الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
(عَلِمْتُ زَيْداً أَسَداً) إِنْ قُرِّبَ التَّشْبِيْهُ، وَادُّعِيَ كَمَالُ الْمُشَابَهَةِ؛ لِمَا فِيْ (عَلِمْتُ) مِنْ مَعْنَى التَّحْقِيْقِ.
2 -
وَأَمَّا إِذَا بُعِّدَ أَدْنَى تَبْعِيْدٍ قِيْلَ: (حَسِبْتُ زَيْداً أَسَداً)؛ لِمَا فِي (الْحُسْبَانِ) مِنَ الْإِشْعَارِ بِعَدَمِ التَّحقيقِ والتَّيَقُّنِ.
* * *
83 - وَغَرَضٌ مِنْهُ عَلَى الْمُشَبَّهِ
…
يَعُوْدُ، أَوْ عَلَى مُشَبَّهٍ بِه
وَ: أَمَّا
غَرَضٌ مِنْهُ: أَيْ مِنَ التَّشْبِيْهِ فَإِنَّهُ
عَلَى الْمُشَبَّهِ (1) يَعُوْدُ: فِي الْأَغْلَبِ، وَيَرْجِعُ إِلَى أُمُوْرٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ مِنْهَا:
1 -
بَيَانُ إِمْكَانِ وُجُوْدِ الْمُشَبَّهِ، وَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَمْراً غَرِيْباً يُمْكِنُ أَنْ يُخَالَفَ فِيْهِ، وَيُدَّعَى امْتِنَاعُهُ، كَمَا فِيْ قَوْلِ أَبِي الطَّيِّبِ (2):[الوافر]
فَإِنْ تَفُقِ الْأَنَامَ، وَأَنْتَ مِنْهُمْ،
…
فَإِنَّ الْمِسْكَ بَعْضُ دَمِ الْغَزَالِ (3)
فَإِنَّهُ لَمَّا ادَّعَى أَنَّ الْمَمْدُوْحَ فَاقَ النَّاسَ حَتَّى صَارَ أَصْلاً بِرَأْسِهِ، وَجِنْساً بِنَفْسِهِ، وَكَانَ هَذَا فِي الظَّاهِرِ كَالْمُمْتَنِعِ احْتَجَّ لِهَذِهِ الدَّعْوَى، وَبَيَّنَ إِمْكَانَهَا؛ بِأَنْ شَبَّهَ هَذَا الْحَالَ بِحَالِ الْمِسْكِ الَّذِيْ هُوَ مِنَ الدِّمَاءِ، ثُمَّ إِنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنَ الدِّمَاءِ؛ لِمَا فِيْهِ مِنَ الْأَوْصَافِ الشَّرِيْفَةِ الَّتِيْ لَا تُوْجَدُ فِي الدَّمِ.
(1) ب، د: مشبّه.
(2)
ت 354 هـ. انظر: الأعلام 1/ 115.
(3)
له في ديوانه 3/ 20، والوساطة ص 169، والإعجاز والإيجاز ص 259، والأمالي الشّجريّة 3/ 242، ونهاية الإيجاز ص 123، والإيضاح 4/ 68، وإيجاز الطّراز ص 331، ونصرة الثّائر ص 171، وخزانة الحمويّ 3/ 89، ومعاهد التّنصيص 2/ 53، وأنوار الرّبيع 2/ 46 - 5/ 214. وبلا نسبة في أسرار البلاغة ص 123 - 140.
2 -
وَمِنْهَا بَيَانُ حَالِ الْمُشبَّهِ أَنَّهُ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ مِنَ الْأَوْصَافِ؛ كَمَا فِيْ تَشْبِيْهِ (ثَوْبٍ بِآخَرَ فِي السَّوَادِ) إِذَا عَلِمَ السَّامِعُ لَوْنَ (1) الْمُشَبَّهِ بِهِ دُوْنَ الْمُشَبَّهِ.
3 -
وَمِنْهَا بَيَانُ مِقْدَارِ حَالِ الْمُشَبَّهِ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ؛ كَمَا فِيْ تَشْبِيْهِ (الثَّوْبِ الْأَسْوَدِ بِالْغُرَابِ) فِيْ شِدَّةِ السَّوَادِ.
4 -
وَمِنْهَا تَقْرِيْرُ حَالِ الْمُشَبَّهِ فِيْ نَفْسِ السَّامِعِ وَتَقْوِيَةُ شَأْنِهِ؛ كَمَا فِيْ تَشْبِيْهِ (مَنْ لَا يَحْصُلُ مِنْ سَعْيِهِ عَلَى طَائِلٍ) بِـ (الرَّاقِمِ عَلَى الْمَاءِ)؛ فَإِنَّكَ تَجِدُ فِيْهِ مِنْ تَقْرِيْرِ عَدَمِ الْفَائِدَةِ وَتَقْوِيَةِ شَأْنِهِ مَا لَا تَجِدُهُ فِيْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْفِكْرَ فِي الْحِسِّيَّاتِ أَتَمُّ مِنْهُ فِي الْعَقْلِيَّاتِ؛ لِتَقَدُّمِ الْحِسِّيَّاتِ وَفَرْطِ إِلْفِ النَّفْسِ بِهَا.
وَهَذِهِ الْأَغْرَاضُ الْأَرْبَعَةُ تَقْتَضِيْ أَنْ يَكُوْنَ وَجْهُ الشَّبَهِ [فِي الْمُشَبَّهِ](2) بِهِ أَتَمَّ، وَهُوَ بِهِ أَشْهَرُ.
5 -
وَمِنْهَا تَزْيِيْنُ الْمُشَبَّهِ فِيْ عَيْنِ السَّامِعِ؛ لِلتَّرْغِيْبِ فِيْهِ؛ كَمَا فِيْ تَشْبِيْهِ (وَجْهٍ أَسْوَدَ بِمُقْلَةِ الظَّبْيِ)؛ فَإِنَّ مُقْلَةَ الظَّبْيِ قَدِ اشْتُهِرَتْ بِالْبَهَاءِ، وَعُرِفَتْ بِالْحُسْنِ.
6 -
وَمِنْهَا تَشْوِيْهُهُ؛ لِلتَّنْفِيْرِ عَنْهُ؛ كَمَا فِيْ تَشْبِيْهِ (وَجْهٍ مَجْدُوْرٍ بِسلْحَةٍ (3) جَامِدَةٍ قَدْ نَقَرَتْها الدِّيَكَةُ).
7 -
وَمِنْهَا اسْتِطْرَافُ الْمُشَبَّهِ؛ أَيْ عَدِّهِ طَرِيْفاً حَدِيْثاً بَدِيْعاً؛ كَمَا فِيْ تَشْبِيْهِ (فَحْمٍ فِيْهِ جَمْرٌ مُوْقَدٌ بِبَحْرٍ مِنَ الْمِسْكِ مَوْجُهُ الذَّهَبُ)، وَإِنَّمَا اسْتُطْرِفَ الْمُشَبَّهُ بِهِ فِيْ هَذَا التَّشْبِيْهِ؛ لِإِبْرَازِهِ فِيْ صُوْرَةِ الْمُمْتَنِعِ عَادَةً، وَإِنْ
(1) صل: كون، تحريف.
(2)
سقط من صل.
(3)
السَّلْحُ: الخُرْءُ.
كَانَ مُمْكِناً عَقْلاً، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُمْتَنِعَ عَادَةً مُسْتَطْرَفٌ غَرِيْبٌ.
أَوْ: يَعُوْدُ الْغَرَضُ مِنَ التَّشْبِيْهِ
عَلَى مُشَبَّهٍ بِهِ: عَلَى قِلَّةٍ. وَهُوَ ضَرْبَانِ:
1 -
أَحَدُهُمَا: إِيْهَامُ أَنَّهُ أَتَمُّ مِنَ الْمُشَبَّهِ فِيْ وَجْهِ الشَّبَهِ؛ وَذَلِكَ فِي التَّشْبِيْهِ الْمَقْلُوْبِ
الَّذِيْ يُجْعَلُ فِيْهِ النَّاقِصُ مُشَبَّهاً بِهِ؛ قَصْداً إِلَى ادِّعَاءِ أَنَّهُ أَكْمَلُ؛ كَقَوْلِهِ: [الكامل]
وَبَدَا الصَّبَاحُ، كَأَنَّ غُرَّتَهُ
…
وَجْهُ الْخَلِيْفَةِ حِيْنَ يُمْتَدَحُ (1)
فَإِنَّهُ قَصَدَ إِيْهَامَ أَنَّ وَجْهَ الْخَلِيْفَةِ (2) أَتَمُّ مِنَ الصَّبَاحِ فِي الْوُضُوْحِ وَالضِّيَاءِ.
الثَّانِيْ مِنْ ضَرْبَيِ الْغَرَضِ الْعَائِدِ إِلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ: بَيَانُ الِاهْتِمَامِ بِهِ؛ أَيْ بِالْمُشَبَّهِ بِهِ؛ كَتَشْبِيْهِ الْجَائِعِ: (وَجْهاً كَالْبَدْرِ فِي الْإِشْرَاقِ وَالِاسْتِدَارَةِ) بِـ (الرَّغِيْفِ).
وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْغَرَضِ - أَعْنِيْ بَيَانَ الِاهْتِمَامِ - إِظْهَارَ الْمَطْلُوْبِ.
هَذَا الَّذِيْ ذُكِرَ مِنْ جَعْلِ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ مُشَبَّهاً وَالْآخَرِ مُشَبَّهاً بِهِ إِنَّمَا يَكُوْنُ إِذَا أُرِيْدَ إِلْحَاقُ النَّاقِصِ فِيْ وَجْهِ الشَّبَهِ؛ حَقِيْقَةً: كَمَا فِي الْغَرَضِ الْعَائِدِ إِلَى الْمُشبَّهِ، أَوِ ادِّعَاءً: كَمَا فِي الْغَرَضِ الْعَائِدِ إِلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ بِالزَّائِدِ فِيْ وَجْهِ الشَّبَهِ.
(1) لمحمَّد بن وُهَيْب الحِميَريّ في شعراء عبّاسيّون (سامرائيّ) 1/ 69، وعيار الشّعر ص 188، والصّناعتين ص 63، وأسرار البلاغة ص 223 - 227، وقانون البلاغة ص 121، وكفاية الطّالب ص 54، ونضرة الإغريض ص 189، ومنهاج البلغاء ص 322، والإيضاح 4/ 75، ومعاهد التّنصيص 2/ 57، ونفحات الأزهار ص 268، وأنوار الرّبيع 5/ 219. وبلا نسبة في نهاية الإيجاز ص 126، ومفتاح العلوم ص 451.
(2)
يقصد: المأمون.
فَإِنْ أُرِيْدَ الْجَمْعُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فِيْ أَمْرٍ مِنَ الْأُمُوْرِ، مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى كَوْنِ أَحَدِهِمَا نَاقِصاً وَالْآخَرِ زَائِداً، سَوَاءٌ أَوُجِدَتِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ أَمْ (1) لَمْ تُوْجَدْ = فَالْأَحْسَنُ تَرْكُ التَّشْبِيْهِ إِلَى الْحُكْمِ بِالتَّشَابُهِ؛ لِيَكُوْنَ كُلٌّ مِنَ الشَّيْئَيْنِ مُشَبَّهاً وَمُشَبَّهاً بِهِ؛ احْتِرَازاً مِنْ تَرْجِيْحِ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ فِيْ وَجْهِ الشَّبَهِ؛ كَقَوْلِهِ:[الطّويل]
تَشَابَهَ دَمْعِيْ - إِذْ جَرَى - وَمُدَامَتِيْ
…
فَمِنْ مِثْلِ مَا فِي الْكَأْسِ عَيْنِيَ تَسْكُبُ
فَوَاللهِ مَا أَدْرِيْ أَبِالْخَمْرِ أَسْبَلَتْ
…
جُفُوْنِيْ، أَمْ مِنْ عَبْرَتِيْ كُنْتُ أَشْرَبُ؟ (2)
لَمَّا اعْتَقَدَ التَّسَاوِيَ بَيْنَ الْخَمْرِ وَالدَّمْعِ تَرَكَ التَّشْبِيْهَ إِلَى التَّشَابُهِ.
وَيَجُوْزُ عِنْدَ إِرَادَةِ جَمْعِ شَيْئَيْنِ فِيْ أَمْرِ التَّشْبِيْهِ أَيْضاً؛ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ تَسَاوَيَا فِيْ وَجْهِ التَّشْبِيْهِ - بِحَسْبِ قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ - إِلَّا أَنَّهُ يَجُوْزُ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدَهُمَا مُشَبَّهاً وَالْآخَرَ مُشَبَّهاً بِهِ لِغَرَضٍ مِنَ الْأَغْرَاضِ؛ مِثْلُ زِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ كَتَشْبِيْهِ (غُرَّةِ الْفَرَسِ بِالصُّبْحِ)، وَتَشْبِيْهِ (الصُّبْحِ بِغُرَّةِ الْفَرَسِ) مَتَى أُرِيْدَ ظُهُوْرُ مُنِيْرٍ فِيْ مُظْلِمٍ أَكْثَرَ مِنْهُ - أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمُنِيْرِ - مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِيْ وَصْفِ غُرَّةِ الْفَرَسِ بِالضِّيَاءِ وَالِانْبِسَاطِ وَفَرْطِ التَّلَأْلُؤِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
إِذْ لَوْ قُصِدَ ذَلِكَ لَوَجَبَ جَعْلُ الْغُرَّةِ (3) مُشَبَّهاً وَالصُّبْحِ مُشَبَّهاً بِهِ.
وَأَمَّا تَقْسِيْمُ التَّشْبِيْهِ
(1) صل: أو، لحن.
(2)
أنشَده الثَّعالبيّ لأبي إسحق الصّابي في يتيمة الدّهر 2/ 303، والإعجاز والإيجاز ص 274، ومَن غاب عنه المطرب ص 170، وخاصّ الخاصّ ص 162، وكذا في الإيضاح 4/ 78، ومعاهد التّنصيص 2/ 59، وأنوار الرّبيع 5/ 126، وبلا نسبة في البديع في نقد الشّعر ص 146.
(3)
د: غرّة الفرس.