الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأخبرهم ان القوم سكارى فخرج المسلمون عليهم فوضعوا فيهم السيف كيف شاءوا وهرب الكفار فمن بين متردد وناج ومقتول ومأسور، واستولي المسلمون على العسكر ولم يفلت رجل إلا بما عليه فأما أبجر فأفلت، وأما الحكم فقتل قتله قيس بن عاصم بعد أن قطع عفيف بن المنذر التميمي رجله وطلبهم المسلمون فأسر عفيف بن المنذر النعمان بن المنذر الغرور فأسلم وأصبح العلاء فقسم الأنفال ونفل رجالا من أهل البلاء ثيابا فأعطى ثمامة بن أثال الحنفي خميصة ذات أعلام كانت للحكم يباهي بها، فلما رجع ثمامة بعد فتح دارين رآها بنو قيس بن ثعلبة: فقالوا له أنت قتلت الحطم؟ فقال لم أقتله ولكني اشتريها من المغنم فوثبوا عليه فقتلوه [ (1) ] .
وأما ردة جبلة بن أبي المنذر بن الأيهم بن الحارث
وهو جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن أبي شمر واسمه المنذر بن الحارث وهو ابن مارية ذات القرطين وهو ابن ثعلبة بن عمرو بن جفنة واسمه كعب أبو عامر بن حارثة بن امرئ القيس ومارية بنت أرقم بن ثعلب بن عمرو ابن جفنة ويقال غير ذلك في نسبه وكنيته جبلة أبو المنذر الغساني الجفني وكان ملك غسان وهم نصارى العرب أيام هرقل وغسان أولاد عم الأنصار أوسها وخزرجها وكان جبلة آخر ملوك غسان فكتب إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتابا مع شجاع بن وهب يدعوه إلي الإسلام فأسلم وكتب بإسلامه إلي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال ابن عساكر: إنه لم يسلم قط وهكذا صرح به الواحدي وسعيد بن عبد العزيز وقال الواقدي: شهد اليرموك مع الروم أيام عمر بن الخطاب ثم أسلم بعد ذلك في أيام عمرو فاتفق أنه وطء رداء رجل من مزينة بدمشق فلطمه ذلك المزني فدفعه أصحاب جبلة إلي أبي عبيدة فقالوا: هذا لطم جبلة قال أبو عبيدة فيلطمه جبلة فقالوا: أوما يقتل؟ قال: لا، قالوا: فكنا تقطع يده؟ قال لا إنما
[ (1) ](الكامل في التاريخ لابن الأثير) : 2/ 368- 370.
أمر اللَّه بالقود فقال جبلة أترون أني جاعل وجهي بدلا لوجه مازني جاء من ناحية المدينة؟ بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانبا وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان إن صديقك جبلة ارتد عن الإسلام فقال إنا للَّه: وإنا إليه راجعون ثم قال: ولم؟ قال لطمة رجل من مزينة فقال وحق له فقام إليه عمر بالدرة فضربه ورواه الواقدي عن معمر وغيره عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس ساق ذلك بأسانيده إلي جماعة من الصحاب وهذا القول هو أشهر الأقوال وقد روى ابن الكلبي وغيره أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة وقيل: بل استأذنه جبلة في القدوم عليه فأذن له فركب في خلق كثير من قومه قيل مائة وخمسين راكبا وقيل خمسمائة وتلقته هدايا عمر ونزله قبل أن يصل إلي المدينة بمراحل وكان يوم دخوله يوما مشهودا دخلها وقد ألبس خيوله قلائد الذهب والفضة ولبس تاجا على رأسه مرصعا باللآلئ والجواهر، وفيه قرطا مارية جدته.
وخرج أهل المدينة رجالهم ونساؤهم ينظرون إليه فلما سلم علي عمر رحب به عمر وأدنى مجلسه، وشهد الحج مع عمر في هذه السنة فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطء إزاره رجل من بني فزارة فانحل فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل ومن الناس من يقول إنه قلع عينه فاستعدى عليه الفزاري إلي عمر ومعه خلق كثير من بني فزارة فاستحضره عمر فاعترف جبلة فقال له عمر اقتدته منك فقال كيف وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى. فقال جبلة: قد كنت أظن أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية. فقال عمر: دع ذا عنك فإنك إن لم ترض الرجل اقتدته منك فقال: إذا أتنصر. فقال: إن تنصرت ضربت عنقك. فلما رأى الحد قال: سأنظر في أمري هذه الليلة فانصرف من عند عمر. فلما أدلهم الليل ركب في قومه ومن أطاعه، فسار إلي الشام ثم دخل الروم ودخل علي هرقل في مدينة القسطنطينية فرحب به هرقل وأقطعه بلادا كثيرة وأجرى عليه أرزاقا جزيلة. وأهدى إليه هدايا جميلة. وجعله من سمّاره فمكث عنده دهرا وقال الواقدي: شهد اليرموك مع الروم أيام عمر بن الخطاب ثم أسلم بعد ذلك في أيام عمر. فاتفق أنه وطء رداء رجل من مزينة بدمشق فلطمه ذلك المزني فدفعه أصحاب جبلة إلي أبي عبيدة فقالوا:
هذا لطم جبلة، قال أبو عبيدة، فيلطمه جبلة، فقالوا: أوما يقتل؟ قال لا قالوا فما تقطع يده؟ قال لا إنما أمر اللَّه بالقود، فقال جبلة أترون أني جاعل وجهي بدلا لوجه مازني جاء من ناحية المدينة؟ بئس الدين هذا ثم ارتد نصرانبا وترحل بأهله حتى دخل أرض الروم فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان إن صديقك جبلة ارتد عن الإسلام فقال إنا للَّه وإنا راجعون، ثم قال ولم؟ قال لطمة رجل من مزينة فقال وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه ورواه الواقدي عن معمر وغيره عن الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عباس ساق ذلك بأسانيده إلي جماعة من الصحابة، وهذا القول هو أشهر الأقوال وقد روى ابن الكلبي وغيره أن عمر لما بلغه إسلام جبلة فرح بإسلامه ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة وقيل: بل استأذنه جبلة في القدوم عليه فأذن له فركب في خلق كثيرة من قومه قيل: مائة وخمسين راكبا. وقيل: خمسمائة وتلقته هدايا عمر ونزله قبل أن يصل إلي المدينة بمراحل وكان يوم دخوله يوما مشهودا دخلها وقد ألبس خيوله قلائد الذهب والفضة ولبس تاجا على رأسه مرصعا باللآلي والجواهر وفيه قرطا مارية جدته وخرج أهل المدينة رجالهم ونساؤهم ينظرون إليه فلما سلم علي عمر رحب به عمرو أدنى مجلسه وشهد الحج مع عمر في هذه السنة، فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وطء إزاره رجل من بني فزارة فانحل فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل! ومن الناس من يقول إنه قلع عينه فاستعدى عليه الفزاري إلي عمر ومعه خلق كثير من بني فزارة فاستحضر عمر فاعترف جبلة فقال له عمر أقتد منه فقال كيف وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال إن الإسلام جمعك وإياه فلست تفضله إلا بالتقوى فقال جبلة قد كنت أظن أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية فقال عمر دع ذا عنك فإنك إن لم ترض الرجل اقتدته منك فقال إذا أتنصر! فقال إن تنصرت ضربت عنقك فلما رأى الحد قال سأنظر في أمري هذه الليلة فانصرف من عند عمر فلما أدلهم الليل ركب في قومه ومن أطاعه فسار إلي الشام ثم دخل الروم ودخل علي هرقل في مدينة القسطنطينية فرحب به هرقل وأقطعه بلادا كثيرة وأجرى عليه أرزاقا جزيلة وأهدى إليه هدايا جميلة وجعله من سماره فمكث عنده دهرا ثم إن عمر كتب كتابا إلي هرقل مع رجل يقال له جثامة بن مساحق الكناني. فلما بلغ
هرقل كتاب عمر بن الخطاب قال له هرقل: هل لقيت ابن عمك جبلة؟ قال:
لا قال فألقه فذكر اجتماعه به وما هو فيه من النعمة والسرور والحبور الدنيوي في لباسه وفرشه ومجلسه وطيبه وجواريه حواليه حسان من الخدم والقيان ومطعمه وشرابه وسروره وداره التي تعوض بها عن دار الإسلام وذكر انه دعاه إلي الإسلام والعود إلي الشام فقال أبعد ما كان مني من الارتداد؟ فقال نعم إن الأشعث بن قيس ارتد وقاتلهم بالسيوف ثم لما رجع إلي الحق منه وزوجه الصديق بأخته أم فروة قال فتلهى عنه بالطعام والشراب وعرض عليه الخمر فأبي عليه وشرب جبلة من الخمر شيئا كثيرا حتى سكر ثم أمر جواريه المغنيات فغنينه بالعيدان من قول حسان بن ثابت فينا وفي ملكنا وفي منازلنا بأكناف غوطة دمشق قال سكت طويلا ثم قال لهن أبكينني فوضعن عيدانهن ونكسن رءوسهن وقلن:
تنصرت الأشرف من عار لطمة
…
وما كان لو صبرت لها ضرر
تكنفني فيها اللجاج ونخوة
…
وبعت بها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني
…
رجعت إلي القول الّذي قاله عمر
وياليتني أرعى المخاض بقفرة
…
وكنت أسيرا في ربيعة أو مضر
وياليت لي بالشام أدنى معيشة
…
أجالس قومي ذاهب السمع والبصر
أدين بما دانوا به من شريعة
…
وقد يصبر العود الكبير على الدبر
قال فوضع يده على وجهه فبكى حتى بل لحيته بدموعه وبكيت معه ثم أستدعي بخمسمائة دينار هرقلية فقال خذ هذه فأوصلها إلي حسان بن ثابت وجاء بأخرى فقال خذ هذه لك فقلت لا حاجة لنا فيها ولا أقبل منك شيئا وقد ارتددت عن الإسلام فيقال إنه أضافها إلي التي لحسان فبعث بألف دينار هرقلية ثم قال له أبلغ عمر بن الخطب مني السلام وسائر المسلمين فلما قدمت على عمر أخبرته فقال ورأيته يشرب الخمر؟ قلت: نعم قال: أبعده اللَّه تعجل فانية بباقية فما ربحت تجارته، ثم قال وما الّذي وجه به لحسان؟ قلت خمسمائة دينار هرقلية فدعا حسانا فدفعها إليه فأخذها وهو يقول:
إن ابن جفنة من بقية معشر
…
لم يغرهم آباؤهم باللوم
لم ينس بالشام إذ هو ربها
…
كلا ولا منتصرا بالروم
يعطي الجزيل ولا يراه عنده
…
إلا كبعض عطية المحروم
وأتيته يوما فقرب مجلس
…
وسقى فرواني من المذموم
ثم لما كان في هذه السنة من أيام معاوية بعث معاوية عبد اللَّه بن مسعدة الفزاري رسولا إلي ملك الروم فاجتمع بجبلة بن الأيهم فرأى ما هو فيه من السعادة الدنيوية والأموال من الخدم والحشم والذهب والخيول فقال له جبلة لو أعلم أن معاوية يقطعني أرض البثينة فإنّها منازلها وعشرين قرية من غوطة دمشق ويفرض لجماعتنا ويحسن جوائزنا لرجعت إلي الشام فأخبر عبد اللَّه بن مسعدة معاوية بقوله فقال معاوية: أنا أعطيه ذلك وكتب إليه كتابا مع البريد بذلك فما أدركه البريد إلا وقد مات قبحة اللَّه وذكر أكثر هذه الأخبار الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في المنتظر وأرخ وفاته هذه السنة أعني سنة ثلاث وخمسين وقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في تاريخه فأكال الترجمة وأفاد ثم قال في آخرها بلغني أن جبلة توفي في خلافة معاوية بأرض الروم بعد سنة أربعين من الهجرة [ (1) ] .
وذكر ابن سعد أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كتب إلي جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلي الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأهدى له هدية ولم يزل مسلما حتى كان في زمان عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فبينما هو في سوق دمشق إذ وطئ رجلا من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ وانطلق به إلي أبي عبيدة الجراح، فقالوا: هذا لطم جبلة، قال: فليطمه، قالوا: وما يقتل؟ قال: لا قالوا: فما تقطع يده قال:
لا، إنما أمر اللَّه- تبارك وتعالي- بالقود، قال جبلة: أو ترون إني جاعل وجهي ندا لوجه جدي جاء من عمق! بئس الدين هذا: ثم ارتد نصرانيا وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر فشق عليه وقال لحسان ابن ثابت: أبا الوليد، أما علمت ان صديقك وجبلة بن الأيهم ارتد نصرانيا؟
قال: إنا للَّه وإنا إليه راجعون قال، ولم؟ قال: لطمة رجل من مزينة،
[ (1) ](البداية والنهاية) : 8/ 69- 72.