الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعدي بن ربيعة كان يؤذي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورماه بقدر، وكان أعمى وابنه سويد بن عدي [ (1) ] .
وقيس [ (2) ] بن عمرو بن سهل بن ثعلبة بن الحارث بن زيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار، هو جد يحيي بن سعيد [ (3) ]، وقال ابن حزم: يقال إنه كان من المنافقين ولم يصح، وتبعه زرارة. كان يدخل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالشعر.
وزيد بن عمرو، وعقبة بن كريم بن خليف. وأبو قيس بن الأسلم أتي النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة فقال: ما أحسن ما يقول ويدعو إليه، وسأنظر في أمري وأعود إليك، ولقيه ابن أبيّ فقال له: كرهت واللَّه حرب الخزرج، فقال:
لا أسلم، فمات في ذي الحجة سنة إحدى.
والمنافقون من الأوس
هم الجلاس بن سويد بن الصامت قتل المجدر بن زياد البلوي يوم أحد كما تقدم ذكره، وكان الجلاس ممن تخلف في غزوة تبوك، ويقال: بل هو إلي قال:
لا ينتهي حتى يرمي محمدا من العقبة، ولئن كان محمد وأصحابه خيرا منا إنا إذا لغنم وهو الراعي، ولا عقل لنا وهو العاقل، قال: لئن كان الرجل صادقا لنحن شر من الحمير، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فحلف باللَّه إنه ما قاله، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى فيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ [ (4) ] الآية.
[ (1) ](جمهرة النسب للكلبي) : 555- 558، (جمهرة أنساب العرب: 77- 78.
[ (2) ](جمهرة أنساب العرب) : 349، وهو جد سعد، وعبد ربه، بنو سعد.
[ (3) ] كذا في (الأصل)، وفي (جمهرة أنساب العرب) : 349 يحيي بن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة.
[ (4) ] التوبة: 74.
قال قتادة نزلت في عبد اللَّه بن أبيّ وذلك أنه اقتتل رجلان: جهني وأنصاري فعلا الجهنيّ على الأنصاريّ، فقال عبد اللَّه للأنصار: ألا تنصروا أخاكم؟ واللَّه ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها. الأذل، فسعى بها رجل من المسلمين إلي النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف باللَّه ما قاله، فأنزل اللَّه فيه هذه الآية.
وقال الأموي في (مغازية) : حدثنا محمد بن إسحاق عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن كعب.
قال ابن إسحاق: فزعموا أنه تاب فحسنت توبته حتى عرف منه الإسلام والخير، والحارث [ (1) ] بن سويد أخوه يقال: هو الّذي قتل المجذر بن زياد، فقتله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم به. فإن الجلاس كان ممن تخلف عن غزاة تبوك، والقول الأول قول الكلبي، وكان أخوه خلاد [ (2) ] بن سويد من فضلاء المسلمين، وعمرو بن
[ () ] ابن مالك، عن أبيه، عن جده قال: لما قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذني قومي فقالوا: إنك امرؤ شاعر فإن شئت أن تعتذر إلي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ببعض العلة ثم يكون ذنبا تستغفر اللَّه منه، وذكر الحديث بطوله إلى أن قال: وكان ممن تخلف من المنافقين، ونزل فيه القرآن، منهم ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم الجلاس بن سويد بن الصامت، وكان على أمّ عمير بن سعد وكان عمير في حجره فلما نزل القرآن وذكرهم اللَّه بما ذكر مما أنزل في المنافقين قال الجلاس: واللَّه لئن كان هذا الرجل صادقا فيما يقول لنحن شر من الحمير فسمعها عمير بن سعد فقال: واللَّه باجلاس إنك لأحب الناس إلي، وأحسنهم عندي بلاء، وأعزهم علي أن يصله شيء يكرهه، ولقد قلت مقالة لأن ذكرتها لتفضحني ولئن كتمتها لتهلكنى ولإحداهما أهون علي من الأخرى، فمشى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال الجلاس فلما بلغ ذلك الجلاس خرج حتى أتي النبي صلى الله عليه وسلم فحلف باللَّه ما قال عمير بن سعد ولقد كذب علي فأنزل اللَّه عز وجل فيه: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ إلى آخر الآية فوقفه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليها فزعموا أن الجلاس تاب فحسنت توبته ونزع فأحسن النزوع. هكذا جاء هذا مدرجا في الحديث متصلا به وكأنه- واللَّه أعلم- من كلام ابن إسحاق نفسه لا من كلام كعب بن مالك. (تفسير ابن كثير) : 2/ 385- 386، سورة التوبة.
[ (1) ] الحارث بن سويد: ويقال: ابن مسلمة المخزومي. ارتد على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولحق بالكفار، فنزلت هذه الآية كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فحمل رجل هذه الآيات فقرأهن عليه. فقال الحارث: واللَّه ما علمتك إلا صدوقا، وإن اللَّه لأصدق الصادقين. فرجع وأسلم وحسن إسلامه. روى عنه مجاهد، وحديثه هذا عند جعفر بن سليمان، عن حميد الأعرج، عن مجاهد.
(الاستيعاب) : 1/ 300 ترجمة رقم (436) .
(الإصابة) : 1/ 576- 577، ترجمة رقم (1425) .
[ (2) ]
خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج الأكبر، شهد العقبة، وشهد بدرا وأحدا والخندق، وقتل يوم قريظة شهيدا. طرحت عليه الرحى من أطم من آطامها، فشدخت رأسه ومات، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون: إن له أجر شهيد،
ويقولون: إن التي طرحت عليه الرحى بنانة، امرأة من بني قريظة، ثم قتلها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع بني قريظة، إذ قتل من أنبت منهم، ولم يقتل امرأة غيرها.
حزم [ (1) ] ، وزوي بن الحارث ويقال روي بن الحارث من بني لوذان بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس وعثمان بن [ (2) ] عامر، ونبتل بن الحارث بن قيس بن زيد بن ضبيعة ابن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوسي [ (3) ] ،
وفيه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: من أحب أن ينظر إلى الشيطان فلينظر
[ () ](الاستيعاب) : 2/ 451- 452، ترجمة رقم (676) .
(الإصابة) : 2/ 340، ترجمة رقم (2280) .
[ (1) ] عمرو بن حزم بن زيد بن لوزان الخزرجي البخاريّ، من بني مالك بن النجار. من ينسبه في بني مالك بن النجار يقول: عمرو بن حزم بن لوذان بن عمرو بن [عبد بن] عوف بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري.
ومنهم من نسبه في بني مالك بن جشم بن الخزرج. ومنهم من ينسبه في بني ثعلبة بن زيد بن مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك. أمه من بني ساعدة، يكنى أبا الضحاك، لم يشهد بدرا فيما يقولون. أول مشاهده الخندق، واستعمله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أهل نجران، وهم بنو الحارث بن كعب، وهو ابن سبع عشرة سنة ليفقههم في الدين، ويعلمهم القرآن، ويأخذ صدقاتهم، وذلك سنة عشر بعد أن بعث إليهم خالد بن الوليد، فأسلموا، وكتب له كتابا فيه الفرائض والسنن والصدقات والديات.
ومات بالمدينة سنة إحدى وخمسين. وقيل: سنة ثلاث وخمسين. وقد قيل: إن عمرو بن حزم توفى في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالمدينة. وروي عن عمرو بن حزم ابنه محمد. وروي عنه أيضا النضر بن عبد اللَّه السلمي، وزياد بن نعيم الحضريّ، (الاستيعاب) : 3/ 1172- 1173) ترجمة رقم (1907)، (والإصابة) : 4/ 621، ترجمة رقم (5814) .
[ (2) ] عثمان بن عامر، أبو قحافة القرشيّ التيمي، والد أبي بكر الصديق- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- تقدم ذكر نسبه عند ذكر ابنه أبي بكر، أسلم أبو قحافة يوم فتح مكة،
حدثني عبد الوارث، حدثني قاسم، حدثنا إبراهيم بن إسحاق بن مهران، حدثنا يحيي بن يحيي، حدثنا أبو خيثمة زهير بن معاوية، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أتي بأبي قحافة عام الفتح ليبايع، ورأسه ولحيته كأنها ثغامة- يعني شجرة- فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: غيروا هذا بشيء وجنبوه السواد،
وقال قتادة: هو أول مخصوب في الإسلام، وعاش أبو قحافة إلى خلافة عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه-، ومات سنة أربع عشرة وهو ابن سبع وتسعين سنة، وكانت وفاة ابنه قبله، فورث منه السّدس، فرده على ولد أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالي عنه- (الاستيعاب) :
3/ 1036، ترجمة رقم (1773)، (الإصابة) : 4/ 452- 453، ترجمة رقم (5446) .
[ (3) ] نبتل بن الحارث بن قيس بن زيد بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي.
ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب النسب مقرونا بأخيه أبو سفيان. وقد ذكره ابن الكلبي، ثم البلاذري في المنافقين، فيحتمل أن يكون أبو عبيد اطلع على أنه تاب، وذكره محمد ابن إسحاق في (السيرة النبويّة) أنه الّذي أنزل فيه: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ. (الإصابة) : 6/ 418، ترجمة رقم (8681) .
إلى نبتل،
وكان أدلم ثائر الشعر، أحمر العينين، أسفع الخدين، وكان ينقل حربة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المنافقين، وهو الّذي قال: إنما محمد أذن فأنزل اللَّه فيه وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ [ (1) ] الآية.
والنبتل الصلب الشديد. وأخوه أبو سفيان بن الحارث بن قيس [ (2) ] شهيد بدر وعبد اللَّه بن نبتل [ (3) ] وهو الّذي كان ينقل حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الواقدي: وكان خارجة بن زيد بن ثابت يسقي الناس من الماء المبرد بالعسل، وكان أبو عبد اللَّه بن القراد [الزيادي][ (4) ] وهو فارس [.....] في خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فجاء ذات يوم وقد حضر رجل من ولد عبد اللَّه بن نبتل فجعل يهزأ به وكان القراد عظيم الرأس والأذنين له خلقة منكره، فقال له: من أنت يا فتى؟ قال: رجل من الأنصار، قال: مرحبا بالأنصار، من أنت منهم؟ قال: أنا فلان ابن الحارث بن عبد اللَّه ابن نبتل، فقال: أما جدك فلم ينصر، علمت ما نزل فيه من القرآن؟ أما يدري ما صنعت به يداه؟ فضحته واللَّه هي الفاضحة.
وقيس بن زيد، قتل يوم أحد منافقا [ (5) ]، وقيل: خرج مع المسلمين، فلما
[ (1) ] التوبة: 61.
[ (2) ] سفيان بن قيس بن الحارث بن المطلب القرشي المطلبي ابن أخي الطفيل وعبيدة ابني الحارث. لهم صحبة.
أخرج البغوي، من طريق إبراهيم بن سعد، عن سليمان بن محمد الأنصاري، عن رجل من قومه يقال له الضحاك، كان عالما؟ قال: آخى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين الحارث بن عبد المطلب وسفيان بن الحارث بن قيس، ذكره ابن هشام فيمن استشهد بأحد من الأنصار من بني ضبيعة.
(الإصابة) : 3/ 127- 128، ترجمة رقم (33270)، (سيرة ابن هشام) : 4/ 79.
[ (3) ] عبد اللَّه بن نبتل بن الحارث الأنصاري. وقد ذكر الواقدي لولد هذا قصة في عهد عمر. وقيل: إن هذا كان من المنافقين. (الإصابة) : 4/ 249 ترجمة رقم (4990) .
[ (4) ] هو عبد اللَّه بن قداد، ويقال: قراد بن قريط الحارثي ثم الزيادي، من بني زياد بن الحارث بن مالك بن ربيعة ابن الحارث بن كعب المذحجيّ، قدم مع خالد بن الوليد في وفد بني الحارث بن كعب فأسلموا.
ذكره ابن إسحاق، في المغازي، وسماه يونس بن بكير عبد اللَّه بن قرط، ووقع عند ابن هشام: ابن قداد، وعند الواقدي: ابن قراد، وهو واحد، ترجمته في (الإصابة) : 4/ 208- 209، ترجمة رقم (4889) .
[ (5) ](سيرة ابن هشام) : 4/ 79، ذكر من استشهد بأحد من الأنصار.
التقى الناس عدا على أسيرين فقتلهما، ثم لحق بقريش.
وأبو حبيبة بن الأزعر، وكان ممن بني في مسجد الضرار [ (1) ] .
وثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عتبة [ (2) ] ، قيل نزلت فيه لما منع الزكاة وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ [ (3) ] . الآية. ومنع ذلك لأنه ممن شهد بدرا، ومعتب ويقال: عتاب بن أبي قشير وثعلبة. [ (4) ] ومعتب هو الّذي قال، يوم أحد: لو كان لي من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا [ (5) ]، وهو القائل يوم الأحزاب: يعدنا محمد كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على إتيان الغائط! عاهد إلا غرورا [ (6) ] .
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 3/ 1047.
[ (2) ] كان أحد الذين بنوا مسجد الضرار. (سيرة ابن هشام) : 5/ 212.
[ (3) ] التوبة: 75.
[ (4) ] قال ابن هشام: وكان الّذي عاهد اللَّه منهم ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، وهم من بني عمرو بن عوف (سيرة ابن هشام) : 5/ 239، ما نزل في أصحاب الصدقات.
وقال الحافظ ابن كثير: يقول تعالى: ومن المنافقين من أعطي اللَّه عهده وميثاقه لئن أغناه من فضله ليصدقن من ماله وليكونن من الصالحين، فما وفي بما قال، ولا صدق فيما ادعى، فأعقبهم هذا الصنيع نفاقا سكن في قلوبهم إلى يوم يلقونه عز وجل يوم القيامة. عياذا باللَّه من ذلك.
وقد ذكر كثير من المفسرين، منهم ابن عباس والحسن البصري، أن سبب نزول هذه الآية الكريمة في ثعلبة بن حاطب الأنصاري.
وقد ورد فيه حديث رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث معن بن رفاعة عن عليّ بن يزيد، عن أبى عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن مولى عبد الرحمن بن يزيد بن معاوية، عن أبى أمامة الباهليّ، عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري، أنه قال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ادع اللَّه أن يرزقني مالا، قال: فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ويحك يا ثعلبة! قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه. (تفسير ابن كثير) : 2/ 388،
والقصة معروفة، أمسكنا عن سردها، لطولها واشتهارها.
[ (5) ] قال الزبير- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: سمعت هذا القول من معتب بن قشير، وقد وقع عليّ النعاس وإني لكالحالم، أسمعه يقول هذا الكلام، واجتمع عليه أنه صاحب هذا الكلام. (مغازي الواقدي) : 1/ 323 324.
[ (6) ](مغازي الواقدي) : 2/ 494، باب ما أنزل اللَّه من القرآن في الخندق.
ويقال: إن حمد بن قيس أو جدّ بن قيس القائل ذلك فأنزل اللَّه تعالي:
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [ (1) ] .
قال ابن هشام: مصعب بن قشير وثعلبة والحارث ابنا حاطب من أهل بدر ليسوا من المنافقين فيما ذكر لي من أثق به من أهل العلم [ (2) ] . وقد نسب ابن إسحاق ثعلبة والحارث بن أمية بن زيد في أسماء أهل بدر [ (3) ] .
ورافع بن زيد، وفيه وفي معتب ونفر من أصحابهما نزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [ (4) ]، وكان خصماؤهم دعوهم في خصومتهم إلي النبي صلى الله عليه وسلم فأبوا ذلك وقالوا: نتحاكم إلى كعب بن الأشرف، فسماه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طاغوتا [ (5) ]، ويقال: إنهم دعوهم إلى الكاهن.
[ (1) ] الأحزاب: 12.
[ (2) ](سيرة ابن هشام) : 4/ 180، لم يكن معتب منافقا.
[ (3) ](المرجع السابق) : 3/ 243.
[ (4) ] النساء: 60.
[ (5) ] قال ابن هشام: وكان جلاس بن سويد بن صامت قبل توبته، ومعتب بن قشير، ورافع بن زيد، وبشر، وكانوا يدعون بالإسلام، فدعاهم رجال من المسلمين في خصومة كانت بينهم إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فدعوهم إلى اكهان، حكام أهل الجاهلية، فأنزل اللَّه- عز وجل فيهم: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً. (سيرة ابن هشام) : 3/ 59.
وقال أبو حيان الأندلسيّ: ذكر في سبب نزولها قصص طويل، ملخصه: أن أبا بردة الأسلمي كان كاهنا يقضى بين اليهود، فتنافر إليه نفر من أسلم. أو أن قيسا الأنصاريّ أحد من يدعى الإسلام، ورجلا من اليهود تداعيا إلى الكاهن وتركا الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ما دعا اليهوديّ إلى الرسول، والأنصاريّ يأبى إلا الكاهن.
أو أن منافقا ويهوديا اختصما، فاختار اليهوديّ الرسول صلى الله عليه وسلم، واختار المنافق كعب بن الأشرف، فأبي اليهوديّ، وتحاكما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقضى لليهوديّ، فخرجا ولزمه النفاق، وقال: ننطلق إلى عمر، فانطلقا إليه فقال اليهوديّ: قد تحاكما إلى الرسول فلم يرض بقضائه، فأقر المنافق بذلك عند عمر، فقتله عمر وقال: هكذا أقضى فيمن لم يرض بقضاء اللَّه وقضاء رسوله. (البحر المحيط) : 3/ 688.
وجارية بن عامر وبنوه، يزيد، وزيد، ومجمع، وهم ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع بن جارية لم يكن منافقا، ويقال: إنه منافق، ثم صحّ إسلامه، وعنى بالقرآن حتى حفظه، وقال النقاش: حسن إسلامهم مجمع وبعثه عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى الكوفة، فعلمهم القرآن فتعلم منهم عبد اللَّه بن مسعود- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بقية القرآن [ (1) ] .
ومربع بن فيظي [ (2) ]، القائل للنّبيّ صلى الله عليه وسلم حين أجاز في حائطه وقد خرج إلى أحد: لا أحلّ لك يا محمد، إن كنت نبيا أن تمر في حائطي! وأخذ في يده حفنة من تراب، ثم قال: واللَّه لو أعلم أني لا أصيب بهذا التراب غيرك [ (3) ] لرميتك به، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: دعوه فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر. [ (4) ]
وأخوه أوس بن قيظي [ (5) ]، وهو القائل يوم الخندق:
إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ [ (6) ] فأذن لنا في المقام، ويقال: قائل ذلك معتب بن قشير،، ومربع هذا عم عرانة بن أوس بن قيظي الجواد، وهو ممن بنى مسجد الضرار من داره، ويقال: إن الّذي أخرجه من داره وديعة بن حزام، ورافع وبشر ابنا زيد
[ (1) ](الإصابة) : 5/ 776- 777، ترجمة رقم (7739) ، وله في (السنن) ثلاثة أحاديث، صحح الترمذي بعضها. وكان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع يصلي بهم فيه، ثم إنه أحرق، فلما كان عمر بن الخطاب كلم في مجمع أن يؤم قومه، فقال: لا، أو ليس إمام المنافقين في مسجد الضرار، فقال: لا واللَّه الّذي لا إليه إلا هو ما علمت شيئا من أمرهم، فزعموا أن عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أذن له أن يصلّى بهم.
[ (2) ](الإصابة) : 6/ 66- 67، ترجمة ابنه مرارة وإخوانه أبناء مربع بن قيظيّ الأنصاريّ، وقال في آخرها:
وكان أبوهم يعد في المنافقين، وفي ترجمته رقم (7874) : عدّ في المنافقين، ويقال: تاب.
[ (3) ] في (الأصل) : «عينك» ، وما أنبتناه من (ابن هشام) .
[ (4) ] فضربه سعد بن زيد أخو بنى عبد الأشهل بالقوس فشجه. (المرجع السابق) : 3/ 57، 4/ 11، ما فعله مربع المنافق حين سلك المسلمون حائطة، (سيرة ابن هشام) : 3/ 57.
[ (5) ](المرجع السابق) : 3/ 57، قال ابن هشام: عورة أي معورة للعدوّ وضائعة، وجمعها عورات. والعورة أيضا: عورة الرجل، وهي حرمته، والعورة أيضا السوأة.
[ (6) ] الأحزاب: 13.
وقيس بن رفاعة الشاعر [ (1) ] ، وكان يختلف هو والضحاك بن خليفة [ (2) ] بن ثعلبة بن عديّ بن كعب بن عبد الأشهل [إلى بيت شويكر اليهودي][ (3) ] فأصاب عينه قنديل فذهبت [ (4) ] .
وحاطب بن أمية بن رافع بن سويد [ (5) ] الّذي قيل لابنه- وحمل جريحا-:
أبشر بالجنة، فقال: يا ابن حاطب، أبشر بالجنة، فقال حاطب: جنّة من حرمل، لا يغرنك هؤلاء يا بنيّ.
وبشير بن أبيرق الظفري [ (6) ] وهو أبو طعمة، واسم الأبيرق الحارث بن
[ (1) ] هو قيس بن رفاعة الواقفي، من بنى واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس الأنصاريّ. ذكره المرزبانيّ في (معجم الشعراء)، وقال: أسلم، وكان أعور. (الإصابة) : 5/ 468، ترجمة رقم (71740) .
[ (2) ] هو الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عديّ بن كعب بن عبد الأشهل، الأنصاريّ الأشهليّ. وذكر ابن إسحاق في غزوة تبوك قال: وبلغ النبيّ صلى الله عليه وسلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت شويكر اليهوديّ، يثبطون الناس عن الغزو، فبعث طلحة في قوم من الصحابة، وأمره أن يحرق عليهم البيت، ففعل، فاقتحم الضحاك من خليفة من ظهر لبيت فانكسرت رجله وأفلت، وقال في ذلك:
كادت وبيت اللَّه نار محمد
…
يسقط بها الضحاك وابن أبيرق
سلام عليكم لا أعود لمثلها
…
أخاف ومن يشمل الريح يحرق
(الإصابة) : 3/ 475- 476، ترجمة رقم (4166) .
[ (3) ] زيادة للسياق والبيان من كتب السيرة، حيث اضطراب السياق في هذا السطر.
[ (4) ] راجع التعليق السابق.
[ (5) ] كان شيخا جسيما قد أسنّ في جاهليته، وكان له ابن من خيار المسلمين، يقال له: يزيد بن حاطب، أصيب يوم أحد حتى أثبتته الجراحات، فحمل إلى دار بنى ظفر.
قال ابن إسحاق: فحدثني عاصم بن عمر عن قتادة أنه اجتمع إليه بها من رجال المسلمين ونسائهم وهو بالموت، فجعلوا يقولون: أبشر يا ابن حاطب بالجنة، قال: فنجم [ظهر ووضح] نفاقه حينئذ، فجعل يقول أبوه: أجل، جنة واللَّه من حرمل، غررتم واللَّه هذا المسكين من نفسه. (سيرة ابن هشام) : 3/ 58.
[ (6) ] قال ابن إسحاق- وقد ذكر أسماء المنافقين-: وبشير بن أبيرق، وهو أبو طعمة سارق الدرعين، الّذي أنزل اللَّه تعالى فيه: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً [النساء:
107] (سيرة ابن هشام) : 3/ 58.
عمرو بن حارثة بن الهيثم بن ظفر- واسم ظفر كعب- قال: سرق ابن أبيرق أدرعا من حديد، ثم رمى بها رجلا بريئا، فجاء قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فعزروه عنده، فأنزل اللَّه- عز وجل فيه قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً إلى قوله تعالى:
وَساءَتْ مَصِيراً [ (1) ] فلما أنزل فيه هذه الآية لحق بالمشركين ومكث بمكة، ثم بعث على قوم بينهم فسرق متاعهم فألقى اللَّه عليه صخرة فشدخته وكانت قبره، ويروي أن الحائط سقط عليه بالطائف وقتل بخيبر، وروى محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة الظفري عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان بن زيد بن عامر بن سواد بن ظفر قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق: بشر، وبشير ومبشر [ (2) ] ، وكان بشر منافقا يهجو أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم سحله بعض العرب، فإذا سمعه أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: واللَّه ما قاله إلا الخبيث بشر فقال:
أو كلما قال الغواة قصيدة
…
أصموا إليها وقالوا ابن الأبيرق قالها [ (3) ]
قال: فابتاع رفاعة بن زيد بن زيد بن عامر حملا من درمك من ضابطة قدمت من الشام، وإنما كان طعام الناس بالمدينة الشعير والتمر وكان الموسر منهم يبتاع من الدرمك [ (4) ] ما يخص به نفسه، فجعل عمر ذلك الدرمك في
[ (1) ] النساء: 105- 115.
[ (2) ] بشر بن الحارث، وهو أبيرق بن عمرو بن حارثة بن الهيثم بن ظفر.
الأنصاريّ الظفريّ، شهد أحدا هو وأخواه مبشر وبشير، فأما بشير فهو الشاعر، وكان منافقا يهجو أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد مع أخيه بشر ومبشر أحدا، وكانوا أهل حاجة: فسرق بشير من رفاعة بن زيد درعه، ثم ارتد في شهر ربيع الأول من سنة أربع من الهجرة، ولم يذكر لبشر هذا النفاق واللَّه تعالى أعلم. وقد ذكر فيمن شهد أحدا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم. (الاستيعاب) : 1/ 171، ترجمة رقم (188)، (الإصابة) : 1/ 296، ترجمة رقم (656)، ثم قال ابن عبد البرّ في ترجمة رفاعة بن زيد بن عامر رقم (775) : هو الّذي سرق سلاحه وطعامه بنو أبيرق، فتنازعوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فنزلت فيبني أبيرق: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ [النساء: 106] . ثم قال: خبره هذا عند محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر عن قتادة، عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان.
[ (3) ] بعد هذا البيت بيت آخر مضطرب وزنا ومعنى فحذفناه.
[ (4) ] الدرمك: الدقيق.
مشربة وفيها درعان وسيفان وما يصلحها، فعدى عليه من بحث بالليل فنقب المشربة وأخد الطعام والسلاح، فلما أصبح أتاني فقال: يا ابن أخي تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا، فذهبت بطعامنا وسلاحنا؟ قال: فتحسسنا في الدار وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق واستوطروا في أبيرق في هذه الليلة، ولا نرى ذلك الأمر طعامنا، قال: وجعل بنو أبيرق ونحن نبحث ونسأل في الدار يقولون: واللَّه ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل بن الحارث بن عروة بن عبد بن رزاح بن ظفر، رجل منا له صلاح وإسلام- فلما سمع لبيد اخترط سيفه، وقال: أنا أسرق؟ فو اللَّه ليخالطنكم هذا السيف أو لتبيننّ هذه السرقة قالوا: إليك عنا أيها الرجل، فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمى: يا ابن أخى، لو أتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له.
قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمى رفاعة بن زيد فنقّبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه فليردّوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم سآمر في ذلك، فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له: أشير بن عروة، فكلموه في ذلك، واجتمع في ذلك ناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول اللَّه، إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت.
قال قتادة: فأتيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت وبينة. قال: فرجعت ولوددت أنى خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذلك.
فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخى ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: اللَّه المستعان، فلم يلبث أن نزل القرآن: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [ (1) ] بني أبيرق وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ فما قلت لقتادة إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً* يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً* ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا*
[ (1) ] النساء: 105.
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
[ (1) ] أي لو استغفروا اللَّه لغفر لهم وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً* وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً
- قولهم للبيد- وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً* لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً
[ (2) ] .
فلما نزل القرآن أتي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالسلاح فردّه إلى رفاعة فقال قتادة لما أتيت عمي بالسلاح- وكان شيخا قد عشا أو عسا [ (3) ]- الشك من أبي عيسى- في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولا، فلما أتيته قال: يا ابن أخي هو في سبيل اللَّه، فعرفت أن إسلامه كان صحيحا، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية فأنزل اللَّه تعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً* إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً [ (4) ] .
فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمت به في الأبطح، ثم قالت:
أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتينى بخير [ (5) ] .
قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعلم أحدا أسنده غير محمد بن سلمة الحرانيّ. وروى يونس بن بكير وغير واحد هذا الحديث، عن محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلا، لم يذكروا فيه عن أبيه عن جده.
وقتادة بن النعمان هو أخو أبي سعيد الخدريّ لأمه. وأبو سعيد اسمه
[ (1) ] النساء: 106- 110.
[ (2) ] النساء: 111- 114.
[ (3) ] هو بالسين المهملة، أي كبر أسنّ من عسا القضيب إذا يبس، وبالمعجمة، أي قلّ بصره وضعف.
[ (4) ] النساء: 115- 116.
[ (5) ](تحفة الأحوذي) : 8/ 313- 316، أبواب تفسير القرآن، سورة النساء، حديث رقم (3228) ، ومنه تصويب النص في (الأصل) .
سعد بن مالك بن سنان] [ (1) ] .
والضّحاك بن خليفة الأشهليّ [ (2) ] ، وفرحان حليف بني ظفر لا يعرف نسبه
[ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
وجاء في (ديوان حسان بن ثابت) : وكان ابن أبيرق طرح الدرعين في منزل يهودي ليبرأ منهما ويؤخذ بهما اليهوديّ، فلما أنزل اللَّه تعالى: وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً، فرق النبيّ صلى الله عليه وسلم من أن يقيم عليه الحد، فلحق بمكة، فنزل على سلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية وهي أم بني طلحة بن بني طلحة كلهم إلا الحارث بن طلحة، وقتل بنوها كلهم بأحد كفارا إلا عثمان بن طلحة، ومنه أخذ النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة ثم رده عليه، فقتل مسافع وكلاب والجلاس بنو طلحة يوم أحد، ومكث ابن أبيرق عند السلافة، فبلغ ذلك حسان، فهو قوله:
ما سارق الدرعين إن كنت ذاكرا
…
بذي كرم من الرجال أوادعه.
وقد أنزلته بنت سعد فأصبحت
…
ينازعها جلد استها وتنازعه.
فهلا أسيدا جئت جارك راغبا
…
إليه ولم تعمد له فترافعه.
ظننتم بأن يخفى الّذي قد صنعتم
…
وفينا نبيّ عنده الحكم واضعه.
فلولا رجال منكم أن يسوءهم
…
هجاى لقد حلت عليكم وطولعه.
فإن تذكروا كعبا إذا ما نسيتم
…
فهل من أديم ليس فيه أكارعه.
هم الرأس والأذناب في الناس أنتم
…
ولم تك إلا في الرءوس مسامعه.
يريد بذلك بني عبد الدار. يقول: فإن انتسبتم إلي كعب بن لؤيّ فأنتم أكارع لستم فيه برءوس. كما يتضح ذلك في البيت السادس. (ديوان حسان بن ثابت) : 285- 286، مختصرا.
[ (2) ] هو الضحاك بن خليفة بن ثعلبة بن عديّ بن كعب بن عبد الأشهل الأنصاريّ الأشهليّ. قال أبو حاتم: شهد غزوة بني النضير، وله ذكر، وليست له رواية. وقال أبو عمر بن عبد البر: هو ولد أبى جبيرة بن الضحاك، شهد أحدا، وعاش إلى خلافة عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-. قال ابن سعد: كان مغموصا عليه، وهو الّذي تنازع هو ومحمد بن مسلمة في الساقية، فترافعا إلى عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال لمحمد: ليمرن بها ولو على بطنك.
وقال ابن شاهين: سمعت ابن أبي داود يقول: هو الّذي قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عنه: يطلع عليكم رجل من أهل الجنة ذو مسحة من جمال، زنته يوم القيامة زنة أحد. فاطلع الضحاك بن خليفة، قال: وهو الّذي اشترى نفسه من ربه بماله الّذي يدعى مال الضحاك بالمدينة.
ويكنى أبا الغيراق، رمي يوم أحد [ (1) ] . وزرارة بن عمير العبدري، ويقال أبو زيد [ (2) ] بن عمير، وقيل: قاسط بن شريح العبدري وقطع يد صؤاب الحبشيّ مولى بني عبد الدار. ثم رماه فقتله وكان قزمان قد امتنع من الخزرج يوم أحد حتى عيّرته النساء وقلن: إنما أنت امرأة! فأخذ سيفه وقوسه، وقاتل حيّة
[ () ] قال الحافظ: بين هذا الكلام وكلام ابن سعد بون، والّذي رأيته في (ديوان حسان) رواية أبى سعيد السكرى، وقال يهجر الضحاك بن خليفة الأشهليّ في شأن بنى قريظة، وكان أبو الضحاك منافقا، وهو جد عبد الحميد بن أبي جبيرة، فذكر شعرا:
ألا أبلغ الضحاك أن عروقه
…
أعيت على الإسلام أن تتجمدا.
أتحب يهدان الحجاز وذينهم
…
كبد الحمار ولا تحب لحمدا.
وإذا نشا لك ناشئ ذو غرة
…
فهّ القؤاد أمرته فتهودا.
لو كنت منا لم تخالف ديننا
…
وتبعت دين عتيد حين تشهدا.
دينا لعمر كما يوافق ديننا
…
ما استنّ آل بالبديّ وخودا.
وعنيد: رجل من الأنصار تشهد عند موته شهادة الحق قبل أن يصير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
قال الحافظ: فلعل هذا سلف ابن سعد، لكنه في والد الضحاك لا فيه. وذكر ابن إسحاق في غزوة تبوك قال:
وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت شويكر اليهوديّ يثبطون الناس عن الغزو، فبعث طلحة في قوم من الصحابة وأمره أن يحرق عليهم البيت، ففعل، فاقتحم الضحاك بن خليفة من هر البيت فانكسرت رجله وأفلت. وقال ثمة ذلك:
كادت- وبيت اللَّه- نار محمد
…
يسقط بها الضحاك وابن أبيرق
سلام عليكم لا أعود لمثلها
…
أخاف ومن يشمل به الريح يحرق
وكأنه كان كما قال ابن سعد: ثم تاب بعد ذلك وانصلح حاله.
(الإصابة) : 3/ 475- 476، ترجمة رقم (4166)، (الاستيعاب) : 2/ 741، ترجمة رقم (1249)، (ديوان حسان بن ثابت) :306.
[ (1) ] لم أجد له نسبا ولا ترجمة ولا ذكرا فيما بين يدي من كتب السيرة.
[ (2) ] في الأصل) : يزيد، وما أثبتناه من (ابن هشام) حيث قال في ذكر من قتل من المشركين يوم أحد: وأبو زيد بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار، قتله قزمان. (سيرة ابن هشام) : 4/ 84.
وأنفة لقومه، وجعل يقول: قاتلوا معشر الأوس عن أحسابكم، فالموت خير من العار والفرار!
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قزمان في النار، فأثبت يوم أحد، فحمل إلى دار بين ظفر، فقيل له: أبشر أبا الفيراق بالجنة! فقد أبليت اليوم وأصابك ما ترى، فقال: أي جنة؟ واللَّه ما قاتلت إلا حمية لقومي، فلما اشتدّ به الوجع أخرج سهما من كنانته فقطع به رواهش يده فقتل نفسه، وفيه يقول صلى الله عليه وسلم: إن اللَّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر [ (1) ] .
وأبو عامر [عبد][ (2) ] عمرو بن صيفي [بن مالك][ (2) ] بن نعمان بن ضبيعة بن زيد [ (3) ] وقيل: هو أبو عامر عمر بن صيفي بن زيد بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف من الأوس. وقال مكي: أصله من الروم، كان يناظر أهل الكتاب، ويميل إلى النصرانية، ويتبع الرهبانية ويألفهم، ويكثر الشخوص إلى الشام، فسمي الراهب، فلما ظهر أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حسده، ففرّ إلى مكة وقاتل مع قريش يوم أحد، فسماه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبا عامر الفاسق، فلما فتحت مكة لحق بهرقل هاربا إلى الروم بالشام، فمات هناك فتخاصم في ميراثه كنانة بن عبد ياليل الثقفيّ، وكان ممن حسد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فشخص إلى الشام.
[ (1) ] رواه البخاري في الجهاد، باب إن اللَّه ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر، وفي المغازي، باب غزوة خيبر، وفي القدر، باب العمل بالخواتيم، ورواه مسلم في الإيمان، باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، حديث رقم (111) راجع (جامع الأصول) : 10/ 19 وما بعدها، حديث رقم (7738) .
[ (2) ] زيادة للنسب من (ابن هشام) .
[ (3) ] قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن أبا عامر عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان، أحد بني ضبيعة، وقد كان خرج حين خرج إلى مكة مباعدا لرسول اللَّه. معه خمسون غلاما من الأوس، وبعض الناس كان يقول: كانوا خمسة عشر رجلا، وكان يعد قريشا أن لو قد لقي قومه لم يختلف عليه منهم رجلان. فلما التقى الناس كان أول من لقيهم أبو عامر في الأحابيش عبدان أهل مكة، فنادى: يا معشر الأوس! أنا أبو عامر، قالوا: فلا أنعم اللَّه بك عينا يا فاسق.
وكان أبو عامر يسمى في الجاهلية: الراهب، فسماه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: الفاسق، فلما سمع ردهم عليه قال:
أصاب قومي بعدي شرّ، ثم قاتلهم قتالا شديدا، ثم راضحهم [راماهم] بالحجارة. (سرة ابن هشام) :
4/ 13- 14، أبو عامر الفاسق.
وعلقمة بن علاثة [ (1) ] ، وكان بالشام أيضا وكان مسلما، ويقال: بل كان مشركا، ثم إنه أسلم، فحكم صاحب الروم بدمشق بسرار، أي لعامر ولكنانة ابن عبد ياليل لأنه من أهل المدر، وحرمه علقمة لأنه بدوي. وقال الهيثم بن عدي: كان أبو عامر يهم بالنّبوّة فلما ظهر أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهاجر وحسده، فهرب إلي مكة فقاتل، ثم أتى الشام.
وقال الواقدي [ (2) ] : هرب أبو عامر إلى مكة، وكان يقاتل مع المشركين، فلما فتحت مكة هرب إلى الطائف، فلما أسلموا هرب إلى الشام، فدفع ميراثه إلى كنانة بن عبد ياليل الثقفي [ (3) ] ، وكان ممن هرب أيضا.
وذكر ابن إسحاق أن أبا عامر أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة قبل أن يخرج إلى مكة فقال: ما هذا الدين الّذي بعث به؟ فقال: جئت بالحنفية دين إبراهيم قال: فأنا عليها، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنك لست عليها؟ قال: بلى أدخلت يا محمد في الحنيفية ما ليس فيها قال: ما فعلت ولكن جئت بها بيضاء نقية، قال الكاذب، أماته اللَّه طريدا غريبا وحيدا- يعرض برسول اللَّه-:
أي أنك جئت بها كذلك، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أجل فمن كذب فعل اللَّه تعالى
[ (1) ] كان ممن خرج مع أبي عامر الفاسق: علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب، وكنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي، فلما مات اختصما في ميراثه إلى قيصر- صاحب الروم- فقال قيصر:
يرث أهل المدر أهل المدر [من يسكنون المدن] ، ويرث أهل الوبر أهل الوبر [البدو الذين يسكنون الخيام في الصحراء]، فورث كنانة بن عبد ياليل بالمدر دون علقمة. (سيرة ابن هشام) : 3/ 128- 129.
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 1/ 205.
[ (3) ] هو كنانة بن عبد ياليل الثقفيّ، كان رئيس ثقيف في زمانه: قال أبو عمر: كان من أشراف ثقيف الذين قدموا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد حصار الطائف فأسلموا، وكذا ذكره ابن إسحاق، وموسى بن عقبة، وغير واحد. وذكر المدائنيّ أن وفد ثقيف أسلموا إلا كنانة، فإنه قال: لا يرثني رجل من قريش، وخرج إلى نجران، ثم توجه إلى الروم فمات كافرا بها.
ويقوى كلام المدائني ما حكاه ابن عبد البر في ترجمة حنظلة بن أبي عامر الراهب [الفاسق] : أن أبا عامر لما أقام بأرض مرغما للمسلمين وتنصر، فمات عند هرقل، فاختصم في ميراثه علقمة بن علاثة العامريّ، وكنانة بن عبد ياليل الثقفيّ إلى هرقل، فدفعه لكنانة لكونه من أهل المدر كأبي عامر. (الإصابة) :
5/ 669، ترجمة رقم (7536)، (الاستيعاب) : 1/ 380، ترجمة رقم (549) ، 3/ 1330، ترجمة رقم (217) .
ذلك به فكان هو ذلك عدو اللَّه،
خرج إلى مكة فلما افتتح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مكة خرج إلى الطائف، فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام فمات بها سنة تسع، وقيل: سنة عشر من الهجرة، طريدا وحيدا غريبا [ (1) ] وابنه حنظلة العبد استشهد يوم أحد- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-[ (2) ]
وذكر المعتمر بن سليمان، عن أبيه- وقد ذكر حديث الهجرة- قال: فلما عدنا المدينة لقي أبا عامر وهو يسيح في الأرض وهو الراهب، وكان يدعى الراهب من شدة تعبده وتألهه، فقال لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أنت؟ قال: أنا رسول اللَّه، فقال يا محمد لقد حدّثت عنك قبل أن أراك حديثا ما أدري لعله سيكون كذلك! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما هو؟ قال: حدّثت أنك تفرق بين الاثنين، ولي ابن يقال له حنظلة، فهبه لي ولا تفرق بيني وبينه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
أنا لست كذلك، ولكن جئتك يا أبا عامر وقومك بالهدى، والبصيرة من
[ (1) ](سيرة ابن هشام) : 3/ 128، جزاء ابن صيفي لتعريضه به صلى الله عليه وسلم.
[ (2) ] هو حنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن مالك بن أمية- أو ابن صيفي بن زيد بن أمية، أو ابن صيفي بن النعمان بن مالك بن أمية- ابن ضبيعة بن زيد بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ، المعروف بغسيل الملائكة.
وكان أبوه في الجاهلية يعرف بالراهب، واسمه عمرو، ويقال: عبد عمرو، وكان يذكر البعث ودين الحنفية، فلما بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم عانده وحسده وخرج عن المدينة، وشهد مع قريش وقعة أحد، ثم رجع مع قريش إلى مكة، ثم خرج إلى الروم فمات بها سنة تسع، ويقال: سنة عشر، وأعطى هرقل ميراثه لكنانة بن عبد ياليل الثقفيّ. وأسلم ابنه حنظلة فحسن إسلامه، واستشهد. لا يختلف أصحاب المغازي في ذلك.
وروى ابن شاهين. بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه، قال: استأذن حنظلة بن أبي عامر، وعبد اللَّه بن أبيّ ابن سلول، رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الزبير، عن أبيه عن جده قال: كان حنظلة بن أبي عامر الغسيل التقى هو وأبو سفيان بن حرب، فلما استعلى حنظلة رآه شداد بن شعوب فعلاه بالسيف حتى قتله، وقد كاد يقتل أبا سفيان،
فقل النبي صلى الله عليه وسلم: إن صاحبكم تغسله الملائكة، فاسألوا صاحبته، فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهيعة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لذلك تغسله الملائكة. (الإصابة) : 2/ 137، ترجمة رقم (137)، (الاستيعاب) : 1/ 380- 382، ترجمة رقم (549)، (سيرة ابن هشام) : 3/ 127.
العمى، فقال له أبو عامر: ليس كما تقول، فادع اللَّه على الكذاب، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أمات اللَّه الكذاب ضالا ذليلا تائها في الأرض.
وقال حماد بن زيد: أخبرنا أيوب بن سعيد بن جبير بن بني عمرو بن عوف، ابتنوا مسجدا فصلّى بهم فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فحسدهم إخوتهم بنو غنم ابن عوف فقالوا: لو بنينا أيضا مسجدا وبعثنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فصلّى بنا فيه كما صلّى في مسجد أصحابنا، ولعلّ أبا عامر أن يمر بنا إذا أتى من الشام فيصلّي بنا فيه كما صلّى في مسجد أصحابنا، فلما قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لينطلق إليه أتاه الوحي فنزل فيهم: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [ (1) ] قال: هو أبو عامر.
وقال حماد بن سلمة عن هشام بن عروة، عن أبيه: أنه قال في هذه الآية وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ قال: كان سعيد بن حسمة بنى مسجدا فينا وكان موضعه لليلة تربط فيه حمارها فقال: أهل مسجدا النفاق أنحن نسجد في موضع يربط فيه حمار له؟ لا ولكننا نتخذ مسجدا نصلي فيه حتى يجيئنا أبو عامر فيصلي بنا فيه، وكان أبو عامر قد فرّ من اللَّه ورسوله إلى أهل مكة ثم لحق بالشام فتنصّر، فأنزل اللَّه تعالى فيه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ [ (1) ] يعني أبا عامر، فبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما نزل القرآن إلى ذلك المسجد قالوا: حفره قوم من المنافقين، مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجعلوا يضحكون، ويلعبون، ويهربون، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بإخراجهم.
[ (1) ] التوبة: 107.