الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما نزل من المصيبة بالصحابة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- لوفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما حل بالمسلمين عامة من عظم الرزيّه بفقده صلى الله عليه وسلم
.
قال أبو محمد الدرامي: حدثنا أبو نعيم حدثنا فطر، عن عطاء قال:
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنّها من أعظم المصائب [ (1) ] .
وخرج البخاري في المناقب من حديث سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسّنح- قال إسماعيل: يعني بالعالية- فقام عمر يقول: واللَّه ما مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
قالت: وقال عمر: واللَّه ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه اللَّه، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر فكشف عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقبّله فقال: بأبي أنت وأمّي، طبت حيا وميتا، والّذي نفسي بيده لا يذيقك اللَّه الموتتين أبدا. ثم خرج فقال: أيها الحالف، على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر [ (2) ] .
فحمد اللَّه [تعالى] أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حيّ لا يموت، وقال:
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [ (3) ] وقال: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [ (4) ] .
[ (1) ](سنن الدارميّ) : 1/ 40.
[ (2) ](فتح الباري) : 7/ 23، كتاب فضائل أصحاب النبي، باب (5) قول النبي صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذا خليلا) قاله أبو سعيد حديث رقم (3667) .
[ (3) ] الزمر: 30.
[ (4) ] آل عمران: 144.
قال: فنشج الناس يبكون. قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة كما عرج بروح موسى، واللَّه لا يموت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم، فلم يزل عمر يتكلم حتى أزيد شدقاه مما يوعد، ويقول.
فقام العباس فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد مات وإنه لبشر وإنه يأسن كما يأسن البشر، أي قوم: فادفنوا صاحبكم فإنه أكرم على اللَّه من أن يميته إماتتين أيميت أحدكم إماتة ويميته إماتتين. وهو أكرم على اللَّه من ذلك؟ أي قوم فادفنوا صاحبكم فإن يك كما تقولون فليس بعزيز على اللَّه أن يبحث عنه التراب. إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واللَّه ما مات حتى ترك السبيل نهجا واضحا، فأحل الحلال وحرم الحرام، ونكح، وطلق، وحارب، وسالم، وكان يرعى الغنم، يتبع بها صاحبها رءوس الجبال، يخبط عليها العضاة بمخبطه، ويمدد حوضها بيده بأنصب، ولا أدأب من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، كان فيكم أي قوم، فادفنوا صاحبكم.
قال: وجعلت أم أيمن تبكي فقيل لها: يا أم أيمن تبكي على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قالت: إني واللَّه ما أبكى على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا أن أكون أعلم أنه قد ذهب إلى ما هو خير له من الدنيا، ولكني أبكي على خبر السماء انقطع، قال حماد: خنقت العبرة أيوب حين بلغ هاهنا [ (1) ] .
وقال أبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول:
واللَّه ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبنى، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر- ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: لا واللَّه لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء. هم أوسط العرب دارا، وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله اللَّه [ (2) ] .
[ (1) ](سنن الدارميّ) : 1/ 39- 40.
[ (2) ](فتح الباري) : حديث رقم (3668) .
وروى أبو محمد الدارميّ عن سليمان، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة قال: توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين فحبس بقية يومه [ (1) ] وليلته والغد حتى دفن ليلة الأربعاء. قالوا: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يمت ولكن عرج بروحه كما عرج بروح موسى عليه السلام.
فقام عمر فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يمت ولكن عرج بروحه.
وخرج الإمام أحمد من حديث عبد الرزاق عن معمر قال: قال الزهري:
وأخبرني أنس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، فقام عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم توفي ولكن ربه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى عليه الصلاة والسلام فمكث عن قومه أربعين ليلة وإني لأرجو أن يعيش رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وبألسنتهم يزعمون أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد مات [ (2) ] .
وقال عبد اللَّه بن أحمد: حدثنا الليث بن خالد البلنجي قال: كان اليوم الّذي دخل فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة، أضاء منها كل شيء، ولما كان اليوم الّذي مات فيه صلى الله عليه وسلم أظلم منها كل شيء، وإنا لفي دفنه، ما رفعن أيدينا عن دفنه، حتى أنكرنا قلوبنا [ (3) ] .
وروى البيهقي من طريق جعفر بن سليمان الضبعي، عن ثابت، عن أنس بن مالك، قال: لما قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أظلمت المدينة، حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبطيده، فلا يبصرها، فلما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا [ (4) ] .
ومن طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: شهدت اليوم الّذي توفي فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم أر يوما كان أقبح منه [ (5) ] .
وقال الواقدي: حدثني حارثة بن أبي عمران، عن هلال بن أسامة عن
[ (1) ] في (الأصل) : «يوم الأربعاء» وفي (سنن الدارميّ) : 1/ 39: «ليلة الأربعاء» .
[ (2) ](سبق تخريجه) .
[ (3) ](دلائل البيهقي) : 7/ 265.
[ (4) ](المرجع السابق) .
[ (5) ](المرجع السابق) : 266.
علة بن أبي علة قال: كان أول من دخل عليه عثمان بن عفان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مسجى فخرج إلي الناس وهو يصيح: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يمت ولكن رفع كما رفع عيسى ابن مريم عليه السلام وليرجعن ولا يسمح أحد أن يقول: إن محمدا مات، إلا قطع لسانه، فإنّي أعلم أن قوما من المنافقين يقولون مات فأولئك يمثل بهم وتكون عليهم دائرة السوء، ثم غلبه البكاء. فدخل إلى بيته فمكث يومه ذلك يبكى بكاء شديدا ما يقدر الخروج حتى خيف عليه.
قال سيف: عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه قال:
قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- عنها إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لفي حجري حين قبضه اللَّه تبارك وتعالى فتناولت وسادة من أدم فوضعتها تحت رأسه ثم قمت أصيح مع النساء وألتدم وتفاقم الناس وسجي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بثوبه ودخل عمر ثم خرج إلي الناس فقال: يا أيها الناس، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما مات، وليرجعنه اللَّه تعالى فليقطعن أيد وأرجل من المنافقين يتمنون لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الموت.
وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه بن أبي ملكية، قال:
قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فاقتحم الناس حين ارتفعت [الربة] وسجي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والملائكة تثوبه، ونقل الرجال، فكانوا كأقوام سحبوا منهم الأرواح، وحق لهم في أحوال من البلاء قسمت بينهم، فكذب بعضهم بموته، وأخرس بعضهم فما تكلم إلا بعد النعت، وخلط آخرون فلانوا الكلام بغير شأن، وبقي ومعهم عقولهم وأقعدوا آخرون، فكان عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى فيمن كذب بموته، وعليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فيمن أقعدوا [وعثمان]- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فيمن أخرس فخرج من في البيت من الناس ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مسجى، فقال: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يمت، وليرجعن اللَّه تعالى، وليقطعن أيد وأرجل من المنافقين، فتمنون لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الموت، إنما أعده ربه كما وعد موسى، واللَّه لا أسمع أحدا يذكر أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم توفي إلا أعلون بسيفي هذا.
وأما عثمان- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه لما أعلونه يطق كلاما، وأما علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنه أقعد، ولم يكن أحد من المسلمين في مثل حال أبي بكر والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، فإن اللَّه عز وجل عزم لهما على التوفيق والسداد، وكان الناس لم يرضوا إلا
لقول أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وجاء العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من قبله فتكلم بنحو من كلامه فما انتهى له أحد ممن ابتلي، حتى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فانتهي الناس كلهم إلي قوله، وتفرقوا عن كلامه.
وقال سيف: عن محمد بن عبيد اللَّه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما قبض اللَّه عز وجل نبيه، وأعلن أهل البيت وفاته بالصيحة، وسمعها الناس جزعا من ذلك جزعا شديدا، فقام عمر ابن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فقال: كيف نكون شهداء على الناس ويكون الرسول علينا شهيدا؟ وبموت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولم يظهر على الناس فإياكم أيها الناس أن تفتتنوا كما افتتن قوم موسى إذ غاب عنهم إلي الطور، فرجع إليهم فعاقبهم، وظن كثير من الناس أنه كما قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- فأقبل الناس حتى نادوا على الناس، وقالوا: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حي، فلا تحركوه ولا تدفنوه، وأوعد عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- الناس حين سمعهم يقولون: توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فخرج عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- على الناس فقال: أيها الناس هل عندكم أو عند أحد منكم عهد من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أمر وفاته؟ قالوا: لا، قال: هل عندكم يا عمر من ذلك علم؟
قال: لا واللَّه، قال: اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يأخذ علي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد عهد اللَّه تعالى في شأن وفاته، واللَّه الّذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الموت،
ولقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهرانيكم إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ
فلما عرفوا، قال بعضهم: خلوا بينهم وبين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلم يكف بعضهم لبعض.
وقال سيف: عن سلمة بن نبيط عن نعيم بن أبي هند، عن سالم بن عبيد اللَّه وكان من أهل الصفة- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الّذي مات فيه، قال حين ثقل أو أغمي عليه فأفاق: حضرت الصلاة؟ قالوا: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت: فأمرت بلالا أن يؤذن، وأمرت أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم قال، أقيمت الصلاة؟
قيل: نعم، فدعا بربزة خادما كانت له وإنسانا آخر معها فاعتمد عليهما، ثم قال: انطلقا، فذهبا به إلي المسجد حتى أتيا أبا بكر- رضي اللَّه تبارك
وتعالى عنه- وهو يصلي بالناس فجلس إلى جنب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فذهب أبو بكر يتأخر، فجلس حتى فرغ من الصلاة، فلما توفي صلى الله عليه وسلم وقوم آمنون لم يكن فيهم نبي قبله.
قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: لئن تكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي، قال: فأخذ بيدي حتى أتينا البيت، فدخل، فقال: وسعوا كذا، فوسعوا حتى أتى نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم فأكبّ عليه ثم مشى روبده، ثم نظر حتى تبين له، قال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ قالوا: يا صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: نعم، فعلموا كلهم أن قد مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: يا صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هل نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قالوا: كيف نصلي عليه؟ فما أدري قال: عشاء أو قال: يجئ نفر فيكبرون، ويصلون ويدعون، ثم ينصرفون، ويجئ آخرون حتى يفرغوا من آخرهم، فعلموا أنه كما قال: عندكم نبي اللَّه يعني عمته وابن عمه فجلس في المسجد وجلس الناس حوله.
وقال سيف: عن عمر بن محمد عن تمام، عن العاصي عن القعقاع بن عمرو، قال: جاء الخبر أبا بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بنقل النبي صلى الله عليه وسلم وتواتر أهل البيت عليه أرسلا، فجاء فلقيه آخرهم بعد ما مات النبي صلى الله عليه وسلم، وعيناه تهملان، فأكبّ عليه، وكشف عن وجهه، وقيل جبينه وخديه، ومسح وجهه، وجعل يبكى ويقول: بأبي وأمي ونفسي وأهلي طبت حيا وميتا، وانقطع بموته ما لم ينقطع بموته أحد من الأنبياء، فعظمت عن الصفة، وحللت عن البكاء، وخصصت حتى ضرب مسيلمة، وعميت، ولولا أن موتك كان إخبارا لحربك بالنفوس، وإنك نهيت عن البكاء، لأنفدنا عليك ما التشوف، فأما ما لا نستطيع حقه عنا فكمدوا، وإن كان مخالفا له.
قال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن أبي عمر قال: جاء أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- حتى صلي على النبي صلى الله عليه وسلم فاسترجع وصلى وأثنى، فعجّ أهل البيت عجيجا سمعه أهل المصلى، كلما ذكرت شيئا أرادوا فما، سكن عجيجهم إلا [صوت] يقول: السلام عليكم يا أهل البيت كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ الآية. إن في اللَّه خلفا من كل هالك ودركا لكل رغبة، ونجاة من كل مخافة، فاللَّه فارجوا وبه فثقوا، فاستمعوا له وأنكروه، وقطعوا البكاء، فلما انقطع البكاء فقد صوته، واطلع أحدهم فلم ير أحدا، ثم ناداهم مناد آخر لا يعرفون صوته: يا أهل البيت، اذكروا اللَّه واحمدوه على كل حال
من المخلصين، إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل رغبة، فأطيعوا أمره فاعلموا.
وقال الواقدي في كتاب (الغازي) : حدثني ابن أبي سبرة، عن الحبيش بن هاشم، عن عبد اللَّه بن وهب، عن أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: نحن مجتمعون نبكي لم ننم ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بيوتنا، ونحن نسكن برؤيته على السرير، إذ سمعنا صوت الكرار من السحر ليلة الثلاثاء.
قالت أم سلمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فصحنا، فصاح أهل المسجد، فارتجت المدينة صيحة واحدة، وأذن بلال- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- بالفجر، فلما بلغ ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى فانتحب فزادنا عجيجا، وعالج الناس الدخول إلي قبره، فغلق دونهم فيا لها من مصيبة، فما أصبنا بعده بمصيبة إلا هانت علينا إذا ذكرنا مصيبتنا به صلى الله عليه وسلم.
وخرج البيهقي من طريق المزني، قال: حدثنا الشافعيّ، عن القاسم بن عبد اللَّه بن عمر بن حفص، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن رجالا من قريش دخلوا على أبيه عليّ بن الحسين، فقال: ألا أحدثكم عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: بلى، فحدثنا عن أبي القاسم، قال: لما مرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل، فقال: يا محمد! إن اللَّه أرسلني إليك، تكريما لك، وتشريفا لك، وخاصة لك، أسألك عما هو أعلم به منك. يقول: كيف تجدك؟ قال: أجدني يا جبريل مغموما، وأجدني يا جبريل مكروبا، ثم جاءه اليوم الثاني، وقال له:
ذلك، فردّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم كما ردّ أول يوم، ثم جاءه اليوم الثالث فقال له كما قال أول يوم، وردّ عليه كما ردّ.
وجاء معه ملك، يقال له إسماعيل على مائة ألف، كل ملك على مائة ألف ملك، استأذن عليه، فسأل عنه، ثم قال جبريل: هذا ملك الموت، يستأذن عليك، ما استأذن على آدمي قبلك، ولا يستأذن على آدمي بعدك، فقال عليه السلام: ائذن له، فأذن له، فسلم عليه، ثم قال: يا محمد، إن اللَّه أرسلني إليك، فإن أمرتني أن أقبض روحك قبضته، وإن أمرتني أن أتركه تركته، فقال: أو تفعل يا ملك الموت؟ قال: نعم: بذلك أمرت، وأمرت أن أطيعك. فنظر النبي إلى جبريل؟ فقال له جبريل: يا محمد إن اللَّه اشتاق إلى لقائك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لملك الموت: أمضي لما أمرت به، فقبض روحه.
فلما توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية، سمعوا صوتا من ناحية البيت: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه عزاء من
كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإنما المصاب من حرم الثواب. فقال عليّ- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: أتدرون من هذا؟ هذا الخضر عليه السلام.
قال البيهقي: لقد روينا هذا في الخبر الّذي قبله بإسناد آخر، والمراد بقوله: إن اللَّه اشتاق إلى لقائك، أي أراد ردك من دنياك إلى آخرتك ليزيد في كرامتك، ونعمتك وقربتك.
قال: أخبرنا القاسم بن عبد اللَّه بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال: لما توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية، سمعوا قائلا يقول: إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فباللَّه فثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب [ (1) ] .
قال المؤلف: قد روينا هذا الحديث في كتاب تبين الشافعيّ رحمه الله، وذكره في باب زكاة الفطر، ولا يحضرني الآن.
وخرجه البيهقي من طريق الربيع بن سليمان قال: حدثنا الشافعيّ، قال:
أخبرني الهيثم بن عبد اللَّه عن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: لما توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: إن في اللَّه تعالى عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل هالك، ودركا من كل ما فات، فباللَّه فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب.
وخرج من طريق أبي الوليد المخزومي، حدثنا أنس بن عياض، عن جعفر ابن محمد عن أبيه، عن جابر بن عبد اللَّه- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: لما توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عزتهم الملائكة، يسمعون الحسّ، لا يرون الشخص، فقال: السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللَّه وبركاته، إن في اللَّه تعالى عزاء من كل مصيبة، وخلفا من كل فائت، فباللَّه فثقوا، وإياه فأرجو، فإن المحروم من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته.
قال البيهقي: هذان الإسنادان وإن كانا ضعيفين، فبأحدهما يتأكد الآخر، وبدل ذلك على أن له أصلا من حديث جعفر.
قال المؤلف: وقد خرج الحاكم في (مستدركه)[ (2) ] حديث جابر هذا من طريق أبي الوليد بهذا السند، فقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه،
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 7/ 267- 268.
[ (2) ](المستدرك) : 30/ 59- 60، كتاب المغازي والسرايا، حديث رقم 33 (4391) . وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
والمخزومي هذا ليس بخالد بن إسماعيل الكوفي، وإنما هو هشام بن إسماعيل الصغاني، وهو ثقة مأمون.
وخرج الحاكم من طريق محمد بن بشر بن مطر، حدثنا كامل بن طلحة حدثا عباد بن عبد الصمد، عن أنس بن مالك- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قال: لما قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحدق به أصحابه، فبكوا حوله، واجتمعوا، فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم صبيح قيحا رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: إن في اللَّه عزاء من كل مصيبة، وعوضا من كل فائت، وخلفا من هالك، وإلى اللَّه فأنيبوه إليه، فارغبوا الآخرة، ونظر إليكم البلاء، فانظروا، فان المصاب من لم يخبر، وانصرف.
فقال بعضهم لبعض: أتعرفون الرجل؟ قال أبو بكر وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-: نعم: هذا أخو رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الخضر عليه السلام [ (1) ]، قال الحاكم: هذا شاهد بما تقدم وإن كان عباد بن عبد الصمد ليس من شرط هذا الكتاب.
قال المؤلف وقد أخرج هذا الحديث البيهقي، وقال عباد بن عبد الصمد ضعيف وهذا منكر بمرة.
وقال سيف: عن عبد اللَّه بن سعيد بن ثابت بن الجدع عن عبدة بنت عبد الرحمن، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل وفاته: لا يبقى في جزيرة العرب دينان.
وقال سيف: عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن أبي كعب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: قال: لقد رأيتني يوم مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإني لأعد المخلصين من قبلهم وكانت قلة، قام أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- دونها فما استأنى حتى استناء العزاء. وقال: عن مبشر، عن سالم بن عبد اللَّه قال: قال عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: كانت إمارة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فتله وقى اللَّه شرها، قلت وما الفلتة؟ قال: كان أهل الجاهلية يتناحرون في الحرم، فإذا كانت الليلة التي يشك فيها إذ علموا فيها فأغاروا، وكذلك كان يوم مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أدخل الناس من مدعى إمارة، أو جاحد زكاة، أو مستتر بصلاة، أو جاحد الأحكام كلها، فكان المدعي الإمارة، والمقر بالإسلام، والجاحد بالزكاة فالجاحد للأحكام كلها، فلولا اعتراض أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- دونها كانت الفضيحة.
[ (1) ](المرجع السابق) : حديث رقم (4392)، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : هذا شاهد لما قبله.