الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْمَنِيَّةِ بِالسَّبُعِ)، أَوْ يَكُوْنَ الْمُشَبَّهُ حِسِّيّاً وَالْمُشَبَّهُ بِهِ عَقْلِيّاً؛ كَتَشْبِيْهِ (الْعِطْرِ بِخُلُقٍ كَرِيْمٍ).
وَقَوْلُ الشَّارِحِ (1): «وَقِيْلَ: إِنَّ تَشْبِيْهَ الْمَحْسُوْسِ بِالْمَعْقُوْلِ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّ الْعُلُوْمَ الْعَقْلِيَّةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الْحَوَاسِّ، وَمُنْتَهِيَةٌ إِلَيْهَا» .
قَدْ أَشَارَ فِي الْمُخْتَصَرِ (2) إِلَى جَوَابِهِ بِقَوْلِهِ: «وَالْوَجْهُ فِيْ تَشْبِيْهِ الْمَحْسُوْسِ بِالْمَعْقُولِ أَنْ يُقَدَّرَ الْمَعْقُوْلُ مَحْسُوْساً، وَيُجْعَلَ كَالْأَصْلِ لِذَلِكَ الْمَحْسُوْسِ عَلَى طَرِيْقِ الْمُبَالَغَةِ، وَإِلَّا فَالْمَحْسُوْسُ أَصْلٌ لِلْمَعْقُوْلِ؛ لِأَنَّ الْعُلُوْمَ الْعَقْلِيَّةَ مُسْتَفَادَةٌ مِنَ الْحَوَاسِّ وَمُنْتَهِيَةٌ إِلَيْهَا، فَتَشْبِيْهُهُ بِالْمَعْقُوْلِ؛ أَيْ قَبْلَ تَقْدِيْرِ الْمَعْقُوْلِ مَحْسُوْساً يَكُوْنُ جَعْلاً لِلْفَرْعِ أَصْلاً، وَالْأَصْلِ فَرْعاً» .
* * *
80 - وَوَجْهُهُ مَا اشْتَرَكَا فِيْهِ وَجَا
…
ذَا فِيْ حَقِيْقَتَيْهِمَا، وَخَارِجَا
وَ: أَمَّا
وَجْهُهُ: أَيْ؛ وَجْهُ التَّشْبِيْهِ.
مَا: أَيْ؛ مَعْنًى.
اشْتَرَكَا: أَيْ؛ الطَّرَفَانِ.
فِيْهِ: أَيْ فِي الْمَعْنَى الَّذِيْ قُصِدَ اشْتِرَاكُ الطَّرَفَيْنِ فِيْهِ. وَالْمُرَادُ: الْمَعْنَى الَّذِيْ لَهُ زِيَادَةُ اخْتِصَاصٍ بِهِمَا، وَقُصِدَ بَيَانُ اشْتِرَاكِهِمَا فِيْهِ.
وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ (3): التَّشْبِيْهُ الدَّلَالَةُ عَلَى اشْتِرَاكِ شَيْئَيْنِ
(1) ورقة 41. والرّأيُ ليس للحمويّ، وإنّما حكاه في معرض كلامه.
(2)
ص 148.
(3)
لم أقف على القول في الدَّلائل، وإنّما وقفتُ على كلام يقربُ منه في الأسرار ص 406 - 413.
فِيْ وَصْفٍ هُوَ مِنْ أَوْصَافِ شَيْءٍ فِيْ نَفْسِهِ خَاصَّةً؛ كَالشَّجَاعَةِ فِي الْأَسَدِ، وَالنُّوْرِ فِي الشَّمْسِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ زَيْداً وَالْأَسَدَ يَشْتَرِكَانِ فِي كَثِيْرٍ مِنَ الذَّاتِيَّاتِ وَغَيْرِهَا؛ كَالْحَيَوَانِيَّةِ، وَالْجِسْمِيَّةِ، وَالْوُجُوْدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ شَيْئاً مِنْهَا لَيْسَ وَجْهَ الشَّبَهِ.
وَذَلِكَ الِاشْتِرَاكُ يَكُوْنُ تَحْقِيْقاً أَوْ تَخْيِيْلاً:
وَالْمُرَادُ بِالتَّخْيِيْلِ: أَلَّا يُوْجَدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى (فِيْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ) أَوْ (فِيْ كِلَيْهِمَا) إِلَّا عَلَى سَبِيْلِ التَّخْيِيْلِ وَالتَّأْوِيْلِ؛ كَمَا فِيْ قَوْلِ الْقَاضِي التَّنُوْخِيِّ (1): [الخفيف]
وَكَأَنَّ النُّجُوْمَ بَيْنَ دُجَاهُ
…
سُنَنٌ لَاحَ بَيْنَهُنَّ ابْتِدَاعُ (2)
فَإِنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ فِيْهِ: (هُوَ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ حُصُوْلِ أَشْيَاءَ مُشْرِقَةٍ فِيْ جَوَانِبِ شَيْءٍ مُظْلِمٍ أَسْوَدَ)؛ فَهِيَ غَيْرُ مَوْجُوْدَةٍ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ إِلَّا عَلَى طَرِيْقِ التَّخْيِيْلِ (3).
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْبِدْعَةُ وَالضَّلَالَةُ وَكُلُّ مَا هُوَ جَهْلٌ تَجْعَلُ
(1) ت 318 هـ. انظر: الأعلام 1/ 95.
(2)
له في يتيمة الدّهر 2/ 395، وخاصّ الخاصّ ص 72، والإيضاح 4/ 44، ونفحات الأزهار ص 263، وأنوار الرّبيع 5/ 200، وبلا نسبة في أسرار البلاغة ص 225 - 228 - 229، ونهاية الإيجاز ص 105، ومفتاح العلوم ص 451، والبرهان الكاشف ص 126، والمصباح ص 163، ونهاية الأرب 7/ 35، وإيجاز الطّراز ص 328، وخزانة الحمويّ 2/ 514. دُجاه: مُفْرَدُه دُجْيَةٌ أي ظُلمة، والضَّميرُ يعودُ إلى اللّيل أو الظّلام.
(3)
والمرادُ بوجه الشَّبه التّحقيقيّ هنا: ما يكون قائماً في الطَّرفين حقيقةً، أي: إنّه وصفٌ موجودٌ فيهما وجوداً حقيقيّاً؛ تقول: (وجهُ سَلمى كالبَدْر، وشَعرُها كاللَّيل، وقدُّها كالغُصْن) وواضحٌ أنَّ وجهَ الشّبه بين الطَّرفين؛ هو: الإشراق في الأوّل، والسَّواد في الثّاني، والاعتدال في الثّالث. انظر: المفصَّل في علوم البلاغة ص 369.
صَاحِبَهَا فِيْ حُكْمِ مَنْ مَشَى فِي الظُّلْمَةِ، فَلَا يَهْتَدِيْ إِلَى الطَّرِيْقِ، وَلَا يَفْصِلُ الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَتَرَدَّى فِيْ مَهْوَاةٍ، أَوْ يَعْثُرَ عَلَى قَاتِلٍ = شُبِّهَتْ بِالظُّلْمَةِ، وَلَزِمَ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ أَنْ تُشَبَّهَ السُّنَّةُ وَالْهُدَى وَكُلُّ مَا هُوَ عِلْمٌ بِالنُّوْرِ، وَقَدْ شَاعَ ذَلِكَ (1) حَتَّى وُصِفَ:
1 -
الصِّنْفُ الْأَوَّلُ: بِالسَّوَادِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ: (شَاهَدْتُ سَوَادَ الْكُفْرِ مِنْ (2) جَبِيْنِ فُلَانٍ).
2 -
[وَالصِّنْفُ الثَّانِيْ](3): بِالْبَيَاضِ؛ كَمَا فِيْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام (4) -: «أَتَيْتُكُمْ بِالْحَنِيْفِيَّةِ [الْبَيْضَاءِ]» (5).
-[وَإِذَا عُلِمَ](6) أَنَّ وَجْهَ التَّشْبِيْهِ مَا يَشْتَرِكُ فِيْهِ [الطَّرَفَانِ؛ عُلِمَ](7) فَسَادُ جَعْلِهِ فِيْ قَوْلِ الْقَائِلِ: «النَّحْوُ فِي الْكَلَامِ كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ» ؛ (كَوْنَ الْقَلِيْلِ مُصْلِحاً وَالْكَثِيْرِ مُفْسِداً)؛ لِأَنَّ الْقِلَّةَ وَالْكَثْرَةَ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ جَرَيَانُهَا: فِي الْمِلْحِ: وَذَلِكَ أَنْ تَجْعَلَ مِنْهُ فِي الطَّعَامِ الْقَدْرَ الْمُصْلِحَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ. دُوْنَ النَّحْوِ: فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مِنْ حُكْمِهِ رَفْعُ الْفَاعِلِ وَنَصْبُ الْمَفْعُوْلِ، مَثَلاً، فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ فَقَدْ حَصَلَ النَّحْوُ فِيْهِ، وَانْتَفَى الْفَسَادُ عَنْهُ، وَصَارَ مُنْتَفَعاً بِهِ فِيْ فَهْمِ الْمُرَادِ مِنْهُ.
وَإِلَّا، لَمْ يَحْصُلْ، وَكَانَ فَاسِداً، لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ.
(1) أي: كون البِدْعة والجهل كالظُّلمة، والسُّنّة والعِلم كالنُّور.
(2)
د: (في جبين
…
)، وهذا موافقٌ لبعضِ نُسَخ المطوَّل.
(3)
صل: خَرْم.
(4)
انظر: أسرار البلاغة ص 227. ولم أعثر على الحديث بهذا اللّفظ.
(5)
صل: خَرْم.
(6)
صل: خَرْم.
(7)
صل: خَرْم.
فَالْوَجْهُ فِيْهِ: (كَوْنُ الِاسْتِعْمَالِ مُصْلِحاً وَالْإِهْمَالِ مُفْسِداً)؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيْ ذَلِكَ (1).
وَجَا: بِالْقَصْرِ؛ لِلضَّرُوْرَةِ
ذَا: أَيْ وَجْهُ التَّشْبِيْهِ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ حَقِيْقَةِ الطَّرَفَيْنِ؛ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
فِيْ حَقِيْقَتَيْهِمَا (2): أَيْ حَقِيْقَةِ الطَّرَفَيْنِ؛ إِمَّا:
- تَمَامُ حَقِيْقَتَيْهِمَا: كَمَا فِيْ تَشْبِيْهِ (إِنْسَانٍ بِإِنْسَانٍ فِيْ كَوْنِهِ إِنْسَاناً)(3).
- أَوْ جُزْؤُهَا: كَمَا فِيْ تَشْبِيْهِ (بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ الْعُجْمِ بِالْإِنْسَانِ فِيْ كَوْنِهِ حَيَوَاناً)(4).
وَ: جَاءَ وَجْهُ الشَّبَهِ
خَارِجَا: عَنْ حَقِيْقَةِ الطَّرَفَيْنِ
(1) ساق هذا المثالَ؛ لتأكيد ضرورة أن يكونَ وجهُ الشَّبه مُشترَكاً بين الطَّرفين، وأنَّه إنْ لم يوجَد في كلا الطَّرفين تحقيقاً أو تخييلاً لم يصحَّ جعلُه وجهَ شبهٍ أصلاً، وكذا إنْ وُجِدَ في طرفٍ دونَ الآخرِ لم يكنْ هو وجهَ الشَّبَه. فإنّ وجهَ الشَّبه الذي افترضَه ابتداءً (كَوْنَ الْقَلِيْلِ مُصْلِحاً وَالْكَثِيْرِ مُفْسِداً) لا يشتركُ فيه المشّبه (النَّحو)؛ لأنَّ النَّحو لا يحتملُ القِلّة والكثرة، فهو إمّا أن يكون في الكلام فيغدو الكلامُ مستقيماً أو ينتفي عن الكلام فيغدو فاسداً، ولذا لم يصحّ (كون القليل مُصلحاً
…
) وجهَ شبهٍ هنا.
(2)
صل: (حقيقتهما)، انفردت النّسخة (صل) بهذه الرّواية عن كلّ نُسخ الشّرح، وعن كلّ نُسَخ المنظومة، إلّا أنّ هذه الرّوايةَ (حقيقتهما) موافقة للتّلخيص ص 74، ولعلَّ النّاظمَ أنكَرَ أن يكون لطرفَي التّشبيه حقيقةٌ واحدة، فأَثبَت ما رآه أنسب.
(3)
كأنْ يُقال: (سلمى مثل ليلى) في كونِ كلٍّ منهما إنساناً.
(4)
كأنْ يُقال: (الحصانُ مثلُ الإنسان) في كونِه حيَواناً؛ إذا قُصِدَ تقريعُ مَن حمَّل الحصانَ ما لا يُطاقُ، ولم يُقدِّم له ما يحتاج، فالحيوانُ جزءٌ من حقيقةِ كلٍّ من الطَّرفين.