الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته عليه السلام
ابتدأ به صلى الله عليه وسلم صداع في أواخر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة. وقال الواقدي: وحدثني أبو معمر عن محمد بن قيس قال: اشتكى صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة في بيت زينب بنت جحش- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- شكوى شديدة حتى قيل هو مجنوب يعني ذات الجنب واجتمع إليه نساؤه كلهن، اشتكى ثلاثة عشرة وتوفي صلى الله عليه وسلم في يوم الاثنين لليلتين مضيتا من ربيع الأول سنة إحدى عشرة.
قالوا: بدئ يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر، وتوفى صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول وهو الثّبت عندنا.
وحدثني معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: بدئ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة زوجته- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وخرج البخاري من حديث يحيي بن أبي زكريا، أخبرنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد قال: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: وا رأساه.
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ذلك لو كان وأنا حيّ فأستغفر لك وأدعو لك، فقالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وا ثكلياه، واللَّه إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت آخر يومك معرسا ببعض أزواجك! فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بل أنا وا رأساه، لقد همت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وابنه فأعهد أن يقول القائلون، أو يتمنى المتمنون ثم قلت: يأبى اللَّه ويدفع المؤمنون، أو يدفع اللَّه ويأبى المؤمنون. ذكره في كتاب المرضى [ (1) ] .
[ (1) ](فتح الباري) : 10/ 152، كتاب المرضى، باب (16)، ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، أو وا رأساه، أو اشتد بي الوجع، وقول أيوب عليه السلام: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ حديث رقم (5666) .
خرج النسائي من حديث محمد بن مسلمة، عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من جنازة وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه فقال صلى الله عليه وسلم أنا وا رأساه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: وما ضرك لو مت قبلك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك، ثم دفنتك، قالت: لكأنّي بك لو فعلت ذلك ثم رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك! فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم بدئ في مرضه الّذي مات فيه.
وخرجه أيضا من طريق محمد بن مسلمة عن بن إسحاق عن يعقوب عن الزهري، وعن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، عن عروة ابن الزبير، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: رجع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه قال صلى الله عليه وسلم: بل أنا يا عائشة وا رأساه. ثم قال صلى الله عليه وسلم: واللَّه ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنك وصليت عليك ثم دفنتك؟
قالت: لكأنّي بك واللَّه لو فعلت ذلك قد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم ثم بدئ بوجعه الّذي مات به، يعنى فيه. ورواه من حديث إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل علي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
[ () ] قوله: (باب ما رخص للمريض أن يقول إني وجع أو وا رأساه أو اشتد الوجع، وقول أيوب عليه السلام:
مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. أما قوله «إني وجع» فترجم به في كتاب الأدب المفرد وأورده فيه من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: «دخلت أنا وعبد اللَّه بن الزبير على أسماء- يعني بنت أبي بكر وهي أمهما- وأسماء وجعة، فقال لها عبد اللَّه: كيف تجدينك؟ قالت: وجعت» الحديث، وأصرح منه ما روى صالح بن كيسان عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه قال «دخلت على أبي بكر رضي الله عنه في مرضه الّذي توفي فيه، فسلمت عليه وسألته: كيف أصبحت؟ فاستوى جالسا فقلت: أصبحت بحمد اللَّه بارئا؟ قال: أما إني على ما ترى وجع» فذكر القصة، أخرجه الطبراني.
وأما قوله: «وا رأساه» فصريح في حديث عائشة المذكور في الباب، وأما قوله «اشتد بي الوجع فهو في حديث سعد الّذي في آخر الباب، وأما قول أيوب عليه السلام فاعترض ابن التين ذكره في الترجمة فقال: هذا لا يناسب التبويب، لأن أيوب إنما قاله داعيا ولم يذكره للمخلوقين. قلت: لعل البخاري.
_________
[ () ] أشار إلى أن مطلق الشكوى لا يمنع ردا على من زعم من الصوفية أن الدعاء بكشف البلاء يقدح في الرضا والتسليم، فنبه على أن الطلب من اللَّه ليس ممنوعا، بل فيه زيادة عبادة، لما ثبت مثل ذلك عن الصوم وأثنى اللَّه عليه بذلك وأثبت له اسم الصبر مع ذلك، وقد روينا في قصة أيوب لما طال بلاؤه ورفضه القريب والبعيد، غير رجلين من إخوانه، فقال أحدهما لصاحبه: لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فبلغ ذلك أيوب- يعني فجزع من قوله- ودعا ربه فكشف ما به» . وعند ابن أبي حاتم من طريق عبد اللَّه بن عبيد بن نمير موقوفا عليه نحوه وقال فيه «فجزع من قولهما جزعا شديدا ثم قال: بعزتك لا أرفع رأسي حتى كشف عنه» . فكأنما رد البخاري أن الّذي يجوز من شكوى المريض ما كان على الطريق من اللَّه، أو على غير طريق التسخط للقدر والتضجر، واللَّه أعلم. قال القرطبي:
اختلف الناس في هذا الباب، والتحقيق أن الألم لا يقدر أحد على رفعه، والنفوس مجبولة على وجدان ذلك فلا يستطاع تغييرها عما جبلت عليه، وإنما كلف العبد أن لا يقع منه في حال المصيبة ما له سبيل إلى تركه كالمبالغة في التأوه والجزع الزائد كان من فعل ذلك خرج عن معاني أهل الصبر، وأما مجرد التشكي فليس مذموما حتى يحصل التسخط للمقدور، وقد اتفقوا على كراهة شكوى العبد ربه، وشكواه إنما هو ذكره للناس على سبيل التضجر، واللَّه أعلم. وروى أحمد في «الزهد» عن طاوس أنه قال: أنين المريض شكوى، وجزم أبو طالب وابن الصباغ وجماعة من الشافعية أن أنين المريض وتأوهه مكروه، وتعقبه النووي فقال: هذا ضعيف أو باطل، فإن المكروه ما ثبت فيه نهى مقصود، وهذا لم يثبت فيه ذلك. ثم احتج بحديث عائشة في الباب، ثم قال: فلعلهم أرادوا بالكراهة خلاف الأولى، فإنه لا شك أن اشتغاله بالذكر أولى أهـ. ولعلهم أخذوه بالمعنى من كون كثرته تدل على ضعف اليقين، وتشعر بالتسخيط للقضاء وتورث شماتة الأعداء. وأما إخبار المريض صديقه أو طبيبه عن حاله فلا بأس به اتفاقا. قوله:«حدثنا يحيى بن يحيى أبو زكريا» هو النيسابورىّ الإمام المشهور وليس له في البخاري سوى مواضع يسيرة في الزكاة والوكالة والتفسير والأحلام، وأكثر عنه مسلم، ويقال إنه تفرد بهذا الإسناد وإن أحمد كان يتمنى لو أمكنه الخروج إلى نيسابور ليسمع منه هذا الحديث، ولكن أخرجه أبو نعيم في «المستخرج» من وجهين آخرين عن سليمان بن بلال.
قوله: «وا رأساه» هو تفجع على الرأس لشدة ما وقع به من ألم الصداع، وعند أحمد والنسائي وابن ماجة من طريق عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة عن عائشة «رجع رسول اللَّه (ص) من جنازة من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وا رأساه» .
قوله: «ذاك لو كان حي» ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت، أي لو مت وأنا حي، ويرشد إليه جواب عائشة، وقد وقع مصرحا به في رواية عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة ولفظه.
قوله: «ذاك لو كان حي» ذاك بكسر الكاف إشارة إلى ما يستلزم المرض من الموت، أي لو مت وأنا حي، ويرشد إليه جواب عائشة، وقد وقع صرحا به في رواية عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة ولفظه.
«ثم قال: ما ضرك لو مت قبلي فكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك» وقولها «وا ثكلياه» بضم المثلثة.
_________
[ () ] وسكون الكاف وفتح اللام وبكسرها مع التحتانية الخفيفة وبعد الألف هاء للندبة، وأصل الثكل فقد الولد أو من يعز على الفاقد، وليست حقيقته هنا مراده، بل هو كلام كان يجرى على ألسنتهم عند حصول المصيبة أو توقعها. وقولها واللَّه إني لأظنك تحب موتى كأنها أخذت ذلك من قوله لها:
«لو مت قبلي» ، وقولها:«لو كان ذلك» في رواية الكشمهيني «ذاك» بغير لام أي موتها لظللت آخر يومك معرسا «العين والمهملة وتشديد الراء المكسورة وسكون العين والتخفيف، يقال: أعرس، بنى على زوجته، ثم استعمل في كل جماع، والأول أشهر، فإن التعريس النزول بليل. ووقع في رواية عبيد اللَّه «لكأنّي بك واللَّه لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست ببعض نسائك. قالت: فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وقولها: بل «بل أنا وا رأساه» هي كلمة إضراب، والمعنى: دعي ذكر ما تجدينه من وجع رأسك واشتغلي بي وزاد في رواية عبيد اللَّه ثم بدئ في وجعه الّذي مات فيه صلى الله عليه وسلم.
قوله: «لقد هممت أو أردت» شك من الراويّ، ووقع في رواية أبي نعيم «أو وددت» بدل «أردت» . وقوله:«أن أرسل إلى أبي بكر وابنه» كذلك للأكثر بالواو وألف الوصل والموحدة والنون، ووقع في رواية مسلم:«وابنه» ولفظ «أو» التي للشك أو للتخير، وفي أخرى «أو آتيه» بهمزة ممدوة بعدها مثناة مكسورة ثم تحتانية ساكنة من الإتيان لمعنى المجيء، والصواب الأول، ونقل عياض عن بعض المحدثين تصويبها وخطأه.
وقال: ويوضح الصواب قولها في الحديث الآخر عند مسلم «ادعي لي أباك وأخاك» وأيضا فإن مجيئه إلي أبي بكر كان متعسرا لأنه عجز عن حضور الصلاة مع قرب مكانها من بيته.
قلت: في هذا التعليل نظر، لأن سياق الحديث يشعر بأن ذلك كان في ابتداء مرضه صلى الله عليه وسلم وقد استمر يصلي بهم وهو مريض ويدور على نسائه حتى عجز عن ذلك وانقطع في بيت عائشة. ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم:«لقد هممت إلخ» وقع بعد المفاوضة التي وقعت بينه وبين عائشة بمدة، وإن كان ظاهر الحديث بخلافه.
ويؤيد أيضا ما في الأصل أن المقام كان مقام استمالة قلب عائشة، فكأنه يقول: كما أن الأمر يفوض لأبيك فإن ذلك يقع بحضور أخيك، هذا إن كان المرد العهد بالخلافة، وهو ظاهر السياق كما سيأتي تقريره في كتاب الأحكام إن شاء اللَّه تعالى، وإن كان لغيره بالخلافة، وهو ظاهر السياق، كما وإن كان لغير ذلك فلعله أراد إحضار بعض مآربها حتى لو احتاج إلي قضاء حاجة أو الإرسال إلى أحد لوجد من يبادر لذلك.
قوله: فأعهد أي أوصي.
قوله: أن يقول القائلون أي لئلا يقول، أو كراهة أن يقول.
قوله: «أو يتمنى المتمنون» بضم النون جمع متمني بكسرها، وأصل الجمع المتمنيون فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، فاجتمعت كسرة النون بعدها الواو فضمت النون، وفي الحديث ما طبعت عليه المرأة من الغيرة، وفيه مداعبة الرجل أهله، والإفضاء إليهم بما يستره عن غيرهم، وفيه أن ذكر الوجع ليس بشكاية، فكم من ساكت وهو ساخط، وكم من شاك وهو راض، فالمعول في ذلكم على عمل القلب لا على نطق اللسان.
في اليوم الّذي بدئ فيه، فقلت: وا رأساه فقال صلى الله عليه وسلم: وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنك، فقلت: كأني بك ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك! قال صلى الله عليه وسلم: بل أنا وا رأساه، أدعو إلي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا، فإنّي أخاف أن يقول قائل أو يتمنى متمن ويأبى اللَّه والمؤمنون إلا أبا بكر [ (1) ] .
وخرج البيهقي من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: حدثني يعقوب بن عتبة ابن المغيرة بن الأخنس، عن الزهري، عن عبيد اللَّه ابن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعد، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخل عليّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت: وا رأساه، فقال صلى الله عليه وسلم بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك وصليت عليك وواريتك؟ فقلت: واللَّه إني لأحسب أنه لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي آخر النهار فأعرست بها، فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم تمادى برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجعه، فاستقر برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فاجتمع إليه أهله، فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه: إنا لنرى برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات الجنب فهلموا فلنلده، فلدوه، وأفاق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: من فعل هذا؟ قالوا: عمك العباس، تخوف أن يكون بك ذات الجنب، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنها من الشيطان، وما كان اللَّه تعالى ليسلطه عليّ، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-،
فلدّ أهل البيت كلهم حتى ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، وإنها لصائمة يومئذ، وذلك بعين رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم أستأذن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم نسائه أن يمرض في بيتي، فخرج صلى الله عليه وسلم إلى بيتي فهو صلى الله عليه وسلم بين العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وبين رجل آخر لم تسمه قدماه تخطان الأرض إلى بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قال عبيد اللَّه: فحدثت هذا الحديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فقال: تدري من الرجل الآخر الّذي كان مع العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قلت: لا
[ (1) ](مسند أحمد) : 7/ 207- 208، حديث رقم (24589) ، من حديث للسيدة عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-
قال: هو عليّ بن أبي طالب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وقال سيف: عن سعيد عن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: اشتكى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجعه الّذي ألمه في ليلة صفر واشتكيت في تلك الليلة شكوى فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في صرة أنادي: وا عماه، وا رأساه، عاصبا صلى الله عليه وسلم رأسه يعودني، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد طرقني يا عائشة طارق من صداع فما برح بي، ولكن وجهك صوري فكيف بحديثك؟
قالت: والّذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق لقد فزعت فزعة طار عني ما أحذرني حتى ما أخشى منه شيئا، وقربت إليه فالتزمته وأنا أقول: وا ويلاه، فقال: وأخبراه، لا تدعى بالويل، وأقبل يمازحني حتى سكنني وإنه لمثبت، وفزع الناس بضحكي فأقبلوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إليكم فإنه لم يحدث إلا خيرا، فتراجع الناس ولزمه النسوة ودرن معه دورة ثم استأذنهن في بيتي، فأذن له.
وقال سيف: عن محمد بن إسحاق، عن الزهريّ ويزيد بن رومان وأبي بكر بن عبد اللَّه: أن الّذي كان ابتدئ به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من وجعه الّذي لزمه أن دخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وهو صلى الله عليه وسلم يجد صداعا فوجدها بصداع وتقول: وا رأساه، فقال صلى الله عليه وسلم: بل أنا واللَّه يا عائشة وا رأساه فو اللَّه لقد طاوعني ما لقد ولدت أن استطار، فسكنني صلى الله عليه وسلم بالمزاح عليّ بحسم منه فقال صلى الله عليه وسلم: ما ضرك يا عائشة لو مت قبلي فأقوم عليك وأصلّى عليك؟
فقالت له: لكأنّي بك قد فعلت وأعرست مع نسائك في آخر ذلك اليوم! فتبسم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم تمادى به وجعه وهو صلى الله عليه وسلم في ذلك يدور على نسائه حتى استقر برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-.
قالت: فلما رأوا ما به اجتمع رأي من في البيت علي أن يلدّوه وتخوفوا أن يكون به ذات الجنب، ففعلوا، ثم فرج عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقد لدوّه، فقال صلى الله عليه وسلم من صنع بى هذا؟ فهبنه، واعتللن بالعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فاتخذ جميع من في البيت العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- سببا، ولم يكن له في ذلك رأي، فقالوا: يا رسول اللَّه: عمك العباس-
رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أمر بذلك، وتخوفنا أن يكون ذلك ذات الجنب فقال صلى الله عليه وسلم: إنها من الشيطان ولم يكن اللَّه- عز وجل يسلطه علي ولكن هذا عمل النساء، لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي العباس
فلدوا كلهم ولدت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- وكانت صائمة لقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلي بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها وكان يومها بين العباس وعلي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفضل- رضي اللَّه تبارك وتعاله عنه- ممسك بظهره ورجلاه صلى الله عليه وسلم تخطان في الأرض حتى دخل على عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فلم يزل عندها مغلوبا لا يقدر على الخروج، وغير مغلوب وهو لا يقدر على الخروج من بيتها إلى غيره.
وقال سيف: عن سعيد بن عبد اللَّه، عن عبد اللَّه أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما صنع به في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقالت: غدا في بيت عائشة فهل تطبن إلى المقام في بيت إحداكن حتى يقضي اللَّه تعالى في قضاءه؟ فقلن:
نعم فأتاني في بيتي وفي يومي، وكان آخر أيامه يومي، كان صلى الله عليه وسلم يدور علينا.
وقال الواقدي: حدثني عاصم بن عبد اللَّه بن عمرو بن الحكم قال: قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- سبعة أيام يبعث إلى نسائه أسماء بنت عميس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يقول:
إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يشق عليه أن يدور عليكن فأحللنه فكن يحللنه.
وحدثني إبراهيم بن سعد، عن أبيه قال: كانت فاطمة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تدور على نسائه وتقول: أحللنه فيحللنه.
وحدثني ابن أبي سبرة عن يحيى بن سهل، عن أبي جعفر قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يحمل في ثوب ويطاف به على نسائه، وذلك أن زينب بنت جحش- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- كلمته في ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: فأنا أدور عليكن، فكان صلى الله عليه وسلم يحمل في ثوب ويحمل جوانبه الأربع، يحمله أبو رافع مولاه وأبو مويهبة، وشقران، وثوبان، - رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم
حتى يقسم لهن كما يقسم، فجعل صلى الله عليه وسلم يقول: أين أنا غدا؟ فيقولون: عند فلانة فعرف أزواجه أنه يريد عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- فقلن:
يا رسول اللَّه قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة.
قال سيف: عن سبط، عن نعيم بن أبي هند، عن شقيق بن سلمة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-، قالت: لما اشتكى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جعل يدور بين نسائه ويتحامل، فقال صلى الله عليه وسلم يوما لهن وهن مجتمعات عنده: قد ترين ما أصابنى من الشكوى وهو يستند علي أن أدور بينكن فلو أذنتن لي في بيت إحداكن حتى أعلم ما يصنع اللَّه تعالى، فقالت إحداهن: أي نبي اللَّه، قد أذناك وعرفنا البيت الّذي تريد، فتحول إليه فالزمه، فإنا لو قدرنا أن نفديك بأنفسنا فديناك وسررناك، فقال: فأي بيت هو؟ قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها: لا تعدل به فتحول إلي بيتي.
وقال سيف: عن هشام بن عروة، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في وجعه وهو يدور على نسائه: أين أنا غدا؟ فنقول: عند فلانة، فإذا كان الغد قال: أين أنا غدا؟ فما زال ذلك من قوله كل يوم حتى قيل: عند عائشة في اليوم الّذي استأذن نساءه فيه في المقام في بيت إحداهن، ففرح حتى عرف القوم فيه ألحقه.
وقال سيف، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في مرضه، وهو عند نسائه: أين أنا غدا؟ قالوا عند فلانة، ثم سأل صلى الله عليه وسلم أيضا فقال: أين أنا غدا؟ فكذلك حتى قال بعض نسائه:
إنما يريد يوم بنت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- فأذن له، قلن له: يا رسول اللَّه إنما نحن أخوات فأنت في حل، قال صلى الله عليه وسلم: أجل، فسر بذلك.
قال الواقدي: فحدثني عاصم بن عبد اللَّه عن عمرو بن الحكم قال: فنقل صلى الله عليه وسلم إلى بيت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- يوم الأربعاء الآخر حتى توفي، فأقام صلى الله عليه وسلم في بيتها، قال: وقالوا: لما مرض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذته بحة شديدة مع حمى معظمة.
وقال سيف: عن الوليد بن كعب عن أبيه، عن علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- قال: طلب أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يمرضه فقال، صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر، هو ابتلاء لأهلي أن يمرضوني، وقد وقع أجرك على اللَّه، فوليت تمريضه ما دام الرجال يدخلون عليه، فلما ارتفعوا خاليته والنسوة.
وقال البخاري: وقال يونس عن الزهري: قال عروة: قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الّذي مات فيه: يا عائشة! ما أزال أجد ألم الطعام الّذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم [ (1) ] .
وخرج البيهقي من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن عبد اللَّه بن مرة، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه قال: لأن أحلف تسعا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قتل قتلا أحب إليّ من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل. وذلك أن اللَّه تعالى اتخذه نبيا واتخذه شهيدا. [ (2) ]
وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد اللَّه، عن ابن أبي مليكة عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: دخلت أم شريك على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يجد غما ونفسا فقال: يا أم بشر هذا أوان وجدت انقطاع أبهرى من الأكلة التي أكلتها أنا وأبوك يوم خيبر. قالت: وكانت امرأة من أهل خيبر أتتهما بشاة مصلية مسمومة، فأهوى أبوها إلى اللقمة ونهش النبي صلى الله عليه وسلم الذراع، فقالت الذراع: لا تأكل فإنّي مسمومة، فرمي بها وتعقبه منها ما تعقب.
وقال الواقدي: فحدثني معمر ومالك عن الزهري، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقرأ على
[ (1) ](فتح الباري) : 8/ 165، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته حديث رقم (4428)
[ (2) ](دلائل البيهقي) : 7/ 172، باب ما جاء في إشارته صلى الله عليه وسلم إلى عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- في ابتداء مرضه بما يشبه النعي، ثم إخباره إياها بحضور أجله، وما في حديثها من أنه صلى الله عليه وسلم توفي شهيدا.
نفسه بالمعوذات، فلما مرض وثقل كنت أقرأها في يديه وأمسح بهما جسده وألتمس بذلك بركة يديه، ودخلت عليه في مرضه أم بشر بنت البراء بن معرور فقالت: يا رسول اللَّه ما وجدت مثل هذه الحمى التي عليك على أحد! فقال صلى الله عليه وسلم وما كان اللَّه تعالى ليسلطها على رسوله إنها همزة من الشيطان، ولكنها من الأكلة التي أكلت أنا وابنك بخيبر من الشاة، كان يصيبني منها عداد مرة فكان هذا أوان انقطاع أبهري، فمات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم شهيدا.
وخرج البخاري [ (1) ] من حديث الليث قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة بن مسعود قال: إن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما ثقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واشتد به وجعه استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين العباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر، قال عبيد اللَّه: فأخبرت عبد اللَّه بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد اللَّه بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الّذي لم تسم عائشة؟ قال: قلت: لا، قال ابن عباس: هو علي، وكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدث أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال: أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن، لعلي أعهد إلى الناس، وأجلسناه في مخضب لحفصة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن. قالت: ثم خرج صلى الله عليه وسلم إلى الناس فصلى بهم وخطبهم.
وأخبرني عبيد اللَّه بن عبد اللَّه بن عتبة، قال: إن عائشة وعبد اللَّه بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- قالا: لما نزل برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك:
لعنة اللَّه على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا.
وأخبرني عبيد اللَّه أن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت:
لقد راجعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا يقوم مقامه أبدا، وإلا كنت أرى أنه لن
[ (1) ](فتح الباري) : 8/ 178، كتاب المغازي، باب (84) مرض النبي ووفاته، حديث رقم (4442) .
يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس به، فأردت أن يعدل ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- هكذا ذكر البخاري هذا الحديث في باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .
قال الواقدي: حدثني معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: ان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد أن دخل بيتها واشتد وجعه قال: أهريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد الى الناس قالت عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها-: فأجلسناه في مخضب لحفصة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- مثل الأيرن من صفر وطفقنا نصب عليه تلك القرب حتى طفق يشير إلينا أن قد فعلتن، ثم خرج صلى الله عليه وسلم إلى الناس فصلى بهم وخطبهم، قالوا: وكانت تلك القرب من بئر أبي أيوب الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-.
وخرج البيهقي حديث: «وإن اللَّه خير عبدا» ، ثم قال: وهذا الّذي رواه أبو سعيد الخدريّ وأبو يعلي الأنصاري- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان ذلك حين خرج في مرضه بعد ما اغتسل ليعهد الي الناس والّذي يدل على ذلك فذكر ما
خرجه البخاري من حديث وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت يعلي بن حكيم يحدث عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فصعد على المنبر فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي
[ (1) ] لم أجد هذا الحديث في (صحيح البخاري) بهذه السياقة، وقد ذكره الحافظ البيهقي في (دلائل النبوة) : 7/ 186- 187، باب ما جاء في أمره حين اشتد به المرض- أبا بكر الصديق رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أن يصلي بالناس، وقال في هامشه: أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة عن يحيى بن سليمان، عن ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، وقال تابعة الزبيدي وابن أخي الزهري وإسحاق بن يحيى الكلبي عن الزهري.
وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب (21) استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض أو سفر وغيرهما من يصلي بالناس، حديث رقم (93) .
قحافة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-، ذكره في كتاب الصلاة، في باب الخوخة والممر في المسجد [ (1) ] . وخرجه في المناقب مختصرا من حديث وهيب، حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-[ (2) ] .
وخرج النسائي من طريق زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبد اللَّه بن الحارث، قال: قال لي خبّاب: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوفى يقول: قد كان إخوة وأصدقاء فأراني أبرأ إلي كل خليل من خلّته، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وإن ربي اتخذني خليلا، كما اتخذ أبي إبراهيم خليلا، ألا ولا تتخذوا القبور مساجد، فإنّي أنهاكم عن ذلك، ذكره في تفسير سورة النساء.
قال البيهقيّ: وفي هذه الخطبة، قال: فذكر ما خرجه البخاري في علامات النبوة في الإسلام من حديث أبي نعيم، حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة الغسيل حدثنا، عكرمة، عن ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما-، قال: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مرضه الّذي مات فيه في ملحفة قد عصب بعصابة دسماء حتى جلس على المنبر، فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار، حتى يكونوا في الناس كالملح في الطعام فمن ولي منكم شيئا يضرّ فيه قوما وينفع آخرين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، فكان آخر مجلس جلس فيه النبي صلى الله عليه وسلم [ (3) ] .
وذكر من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن أيوب بن بشير قال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: أفيضوا عليّ سبع قرب
[ (1) ] حديث رقم (467) .
[ (2) ] باب (5) قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلا» حديث رقم «3656» .
[ (3) ](دلائل البيهقي) : 7/ 178.
من سبع آبار شتّى، حتى أخرج وأعهد إلي الناس، ففعلوا، فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد اللَّه تعالى والثناء على أصحاب أحد، فاستغفر لهم ودعا لهم، ثم قال: يا معشر المهاجرين، إنكم قد أصبحتم تزيدون والأنصار علي هيئتها لا يزيدون، وإنهم عيبتي التي آويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن عبدا من عباد اللَّه تعالى قد خيّره اللَّه تعالى بين الدنيا وبين ما عند اللَّه تعالى فاختار ما عند اللَّه عز وجل ففهمها أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- من بين الناس فبكى، ثم قال: نفديك بأنفسنا وآبائنا فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر، انظروا إلى هذه البيوت الشارعة في المسجد فسدوها، الا ما كان من بيت أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى فإنّي لا أعلم أحدا أفضل عندي يدا في الصحبة منه [ (1) ]
قال البيهقي: هذا وإن كان مرسلا ففيه ما في حديث ابن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- من تاريخ هذه الخطبة وأنها كانت بعد ما اغتسل ليعهد إلي الناس، وينعي نفسه إليهم.
وخرج من طريق الواقدي. قال حدثني فروة بن زبيد طوسا، عن عائشة بنت سعد، عن أم ذرّة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عاصبا رأسه بخرقة، فلما استوى علي المنبر أحدق الناس بالمنبر واستكفوا، فقال: والّذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض ساعة، ثم تشهّد فلما قضي تشهده، كان أول ما تكلم به أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن عبدا من عباد اللَّه تعالى خيّر بين الدنيا وبين ما عند اللَّه عز وجل، فاختار العبد ما عند اللَّه تعالى، فبكى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فعجبنا لبكائه. وقال: بأبي وأمي، نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا، فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هو المخيّر وكان أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- أعلمنا برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجعل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: على رسلك. [ (1) ]
وخرجه الواقدي عن عروة به، قال في آخره: قال عمر- رضي اللَّه تبارك
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 7: 178.
وتعالى عنه- يا رسول اللَّه دعني افتح كوّة فأنظر إليك حين تخرج إلى الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: لا.
وقال سيف: عن محمد بن إسحاق، [ (1) ] عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن نغسّله من سبع قرب من سبع آبار، ففعلنا ذلك وصببنا عليه فوجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم راحة فخرج يصلى بالناس واستغفر لأهل أحد ودعا لهم، وأوصى بالأنصار فقال: أما بعد، يا معشر المهاجرين فإنكم تزيدون، وأصبحت الأنصار على هيئتها التي هي عليها اليوم، إلا أن الأنصار عيبتي التي آويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم، ثم قال: إن عبدا من عباد اللَّه تعالى خيّره ما بين الدنيا وبين ما عند اللَّه عز وجل، فاختار ما عند اللَّه تعالى فبكى أبو بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- وظنّ أنه يريد نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر، سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فإنّي لا أعلم امرأ أفضل عندي في الصحبة من أبي بكر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-
وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد اللَّه بن أبي مليكة، عن عائشة- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنها- قالت: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم رفع يومئذ صوته حتى أسمع من وراء المسجد، فقال: أيها الناس، سعرت النار، وأقبلت فتن كقطع الليل المظلم وإنها آكلة من وجدت على رأس خمس وثلاثين سنة، إلا من تمسّك بالثقلين من كتاب اللَّه تعالى وسنتي وإني لم أحلّ إلا ما أحل القرآن ولم أحرّم إلا ما حرّم القرآن، والمسلمون شهود اللَّه فيما لم يكن فيه كتاب ولا سنة فما حسنوه فحسن وما قبحوه فقبيح، فالزموا الجماعة والطاعة، فأما الجماعة فالسنة، وأما الطاعة فالعصمة، ثم دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيته وقال: مروا أبا بكر يصلي بالناس.
وقال الواقدي: قالت أم ذرّة: فسمعت أبا سعيد- رضي اللَّه تبارك
[ (1) ](المرجع السابق) .
وتعالى عنه- يقول: خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يومئذ مشتملا قد طرح طرفي ثوبه على عاتقه عاصبا رأسه بعصابة، وقال بعد التشهد: يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون، وأصبحت الأنصار لا تزيد علي هيئتها التي هي عليها اليوم وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها فاحفظوني فيهم، فأكرموا كريمهم، وأقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم.
قال: واعترض رجل فقال يا رسول اللَّه: ما بال أبواب أمرت فيها أن تفتح وأبواب أمرت بها أن تغلق؟ فقال صلى الله عليه وسلم ما فتحتها ولا أوصدتها عن أمرى.
وخرج البيهقي من حديث معن بن عيسى القزاز عن الحارث بن عبد الملك ابن عبد اللَّه بن إياس الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد اللَّه بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهم- قال: أتانى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكا شديدا وقد عصب رأسه فقال: خذ بيدي يا فضل، قال: فأخذت بيده حتى قعد على المنبر ثم قال صلى الله عليه وسلم: ناد في الناس يا فضل، فناديت: الصلاة جامعة، قال: فاجتمعوا فقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خطيبا.
فقال: أما بعد، أيها الناس، وإنه قد دنا مني حقوق من بين أظهركم، ولن تروني في هذا المقام فيكم، وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عني حتى أقومه فيكم ألا فمن كنت جلدت له ظهرا، فهذا ظهري فليستقد منه ومن كنت أخذت له مالا، فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد، ولا يقولن قائل: أخاف الشحناء من قبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي، وإن من أحبكم إليّ من أخذ حقا إن كان له عليّ وحللني، فلقيت اللَّه تعالى وليست عندي لأحد مظلمة [ (1) ] .
قال: فقام رجل فيهم: فقال: يا رسول اللَّه! لي عندك ثلاثة دراهم فقال صلى الله عليه وسلم: أما أنا فلا أكذّب قائلا ولا مستحلفه على يمين، فيم كانت لك عندي؟ قال: أما تذكر أنه مرّ بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم؟ قال
[ (1) ](دلائل البيهقي) : 7/ 179.
صلى اللَّه عليه وسلم أعطه يا فضل. قال: قال: فأمر به فجلس [ (1) ] .
ثم عاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مقالته الأولى، ثم قال أيها الناس من كان عنده من الغلول شيء فليرده، فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه! عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل اللَّه، قال صلى الله عليه وسلم: ولم غللتها؟ قال: كنت إليها محتاجا فقال صلى الله عليه وسلم خذها منه يا فضل [ (2) ] .
ثم عاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في مقالته الأولى وقال: أيها الناس من أحس من نفسه شيئا فليقم أدعو اللَّه عز وجل ذكره له، قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللَّه: إني لمنافق، وإني لكذوب، وإني لنؤوم، فقال عمر بن الخطاب- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- ويحك أيها الرجل! لقد سترك اللَّه تعالى، لو سترت على نفسك. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة اللَّهمّ ارزقه صدقا، وإيمانا، وأذهب عنه النوم إذا شاء، ثم قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عمر معى، وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه
…
[ (3) ] .
وقال سيف: حدثني سعيد بن عبد اللَّه، عن أبيه قال: لما رأت الأنصار أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يزداد ثقلا أطافوا بالمسجد فدخل العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- على النبي صلى الله عليه وسلم فاعلمه بمكانهم ثم دخل عليه الفضل- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- فأعلمه بمثل ذلك، فمد يده فقال: هنا فيتناولوه، فقال: وما يقولون؟ قال: يقولون نخشى أن تموت وفضائح نسائهم لاجتماع رجالهم إلي النبي صلى الله عليه وسلم فثار النبي صلى الله عليه وسلم فخرج متوكئا على علي- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه- والفضل والعباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنهما- أمامه والنبي صلى الله عليه وسلم معصوب الرأس يخط برجله حتى جلس على أسفل مرقاه من المنبر وثاب الناس إليه فحمد اللَّه تعالى وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس بلغني أنكم تخافون عليّ الموت كافة استنكارا منكم للموت وما تنكرون من موت.
[ (1) ](المرجع السابق) : 180 وفيه «فأمرته فجلس» .
[ (2) ](المرجع السابق) .
[ (3) ](المرجع السابق) ونقله الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية) وقال: في إسناده ومتنه غرابة شديدة.
نبيكم؟ ألم أنع لكم وتنعي لكم أنفسكم؟ هل خلد نبي قبلي ممن بعث إليه فأخلد فيكم؟ ألا إني لاحق وإنكم لاحقون به، وإني أوصيكم بالمهاجرين الأولين خيرا وأوصى المهاجرين فيما بينهم، وإن اللَّه عز وجل قال: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [ (1) ] إلي آخرها، وإن الأمور تجري بإذن اللَّه تعالى، فلا يحملنكم استبطاء أمر على استعجاله فإن اللَّه عز وجل لا يعجل بعجلة أحد، ومن غالب اللَّه غلبه، ومن خادع اللَّه خدعه فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ [ (2) ] وأوصيكم بالأنصار خيرا فإنّهم الذين يتبوءوا الدار والإيمان، أن تحسنوا إليهم، ألم يشاطروكم الثمار؟ ألم يتوسعوا عليكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟ ألا فمن إن يحكم بين رجلين فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، ألا ولا تستأثروا عليهم، ألا وأنا فرط لكم وأنتم لاحقون بي، ألا وإن موعدكم الحوض حين أعرض مما بين، بصري الشام، وصنعاء اليمن، فصب فيه ميزاب الكعبة، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من الشهد، من يشرب منه لم يظمأ أبدا، حصباؤه اللؤلؤ، وبطحاؤه في مسك، من حرمه في الموقف غدا حرم الخير كلّه، ألا فمن أحب أن يرد عليّ غدا فليكفف يده ولسانه إلا مما ينبغي.
فقال العباس- رضي اللَّه تبارك وتعالى عنه-: يا نبيّ اللَّه، أوص بقريش، فقال: إنما أوصى بهذا الأمر قريشا، الناس تبع لقريش من أبرهم وفاجرهم فاستوصوا، إن قريشا بالناس خيرا، يا أيها الناس، إن الذنوب تغير النعم، وتبدل القسم، وإذا برّ الناس برّهم أئمتهم، وإذا فجروا عقوهم. قال اللَّه عز وجل: وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [ (3) ] .
[ (1) ] العصر: 1- 2.
[ (2) ] محمد: 22.
[ (3) ] الأنعام: 129.