الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
98 - أَوْ يَتَشَابَهَانِ، أَوْ ذَا أَشْمَلُ
…
وَمِنْهُ قَلْبٌ، وَاقْتِبَاسٌ يُنْقَلُ
وَقَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ: [الكامل]
يَبِسَ النَّجِيْعُ عَلَيْهِ، وَهْوَ مُجَرَّدٌ
…
مِنْ غِمْدِهِ، فَكَأَنَّمَا هُوَ مُغْمَدُ (1)
فَنَقَلَ الْمَعْنَى مِنَ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى إِلَى السَّيْفِ.
وَمِنْهُ أَنْ يَتَشَابَهَ الْمَعْنَيَانِ؛ أَيْ: مَعْنَى الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَمَعْنَى الْبَيْتِ الثَّانِيْ؛ كَمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
* * *
98 -
أَوْ يَتَشَابَهَانِ، أَوْ ذَا أَشْمَلُ
…
وَمِنْهُ قَلْبٌ، وَاقْتِبَاسٌ يُنْقَلُ
أَوْ يَتَشَابَهَانِ: كَقَوْلِ جَرِيْرٍ (2): [الوافر]
فَلَا يَمْنَعْكَ مِنْ أَرَبٍ لِحَاهُمْ
…
سَوَاءٌ ذُو الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ (3)
وَقَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ: [الوافر]
وَمَنْ فِيْ كَفِّهِ مِنْهُمْ قَنَاةٌ
…
كَمَنْ فِيْ كَفِّهِ مِنْهُمْ خِضَابُ (4)
فَتَعْبِيْرُ جَرِيْرٍ عَنِ الرَّجُلِ بِـ «ذِي الْعِمَامَةِ» كَتَعْبِيْرِ أَبِي الطَّيِّبِ عَنْهُ بِـ «مَنْ
(1) له في ديوانه 1/ 337، والوساطة ص 256، والإيضاح 6/ 133، وإيجاز الطّراز ص 494، ومعاهد التّنصيص 4/ 78.
(2)
ت 110 هـ. انظر: الأعلام 2/ 119.
(3)
له في ديوانه 2/ 856، والمثل السّائر 3/ 238، والإيضاح 6/ 132، وإيجاز الطّراز ص 493، ومعاهد التّنصيص 4/ 76. لِحاهم - بالكسر أو الضّمّ- ج. لِحْيَة.
(4)
له في ديوانه 1/ 85، والمصادر السّابقة.
فِيْ كَفِّهِ مِنْهُمْ قَنَاةٌ»، وَكَذَا التَّعْبِيْرُ عَنِ الْمَرْأَةِ بِـ «ذَاتِ الْخِمَارِ» ، وَبِـ «مَنْ فِيْ كَفِّهِ خِضَابُ» .
وَمِنْهُ أَنْ يَكُوْنَ الْمَعْنَى الثَّانِي أَشْمَلَ مِنْ مَعْنَى الْأَوَّلِ، كَمَا أَشَارَ النَّاظِمُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
أَوْ ذَا أَشْمَلُ: كَقَوْلِ جَرِيْرٍ: [الوافر]
إِذَا غَضِبَتْ عَلَيْكَ بَنُوْ تَمِيْمٍ
…
وَجَدْتَ النَّاسَ كُلَّهُمُ غِضَابَا (1)
لِأَنَّهُمْ يَقُوْمُوْنَ مَقَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ.
وَقَوْلِ أَبِيْ نُوَاسٍ (2): [السّريع]
وَلَيْسَ عَلَى اللهِ بِمُسْتَنْكَرٍ
…
أَنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فِيْ وَاحِدِ (3)
الْأَوَّلُ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْعَالَمِ، وَهُوَ: النَّاسُ. وَهَذَا شَمِلَهُمْ وَغَيْرَهُمْ.
وَمِنْهُ: أَيْ: وَمِنْ غَيْرِ الظَّاهِرِ
(1) له في ديوانه 2/ 823، وعيار الشّعر ص 81، ونقد الشّعر ص 95، والموشّح ص 308، وحلية المحاضرة 1/ 332، والصّناعتين ص 216، وإعجاز الباقلّانيّ ص 253، والإعجاز والإيجاز ص 189، والعمدة 2/ 825، والمثل السّائر 3/ 252، وتحرير التّحبير ص 478، ونهاية الأرب 3/ 189، والإيضاح 6/ 133، وإيجاز الطّراز ص 494، وشرح الكافية البديعيّة ص 221، وخزانة الحمويّ 4/ 221، ومعاهد التّنصيص 4/ 80، ونفحات الأزهار ص 223.
(2)
ت 198 هـ. الأعلام 2/ 225.
(3)
له في ديوانه ص 202، وأخبار أبي تمّام ص 146، والإعجاز والإيجاز ص 204، ودلائل الإعجاز ص 196 - 424 - 428، وتفسير أبيات المعاني من شعر أبي الطّيّب المتنبّي ص 85، والكشّاف 3/ 482، والبديع في نقد الشّعر ص 315 - 363 - 409، ونهاية الإيجاز ص 84، وبديع القرآن ص 407، ونهاية الأرب 7/ 79 - 138 - 213، ومُعظَم مصادر البيت السّابق.
قَلْبٌ: وَهُوَ أَنْ يَكُوْنَ مَعْنَى الثَّانِيْ نَقْيِضَ مَعْنَى الْأَوَّلِ كَقَوْلِ أَبِي الشِّيْصِ (1): [الكامل]
أَجِدُ الْمَلَامَةَ فِيْ هَوَاكِ لَذِيْذَةً
…
حُبّاً لِذِكْرِكِ، فَلْيَلُمْنِي اللُّوَّمُ (2)
وَقَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ: [الكامل]
أَأُحِبُّهُ، وَأُحِبُّ فِيْهِ مَلَامَةً؟
…
إِنَّ الْمَلَامَةَ فِيْهِ مِنْ أَعْدَائِهِ (3)
وَمَا يَكُوْنُ مِنْ عَدُوِّ الْحَبِيْبِ يَكُوْنُ مَبْغُوْضاً لَا مَحْبُوْباً. فَهَذَا نَقِيْضُ مَعْنَى بَيْتِ أَبِي الشِّيْصِ.
وَمِنْ غَيْرِ الظَّاهِرِ أَنْ يُؤْخَذَ بَعْضُ الْمَعْنَى، وَيُضَافَ إِلَيْهِ مَا يُحَسِّنُهُ؛ كَقَوْلِ الْأَفْوَهِ (4):[الرّمل]
وَتَرَى الطَّيْرَ عَلَى آثَارِنَا
…
رَأْيَ عَيْنٍ؛ ثِقَةً أَنْ سَتُمَارُ (5)
(1) ت 196 هـ. انظر: الأعلام 6/ 271.
(2)
له في ديوانه ص 93، والوساطة ص 206، والصّناعتين ص 129، والعمدة 2/ 751 - 1084، والبديع في نقد الشّعر ص 244، والمثل السّائر 3/ 245، وكفاية الطّالب ص 110، والإيضاح 6/ 134، ومعاهد التّنصيص 4/ 85، وبلا نسبة في نقد النّثر ص 89.
(3)
له في ديوانه 1/ 4، وأغلب المصادر السّابقة. وقال فيه ابن رشيق:«وهذا من السّرقات الخفيّة جدّاً، ولَأَنْ يُسمّى ابتداعاً أَولى من أن يُسمّى سرقةً»
(4)
ت نحو 50 ق هـ. انظر: الأعلام 3/ 206.
(5)
له في ديوانه ص 77، وأخبار أبي تمّام ص 116، والموازنة 1/ 66، والوساطة ص 274 وانظر فيه كلاماً كمُذاب السُّكَّر، والصِّناعتين ص 225، والأَمالي الشّجريّة 3/ 137، والبديع في نقد الشّعر ص 320، والجامع الكبير ص 246، والإيضاح 6/ 135 وذكَرَ المحقّقُ أنّه من الرّجز وإنّما هو الرّمل، وإيجاز الطّراز ص 495، ومعاهد التّنصيص 4/ 95. ستمار: ستُطعَم.
وزعم ابنُ الأثير أنّ الأفوه أخَذ المعنى من قول النّابغة:
إذا ما غزا بالْجيشِ حَلَّقَ فوقَهُ
…
عصائبُ طَيرٍ تَهْتدي بعصائب
جَوانِحُ قد أَيقنَّ أَنَّ قَبيلَهُ
…
إذا ما التقى الجَمعانِ أَوَّلُ غالِب
«وحاز فضيلة الإيجاز، وصار أحقَّ بذلك المعنى من النّابغة، وإن سبقه إليه وتقدّمه فيه» الجامع ص 246. على أنَّ الأفوهَ (ت. نحو 50 ق. هـ)، والنّابغة (ت. نحو 18 ق. هـ)!
وقد جاء في الموازنة: أنّ أوّل من ذكَرَ الطَّير الّتي تتبعُ الجيشَ لتصيبَ من لحوم القتلى الأفوهُ الأوديّ، ثم النّابغة الذّبيانيّ، ثم حُمَيد بن ثور، ثم أبو نُواس، ثم مسلم بن الوليد، ثم أبو تمّام. وزاد عليه في الصّناعتين قولَ المتنبّي:
يطمعُ الطّير فيهم طولُ أكلهم
…
حتى تكاد على أحيائهم تقعُ
وَقَوْلِ أَبِيْ تَمَّامٍ: [الطّويل]
وَقَدْ ظُلِّلَتْ عِقْبَانُ أَعْلَامِهِ ضُحًى
…
بِعِقْبَانِ طَيْرٍ فِي الدِّمَاءِ نَوَاهِل
أَقَامَتْ مَعَ الرَّايَاتِ حَتَّى كَأَنَّهَ
…
مِنَ الْجَيْشِ، إِلَّا أَنَّهَا لَمْ تُقَاتِلِ (1)
فَإِنَّ أَبَا تَمَّامٍ لَمْ يُلِمَّ بِشَيْءٍ مِنْ مَعْنَى قَوْلِ الْأَفْوَهِ: «رَأْيَ عَيْنٍ» (2)، وَمِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ:«ثِقَةً أَنْ سَتُمَارُ» .
يَعْنِيْ: إِنَّ أَبَا تَمَّامٍ إِنَّمَا أَخَذَ بَعْضَ مَعْنَى قَوْلِ الْأَفْوَهِ، لَا كُلَّهُ.
لَكِنْ زَادَ أَبُوْ تَمَّامٍ عَلَيْهِ زِيَادَةً مُحَسِّنَةً لِبَعْضِ الْمَعْنَى الَّذِيْ أَخَذَهُ مِنَ الْأَفْوَهِ، وَهُوَ: تَسَايُرُ الطَّيْرِ عَلَى آثَارِهِمِ، بِقَوْلِهِ:«إِلَّا أَنَّهَا لَمْ تُقَاتِلِ» ، وَقَوْلِهِ:«فِي الدِّمَاءِ نَوَاهِلِ» . وَبِإِقَامَتِهِا مَعَ الرَّايَاتِ - حَتَّى كَأَنَّهَا مِنَ الْجَيْشِ - يَتِمُّ حُسْنُ الْأَوَّلِ: أَعْنِيْ قَوْلَهُ: «إِلَّا أَنَّهَا لَمْ تُقَاتِلِ» .
وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُوْرَةِ لِغَيْرِ الظَّاهِرَةِ وَنَحْوِهَا مَقْبُوْلَةٌ، بَلْ مِنْهَا مَا يُخْرِجُهُ حُسْنُ التَّصَرُّفِ مِنْ قَبِيْلِ الِاتِّبَاعِ إِلَى حَيِّزِ الِابْتِدَاعِ. وَكُلَّمَا كَانَ
(1) له في ديوانه 3/ 82، وأخبار أبي تمّام ص 164، والموازنة 1/ 65، والوساطة ص 274، والأمالي الشّجريّة 3/ 139، والمثل السّائر 3/ 282، وإيجاز الطّراز ص 749، ومعاهد التّنصيص 4/ 95، والثّاني مفرداً في الصّناعتين ص 226.
(2)
أفاد قرب الطّير من الجيش؛ لأنّها إذا بعدت تُخيّلَت ولم تُرَ، ولأنّها تتوقّع الفريسة، ممّا يؤكّد المقصود.
أَشَدَّ خَفَاءً؛ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْقَبُوْلِ؛ لِكَوْنِهِ أَبْعَدَ عَنِ الْأَخْذِ وَالسَّرِقَةِ، وَأَدْخَلَ فِي الِابْتِدَاعِ وَالتَّصَرُّفِ (1).
هَذَا الَّذِيْ ذُكِرَ فِي الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِ؛ مِنِ ادِّعَاءِ سَبْقِ أَحَدِهِمَا وَاتِّبَاعِ الثَّانِي، وَكَوْنِهِ مَقْبُوْلاً، أَوْ مَرْدُوْداً، أَوْ تَسْمِيَةِ كُلٍّ بِالْأَسَامِي الْمَذْكُوْرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ، = كُلُّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُوْنُ إِذَا عُلِمَ أَنَّ الثَّانِيَ قَدْ أَخَذَ مِنَ الْأَوَّلِ:
1 -
بِأَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ يَحفَظُ قَوْلَ الْأَوَّلِ، حِيْنَ نَظَمَ.
2 -
أَوْ بِأَنْ يُخْبِرَ - هُوَ - عَنْ نَفْسِهِ: أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ.
وَإِلَّا؛ فَلَا يُحْكَمُ بِسَبْقِ أَحَدِهِمَا وَاتِّبَاعِ الْآخَرِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُوْرَةُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُوْنَ اتِّفَاقُ الْقَائِلَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى جَمِيْعاً، أَوْ فِي الْمَعْنَى وَحْدَهُ؛ مِنْ قَبِيْلِ تَوَارُدِ الْخَوَاطِرِ. أَيْ: مَجِيْئِهِ عَلَى سَبِيْلِ الِاتِّفَاقِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى الْأَخْذِ؛ كَمَا يُحْكَى عَنِ ابْنِ مَيَّادَةَ (2): أَنَّهُ أَنْشَدَ لِنَفْسِهِ: [الطّويل]
مُفِيْدٌ، وَمِتْلَافٌ، إِذَا مَا أَتَيْتَهُ
…
تَهَلَّلَ وَاهْتَزَّ اهْتِزَازَ الْمُهَنَّدِ (3)
(1) انظر في حاشيتنا على على بيت المتنبّي: [الكامل]
أَأُحبُّهُ، وأُحبُّ فيه ملامة؟
…
إنّ المَلامةَ فيه مِن أَعدائه
تعليقَ ابن رشيق.
(2)
ت 149 هـ. انظر: الأعلام 3/ 31.
(3)
للحطيئة في ديوانه ص 80 برواية:
…
كَسوبٌ ومِتلافٌ، إذا ما سألتَه
…
تهلّلَ واهتزَّ اهتزازَ المهنّد
وله في نقد الشّعر ص 79، والعمدة 2/ 810، وكفاية الطّالب ص 62، والإيضاح 6/ 136، وأنوار الرّبيع 6/ 86. وللشَّمَّاخ بن ضرار في ملحق ديوانه ص 436 وقال المحقّق في الحاشية:«والصّواب أنّها للحطيئة» ، ونهاية الأرب 3/ 206، ونفحات الأزهار ص 255، وبلا نسبة في البديع في نقد الشّعر ص 407.
فَقِيْلَ لَهُ: أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ؟ ! هَذَا لِلْحُطَيْئَةِ (1)؟
فَقَالَ: الْآنَ عَلِمْتُ أَنَّي شَاعِرٌ؛ إِذْ وَافَقْتُهُ عَلَى قَوْلِهِ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ.
فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الثَّانِيَ أَخَذَ مِنَ الْأَوَّلِ: قِيْلَ:
«قَالَ فُلَانٌ كَذَا، وَقَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهِ فُلَانٌ، فَقَالَ: كَذَا» . فَيُغْتَنَمُ بِذَلِكَ فَضِيْلَةُ الصِّدْقِ، وَيُسْلَمُ مِنْ دَعْوَى الْعِلْمِ بِالْغَيْبِ، وَمِنْ نِسْبَةِ الْغَيْرِ إِلَى النَّقْصِ.
وَاقْتِبَاسٌ يُنْقَلُ: أَيْ مِمَّا يَتَّصِلُ بِالْقَوْلِ فِي السَّرِقَاتِ الشِّعْرِيَّةِ الْقَوْلُ فِي الِاقْتِبَاسِ، وَهُوَ:(أَنْ يُضَمَّنَ الْكَلَامُ - نَثْراً كَانَ أَوْ نَظْماً - شَيْئاً مِنَ الْقُرْآنِ، أَوِ الْحَدِيْثِ، لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ) يَعْنِيْ: عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُوْنُ فِيْهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الْحَدِيْثِ. وَهَذَا احْتِرَازٌ عَمَّا يُقَالُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ: (قَالَ اللهُ تَعَالَى: كَذَا)، (وَقَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: كَذَا)، (وَفِي الْحَدِيْثِ: كَذَا)، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
ثُمَّ الِاقْتِبَاسُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا مِنَ الْكِتَابِ، أَوْ مِنَ السُّنَّةِ، وَعَلَى التَّقْدِيْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُوْنَ الْكَلَامُ مَنْثُوْراً أَوْ مَنْظُوْماً.
- فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِ الْحَرِيْرِيِّ: (فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ، حَتَّى أَنْشَدَ فَأَغْرَبَ)(2).
- وَالثَّانِيْ: كَقَوْلِ الْآَخَرِ: [السّريع]
إِنْ كُنْتِ أَزْمَعْتِ عَلَى هَجْرِنَا
…
مِنْ غَيْرِ مَا جُرْمٍ (فَصَبْرٌ جَمِيْلُ)(3)
(1) ت نحو 45 هـ. انظر: الأعلام 2/ 118.
(2)
الاقتباس من: (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)[النّحل: 77]
(3)
الاقتباس من: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]
وَإِنْ تَبَدَّلْتِ بِنَا غَيْرَنَا
…
(فَحَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ)(1) - (2)
- وَالثَّالِثُ: كَقَوْلِ الْحَرِيْرِيِّ: «قُلْنَا: شَاهَتِ الْوُجُوْهُ، وَقَبُحَ اللُّكَعُ وَمَنْ يَرْجُوْهُ» (3)
- وَالرَّابِعُ: كَقَوْلِ ابْنِ عَبَّادٍ (4): [مجزوء الرّمل]
قَالَ لِيْ: إِنَّ رَقِيْبِيْ
…
سَيِّئُ الْخُلُقِ فَدَارِهْ
قُلْتُ: دَعْنِيْ؛ وَجْهُكَ الْجَنْـ
…
ـنَةُ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهْ (5)
اِقْتِبَاساً مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» (6).
وَالِاقْتِبَاسُ ضَرْبَانِ:
1 -
أَحَدُهُمَا: مَا لَمْ يُنْقَلْ فِيْهِ الْمُقْتَبَسُ عَنْ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ.
2 -
وَالثَّانِيْ: مَا نُقِلَ فِيْهِ الْمُقتَبَسُ عَنْ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ؛ كَقَوْلِ ابْنِ
(1) الاقتباس من: (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)[آل عمران: 173]
(2)
لأبي القاسم بن الحسن الكاتبيّ في معاهد التّنصيص 4/ 109، وبلا نسبة في الإيضاح 6/ 138، وإيجاز الطّراز ص 499.
(3)
انظر: مقامات الحريريّ، العُمانيّة 4/ 299. وهو اقتباسٌ من حديث حُنَيْن، ومَفاده: أنّ الرّسولَ صلى الله عليه وسلم، لمّا اشتدّتِ المعركةُ قبض من ترابٍ من الأَرض قبضةً، رمى بها وجوهَ المشركين قائلاً: «شاهَت الوجوهُ». انظر: جامع الأصول 8/ 399. واللُّكَع: اللّئيم.
(4)
الصّاحب، ت 385 هـ. انظر: الأعلام 1/ 316.
(5)
له في ديوانه ص 230، والإعجاز والإيجاز ص 272، والإيضاح 6/ 139، وإيجاز الطّراز ص 499، ومعاهد التّنصيص 4/ 110، ونفحات الأزهار ص 243، وأنوار الرّبيع 2/ 252، وبلا نسبة في خزانة الحمويّ 4/ 360، والقول البديع ص 113.
(6)
انظر: جامع الأصول 10/ 521.
الرُّوْمِيِّ (1): [الهزج]
لَئِنْ أَخْطَأْتُ فِيْ مَدْحِكْ
…
فَمَا (2) أَخْطَأْتَ فِيْ مَنْعِيْ
لَقَدْ أَنْزَلْتُ حَاجَاتِيْ
…
بِوَادٍ غَيْرِ ذِيْ زَرْعِ (3)
فَقَوْلُهُ: «بِوَادٍ غَيْرِ ذِيْ زَرْعِ» مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى - حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيْمَ عليه الصلاة والسلام: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} (4)[إبراهيم: 37]، لَكِنْ مَعْنَاهُ فِي الْقُرْآنِ: وَادٍ لَا مَاءَ فِيْهِ وَلَا نَبَات؛ وَقَدْ نَقَلَهُ ابْنُ الرُّوْمِيِّ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى إِلَى جَنَابٍ لَا خَيْرَ فِيْه، وَلَا نَفْع.
قَالَ الْقَزْوِيْنِيُّ (5): «وَلَا بَأْسَ بِتَغْيِيْرٍ يَسِيْرٍ لِلْوَزْنِ، أَوْ غَيْرِهِ؛ كَقَوْلِهِ:[مخلَّع البسيط]
قَدْ كَانَ مَا خِفْتُ أَنْ يَكُوْنَا
…
إِنَّا إِلَى اللهِ رَاجِعُوْنَا (6)
* * *
(1) ت 283 هـ. انظر: الأعلام 4/ 297.
(2)
صل: (ما)، وهو تصحيف يخلّ بالوزن، إلّا إنْ كانَ أرادَ رواية الإيضاح 6/ 139:
لئن أخطأتُ في مدحيْـ
…
ـكَ ما أخطأتَ في منعي
على أنّ محقّق الإيضاح حرّف، فرواه: لئن أخطأتُ في مديْحـ
…
ـكَ ما أخطأتَ في منعي. وبهذا لا يستقيم الهزَج.
(3)
له في ديوانه 4/ 1553، والإيضاح 6/ 139، وإيجاز الطّراز ص 499، ومعاهد التّنصيص 4/ 37، وخزانة الحمويّ 4/ 359، وأنوار الرّبيع 2/ 219.
(4)
صل، ب، د: ربّي مكان ربّنا.
(5)
انظر: التّلخيص ص 121.
(6)
لأبي تمّام يرثي ابناً له في ديوانه 4/ 677 وللأستاذ محمّد عبده عزام تعليق مسهَب رجَّحَ فيه أنّ القصيدة لأبي محمّد القاسم بن يوسف، وأنّ ناسخاً ألحقَها بالدّيوان. ونهاية الأرب 5/ 214، وأنوار الرّبيع 2/ 220. ولبعض المغاربة عند وفاة بعض أصحابه في الإيضاح 6/ 139، ومعاهد التّنصيص 4/ 139. وبلا نسبة في إيجاز الطّراز ص 500، وخزانة الحمويّ 4/ 359، والقول البديع ص 113. والاقتباس من آية الاسترجاع في قوله:(إِنَّا لِله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[البقرة: 156]. واعترض السُّبكيّ على تسميته اقتباساً، ولم يرضَ بهذا التَّغيير في الوزن أو غيره في عروسه 2/ 422 بقوله:
«لأنّ هذا اللَّفظ ليس من القرآن، والورعُ اجتنابُ هذا كلّه، وأن يُنزّه عن مثله كلامُ الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، .... » . وقد أورد ابنُ معصوم في أنوار الرّبيع 2/ 220 ردَّ ابن جماعة على السبّكيّ بأنّه: «اقتباسٌ بالنَّظَر إلى الأصل الّذي هذا مُغايره» .
ولعلَّ الحقَّ مع ابنِ جماعة، بألّا يكون الاقتباس للتفكُّه أو إساءة الأدب؛ كقول بعضهم في الكشكول 2/ 15:
جاءني الحبُّ زائراً
…
وعلى مهجتي عطفْ
قلتُ: جُد لي بقُبلةٍ
…
قالَ: (خُذها ولا تخفْ)
[طه: 21] وقوله:
أَهْيَفُ كالبدرِ يُصْلي
…
في قلوبِ النَّاسِ نارا
يَمزجُ الخمرَ بفيهِ
…
فَـ (ترى النَّاسَ سُكارى)
[الحجّ: 2] وهذا لا يليق بحقِّ كتاب الله تعالى وهَدْيِ رسوله.