الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْكِنَايَةَ تُخَالِفُ الْمَجَازَ مِنْ جِهَةِ (إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيْقِيِّ لِلَّفْظِ، مَعَ إِرَادَةِ لَازِمِهِ)» (1)؛ كَإِرَادَةِ طُوْلِ النِّجَادِ مَعَ إِرَادَةِ طُوْلِ الْقَامَةِ، بِخِلَافِ الْمَجَازِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيْهِ أَنْ يُرَادَ الْمَعْنَى الْحَقِيْقِيُّ.
مَثَلاً: لَا يَجُوْزُ فِيْ قَوْلِنَا: (رَأَيْتُ أَسَداً فِي الْحَمَّامِ) أَنْ يُرَادَ بِالْأَسَدِ الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ؛ لِأَنَّهُ (يَلْزَمُ أَنْ يَكُوْنَ فِي الْمَجَازِ قَرِيْنَةٌ مَانِعَةٌ عَنْ إِرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيْقِيِّ)؛ فَلَوِ انْتَفَى هَذَا انْتَفَى الْمَجَازُ؛ لِانْتِفَاءِ الْمَلْزُوْمِ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ (2).
· وَهِيَ - أَيِ الْكِنَايَةُ - ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ أَشَارَ إِلَيْهَا النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ:
فَاقْسِمْ إِلَى: أَيِ: اِقْسِمِ الْكِنَايَةَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
* * *
89 - إِرَادَةِ النِّسْبَةِ، أَوْ نَفْسِ الصِّفَهْ
…
أَوْ غَيْرِ هَذِيْنِ، اجْتَهِدْ أَنْ تَعْرِفَهْ
1 -
الْأَوَّلُ: إِرَادَةِ النِّسْبَةِ: أَيْ إِثْبَاتِ أَمْرٍ لِأَمْرٍ أَوْ نَفْيِهِ عَنْهُ (3)؛ كَقَوْلِ زِيَادِ الْأَعْجَمِ (4): [الكامل]
إِنَّ السَّمَاحَةَ وَالْمُرُوْءَةَ وَالنَّدَى
…
فِيْ قُبَّةٍ ضُرِبَتْ عَلَى ابْنِ الْحَشْرَجِ (5)
(1) في الكناية: يجوزُ أن يُرادَ المعنى الحقيقيُّ للَّفظِ مع إرادةِ لازمِه. وأمَّا في المجاز: فلا يجوزُ أن يُرادَ المعنى الحقيقيُّ للَّفظِ؛ لوجودِ قرينةٍ صارفةٍ تمنعُ من إرادتِه.
(2)
ما تحته خطّ للقزوينيّ في تلخيصه ص 91، وفي المطوّل ص 630.
(3)
وكيفيّتُها: أنْ يُصرَّحَ بالموصوفِ والصِّفةِ ولا يُصرَّحَ بالنِّسبةِ بينَهما، بل يُصرَّحُ بنسبةٍ أُخرى تستلزمُ هذه النِّسبةَ، أي: إنّ النِّسبةَ المقصودةَ تتوارى خلفَ النِّسبةِ المذكورةِ.
(4)
ت نحو 100 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 4/ 597.
(5)
له في ديوانه ص 77، ودلائل الإعجاز ص 306، ومفتاح العلوم ص 517، والبرهان الكاشف ص 105، والمصباح ص 188، والإيضاح 5/ 70، وإيجاز الطّراز ص 391، ومعاهد التّنصيص 2/ 173، وبلا نسبة في الكشّاف 5/ 314، ونهاية الإيجاز ص 161. وعبد الله بن الحشرج عامل بني أميّة في نيسابور.
فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ اخْتِصَاصَ ابْنِ الْحَشْرَجِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ؛ أَيْ بِثُبُوْتِهَا لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى طَرِيْقِ الْحَصْرِ أَمْ لَا، فَتَرَكَ التَّصْرِيْحَ بِاخْتِصَاصِهِ بِهَا؛ بِأَنْ يَقُوْلَ: إِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهَا، أَوْ نَحْوِهِ؛ مِثْلُ:(السَّمَاحَةُ لِابْنِ الْحَشْرَجِ)، أَوْ (سَمُحَ ابْنُ الْحَشْرَجِ) أَوْ (اِبْنُ الْحَشْرَجِ سَمْحٌ) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ إِلَى الْكِنَايَةِ؛ بِأَنْ جَعَلَ تِلْكَ الصِّفَاتِ فِيْ قُبَّةٍ - تَنْبِيْهاً عَلَى أَنَّ مَحَلَّهَا ذُوْ قُبَّةٍ؛ وَهِيَ تَكُوْنُ فَوْقَ الْخَيْمَةِ تَتَّخِذُهَا الرُّؤَسَاءُ - مَضْرُوْبَةٍ عَلَيْهِ؛ أَيْ: عَلَى ابْنِ الْحَشْرَجِ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُهُمْ: (الْمَجْدُ بَيْنَ ثَوْبَيْهِ، وَالْكَرَمُ بَيْنَ بُرْدَيْهِ)؛ حَيْثُ لَمْ يُصَرَّحْ بِثُبُوْتِ الْمَجْدِ وَالْكَرَمِ، بَلْ كُنِّيَ عَنْ ذَلِكَ بِكَوْنِهِمَا فِيْ بُرْدَيْهِ وَثَوْبَيْهِ.
2 -
وَالثَّانِيْ: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ:
أَوْ نَفْسِ الصِّفَهْ: أَيِ الْمَطْلُوْبُ بِهَا صِفَةٌ مِنَ الصِّفَاتِ؛ كَالْجُوْدِ، وَالْكَرَمِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَطُوْلِ الْقَامَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ (1)، وَهِيَ ضَرْبَانِ؛ قَرِيْبَةٌ وَبَعِيْدَةٌ (2):
أوَالْقَرِيْبَةُ ضَرْبَانِ:
1 -
وَاضِحَةٌ: يَحْصُلُ الِانْتِقَالُ مِنْهَا بِسُهُوْلَةٍ؛ كَقَوْلِهِمْ فِي الْكِنَايَةِ
(1) وكيفيّةُ هذا الضَّربِ من الكناية أنْ يَذكرَ المتكلِّمُ موصوفاً ويَنْسِبَ إليه صفةً غيرَ مُرادةٍ في ذاتِها، ولكنْ يُستدَلُّ منها على صفةٍ أُخرى هي التي يريدُها المتكلّم.
(2)
القريبة: ينتقلُ ذهنُ المتلقّي فيها من المعنى الوضعيِّ إلى المعنى الكِنائيّ المراد مباشرةً بغيرِ وسيط، وسُمِّيَتْ قريبةً؛ لِقِصَرِ زمنِ إدراك المراد منها؛ بسبب انتفاء الوسائط. والبعيدةُ: ينتقلُ ذهنُ المتلقّي فيها من المعنى الوضعيّ إلى المعنى الكنائيّ المراد بوسيطٍ أو وسائطَ، وسُمِّيَت بعيدةً؛ لبُعدِ زمنِ إدراك المراد منها؛ بسبب وجود الوسائط وكثرتِها أحياناً.
السَّاذَجَةِ - وَهِيَ الَّتِيْ لَا يَشُوْبُهَا شَيْءٌ مِنَ التَّصْرِيْحِ - كِنَايَةً عَنْ طُوْلِ الْقَامَةِ: (طَوِيْلٌ نِجَادُهُ).
وَفِي التَّصْرِيْحِيَّةِ - وَهِيَ الَّتِيْ فِيْهَا تَصْرِيْحٌ - كِنَايَةً عَنْ طُوْلِ الْقَامَةِ أَيْضاً: (طَوِيْلُ النِّجَادِ)؛ لِتَضَمُّنِ الصِّفَةِ الضَّمِيْرَ الرَّاجِعَ إِلَى الْمَوْصُوْفِ ضَرُوْرَةَ احْتِيَاجِهَا إِلَى مَرْفُوْعٍ مُسْنَدٍ إِلَيْهِ، فَيَشْتَمِلُ عَلَى نَوْعِ تَصْرِيْحٍ بِثُبُوْتِ الطُّوْلِ لَهُ. وَالدَّلِيْلُ عَلَى هَذَا أَنَّكَ تَقُوْلُ:(طَوِيْلٌ نِجَادُهُ)، وَ (هِنْدُ طَوِيْلٌ نِجَادُهَا)، وَ (الزَّيْدَانِ طَوِيْلٌ نِجَادُهُمَا)، وَ (الزَّيْدُوْنَ طَوِيْلٌ نِجَادُهُمْ (1)) بِإِفْرَادِ الصِّفَةِ وَتَذْكِيْرِهَا؛ لِكَوْنِهَا مُسْنَدَةً إِلَى الظَّاهِرِ.
وَفِي الْإِضَافَةِ تَقُوْلُ: (هِنْدُ طَوِيْلَةُ النِّجَادِ)، وَ (الزَّيْدَانِ طَوِيْلَا النِّجَادِ)، وَ (الزَّيْدُوْنَ طِوَالُ النِّجَادِ) فَتُؤَنِّثُ وَتُثَنِّيْ وَتَجْمَعُ الصِّفَةَ؛ لِكَوْنِهَا مُسْنَدَةً إِلَى ضَمِيْرِ الْمَوْصُوْفِ.
2 -
أَوْ خَفِيَّةٌ: وَخَفَاؤُهَا بِأَنْ يَتَوَقَّفَ الِانْتِقَالُ فِيْهَا عَلَى تَأَمُّلٍ وَإِعْمَالِ رَوِيَّةٍ؛ كَقَوْلِهِمْ كِنَايَةً عَنِ الْأَبْلَهِ: (عَرِيْضُ الْقَفَا)؛ فَإِنَّ عَرْضَ الْقَفَا وَعِظَمَ الرَّأْسِ بِالْإِفْرَاطِ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى بَلَاهَةِ الرَّجُلِ، فَهُوَ مَلْزُوْمٌ لَهَا بِحَسْبِ الِاعْتِقَادِ، وَلَكِنْ فِي الِانْتِقَالِ مِنْهُ إِلَى الْبَلَاهَةِ نَوْعُ خَفَاءٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ، وَلَيْسَ يُنْتَقَلُ مِنْهُ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ وَمِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ إِلَى الْمَقْصُوْدِ، بَلْ إِنَّمَا يُنْتَقَلُ مِنْهُ إِلَى الْمَقْصُوْدِ، لَكِنْ لَا فِيْ بَادِئِ النَّظَرِ، وَبِهَذَا تَمْتَازُ عَنِ الْبَعِيْدَةِ.
ب - وَالْبَعِيْدَةُ: مَا كَانَ الِانْتِقَالُ مِنَ الْكِنَايَةِ إِلَى الْمَطْلُوْبِ بِهَا بِوَاسِطَةٍ؛ كَقَوْلِهِمْ: (كَثِيْرُ الرَّمَادِ) كِنَايَةً عَنِ الْمِضْيَافِ؛ فَإِنَّهُ يُنْتَقَلُ مِنْ كَثْرَةِ الرَّمَادِ، إِلَى كَثْرَةِ إِحْرَاقِ الْحَطَبِ تَحْتَ الْقِدْرِ، وَمِنْهَا - أَيْ: وَمِنْ كَثْرَةِ الْإِحْرَاقِ - إِلَى كَثْرَةِ الطَّبَائِخِ، وَمِنْ كَثْرَةِ الطَّبَائِخِ، إِلَى كَثْرَةِ الْأَكَلَةِ، وَمِنْهَا
(1) جز: أنجادهم.
إِلَى كَثْرَةِ الضِّيْفَانِ، وَمِنْ كَثْرَةِ الضِّيْفَانِ إِلَى الْمَقْصُوْدِ، وَهُوَ الْمِضْيَافُ.
وَبِحَسْبِ قِلَّةِ الْوَسَائِطِ وَكَثْرَتِهَا تَخْتَلِفُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَقْصُوْدِ؛ وُضُوْحاً وَخَفَاءً.
3 -
[وَ](1) الثَّالِثُ: مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ:
أَوْ غَيْرِ هَذِيْنِ: وَهِيَ الْمَطْلُوْبُ بِهَا غَيْرُ صِفَةٍ وَلَا نِسْبَةٍ (2)؛ فَمِنْهَا مَا هِيَ:
أمَعْنًى وَاحِدٌ: وَهُوَ أَنْ يَتَّفِقَ فِيْ صِفَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ اخْتِصَاصٌ بِمَوْصُوْفٍ مُعَيَّنٍ عَارِضٌ، فَتُذْكَرَ تِلْكَ الصِّفَةُ؛ لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى ذَلِكَ الْمَوْصُوْفِ؛ كَقَوْلِهِ:[الكامل]
الضَّارِبِيْنَ بِكُلِّ أَبْيَضَ مِخْذَمٍ
…
وَالطَّاعِنِيْنَ مَجَامَعَ الْأَضْغَانِ (3)
الْمِخْذَمُ: الْقَاطِعُ، وَالضِّغْنُ: الْحِقْدُ، وَمَجَامِعُ الْأَضْغَانِ: مَعْنًى وَاحِدٌ كِنَايَة عَنِ الْقُلُوْبِ.
وَمِنْهَا مَا هُوَ:
ب مَجْمُوْعُ مَعَانٍ: وَهُوَ أَنْ تُؤْخَذَ صِفَةٌ، فَتُضَمَّ إِلَى لَازِمٍ آخَرَ وَآخَرَ، فَتَصِيْرَ جُمْلَتُهَا مُخْتَصَّةً بِالْمَوْصُوْفِ، فَيُتَوَصَّلَ بِذِكْرِهَا إِلَيْهِ؛ كَقَوْلِنَا كِنَايَةً عَنِ الْإِنْسَانِ:(حَيٌّ، مُسْتَوِي الْقَامَةِ، عَرِيْضُ الْأَظْفَارِ). وَيُسَمَّى هَذَا خَاصَّةً: مُرَكَّبَةً.
(1) هذه الواو ليست في النُّسَخ، وإنّما زِدناها؛ لالتئام السّياق.
(2)
أي: (الكناية عن موصوف)، وكيفيّتُها: أنْ يَذكُرَ المتكلِّمُ صفةً خاصّةً بموصوفٍ، فينتقلُ الذِّهنُ من تلك الصِّفةِ إلى المتحقِّقِ به المتخصِّص بها أكثرَ من غيرِه؛ كقولك:(جاءَ قاهرُ الصَّليبيّين) كنايةً عن صلاح الدِّين رحمه الله.
(3)
لعَمْرو بن مَعْدِي كَرِب الزُّبَيْديّ في ديوانه ص 174، وبلا نسبة في الإيضاح 5/ 163، ومعاهد التّنصيص 2/ 172، وأنوار الرّبيع 6/ 51.