الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث
أَحْوَالُ الْمُسْنَدِ
(1)
37 - لِمَا مَضَى التَّرْكُ مَعَ الْقَرِيْنَهْ
…
وَالذِّكْرُ، أَوْ يُفِيْدُنَا تَعْيِيْنَه
لِمَا مَضَى التَّرْكُ: أَيْ تَرْكُ الْمُسْنَدِ لِمَا مَضَى فِيْ حَذْفِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
«الْحَذْفُ لِلصَّوْنِ وَلِلْإِنْكَارِ
…
وَالِاحْتِرَازِ أَوْ لِلِاخْتِبَارِ»
قَالَ فِي الْمُطَوَّلِ (2): «وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ: (حَذْفُهُ)، وَفِي الْمُسْنَدِ:(تَرْكُهُ)؛ رِعَايَةً لِلطَّبَقَةِ؛ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ أَقْوَمُ رُكْنٍ فِي الْكَلَامِ وَأَعْظَمُهُ، وَالِاحْتِيَاجُ إِلَيْهِ فَوْقَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْمُسْنَدِ؛ فَحَيْثُ لَمْ يُذْكَرْ لَفْظاً فَكَأنَّهُ أُتِيَ بِهِ لِفَرْطِ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ، ثُمَّ أُسْقِطَ لِغَرَضٍ بِخِلَافِ الْمُسْنَدِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فِي الِاحْتِيَاجِ؛ فَيَجُوْزُ أَنْ يُتْرَكَ وَلَا يُؤْتَى بِهِ لِغَرَضٍ:
(1) هي: (التَّرْك، والذِّكْر، وإيراده فعلاً، وإيراده اسماً، وإيراده مفرداً غير جملة، وإيراد المسند الفعل وما يشبهه مقيَّداً بأحد المفاعيل ونحوها، وإيراد المسند الفعل غيرَ مقيّدٍ بشيءٍ ممّا تقدّم، وإيراد المسند فعلاً مقيَّداً بالشّرط، وإيراده موصوفاً، أو معرّفاً، أو منكّراً، أو مقدَّماً، أو مؤخَّراً).
(2)
ص 301.
- كَقَوْلِ ضَابِئِ بْنِ الْحَارِثِ الْبُرْجُمِيِّ (1): [الطّويل]
وَمَنْ يَكُ أَمْسَى بِالْمَدِيْنَةِ رَحْلُهُ
…
فَإِنِّيْ، وَقَيَّارٌ، بِهَا لَغَرِيْبُ (2)
الْبَيْتُ خَبَرٌ، وَمَعْنَاهُ: التَّحَسُّرُ عَلَى الْغُرْبَةِ، وَالتَّوَجُّعُ مِنَ الْكُرْبَةِ.
حُذِفَ الْمُسْنَدُ مِنَ الثَّانِيْ (3) - وَالْمَعْنَى: (إِنِّيْ لَغَرِيْبٌ، وَقَيَّارٌ أَيْضاً غَرِيْبٌ) - لِقَصْدِ الِاخْتِصَارِ، وَقَصْدِ الِاحْتِرَازِ عَنِ الْعَبَثِ فِي الظَّاهِرِ مَعَ ضِيْقِ الْمَقَامِ؛ بِسَبَبِ التَّحَسُّرِ، وَمُحَافَظَةِ الْوَزْنِ.
- وَكَقَوْلِهِ: [المنسرح]
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا، وَأَنْتَ بِمَا
…
عِنْدَكَ رَاضٍ، وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ (4)
(1) ت نحو 30 هـ. انظر: الأعلام 3/ 212.
(2)
من قصيدة قالها، وهو محبوس في المدينة، زمن عثمان رضي الله عنه، وقيّار: اسم جَمَل له أو فرس، والبيت له في الأصمعيّات ص 212، والحماسة البصريّة 2/ 909، وسيبويه 1/ 75، والكامل 1/ 416، والإنصاف 1/ 94، ومعاهد التّنصيص 1/ 186، وبلا نسبة في تأويل مشكل القرآن ص 106، ومجالس ثعلب 1/ 262 - 2/ 530، والأصول 1/ 257، وأسرار البلاغة ص 195، والكشّاف 2/ 231، و 3/ 40 - 552، ورصف المباني ص 267، وإيجاز الطّراز ص 164.
(3)
أي: خبر المبتدأ «قيارٌ» ؛ استغناءً بخبرِ المسنَد إليه الأوّل.
(4)
بيتٌ مُشتهَرٌ مختلَفٌ في صاحبه؛ يُنسَب لقيس بن الخطيم في سيبويه 1/ 75، ومعاهد التّنصيص 1/ 189، وقال محقِّق ديوانه ص 63:«والصّحيحُ أنَّ هذه الأبياتَ السّبعة في قصيدة طويلة لعمرو بن امرئ القيس» ثم أحال عليها في الأغاني وخزانة البغداديّ. وهو في ملحق ديوان حسّان 2/ 45 لدِرْهَم بن زيد الأنصاريّ، وكذا الإنصاف ص 95. ولمرّار الأسديّ في معاني الفرّاء 2/ 363. وبلا نسبة في مجاز القرآن 1/ 258، ومعاني الأخفش 1/ 88 - 357، وتأويل مشكل القرآن ص 291، والمقتضب 3/ 112، وحلية المحاضرة 2/ 21، والأمالي الشّجريّة 2/ 20 - 45، 3/ 113، ومفتاح العلوم ص 306، وإيجاز الطّراز ص 164. وانظر ما قاله البغداديّ في الخزانة 4/ 282 - 283:«وعُرف من إيرادنا لهذه القصائد ما وقع من التّخليط بين هذه القصائد، كما فعل ابن السّيد واللّخميّ في شرح أبيات الجمل، وتبعهما العينيّ والعبّاسيّ في شرح أبيات التّلخيص؛ فإنهم جعلوا ما نقلنا من شعر قيس بن الخطيم مطلع القصيدة ثم أوردوا فيها البيت الشّاهد وهو: الحافظو عورة العشيرة والشّاهد الثّاني وهو: «نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ .... » والحال أنّ هذين البيتين من قصيدة عمرو بن امرئ القيس».
فَحُذِفَ خَبَرُ (نَحْنُ)؛ إِذِ التَّقْدِيْرُ: (نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا رَاضُوْنَ)؛ لِلِاحْتِرَازِ عَنِ الْعَبَثِ مِنْ غَيْرِ ضِيْقِ الْمَقَامِ؛ كَمَا فِيْ قَوْلِكَ: (زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ وَعَمْرٌو)؛ أَيْ: وَعَمْرٌو كَذَلِكَ.
- وَنَحْوِ: (خَرَجْتُ فَإِذَا زَيْدٌ)؛ أَيْ: مَوْجُوْدٌ، أَوْ حَاضِرٌ، أَوْ وَاقِفٌ، أَوْ بِالْبَابِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (1)، فَحُذِفَ؛ لِمَا مَرَّ (2) مَعَ اتِّبَاعِ الِاسْتِعْمَالِ.
- وَنَحْوِ قَوْلِهِ: [المنسرح]
إنَّ مَحَلّاً، وَإِنَّ مُرْتَحَلاً. . .
…
. . . . . . . . . . . . . . . (3)
أَيْ: (إِنَّ لَنَا فِي الدُّنْيَا حُلُوْلاً، وَإِنَّ لَنَا عَنْهَا إِلَى الْآخِرَةِ ارْتِحَالاً)(4)، فَحُذِفَ الْمُسْنَدُ:
- لِقَصْدِ الِاخْتِصَارِ، وَالعُدُولِ إِلَى أَقْوَى الدَّلِيْلَيْنِ؛ أَعْنِي: الْعَقْلَ.
- وَضِيْقِ الْمَقَامِ؛ أَعْنِي: الْمُحَافَظَةَ عَلَى الشِّعْرِ.
(1) مثل: (لولا أنتم لكُنّا جاهلين)، والتقديرُ: (لولا أنتم موجودون
…
)؛ حُذِف المسندُ (موجودون) لاتِّباعِ الاستعمال، كما حُذِف في (خرجتُ فإذا زيدٌ) والتَّقدير:(واقفٌ) مثلاً.
(2)
يعني لِما مرّ من غرضِ الاختصار.
(3)
بيت دائر في كتب العربيّة، وتمامه:«وَإِنَّ في السَّفْرِ إذْ مَضَى مَهَلا» ، وهو للأعشى في ديوانه ص 155، وسيبويه 2/ 141، والمقتضب 3/ 130، والأصول 1/ 247، والخصائص 2/ 375، ودلائل الإعجاز ص 321، ونهاية الإيجاز ص 221، وابن يعيش 1/ 103، ومغني اللّبيب 1/ 114 - 315 - 2/ 794 - 825، وبلا نسبة في رصف المباني ص 119 - 298، والإيضاح 2/ 105، والمنزع البديع ص 193، وشرح أبيات المفصّل والمتوسّط ص 144، وخزانة البغداديّ 9/ 227 - 10/ 452 - 459 - 461.
(4)
انظر في سيبويه مسألة: (إنَّ مالاً وإنَّ ولداً) 2/ 141.
وَلَا بُدَّ لِلْحَذْفِ مِنْ قَرِيْنَةٍ؛ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ:
مَعَ الْقَرِيْنَهْ: الدَّالَّةِ عَلَى الْمَحْذُوْفِ؛ كَوُقُوْعِ الْكَلَامِ جَوَاباً لِسُؤَالٍ:
- مُحَقَّقٍ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25]؛ أَيْ: خَلَقَهُنَّ اللهُ.
- أَوْ مُقَدَّرٍ؛ نَحْوُ قَوْلِ ضِرَارِ بْنِ نَهْشَلٍ: [الطّويل]
لِيُبْكَ يَزِيْدُ، ضَارِعٌ لِخُصُوْمَةٍ
…
وَمُخْتَبِطٌ مِمَّا تُطِيْحُ الطَّوَائِحُ (1)
كَأَنَّهُ قِيْلَ: مَنْ يَبْكِيْهِ؟ فَقَالَ: ضَارِعٌ. أَيْ: يَبْكِيْهِ مَنْ يَذِلُّ لِأَجْلِ خُصُوْمَةٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَلْجأً وَظَهْراً لِلْأَذِلَّاءِ وَالضُّعَفَاءِ.
وَالذِّكْرُ: أَيْ ذِكْرُ الْمُسْنَدِ لِمَا مَضَى فِيْ ذِكْرِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ؛ مِنْ قَوْلِهِ: «وَالذِّكْرُ لِلتَّعْظِيْمِ .... إِلَى آخِرِهِ» .
وَلِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الذِّكْرَ:
- هُوَ الْأَصْلُ وَلَا مُقتَضًى لِلْحَذْفِ؛ نَحْوُ: (زَيْدٌ قَائِمٌ).
- وَمِنَ الِاحْتِيَاطِ لِضَعْفِ التَّعْوِيْلِ عَلَى الْقَرِيْنَةِ؛ نَحْوُ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ
(1) له في معاهد التّنصيص 1/ 202. وللحارِث بن ضِرار النَّهْشَلِيّ في الحماسة البصريّة 2/ 756. وللحارث بن نُهَيْك في سيبويه 1/ 288 - 366 - 398 واستشهَد به على رفع (ضارِع) فاعلاً لفعل محذوف برواية (ليُبك) بالبناء للمفعول، وأمّا بروايةِ البناء للفاعل يكون (يزيد) مفعولاً به مقدّماً، ولا حذفَ حينئذ ولا شاهد. وبلا نسبة في المقتضب 3/ 282، والأصول 3/ 474، والخصائص 2/ 355 - 426، والكشّاف 3/ 402، ومفتاح العلوم ص 331، وإيجاز الطّراز ص 163، وشرح أبيات المفصّل والمتوسّط ص 134، وما يحتمل الشّعر من الضّرورة ص 250 وقد قتله تخريجاً. والمُختبِط الذي يسأَلك بلا وسيلة ولا قرابة ولا معرفة (اللّسان: خبط). تطيح: تهلك (اللّسان: طيح).