الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما ردة قرة بن هبيرة بن مسلمة القشيري في غطفان
فإنه اجتمع له عسكر من بني عامر على أن لا يؤدي الزكاة وذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وصارت وبنو عامر تقدم رجلا وتؤخر أخرى، وتنظر ما صنع أسد وغطفان فلما أحيط بهم وبنو عامر علي قادتهم وسادتهم: قرة بن هبيرة في كعب ومن لافها وعلقمة بن علاثة في كلاب ومن لافها. فلما مر عمرو بن العاص بقرة منصرفه من عمان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أنزله وأكرمه.
فلما أراد أن يرحل قال له: يا هذا، إن العرب لا تطيب لكم أنفسا بالإتاوة فإن أنتم أغنيتموها من أخذ أموالها فستسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا أرى أن تجتمع عليكم فقال عمرو: أكفرت يا قرة؟ وخوله بنو عامر فكره أن تبوح لمتابعتهم فيكفروا، أو بمتابعته فينفروا، فيقول: لنردنكم إلي فئتكم، وكلما سأله عمرو: أكفرت يا قرة؟ يقول: لنردنكم إلي فئتكم، واجعلوا بيننا وبينكم موعدا. فقال عمرو: أتوعدنا بالعرب ونحو فئاتها، موعدك حشف أمك، فو اللَّه لأوطنه عليك الحبل.
وقدم علي أبي بكر والمسلمين، فأخبرهم خبر ما بين عمان إلي المدينة فلما كان يوم البزاخة أقبلت بنو عامر إلي خالد بن الوليد يقولون: ندخل فيما خرجنا منه، فبايعهم علي الإسلام.
وأما ردة بني يربوع قوم مالك بن نويرة ابن حمزة بن شداد بن عبيد بن ثعلبة ابن يربوع بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة بن تميم
لما رجعت سجاح إلي الجزيرة ارعوى مالك بن نويرة وندم وتحير في أمره، وعرف وكيع وسماعة قبح ما أتيا فراجعا رجوعا حسنا ولم يتجبرا، وأخرجا الصدقات فاستقبلا بها خالدا وسار خالد بعد أن فرغ من فزارة وغطفان
وأسد وطيِّئ يريد البطاح وبها مالك بن نويرة قد تردد عليه أمره وتخلفت الأنصار عن خالد وقالوا: ما هذا بعهد الخليفة إلينا إن نحن فرغنا من بزاخة أن نقيم حتى يكتب إلينا، فقال خالد: قد عهد إلي أن أمضي وأنا الأمير ولو لم يأت كتاب بما رأيته فرصة، وكنت إن أعلمته فاتتني لم أعلمه وكذلك لو ابتلينا بأمر ليس فيه منه عهد لم ندع أن نرى أفضل ما يحضرنا ثم نعمل به، فأنا قاصد إلي مالك ومن معي ولست أكرههم، ومضي خالد، وندمت الأنصار وقالوا: إن أصاب القوم خيرا حرمتوه، وإن أصيبوا ليجتنبنكم الناس، فلحقوه ثم سار حتى قدم البطاح فلم يجد بها أحدا، وكان مالك بن نويرة قد فرقهم ونهاهم عن الاجتماع وقال: يا بني يربوع إنا دعينا إلي هذا الأمر، فأبطأنا عنه، فلم نفلح، وقد نظرت فيه فرأيت الأمر يتأتي لهم بغير سياسة وإذا الأمر لا يسوسه الناس فإياكم ومناوأة قوم صنع لهم فتفرقوا وأدخلوا في هذا الأمر فتفرقوا علي ذلك.
ولما قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام، وأن يأتوه بكل من لم يحب وإن امتنع أن يقتلوه، وكان قد أوصاهم أبو بكر أن يؤذنوا إذا نزلوا منزلا، فإن أذن القوم فكفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا فاقتلوه وانهبوا وإن أجابوكم إلي داعية الإسلام فسائلوهم عن الزكاة، فإن أقروا فاقبلوا منهم، وإن أبوا فقاتلوهم.
قال: فجاءته الخيل بمالك بن نويرة في نفر من بني ثعلب بن يربوع فاختلفت السرية فيهم، وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا، فلما اختلفوا أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء، فأمر خالد مناديا فنادى: ادفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكا. وسمع خالد الواعية فخرج وقد فرغوا منهم. فقال إذا أراد اللَّه أمرا أصابه، وتزوج خالد أم تميم امرأة مالك فقال عمر لأبي بكر: إن سيف خالد فيه رهق وأكثر عليه في ذلك، فقال: هيه يا عمر، تأول فأخطأ فارفع لسانك عن خالد، فإنّي لا أشيم سيفا سله اللَّه على الكافرين، وودى مالكا، وكتب إلي خالد أن يقدم عليه، ففعل ودخل عليه المسجد وعليه قباء وقد غرز في عمامته أسهما فقام إليه عمر
فنزعها وحطمها، وقال قتلت امرأ مسلما، ثم نزوت علي امرأته، واللَّه لأرجمنك بأحجارك، وخالد لا يكلمه، يظن أن رأي أبي بكر مثله، ودخل علي أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فعذره وتجاوز عنه وعنفه في التزويج الّذي كانت عليه العرب من كراهة أيام الحرب فخرج، وعمر جالس فقال هلم إلي يا ابن أم سلمة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه، فلم يكلمه وقيل: إن المسلمين لما غشوا مالكا وأصحابه ليلا أخذوا السلاح فقالوا: نحن المسلمين، فقال أصحاب مالك: ونحن المسلمين، فقالوا لهم: ضعوا السلاح، فوضعوه، ثم صلوا وكان يعتذر في قتله أنه قال: ما إخال صاحبكم إلا قال كذا وكذا، فقال له أو ما تعده لك صاحبا؟ ثم ضرب عنقه وقدم متمم بن نويرة على أبي بكر يطلب بدم أخيه ويسأله أن يرد عليهم سبيهم، فأمر أبو بكر برد السبي وودى مالكا من بيت المال.
ولما قدم على عمر قال له: ما بلغ بك الوجد على أخيك؟ قال بكيته حولا حتى أسعدت عيني الذاهبة عيني الصحيحة، وما رأيت نارا قط إلا كدت أنقطع أسفا عليه، لأنه كان يوقد ناره إلي الصبح مخافة أن يأتيه ضيف ولا يعرف مكانه، قال: فصفه لي، قال كان يركب الفرس الحرون، ويقود الجمل الثقال وهو بين المزادتين النضوختين في الليلة القرة وعليه شملة فلوت، معتقلا، رمحا خطلا، فيسري ليلته ثم يصبح وكأن وجهه فلقة قمر. قال: أنشدني بعض ما قلت فيه، فأنشد مرثيته التي يقول فيها:
وكنا كندماني جذيمة حقبة
…
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا
…
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
فقال عمر: لو كنت أقول الشعر لرثيت أخي زيدا، فقال متمم: ولا سواء يا أمير المؤمنين لو كان أخي صرع مصرع أخيك لما بكيته.
فقال عمر: ما عزائي أجد بأحسن مما عزيتني به، وفي هذه الوقعة قتل الوليد وأبو عبيدة ابنا عمارة بن الوليد وهما ابنا أخي خالد، لهما صحبة [ (1) ] .
[ (1) ](الكامل في التاريخ لابن الأثير) : 2/ 357- 360.