؤيا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم التي ذكر، فقال ابن عباس: ذكر لي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم أريت أنه وضع في يدي سواران من ذهب، ففظعتهما وكرهتهما، فأذن لي فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان. فقال عبيد اللَّه: أحدهما العنسيّ
[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (3621) .
[ (2) ](فتح الباري) : 8/ 115، باب (72) قصة الأسود العنسيّ حديث رقم (4378) .
الّذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب [ (1) ] . ترجم عليه قصة الأسود العنسيّ. ذكره في كتاب المغازي.
[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (4379) .
قوله: «قصة الأسود العنسيّ» بسكون النون، وحكى ابن التين جواز فتحها ولم أر له في ذلك سلفا.
قوله: «حدثنا سعيد بن محمد الجرمي» بفتح الجيم وسكون الراء، كوفي ثقة مكثر، ويعقوب بن إبراهيم هو ابن سعد الزهري، وصالح هو ابن كيسان.
قوله: «عن ابن عبيدة بن نشيط» بفتح النون وكسر الشين المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة.
قوله: «وكان في موضع آخر اسمه عبد اللَّه» أراد بهذا أن ينبه على أن المبهم هو عبد اللَّه بن عبيدة لا أخوه موسى، وموسى ضعيف جدا وأخوه عبد اللَّه ثقة، وكان عبد اللَّه أكبر من موسى بثمانين سنة. وفي هذا الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق: صالح بن كيسان وعبد اللَّه بن عبيدة وعبيد اللَّه بن عبد اللَّه وهو ابن عتبة ابن مسعود. وساق البخاري عنه الحديث مرسلا. وقد ذكره في الباب الّذي قبله موصلا لكن من رواية نافع بن جبير عن ابن عباس.
قوله: «في دار بنت الحارث وكان تحته ابنة الحارث بن كريز» وهي أم عبد اللَّه بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، والّذي وقع هنا أنها أم عبد اللَّه بن عامر، قيل: الصواب أم أولاد عبد اللَّه بن عامر لأنها زوجته لا أمه، فإن أم ابن عامر ليلى بنت أبي حثمة العدوية. وهو اعتراض متجه. ولعله كان فيه أن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عامر فإن لعبد اللَّه بن عامر ولدا اسمه عبد اللَّه كاسم أبيه، وهو من بنت الحارث واسمها كيسة بتشديد التحتانية بعدها مهملة وهي بنت عبد اللَّه بن عامر بن كريز تحت مسيلمة الكذاب، وإذا ثبت ذلك ظهر السر في نزول مسيلمة وقومه عليها لكونها كانت امرأته وأما ما وقع عند ابن إسحاق أنهم نزلوا بدار بنت الحارث وذكر غيره أن اسمها رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن زيد وهي من الأنصار ثم من بني النجار ولها صحبة وتكنى أم ثابت، وكانت زوج معاذ بن عفراء الصحابي المشهور، فكلام ابن سعد يدل على أن دارها كانت معدة لنزول الوفود، فإنه ذكر في وفد بني محارب وبني كلاب وبني تغلب وغيرهم أنهم نزلوا في دار بنت الحارث، وكذا ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة حبسوا في دار بنت الحارث وتعقب السهيليّ موقع عند ابن إسحاق في قصة مسيلمة بأن الصواب بنت الحارث، وهو تعقب صحيح إلا أنه يمكن الجمع بأن يكون وفد بني حنيفة نزلوا بدار بنت الحارث كسائر الوفود ومسيلمة وحده نزل بدار زوجته بنت الحارث
وقال سيف: عن الضحاك بن يربوع عن أبيه قال: رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى
[ () ] ثم ظهر لي أن الصواب ما وقع عند ابن إسحاق، وأن مسيلمة والوفد نزلوا في دار بنت الحارث وكانت دارها معدة للوفود، وكان يقال لها أيضا بنت الحارث، كذا صرح به محمد بن سعد في (طبقات النساء) فقال:
رملة بنت الحارث ويقال لها ابنة الحارث بن ثعلبة الأنصارية، وساق نسبها. وأما زوجة مسيلمة وهي كيسة بنت الحارث فلم تكن إذ ذاك بالمدينة وإنما كانت عند مسيلمة باليمامة، فلما قتل تزوجها ابن عمها عبد اللَّه ابن عامر بعد ذلك. واللَّه أعلم.
قوله: «ثم جعلته لنا بعدك» هذا مغاير لما ذكر ابن إسحاق أنه ادعى الشركة، إلا أن يحمل على أنه ادعى ذلك بعد أن رجع.
قوله: «فقال ابن عباس ذكر لي» كذا فيه بضم الذال من ذكر على البناء للمجهول، وقد وضح من حديث الباب قبله أن الّذي ذكر له ذلك هو أبو هريرة.
قوله: «إسواران» بكسر الهمزة وسكون المهملة تثنية إسوار وهي لغة في السوار، وإسوار بالكسر ويجوز الضم، والأسوار أيضا صفة للكبير من الفرس: وهو بالضم والكسر معا بخلاف الإسوار من الحلي فإنه بالكسر فقط.
قوله: «ففظعتهما وكرهتهما» بفاء وظاء مشالة مكسورة بعدها عين مهملة، يقال: فظع الأمر فهو فظيع إذا جاوز المقدار، قال ابن الأثير: الفظيع الأمر الشديد، وجاء هنا متعديا، والمعروف فظعت به وفظعت منه فيحتمل التعدية على المعنى أي حفتهما، أو معنى فظعتهما اشتد علي أمرهما. قلت: يؤيد الثاني قوله في الرواية الماضية قريبا «وكبرا علي» .
قوله: «فقال عبد اللَّه أحدهما العنسيّ الّذي قتله فيروز باليمن، والآخر مسيلمة الكذاب» أما مسيلمة فقد ذكرت خبره، وأما العنسيّ وفيروز فكان من قصته أن العنسيّ وهو الأسود واسمه عبهلة بن كعب وكان يقال له أيضا ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه، وقيل هو اسم شيطانه. وكان الأسود قد خرج بصنعاء وادعى النبوة وغلب على عامل صنعاء المهاجر بن أبي أمية، ويقال إنه مر به فلما حاذاه عثر الحمار فادعى أنه أنه سجد له، ولم يقم الحمار حتى قال له شيئا فقام، وروى يعقوب بن سفيان والبيهقي في «الدلائل» من طريقه من حديث ان عمان بن بزرج بضم الموحدة وسكون الزاي ثم راء مضمومة ثم جيم قال: خرج أسود الكذاب وهو من بني عنس بعني بسكون النون وكان معه شيطانان يقال لأحدهما سحيق بمهملتين وقاف مصغر والآخر شقيق بمعجمة وقافين مصغر، وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث من أمور الناس، وكان ياذان أمل النبي
المدينة عام حجة الوداع وعامله على اليمامة ثمامة بن أثال ثم بعث نهارا بعد ما بلغه خروج مسيلمة معلما وكان مسيلمة من أهل هذا، وبعث إلى أهل حجر فاستجلبه فلما شهد له نهار الرجّال أن النبي صلى الله عليه وسلم زعم أنه أشرك معه في الأمر أخرجا عامة من بحجر.
عن طلحة بن الأعلم عن عبد اللَّه بن عمير الحنفي، قال: لما قدم بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى إلي اليمامة إلى ثمامة بن أثال بخيل له وطلب عورته وقد أخبره أن معه شيطانا ماردا وأنه يصغي إليه وادعى إلى شيء فلا يعمل إلا بأمره وأنه ذلك إن سد فيه يريد أن فتعلموها زيدتان كأنهما زبيبتان فلا نشهد عليه حتى ترى ذلك فإن قلبه عند ذلك في سعل وإنك أن عاجله أحد ثم أمنه عليه وقال ان قويت على مكابرته فكابره واستعن بفلان ممن حول اليمامة من تميم وقيس فلما لم يقدر علي مرضه منه وكاتبه الّذي كتب اليهم النبي صلى الله عليه وسلم من حوله وقطع طريق اليمامة اعتزل تمامة فيمن ثبت على الإسلام من بني حنيفة وكانوا فرقتين فرقه معه وفرقة مع مسيلمة الموسم فنزل الوسم وجعل تميما وقيسا من خلفه واستهدهم وأمده الزبرقان بن بدر وقيس وصفوان ووكيع وعمرو ابن حرم انميرى وعمرو بن فلان الحفاحى فاقتحم بهم ثمامة عليهم فالتقى هو مسيلمة يملهم بقتل حبيب بن قيس بن حبيب أخو مسيلمة وجعفر بن مسيلمة بن قتادة وعزاء بن علي وخرج تمامه وأصحابه علي الغنم والظفر فعادوا وأصحابه إلى الموسم وتضعضع عنه مسيلمة، وقال ثمامة بن أثال في ذلك.
قالت رميلة أين ترحل بعد ما
…
جدا الرحيل يحفل حدار
وتعرضت لتلومني في عزوتى
…
مشفقا على مخافة الأقدار
فقصبت بما دلتى وقلت لها أحمقي
…
وقضضت جميع مغامر حبار
[ () ] صلى الله عليه وسلم بصنعاء فمات، فجاء شيطان الأسود فأخبره، فخرج في قوة حتى ملك صنعاء وتزوج المرزبانة زوجه باذان، فذكر القصة في مواعدتها دادويه وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود ليلا، وقد سقته المرزبانة الخمر صرفا حتى سكر، وكان على بابه ألف حارس، فنقب فيروز ومن معه الجدار حتى دخلوا فقتله فيروز واحتز رأسه، وأخرجوا المرأة وما أحبوا من متاع البيت، وأرسلوا الخبر إلى المدينة فوافى بذلك عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو الأسود عن عرة: أصيب الأسود قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بيوم وليلة، فأتاه لوحي فأخبر به أصحابه، ثم جاء الخبر إلى أبي بكر رضى اللَّه عنه، وقيل وصل الخبر بذلك صبيحة دفن النبي صلى الله عليه وسلم.
ورميت مشتبه الفلات بفيلق
…
شهبا ذات نوارح وأوار
وفتحت بالجيش الموبر جمعهم
…
ورياح كل مصلصل حران
وخدعت عربين اليمامة كلهم
…
بخيبهم ويجعفر وعزار
وكانت بنو حنيفة فرقتين فرقة مع مسيلمة وهو أهل هجر وحشدوا ثم خرجوا نحو الوشم وفرقة مع تمامه من بني سحيم وأهل القرى من فينا حنيفة فغضب أهل حجر ثم خرجوا نحو الوشم يغزون يمامه ومن بيعة من بني تميم سحيم وأهل القرى ومن أمره من تميم وقيس فالتفوا بالوشم فاقتتلوا قتالا شديدا فهزم مسيلمة وأصحابه واتبعهم تمامه بمن معه يقتلونهم قاهرين لهم ثم رجعوا وقد بنوا أيديهم مما أصابوا من جند مسيلمة فقال ثم في ذلك.
قالت رميلة لا يهد وقد جرى
…
يوم الغوير بحكهما استعار
أرميل لي أني لم اربح مودتي
…
حتى تزيل مساقتى الأقدار
أرميل أني شاري لمحمد نفسي
…
وأهلي الدهور عمار
فغضبت جميعهم يطعن مصائب
…
حتى نزهده بيننا الأكوار
وركبت غازى القرى في أثره
…
أقرى المنان وجعنا سيار
قال سيف عن طلحة عن ماهان عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم الخبر بما ألقي مسيلمة فقال: هداك مسيلمة قد سحى وضاق ضرعا واللَّه مخزيه ومن لقيه فليبرأ منه فأن له شيطانا لا يقطع أمرا دونه يصغي إليه فإذا اصغي إليه فليغتنم شغله فإن قلبه مخامر وأنه ذلك أرشد سفيه يزيد أن حتى فعلوهما زبيبتان وأنه لا يصاب إلا في تلك الحال.