الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وَقَلْباً: بِمَعْنَى: لَا غَيْرِيْ؛ لِمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ غَيْرَكَ كَفَى مُهِمَّهُ دُوْنَكَ.
ثُمَّ إنَّمَا: كَقَوْلِكَ فِيْ قَصْرِ الْمَوْصُوْفِ عَلَى الصِّفَةِ:
- إِفْرَاداً: (إِنَّمَا زَيْدٌ كَاتِبٌ).
- وَقَلْباً: (إِنَّمَا زَيْدٌ قَائِمٌ).
وَالدَّلِيْلُ عَلَى أَنَّهَا تُفِيْدُ الْقَصْرَ كَوْنُهَا بِمَعْنَى (مَا) وَ (إِلَّا).
· وَهَذِهِ الطُّرُقُ الْأَرْبَعَةُ - بَعْدَ اشْتِرَاكِهَا فِيْ إِفَادَةِ الْقَصْرِ - تَخْتَلِفُ مِنْ وُجُوْهٍ أَرْبَعَةٍ:
* * *
55 - دَلَالَةُ التَّقْدِيْمِ بِالْفَحْوَى، وَمَا
…
عَدَاهُ بِالْوَضْعِ، وَأَيْضَاً مِثْلَمَا
- فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَنَّ:
دَلَالَةُ التَّقْدِيْمِ بِالْفَحْوَى: أَيْ بِمَفْهُوْمِ الْكَلَامِ؛ بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا تَأَمَّلَ فِيْهِ مَنْ لَهُ الذَّوْقُ السَّلِيْمُ فَهِمَ القَصْرَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفِ اصْطِلَاحَ الْبُلَغَاءِ فِيْ ذَلِكَ.
وَمَا عَدَاهُ: أَيْ مَا عَدَا التَّقْدِيْمِ؛ (وَهُوَ النَّفْيُ وَالِاسْتِثْنَاءُ، وَالْعَطْفُ، وَإِنَّمَا) دَلَالَتُهُ
بِالْوَضْعِ: لِأَنَّ الْوَاضِعَ وَضَعَهَا لِمَعَانٍ تُفِيْدُ الْقَصْرَ.
- وَالْوَجْهُ الثَّانِيْ: أَنَّ الْأَصْلَ فِيْ طَرِيْقِ الْعَطْفِ النَّصُّ عَلَى الْمُثْبَتِ وَالْمَنْفِيِّ (1)، فَلَا يُتْرَكُ إِلَّا كَرَاهَةَ الْإِطْنَابِ (2)؛ كَمَا إِذَا قِيْلَ:(زَيْدٌ يَعلَمُ النَّحْوَ وَالتَّصْرِيْفَ وَالْعَرُوْضَ)، أَوْ (زَيْدٌ يَعلَمُ النَّحْوَ وَعَمْرٌو وَبَكْرٌ) فَتَقُوْلُ
(1) معاً؛ كقولِك: (زيدٌ كاتبٌ لا شاعر).
(2)
أي لا يُترَكُ النّصُّ على المُثبَتِ والمَنفيِّ معاً إلَّا في المقام الذي يقتضي الاختصارَ.
فِيْهِمَا (1): (زَيْدٌ يَعْلَمُ النَّحْوَ لَا غَيْرُ (2)) (3)، أَوْ (لَا مَا سِوَاهُ)(4)، أَوْ (لَا مَا عَدَاهُ)، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَالْأَصْلُ فِي الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ (5) النَّصُّ عَلَى الْمُثْبَتِ فَقَطْ، دُوْنَ الْمَنْفِيِّ.
- وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّفْيَ بِـ (لَا) الْعَاطِفَةِ لَا يُجَامِعُ النَّفْيَ وَالِاسْتِثْنَاءَ؛ فَلَا يَصِحُّ (مَا زَيْدٌ إِلَّا قَائِمٌ، لَا قَاعِدٌ)(6)، وَيُجَامِعُ (إِنَّمَا) وَالتَّقْدِيْمَ؛ فَيُقَالُ:(إِنَّمَا أَنَا تَمِيْمِيٌّ لَا قَيْسِيٌّ)، وَ (هُوَ يَأْتِيْنِيْ لَا عَمْرٌو).
- وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ أَصْلَ (النَّفْيِ وَالِاسْتِثْنَاءِ) أَنْ يَكُوْنَ حُكْمُ مَا اسْتُعْمِلَا فِيْهِ مِمَّا يَجْهَلُهُ الْمُخَاطَبُ وَيُنْكِرُهُ (7) - بِخِلَافِ (إِنَّمَا)؛ فَإِنَّهُ عَلَى
(1) أي: في هذين المقامَين إيثاراً للاختصار.
(2)
حُذِفَ المضافُ إليه من كلمة (غير)، ثُمَّ بُنيَ (غيرُ) على الضَّمِّ؛ تشبيهاً بالغاياتِ من جهة الإبهام.
(3)
معناه بالنِّسبة للجملة الأُولى: (لا غيرَ النَّحوِ)، وهو قائمٌ مقامَ: لا التَّصريفَ ولا العَروضَ.
ومعناه بالنِّسبة للجملة الثَّانية: (لا غيرُ زيدٍ)، وهو قائمٌ مَقامَ: لا عَمرو ولا بَكْر.
(4)
أي: (لا ما سوى النَّحو) و (لا ما سوى زيد).
(5)
أي: النَّفي مع الاستثناء، وإنَّما، وتقديم ما حقُّه التَّأخير.
(6)
لأنَّ شرطَ جوازِ النَّفي بـ (لا) العاطفة ألَّا يكونَ ما قبلَها مَنفيّاً بغيرِها من أدواتِ النَّفي؛ لأنَّك عندَما قلتَ: (ما زيدٌ إلّا قائمٌ) فقد نَفيتَ عن زيدٍ كلَّ صفةٍ قد يقَعُ فيها التَّنازُعُ؛ حتَّى كأنَّك قُلتَ: لي بقاعدٍ ولا مُضْطَجِعٍ ولا مُسْتَلْقٍ
…
ونحوِ ذلك، والصَّفةُ التي نفيتَها بـ (لا) بعد هذا (لا قاعدٌ) داخلةٌ فيما يقَعُ فيه التَّنازُعُ، وهكذا إذا قلتَ:(لا قاعدٌ) بعد قولك: (ما زيدٌ إلّا قائمٌ) تكونُ قد نفيتَ بها شيئاً هو مَنفيٌّ قبلَها أصلاً.
(7)
أو فيما هو مُنزَّلٌ هذه المنزلةَ؛ كقولِه تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)[آل عمران: 144]؛ يعني أنّ محمّداً صلى الله عليه وسلم لا يتعدَّى صفةَ الرِّسالة إلى صفةِ الخلودِ وعدمِ الهلاك كباقي البشر، نُزِّلَ استعظامُهم هلاكَه منزلةَ إنكارِهم إيَّاه. وباختصار: طريقُ (النَّفي والاستثناء) لا يُستعمَلُ في الأمر الظَّاهر، بل يُستعمَلُ فيما يجهلُه المخاطَبُ ويُنكِرُه، أو عندَما يُنزَّلُ هذه المنزلة خلافاً لمقتضى الظَّاهر.