الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما إخباره صلى الله عليه وسلم بوقعة ذي قار في يوم الوقعة وأن نصرة العرب على فارس كانت به [ (1) ]
ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما بلغه ما كان من هزيمة ربيعة جيش كسرى، قال: هذا أول يوم انتصف العرب من العجم، وبي نصروا.
وهو يوم قراقر، ويوم الجبابات، ويوم ذي العجرم، ويوم الغذوان، ويوم البطحاء، بطحاء ذي قار، وكلهن حول ذي قار.
فحدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، قال: حدثني أبو المختار فراس ابن خندق- أو خندقة- وعدة من علماء العرب قد سماهم، أن الّذي جر يوم ذي قار، قتل النعمان بن المنذر اللخمي عدي بن زيد العبادي، وكان عدي من تراجمة أبرويز كسرى بن هرمز.
وكان سبب قتل النعمان بن المنذر عدي بن زيد، ما ذكر لي عن هشام بن محمد، قال: سمعت إسحاق بن الجصاص- وأخذته من كتاب حماد وقد ذكر أبي بعضه- قال: ولد زيد بن حماد بن زيد بن أيوب بن مجروف بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم ثلاثة: عديا الشاعر، وكان جميلا شاعرا خطيبا، وقد قرأ كتب العرب والفرس، وعمارا- وهو أبي- وعمرا- وهو سمي- ولهم أخ من أمهم، يقال له عدي بن حنظلة من طيِّئ، وكان عمار يكون عند كسرى، فكان أحدهما يشتهي هلاك عدي بن زيد، وكان الآخر يتدين في نصرانيته، وكانوا أهل بيت يكونون مع الأكاسرة لهم معهم أكل [ (2) ] وناحية، يقطعونهم القطائع، [ويجزلون صلاتهم][ (3) ] ، وكان المنذر بن المنذر لما ملك جعل ابنه النعمان في حجر عدي، فهم الذين أرضعوه [وربوه، وكان المنذر ابن آخر يقال له «الأسود» ، أمه مارية بنت الحارث بن جلهم من تيم الرباب، فأرضعه][ (4) ]، ورباه قوم من أهل الحيرة يقال لهم: بنو
[ (1) ] سياق هذا الفضل مضطرا في (الأصل) واستدركناه من (تاريخ الطبري) و (الكامل في تاريخ لابن الأثير) .
[ (2) ] الأكل هنا: الرزق، يقال: فلان ذو أكل، إذا كان ذا رزق وحظ واسع في الدنيا.
[ (3) ] تكملة من الأغاني فيما رواه عن هشام الكلبي.
[ (4) ] تكملة من الأغاني فيما رواه عن هشام الكلبي.
مرينا، ينسبون إلى لخم، وكانوا أشرافا. وكان للمنذر بن المنذر سوى هذين من الولد عشرة، وكان يقال لولده كلهم الأشاهب [ (1) ] ، من جمالهم، فذلك قول الأعشى:
وبنو المنذر الأشاهب بالحيرة
…
يمشون غدوة بالسيوف
وكان النعمان أحمر أبرش [ (2) ] قصيرا، وكانت أمه يقال لها: سلمى بنت وائل بن عطية الصائغ من أهل فدك، وكانت أمة للحارث بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب من كلب، وكان قابوس بن المنذر الأكبر عم النعمان وإخوته، بعث كسرى بن هرمز بعديّ بن زيد وإخوته، فكانوا في كتّابه يترجمون له، فلما مات المنذر بن المنذر، وترك ولده هؤلاء الثلاثة عشر، جعل على أمره كله إياس بن قبيصة الطائي [وملكه على الحيرة إلى أن يرى كسرى رأيه] فكان عليه أشهرا، وكسرى في طلب رجل يملكه على العرب، ثم إن سكره بن هرمز دعا عدي بن زيد، فقال له: من بقي من بني المنذر؟ وما هم؟ وهل فيهم خير؟ فقال: بقيتهم في ولد هذا الميت المنذر بن المنذر، وهم رجال، فقال: ابعث إليهم، فكتب فيهم فقدموا عليه، فأنزلهم على عدي ابن زيد، فكان عدي يفضل إخوة النعمان عليه في النزل، وهو يريهم أنه لا يرجوه، ويخلو بهم رجلا رجلا، ويقول لهم: إن سألكم الملك:
أتكفونني العرب؟ فقولوا: نكفيكهم إلا النعمان، وقال للنعمان: إن سألك الملك: عن إخوتك فقل له: إن عجزت عنهم، فأنا عن غيرهم أعجز، وكان من بني مرينا رجل يقال له عدي بن أوس بن مرينا، وكان ماردا شاعرا، وكان يقول للأسود [بن المنذر] [ (3) ] : إنك قد عرفت أني لك راج، وأن طلبتي ورغبتي إليك أن تخالف عديّ بن زيد، فإنه واللَّه لا ينصح لك أبدا، فلم يلتفت إلى قوله.
فلما أمر كسرى عدي بن زيد أن يدخلهم عليه، جعل يدخلهم عليه، جعل يدخلهم عليه رجلا رجلا، فيكلمه، فكان يرى رجالا فلما رأى مثلهم، فإذا
[ (1) ] قال في (القاموس) : «والأشاهب بنو المنذر لجمالهم» ، وقال شارحه:«سموا بذلك لبياض وجوههم» .
[ (2) ] الأبرش: الأرقط، وهو الّذي يكون فيه بقعة بيضاء وأخرى أي لون كان.
[ (3) ] زيادة للسياق من (ابن الأثير) .
سألهم هل تكفونني ما كنتم تلون؟ قالوا: نكفيك العرب إلا النعمان. فلما دخل عليه النعمان رأى رجلا دميما فكلمه، وقال له: أتستطيع أن تكفيني العرب؟
قال: نعم، قال: فكيف تصنع في بإخوتك؟ قالوا: إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز. فمكله وكساه، وألبسه تاجا قيمته ستون ألف درهم، فيه اللؤلؤ والذهب. فلما خرج- وقد ملك- قال عدي بن أوس بن مرينا للأسود: دونك فإنك قد خالفت الرأى.
ثم إن عديّ بن زيد صنع طعاما في بيعة، ثم أرسل إلى ابن مرينا أن ائتني بمن أحببت، فإن لي حاجة، فأتاه في ناس فتغدّوا في البيعة، وشربوا، وقال عديّ [بن زيد] لعدي بن مرينا: يا عدي إن أحق من عرف الحق، ثم لم يلم عليه، من كان مثلك، أنى قد عرفت أن صاحبك الأسود بن المنذر كان أحب إليك أن يملك من صاحبي النعمان، فلا تلمني على شيء كنت على مثله، وأنا أحب ألا تحقد عليّ شيئا لو قدرت عليه ركبته، وأنا أحب أن تعطيني من نفسك ما أعطيتك من نفسي، فإن نصيبي من هذا الأمر ليس بأوفر من نصيبك، فقام عديّ بن زيد إلى البيعة فحلف ألا يهجوه ولا يبغيه غائلة أبدا، ولا يزوي عنه خبرا أبدا، فلما فرغ عديّ بن زيد قام عدي بن مرينا، فحلف على مثل يمينه ألا يزال يهجوه أبدا، ويبغيه الغوائل ما بقي، وخرج النعمان حتى نزل منزله بالحيرة، فقال عديّ بن مرينا لعديّ بن زيد فقال فيه شعرا.
وقال عدي بن مرينا للأسود: [أما] إذ لم تظفر فلا تعجز أن تطلب بثأرك من هذا المعدى، الّذي عمل بك ما عمل فقد كنت أخبرك أن معدا لا ينام مكرها، أمرتك أن تعصيه فخالفتني، قال: فما تريد؟ قال: أريد ألا يأتيك فائدة من مالك وأرضك إلا عرضتها عليّ، ففعل.
وكان ابن مرينا كثير المال والضيعة، فلم يك في الدهر يوم إلا على باب النعمان هدية من ابن مرينا، فصار من أكرم الناس عليه، وكان لا يقضي في ملكه شيئا إلا بأمر عدي بن مرينا، وكان إذا ذكر عدي بن زيد عنده أحسن عليه الثناء، وذكر فضله، وقال: إنه لا يصلح المعدي إلا أن يكون فيه مكر وخديعة، فلما رأى من يطيف بالنعمان منزلة ابن مرينا عنده لزموه وتابعوه، فجعل يقول لمن يثق به من أصحابه: إذا رأيتموني أذكر عديّ بن زيد عند الملك بخير فقولوا: إنه لكما تقول، ولكنه لا يسلم عليه أحد، وإنه ليقول: إن الملك- يعني النعمان- عامله، وإنه ولاه ما ولاه، فلم يزالوا بذلك حتى
أضغنوه عليه، وكتبوا كتابا على لسان عدي إلي قهرمان [ (1) ] لعدي، ثم دسوا له، حتى أخذوا الكتاب، ثم أتى به النعمان فقرأه، فأغضبه، فأرسل إلى عدي بن زيد: عزمت عليك إلا زرتني، فإنّي قد اشتقت إلى رؤيتك! وهو عند كسرى فاستأذن كسرى، فأذن له، فلما أتاه لم ينظر إليه حتى حبس في محبس لا يدخل عليه فيه أحد، فجعل عدي بن زيد يقول الشعر وهو في السجن، فكان أول ما قال في السجن من الشعر:
ليت شعري عن الهمام ويأتيك
…
بخبر الأنباء عطف السؤال
فقال أشعارا، وكان كلما قال عدي من الشعر، بلغ النعمان وسمعه ندم على حبسه إياه، فجعل يرسل إليه ويعده ويمنيه ويفرق أن يرسله فيبغيه الغوائل، فقال عدي:
أرقت لمكفهر بات فيه
…
بوارق يرتقين رءوس شيب
وقال أيضا:
«طال ذا الليل علينا واعتكر
[ (2) ] » وقال أيضا:
وقال حين أعياه ما يتضرع إلى النعمان أشعارا، يذكره فيها الموت، ويخبره من هلك من الملوك قبله، فقال:
وأشعارا كثيرة.
قال: وخرج النعمان يريد البحرين، فأقبل رجل من غسان، فأصاب في الحيرة ما أحب. ويقال: الّذي أغار على الحيرة فحرق فيها، جفنة بن النعمان الجفني، فقال عدي:
[ (1) ] القهرمان: أمين الملك وخاصته، فارسي معرب، ويطلق في لغة الفرس على القائم بأمور الرجل، كالخازن والوكيل.
[ (2) ] وعجزه: وكأنى ناذر الصبح سمره.
[ (3) ] وعجزه: لك فاعمد لأى حال تصير.
سما صقر فأشعل جانبيها
…
وألهاك المروح والعزيب [ (1) ]
فلما طال سجن عدي كتب إلى أخيه أبي، وهو مع كسرى بشعر فقال فيه شعرا.
فزعموا أن أبيا لما قرأ كتاب عدي قام إلى كسرى فكلمه، فكتب وبعث معه رجلا، وكتب خليفة النعمان إليه: إنه قد كتب إليك [في أمره] ، فأتاه أعداء عدي من بني بقيلة [ (2) ] من غسان، فقالوا: اقتله الساعة، فأبى عليهم وجاء الرجل، وقد تقدم أخو عدي إليه ورشاه، وأمره أن يبدأ بعدي، فدخل عليه وهو محبوس بالصنين، فقال: ادخل عليه فانظر ما يأمرك به، فدخل الرسول على عدي، فقال: إني قد جئت بإرسالك، فما عندك؟ قال: عندي الّذي تحب، ووعده عدة، وقال: لا تخرجن من عندي، وأعطنى الكتاب حتى أرسل به، فإنك واللَّه إن خرجت من عندي لأقتلن، فقال: لا أستطيع إلا أن آتى الملك بالكتاب، فأدخله عليه، فانطلق مخبر حتى أتى النعمان، فقال: إن رسول كسرى قد دخل على عدي وهو ذاهب به، وإن فعل واللَّه لم يستبق منا أحدا، أنت ولا غيرك. فبعث إليه النعمان أعداءه فغموه حتى مات، ثم دفنوه.
ودخل الرسول على النعمان بالكتاب، فقال: نعم وكرامة! وبعث إليه بأربعة آلاف مثقال وجارية، وقال له: إذا أصبحت فادخل عليه، فأخرجه أنت بنفسك،. فلما أصبح ركب، فدخل السجن، فقال له الحرس: إنه قد مات منذ أيام، فلم نجترئ على أن نخبر الملك للفرق منه، وقد علمنا كراهته لموته.
فرجع إلى النعمان فقال: إني قد دخلت عليه وهو حي، [وجئت اليوم فجحدني السجان وبهتني. وذكر له أنه قد مات منذ أيام] فقال له النعمان: يبعثك الملك إلي فتدخل إليه قبلي! كذبت، ولكنك أردت الرشوة والخبث.
فتهدده، ثم زاده جائزة وأكرمه، واستوثق منه ألا يخبر كسرى، إلا أنه قد مات قبل أن يقدم عليه.
فرجع الرسول إلى كسرى، فقال: إنه قد مات قبل أن أدخل عليه، وندم النعمان على موت عدي، واجترأ أعداء عدي على النعمان، وهابهم النعمان هيبة شديدة، فخرج النعمان في بعض صيده ذات يوم، فلقى ابنا لعدي، يقال
[ (1) ] المروح: الإبل المروحة إلى أعطافها، والعزيب ما ترك في مراعيه، وانظر بقية الأبيات في رواية الأغاني.
[ (2) ] بقيلة: بطن من الحيرة.
له زيد، فلما رآه عرف شبهه، فقال: من أنت؟ قال: أنا زيد بن عدي بن زيد فكلمه فإذا غلام ظريف، فرح به فرحا شديدا، وقربه وأعطاه، واعتذر إليه من أمر أبيه وجهزه، ثم كتب إلى كسرى: إن عديا كان ممن أعين به الملك في نصحه ولبه، فأصابه ما لا بد منه، وانقضت مدته، وانقطع أكله، ولم يصب به أحد أشد من مصيبتي، وأما الملك فلم يكن ليفقد رجلا إلا جعل اللَّه له منه خلفا، لما عظم اللَّه له من ملكه وشأنه، وقد أدرك له ابن ليس من دونه، وقد سرحته إلى الملك، فإن رأى الملك أن يجعله مكان أبيه، فليفعل.
فلما قد الغلام على كسرى جعله مكان أبيه، وصرف عمه إلى عمل آخر، فكان هو الّذي يلي ما كتب به إلى أرض العرب، وخاصة الملك. وكانت له من العرب وظيفة موظفة في كل سنة: مهران أشقران والكمأة الرطبة في حينها واليابسة، والأقط والأدم وسائر تجارات العرب، فكان زيد بن عدي بن زيد يلي ذلك، وكان هذا عمل عدي.
فلما وقع عند الملك بهذا الموقع، سأله كسرى عن النعمان، فأحسن عليه الثناء، فمكث سنوات بمنزلة أبيه، وأعجب به كسرى، وكان يكثر الدخول عليه، وكانت لملوك الأعاجم صفة من النساء مكتوبة عندهم، فكانوا يبعثون في تلك الأرضين بتلك الصفة، [فإذا وجدت حملت إلى الملك] غير أنهم لم يكونوا يتناولون أرض العرب بشيء من ذلك، ولا يريدونه. فبدأ الملك في طلب النساء فكتب بتلك الصفة، ثم دخل على كسرى فكلمه فيما دخل فيه، ثم قال: إني رأيت الملك كتب في نسوة يطلبن له، فقرأت الصفة، وقد كنت بآل المنذر عالما، وعند عبدك النعمان من بناته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين.
امرأة على هذه الصفة. قال: فتكتب فيهن. قال: أيها الملك، إن شر شيء في العرب وفي النعمان [خاصة] أنهم يتكرمون- زعموا في أنفسهم- عن العجم، فأنا أكره أن يغيبهن [عمن تبعث إليه، أو يعرض عليه غيرهن] وإن قدمت أنا عليه لم يقدر أن يغيبهن، فابعثنى وابعث معى رجلا من حرسك يفقه العربية، [حتى أبلغ ما تحبه] فبعث معه رجلا جليدا، فخرج به زيد، فجعل يكرم ذلك الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة.
فلما دخل عليه أعظم الملك، وقال: إنه قد احتاج إلى نساء لأهله وولده، وأراد كرامتك [بصهره]، فبعث إليك. فقال: وما هؤلاء النسوة؟ فقال: هذه صفتهن قد جئنا بها.
وكانت الصفة أن المنذر الأكبر أهدى إلى أنوشروان جارية، كان أصابها إذا أغار على الحارث الأكبر الغساني بن أبى شمر، فكتب إلى أنوشروان يصفها له، [وقال: إني قد وجهت إلى الملك جارية] معتدلة الخلق، نقية اللون والثغر، بيضاء، قمراء، وطفاء، [كحلاء] دعجاء، حوراء، عيناء، قنواء، شماء، زجاء، برجاء، أسيلة الخد، شهية القد، جئلة الشعر، عظيمة الهامة، بعيدة مهوى القرط، عيطاء عريضة الصدر، كاعب الثدي، ضخمة مشاشة المنكب والعضد، حسنة المعصم، لطيفة الكف، سبطة البنان، لطيفة طى البطن، خميصة الخصر، غرثى الوشاح، رداح القبل، رابية الكفل، لفاء الفخذين، ريا الروادف، ضخمة المأكمتين، عظيمة الركبة، مفعمة الساق، مشبعة الخلخال، لطيفة الكعب والقدم، قطوف المشي، مكسال الضحى، بضة المتجرد، سموعا للسيد، ليست بخنساء، ولا سعفاء، ذليلة الأنف، عزيزة النفر، لم تغد في بؤس، حيية رزينة، حليمة ركينة، كريمة الخال، تقتصر بنسب أبيها دون فصيلتها، وبفصيلتها دون جماع قبيلتها، قد أحكمتها الأمور في الأدب، فرأيها رأى أهل الشرف، وعملها عمل أهل الحاجة، صناع الكفين، قطيعة اللسان، رهوة الصوت، تزين البيت، وتشين العدو، إن أردتها اشتهت، وإن تركتها انتهت، تحملق عينها، وتحمر وجنتها، وتذبذب شفتاها، وتبادرك الوثبة، [ولا تجلس إلا بأمرك إذا جلست][ (1) ] .
[ (1) ] معاني المفردات الغربية.
- الوطفاء: غزيرة الإهاب وشعر الحاجبين.
- الدعجاء: شديدة سواء العين مع شدة بياض البياض.
- الحور: اسوداد العين كلها مثل الظباء، ولا يكون في بنى آدم إلا على الاستعارة.
- العين: سعة العين.
- القنواء: من القنا، وهو ارتفاع في أعلى الأنف واحد يداب في وسطه وسبوغ في طرفه.
- الشمم في الأنف: ارتفاع القصبة وحسنها.
- الزجاء: دقيقة الحاجبين في طول: [قال الناظم: إذا ما الغانيات برزن يوما وزجن الحواجب والعيونا] .
- البرجاء: الجملية الحسنة.
فقبلها كسرى، وأمر بإثبات هذه الصفة في دواوينه، فلم يزالوا يتوارثونها حتى أفضى ذلك إلى كسرى بن هرمز، فقرأ عليه زيد هذه الصفة، فشق عليه، فقال زيد- والرسول يسمع-: أما في عين السوداء وفارس ما تبلغون حاجتكم! فقال الرسول لزيد: ما العين؟ قال: البقر، فقال زيد للنعمان: إنما أراد كرامتك، ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به.
فأنزلهما يومين، ثم كتب إلى كسرى: إن الّذي طلب الملك ليس عندي، وقال لزيد: اعذرنى عنده، فلما رجع إلى كسرى، قال زيد للرسول الّذي جاء معه: اصدق الملك الّذي سمعت منه، فإنّي سأحدثه بحديثك ولا أخالفك فيه.
فلما دخلا على كسرى، قال زيد: هذا كتابه، فقرأه عليه، فقال له كسرى:
فأين الّذي كنت تخبرني [به] ؟ قال: قد كنت أخبرتك بضنهم بنسائهم على غيرهم، وأن ذلك من شقائهم واختيارهم الجوع والعرى على الشبع والرياش، واختيارهم السموم والرياح على طيب أرضك هذه، حتى إنهم ليسمونها السجن،
[ (-) ] الخد الأسيل: الطويل المسترسل الأملس.
- الجثلة: كتفية الشعر سوداؤه.
- العيطاء: الطويلة العنق.
- الشاشة: رأس العظم.
- غرثى الوشاح: دقيقة الخصر.
- الرداع: العجزاء الثقيلة الأوراك التامة الخلق. والقيل: ما استقبلك من مشرف.
- اللفاء: الضخمة الفخذين المكتنزتهما.
- المأكمتان: اللحمتان اللتان على رءوس الوركين.
- مفعمة الساق: ممتلتها.
- مشبعة الخلخال: كناية عن سمن الساقين.
- القطوف: من القطاف، وهو تقارب الخطو.
- المكسال: المرأة لا تكاد تبرح مجلسها، وهو مدح لها عندهم كقولهم: نئوم الضحى.
- البضة: الناعمة.
- الخنساء: من الخنس، وهو تأخر الأنف الرأس وارتفاعه عن الشفعة.
- السفعاء: من السفع، وهو السواد.
فسل هذا الرسول [الّذي كان] معى عن الّذي قال، فإنّي أكرم الملك عن الّذي قال ورد عليه أن أقوله، فقال للرسول: وما قال؟ قال: أيها الملك، أما في بقر السواد [وفارس] ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا! فعرف الغضب في وجهه، ووقع في قلبه منه ما وقع، ولكنه قد قال: رب عبد قد أراد ما هو أشد من هذا، فيصير أمره إلى التباب.
وشاع هذا الكلام، فبلغ النعمان، وسكت كسرى على ذلك أشهرا، وجعل النعمان يستعد ويتوقع، حتى أتاه كتابه: أن أقبل فإن الملك إليك حاجة، فانطلق حين أتاه كتابه فحمل سلاحه وما قوى عليه، ثم لحق بجبلي طيِّئ.
وكانت فرعة ابنة سعد بن حارثة بن لأم عنده، وقد ولدت له رجلا وامرأة وكانت أيضا عنده زينب ابنة أوس بن حارثة، فأراد النعمان طيِّئا على أن يدخلوه [بين الجيلين] ويمنعوه، فأبوا ذلك عليه، وقالوا: لولا صهرك لقاتلناك، فإنه لا حاجة لنا في معاداة كسرى، [ولا طاقة لنا به] فأقبل [يطوف على قبائل العرب] ليس أحد من الناس يقبله، غير أن بني رواحة بن سعد بمن بنى عبس قالوا: إن شئت قاتلنا معك- لمنة كانت له عندهم في أمر مروان القرظ- فقال لا أحب أن أهلككم، فإنه لا طاقة لكم بكسرى.
فأقبل حتى نزل بذي قار في بنى شيبان سرا، فلقى هانئ بن مسعود بن عامر بن عمرو بن أبى ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان سيدا منيعا، والبيت يومئذ من ربيعة في آل ذي الجدين، لقيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي يالجدين. وكان كسرى قد أطعم قيس بن مسعود الأبلة، فكره النعمان أن يدفع إليه أهله لذلك، وعلم أن هانئا مانعه مما يمنع منه نفسه.
وتوجه النعمان إلى كسرى، فلقى زيد بن عدي على قنطرة ساباط، فقال:
أنج نعيم [إن استطعت النجاء]، فقال: أنت يا زيد فعلت هذا! أما واللَّه لئن انفلت لأفعلن بك ما فعلت بأبيك! فقال له زيد: امض نعيم، فقد واللَّه وضعت لك عنده أخية [ (1) ] لا يقطعها المهر الأرن [ (2) ] . فلما بلغ كسرى أنه بالباب بعث
[ (1) ] الأخية في الأصل: أن يدفن طرفا الحبل في الأرض، وفيها عصية أو حجير، ويظهر منه مثل عروة تشد بها الدابة [كالفخ مثلا] .
[ (2) ] الأرن: النشيط.
إليه، فقيده وبعث به إلى خانقين، فلم يزل في السجن حتى وقع الطاعون فملت فيه، والناس يظنون أنه مات بساباط لبيت قاله الأعشى:
فذاك وما أنجى من الموت ربه بساباط حتى مات، وهو محرزق [ (1) ] وإنما هلك بخانقين، وهذا قبيل الإسلام، فلم يلبث إلا يسيرا حتى بعث اللَّه نبيه صلى الله عليه وسلم، وكان سبب وقعة ذي قار بسبب النعمان [ (2) ] .
قال البيهقي [ (3) ] هذا مرسل وروى أيضا حصين عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا بعض معناه.
قال كاتبه: قد تقدم حديث حصين، وتقدم حديث مسلم: رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع، فأتينا برطب من رطب ابن طاب فأولت الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب [ (4) ] .
وخرج الإمام أحمد [ (5) ] والحاكم [ (6) ] وصححه من حديث صفوان، حدثني سليم بن عامر، عن تميم الداريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال:
[ (1) ] حرزق الرجل، أي حبسه.
[ (2) ] الخبر في (الأغاني) : 2/ 105- 128.
[ (3) ](دلائل البيهقي) : 6/ 336- 337.
[ (4) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 36- 37، كتاب الرؤيا، باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (18) .
و «رطب ابن طاب» : نوع من الرطب معروف، يقال له: رطب ابن طاب، وتمر ابن طاب، وعذق ابن طاب، وعرجون ابن طاب، وهو مضاف إلى ابن طاب، رجل من أهل المدينة.
«وأن ديننا قد طاب» : أي كمل واستقرت أحكامه، وتمهدت قواعده.
[ (5) ](مسند أحمد) : 5/ 73، حديث رقم (16509) ، من حديث تميم الداريّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
[ (6) ](المستدرك) : 4/ 477، كتاب الفتن والملاحم، حديث رقم (8326) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : على شرط البخاري ومسلم.