الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
192 -
وقد روى مسلم في "صحيحه" من رواية عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصَّامت عن جابر بن عبد الله حديثاً فيه طول، وفيه:"يا جابر، ناد بوَضوء " فقلت: ألا وَضوء؟ ألا وَضوء؟
…
وفيه: قال: "خذ يا جابر، فصبَّ عليَّ، وقل: بسم الله " فصببت عليه، وقلت: بسم الله. فرأيت الماء يتفوَّر من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فذكره (1) O.
*****
مسألة (34): المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين
.
وقال أبو حنيفة: واجبان في الغسل، مسنونان في الوضوء.
وقال مالك والشَافعيُ: مسنونان فيهما.
لنا أربعة أحاديث:
193 -
الحديث الأوَل: قال الدَارَقُطْنيُ: ثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ثنا الحسن بن علي بن مهران ثنا عصام بن يوسف ثنا عبد الله بن المبارك عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا بدَّ منه "(2).
في هذا الحديث مقالٌ، لأَنَّه تفرَد به سليمان عن الزُّهري، وتفرَّد به عصام عن ابن المبارك.
(1)"صحيح مسلم": (8/ 231 - 236)؛ (فؤاد- 4/ 2301 - 2309 - رقم: 3006).
(2)
"سنن الدارقطني": (1/ 84).
قال البخاريَّ: عند سليمان مناكير (1). قال عليُ بن المدينيِّ: سليمان مطعونٌ عليه (2).
وقال الدَارَقُطْنِيُ: وهم فيه عصام، والصَواب عن ابن جريج عن سليمان بن موسى- مرسلاً- عن النَبيِّ صلى الله عليه وسلم.
قال: وأحسبه اختلط عليه، واشتبه بإسناد ابن جريج: "أيُّما امرأة نكحت بغير إذن وليِّها
…
" (3)
ويمكن أن يقال: سليمان ثقة، وما عرفنا في عصام طعناً، والرَّاوي قد يرفع وقد يرسل.
194 -
الحديث الثَاني: قال الدَارَقُطْنِيُّ: ثنا عليُّ بن الفضل بن طاهر البَلْخِيُ ثنا أحمد بن حمدان العائذيُّ ثنا الحسين بن الجنيد الدَّامَغانيُ- وكان رجلاً صالحاً- ثنا عليُّ بن يونس عن إبراهيم بن طَهْماَن عن جابر عن عطاء عن ابن عبَّاس عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا يتم الوضوء إلا بهما"(4).
قال الخصم: جابر هو: الجُعْفِيُ، وقد كذَّبه أيُّوب السَّختيانيُ (5)
(1)"التاريخ الكبير": (4/ 32 رقم: 1888)؛ "الضعفاء الصغير": (ص: 442 رقم:146).
(2)
"الضعفاء الكبير" للعقيلي: (2/ 140 - رقم: 632).
(3)
"سنن الدارقطني": (1/ 84).
(4)
"سنن الدارقطني": (1/ 100).
(5)
"العلل" لعبد الله بن أحمد: (2/ 459 - رقم: 3032) ومن طريقه وطريق أحمدَ بن علي رواه العقيليُ في "الضعفاء الكبير": (1/ 192 - رقم: 240) كلاهما من رواية إبراهيم بن زياد عن ابن علية عن سلام بن أبي مطيع عن أيوب.
وتابع ابنَ علية موسى بن إسماعيل عند ابن حبان في "المجروحون": (1/ 208) وابن عدي في "الكامل": (2/ 113 - رقم: 326) وعبارته أصرح في التكذيب.
وزائدة (1).
قلنا: قد وثَّقه سفيان الثَوريَّ (2) وشعبة (3)، وكفى بهما.
ز: جابر الجُعْفِيُ: ضعَّفه الجمهور، والمؤلف يحتجُ به في موضع إذا كان الحديث حجَّةَ له، ويضعفه في موضعٍ آخر إذا كان الحديث حجَةَ عليه (4)!
وقال الدَارَقُطْنِيُ- بعد أن روى الحديث-: جابرٌ ضعيف، وقد اختلف عنه، فأرسله أبو مُطيع الحكَم بن عبد الله عن إبراهيم بن طَهْماَن عن جابر عن عطاء، وهو أشبه بالصَواب (5) O.
195 -
الحديث الثَّالث: قال الدَارَقُطْنِيُ: ثنا الحسين بن إسماعيل ثنا عبد الله بن أحمد بن موسى ثنا هُدْبَة ثنا حمَاد بن سلمة عن عماَّر ابن أبي عمَّار عن
(1)"التاريخ لابن معين " برواية الدوري: (3/ 296 - رقم: 1399) من طريق يحيى بن يعلى المحاربي عن زائدة، وهو من زوائد الدوري.
(2)
لم نقف على نص من الثوري بتوثيقه، ولكن نُقل عنه كلام يفيد ذلك، هذا مع روايته عنه.
قال ابن عدي: (ولجابر حديث صالح وقد روى عنه الثوري الكثير .... وقد حدث عنه الثوري مقدار خمسين حديثاً) ا. هـ
وانظر: "التاريخ الكبير" للبخاري: (2/ 210 - رقم: 2223)؛ "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/ 497 - رقم: 2043)؛ "الكامل" لابن عدي: (4/ 119 - 120 - رقم: 326)؛ "المجروحون" لابن حبان: (1/ 209)؛ "تهذيب الكمال" للمزي: (4/ 465 - 471 - رقم: 879).
(3)
في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم: (2/ 497 - رقم: 2043) من رواية ابن علية عنه أنه قال: (جابر الجعفي صدوق في الحديث) ا. هـ
وقد روى عنه- وهو موصوف بأنه لا يروي إلا عن ثقة-، قال ابن عدي في "الكامل":(2/ 119 - رقم: 326): (ولجابر حديث صالح
…
وشعبة أقل رواية عنه من الثوري) ا. هـ
ولكن انظر توجيه ابن حبان لرواية شعبة عنه في "المجروحون": (2/ 209).
(4)
انظر مثلاً ما يأتي (ص: 209).
(5)
"سنن الدارقطني": (1/ 100).
أبي هريرة قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمضمضة والاستنشاق (1).
قال الخصم: قد قال الدَارَقُطْنِيُ: لم يسنده عن حمَّاد غير هُدْبة وداود بن المُحَبَّر، وغيرهما يرويه عن عمَّار عن النَبيِّ صلى الله عليه وسلم لا يذكر أبا هريرة.
والجواب: أنَّ هُدْبة ثقة، أُخرج عنه في "الصَحيحين "(2)، فإذا رفعه كان رفعه زيادة على قول من وقفه، والزيادة من الثقة مقبولة، ومن وقفه لم يحفظ ما حفظ الرافع.
ز: إذا روى بعض الثِّقات حديثاً فأرسله، ورواه بعضهم فأسنده، فقد اختلف أهل الحديث في ذلك:
فحكى الخطيب أن أكثر أصحاب الحديث يرون: أنَّ الحكم في هذا للمُرْسِل.
وعن بعضهم: أنَّ الحكم للأكثر.
وعن بعضهم: أن الحكم للأحفظ.
وصحَّح الخطيب أنَ الحكم لمن أسنده إذا كان عدلاً ضابطاً، وسواءً كان المخالف له واحداً أو جماعة (3).
والصَّحيح أن ذلك يختلف: فتارةً يكون الحكم للمُرسِل، وتارة يكون للمُسْنِد، وتارة للأحفظ.
(1)"سنن الدارقطني": (1/ 116).
(2)
"التعديل والتجريح " للباجي: (3/ 1186 - رقم: 1421)؛ "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه: (2/ 328 - رقم: 1805).
(3)
"الكفاية في علم الرواية": (ص: 411).
ورواية من أرسل هذا الحديث أشبه بالصَواب، وقد صحَّح الدَارَقُطْنِيُ وغيره إرساله (1)، والله أعلم O.
196 -
الحديث الرَابع: قال أحمد: ثنا عبد الرَزاق ثنا معمر عن همَّام عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضَّأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثمَّ لينتثر"(2).
أخرجه مسلم (3)، وقد روى نحوه: عثمان بن عفَّان وابن عبَّاس وسلمة بن قيس والمقدام بن معدي كرب ووائل بن حُجْر.
فإن قالوا: نحمله على الاستحباب بدليل ما روى أبو هريرة عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَه قال: "من توضَأ فليستنثر، من فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج".
قلنا: ظاهر الأمر للوجوب، وليس احتجاجنا بقوله:"فلينتثر"، إنَما احتجاجنا بقوله:"فليستنشق من الماء ثم لينتثر ".
يقال: استنثر: إذا حرَّك النَثْرة- وهو طرف الأنف- لإخراج الفضلة.
وذلك لا يجب.
ز: 197 - أخرج البخاريَّ ومسلمٌ في "صحيحيهما" عن أبي هريرة أنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثمَّ لينتثر"(4).
198 -
وعنه أنَّ النَبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر
(1)"العلل": (8/ 335 - 336 - رقم: 1605).
(2)
"المسند": (2/ 316).
(3)
"صحيح مسلم": (1/ 146)؛ (فؤاد- 1/ 212 - رقم: 237).
(4)
"صحيح البخاري": (1/ 52)؛ (فتح- 1/ 263 - رقم: 162).
"صحيح مسلم": (1/ 146)؛ (فؤاد- 1/ 212 - رقم: 237).
ثلاث مرَّات، فإنَ الشَيطان يبيت على خياشيمه".
أخرجاه في "الصَحيحين "(1).
199 -
وعن لقيط بن صَبرة قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء؟ قال:"اسبغ الوضوء، وخلِّل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً".
رواه الإمام أحمد (2) وأبو داود (3) وابن ماجه (4) والنسائيُ (5) والتِّرمذيَّ وقال: حديث حسنٌ صحيح (6). ورواه ابن خزيمة في "صحيحه"(7)، والحاكم وصحَّحه (8).
وزاد أبو داود في بعض رواياته: "إذا توضَّأت فمضمض "(9).
200 -
وعن علي رضي الله عنه أنَّه دعا بوَضوءٍ، فتمضمض. واستنشق ونثر بيده اليسرى، ففعل هذا ثلاثاً، ثمَّ قال: هذا طُهور نبي الله صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد (10) والنَّسائي (11) والدَّارَقُطْنِيُ (12) O.
(1)" صحيح البخاري": (4/ 155)؛ (فتح- 6/ 391 - رقم: 3295).
"صحيح مسلم": (1/ 146 - 147)؛ (فؤاد- 1/ 212 - 213 - رقم: 238).
(2)
"المسند": (4/ 33).
(3)
"سنن أبي داود": (1/ 215 - رقم: 143 - 144؛ 3/ 152 - رقم: 2358).
(4)
"سنن ابن ماجه": (1/ 153 - رقم: 448).
(5)
"سنن النسائي": (1/ 66 - رقم: 87؛ 79 - رقم: 114).
(6)
"الجامع": (1/ 87 - 88 - رقم: 38؛ 2/ 146 - رقم: 788).
(7)
"صحيح ابن خزيمة": (1/ 78 - رقم: 150؛ 87 - رقم: 168).
(8)
"المستدرك": (1/ 47 - 48، 182).
(9)
"سنن أبي داود": (1/ 215 - رقم: 145).
(10)
"المسند": (1/ 135) من رواية خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي رضي الله عنه به مطولاً.
(11)
"سنن النسائي": (1/ 67 - رقم: 91)، واللفظ له.
(12)
"سنن الدارقطني": (1/ 90).
قال المؤلِّف: وقد احتجَ أصحابنا بحديثِ يروى عن أبي هريرة عن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه جعل المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثاً فريضة.
وهو حديثٌ موضوعٌ، لم يروه غير بركة بن محمَّد- وكان كذَّاباً-، وقد ذكرته في "الموضوعات "(1)، فلم أر في ذكره هاهنا فائدة (2).
ز: سُئل الدَارَقُطْنِيُ عن حديثِ يروى عن محمَّد بن سيرين عن أبي هريرة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثاً فريضة ".
فقال: يرويه بركة بن محمَّد بن زيد الحلبيُ- وقيل: الأنصاريُ- عن يوسف بن أسباط عن الثَوري عن خالدِ الحذاء عن ابن سيربن عن أبي هريرة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
تابعه سليمان بن الرَّبيع النَّهديَّ عن همَام بن مسلم عن الثَوري، وكلاهما متروكٌ، وهو وهمٌ.
والصَواب: ما رواه وكيع وغيره عن الثَّوريِّ عن خالد الحذَّاء عن ابن سيرين- مرسلاً-: أنَ النّبَيَ صلى الله عليه وسلم سنَّ في الاستنشاق في الجنابة ثلاثاً.
(1)" الموضوعات": (2/ 81 - 82).
(2)
في هامش الأصل: (قلت: رواه الدارقطني في "الأفراد" موصولاً من غير طريق بركة، فقال: ثنا عليُ بن محمَّد بن يحيى بن مهران السوَاق ثنا سليمان بن الربيع النهديَّ ثنا همَام بن مسلم ثنا سفيان الثوريَّ عن خالد الحذَّاء عن ابن سيربن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المضمضة والاستنشاق ثلاثاً للجنب فريضة ".
قال الدارقطني: كذا حدَّثنيه هذا الشيخ من أصله، وهو غريبٌ، تفرَد به سليمان بن الربيع عن همَّام.
وقد قال الدارقطني في سليمان بن الربيع: متروكٌ) ا. هـ
وانظر: "أطراف الغرائب " لابن طاهر: (5/ 257 - رقم: 5347).
وبركة الحلبيُّ: متروكٌ (1) O.
احتجوا بحديثين:
أحدهما: حديث أمِّ سلمة: "إنَّما يكفيك ثلاث حثياتٍ
…
". ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وقد سبق هذا الحديث (2).
201 -
والثَّاني: قال الدَّارَقُطْنيُّ: ثنا أبو سهل بن زياد ثنا الحسن بن العبَاس ثنا سويد بن سعيد ثنا القاسم بن غُصْن عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن ابن عبَّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المضمضة والاستنشاق سنَّةٌ "(3).
وهذا لا يصحُ، أمَّا إسماعيل بن مسلم: فقال يحيى: ليس بشيءٍ (4).
وقال عليُ بن المدينيِّ: لا يكتب حديثه (5).
وأمَّا القاسم بن غُصْن: فقال ابن حِبَّان: يروي المناكير عن المشاهير،
(1)"العلل": (8/ 104 - 105 - رقم: 1428).
(2)
برقم: (179).
(3)
"سنن الدارقطني": (1/ 85، 101).
(4)
"التاريخ" برواية الدوري: (4/ 82 - رقم: 3237)؛ وبرواية الدارمي: (ص: 67 - رقم:121).
(5)
"العلل" برواية ابن البَراء: (ص: 64 - رقم: 85)، وذكر المحقق في الحاشية أنها كانت في الأصل:(لا أكتب حديثه)، وأنه صححها إلى (لا يكتب) من "تهذيب الكمال"، لكن يؤكد صحَّة ما في الأصل أنه جاء موافقاً لما في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم:(2/ 199 - رقم: 669).
وأمَا الحافظ المزي في "التهذيب": (3/ 202 - رقم: 483) فإنه جمع بين روايتي ابن البرَّاء وأبو العباس القرشي واقتصر على لفظ الثاني (لا يكتب حديثه)، وهو لفظ رواية أبي العباس كما في "الكامل" لابن عدي:(1/ 283 - رقم: 120).
ولا شك أن لفظ رواية أبي العباس أعم، وإنما أردنا بهذا التنبيه: على عدم التعجل في تغيير ما بالأصول الخطية، وإلى أن العلماء حالة النقل عن راويين قد يكتفون بلفظ أحدهما، كما فعل الحافظ المزي هنا، والله أعلم.