الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ تَكُنْ: أَيِ الِاسْتِعَارَةُ
ضِدّاً: أَيْ مُسْتَعْمَلَةً فِيْ ضِدِّ مَعْنَاهَا الْحَقِيْقِيِّ أَوْ نَقِيْضِهِ
تَهَكُّمِيَّهْ: أَيْ فَهِيَ التَّهَكُّمِيَّةُ وَالتَّمْلِيْحِيَّةُ؛ لِتَنْزِيْلِ التَّضَادِّ وَالتَّنَاقُضِ مَنْزِلَةَ التَّنَاسُبِ بِوَاسِطَةِ تَمْلِيْحٍ أَوْ تَهَكُّمٍ؛ نَحْوُ: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الانشقاق: 24] أَيْ: أَنْذِرْهُمْ.
اِسْتُعِيْرَتِ الْبِشَارَةُ - الَّتِيْ هِيَ الْإِخْبَارُ بِمَا يُظْهِرُ سُرُوْرَ الْمُخْبَرِ بِهِ - لِلْإِنْذَارِ الَّذِيْ هُوَ ضِدُّهُ؛ بِإِدْخَالِهِ فِيْ جِنْسِهَا عَلَى سَبِيْلِ التَّهَكُّمِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُكَ: (رَأَيْتُ أَسَداً) وَأَنْتَ تُرِيْدُ جَبَاناً، عَلَى سَبِيْل التَّمْلِيْحِ وَالظَّرَافَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ (1).
وَهِيَ بِاعْتِبَارِ الْجَامِعِ
أَعْنِيْ مَا قُصِدَ اشْتِرَاكُ الطَّرَفَيْنِ فِيْهِ (2)، وَهُوَ الَّذِيْ يُسَمَّى فِي التَّشْبِيْهِ: وَجْهاً، وَهَهُنَا: جَامِعاً قِسْمَانِ (3)؛ لِأَنَّ الْجَامِعَ:
1 -
إِمَّا دَاخِلٌ فِيْ مَفْهُوْمِ الطَّرَفَيْنِ: الْمُسْتَعَارِ لَهُ وَالْمُسْتَعَارِ مِنْهُ؛ نَحْوُ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «خَيْرُ النَّاسِ رَجُلٌ يُمْسِكُ عِنَانَ (4) فَرَسِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً (5) طَارَ إِلَيْهَا، أَوْ (6) رَجُلٌ فِيْ شَعْفَةٍ فِيْ غُنِيْمَةٍ [لَهُ، يَعْبُدُ اللهَ حَتَّى](7)
(1) المقامُ هو الذي يُحدِّدُ كونَ الاستعارةِ العِناديّة للتَّهكُّم أو للتَّمليح.
(2)
الجامعُ يكونُ في المستعارِ منه أقوى منه في المستعار له؛ لأنّ الاستعارة تُبنى على المبالغة في التَّشبيه وإلحاق المشبّه بما هو أكملُ في وجهِ الشَّبه.
(3)
وبعدَ قليل سيذكرُ تقسيماً آخرَ باعتبار الوضوح والغرابة، فتكونُ باعتبارِ الجامع أربعة أقسام.
(4)
ب، د: بعنان.
(5)
الهَيْعة: الصّوت الذي تَفْزَعُ منه وتخافُه من عدوّ. (اللّسان: هيع).
(6)
د، جز: و.
(7)
من ب.
يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ» (1)
وَالْمَعْنَى: خَيْرُ النَّاسِ رَجُلٌ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ، فَاسْتَعَدَّ لِلْجِهَادِ فِيْ سَبِيْلِ اللهِ، أَوْ رَجُلٌ اعْتَزَلَ النَّاسَ وَسَكَنَ فِيْ بَعْضِ رُؤُوْسِ الْجِبَالِ، فِيْ غَنَمٍ لَهُ قَلِيْلٍ، يَرْعَاهَا وَيَكْتَفِيْ بِهَا فِيْ أَمْرِ مَعَاشِهِ، وَيَعْبُدُ اللهَ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ.
اِسْتَعَارَ الطَّيَرَانَ لِلْعَدْوِ، وَالْجَامِعُ دَاخِلٌ فِيْ مَفْهُوْمِهِمَا؛ فَإِنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الْعَدْوِ وَالطَّيَرَانِ:
(قَطْعُ الْمَسَافَةِ بِسُرْعَةٍ)، وَهُوَ دَاخِلٌ فِيْهِمَا، أَيْ فِي الْعَدْوِ وَالطَّيَرَانِ، إِلَّا أَنَّهُ فِي الطَّيَرَانِ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْعَدْوِ.
2 -
أَوْ غَيْرُ دَاخِلٍ: كَمَا مَرَّ مِنِ اسْتِعَارَةِ (الْأَسَدِ للرَّجُلِ الشُّجَاعِ)، وَ (الشَّمْسِ لِلْوَجْهِ الْمُتَهَلِّلِ)، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
· وَأَيْضاً تَقْسِيْمٌ آخَرُ لِلِاسْتِعَارَةِ بِاعْتِبَارِ الْجَامِعِ، وَهُوَ أَنَّهَا:
1 -
إِمَّا عَامِّيَّةٌ: وَهِيَ الْمُبْتَذَلَةُ؛ لِظُهُوْرِ الْجَامِعِ فِيْهَا؛ نَحْوُ: (رَأَيْتُ أَسَداً يَرْمِيْ).
2 -
وَإِمَّا خَاصِّيَّةٌ: وَهِيَ الْغَرِيْبَةُ الَّتِيْ لَا يَطَّلِعُ عَلِيْهَا إِلَّا الْخَاصَّةُ الَّذِيْنَ أُوْتُوْا ذِهْناً بِهِ ارْتَفَعُوْا عَنْ طَبَقَةِ الْعَامَّةِ.
- وَالْغَرَابَةُ قَدْ تَكُوْنُ فِيْ نَفْسِ الشَّبَهِ؛ بِأَنْ يَكُوْنَ تَشْبِيْهاً فِيْهِ نَوْعُ غَرَابَةٍ؛ كَمَا فِيْ قَوْلِهِ: [الكامل]
(1) انظر: صحيح مسلم 6/ 39، وجامع الأصول 9/ 483.
وَإِذَا احْتَبَى قَرَبُوْسُهُ [بِعِنَانِهِ](1)
…
عَلَكَ الشَّكِيْمَ إِلَى انْصِرَافِ الزَّائِرِ (2)
شَبَّهَ هَيْئَةَ وُقُوْعِ الْعِنَانِ فِيْ مَوْقِعِهِ مِنْ قَرَبُوْسِ السَّرْجِ مُمْتَدّاً إِلَى جَانِبَيْ فَمِ الْفَرَسِ = بِهَيْئَةِ وُقُوْعِ الثَّوْبِ مَوْقِعَهُ مِنْ رُكْبَةِ الْمُحْتَبِيْ مُمْتَدّاً إِلَى جَانِبَيْ ظَهْرِهِ.
فَاسْتَعَارَ الِاحْتِبَاءَ - وَهُوَ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ ظَهْرَهُ وَسَاقَيْهِ بِثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ - لِوُقُوْعِ الْعِنَانِ فِيْ قَرَبُوْسِ السَّرْجِ، فَجَاءَتِ الِاسْتِعَارَةُ غَرِيْبَةً؛ لِغَرَابَةِ التَّشْبِيْهِ.
- وَقَدْ تَحْصُلُ الْغَرَابَةُ بِتَصَرُّفٍ فِي الْعَامِيَّةِ؛ كَمَا فِيْ قَوْلِهِ: [الطّويل]
. . . . . . . . . . . . . . . .
…
وَسَالَتْ بِأَعْنَاقِ الْمَطِيِّ الْأَبَاطِحُ (3)
(1) في صل: في سرجه.
(2)
ليزيدَ بن مَسْلَمَة بن عبد الملك بن مروان في بديع ابن المعتزّ ص 20، ودلائل الإعجاز ص 75، والإيضاح 5/ 71، والمطوَّل ص 591، ومعاهد التّنصيص 2/ 132، وبلا نسبة في الكامل 2/ 721. يريد: فرسُه مؤدَّب؛ لا يبرح مكانه حتّى يعود إليه؛ ويريدُ بالزّائر نفسَه، والبيتُ قبلَه:
عَوَّدْتُهُ فيما أزورُ حَبائبي
…
إِهمالَه، وكذاكَ كلُّ مُخاطر
والقَرَبُوس: حِنْو السَّرج، والشَّكِيم: الحديدةُ المُعْتَرِضة في فم الفرس.
(3)
. ولَمَّا قَضيْنا من مِنًى كلَّ حاجةٍ
…
ومسَّحَ بالأركانِ مَن هو ماسِحُ
وشُدَّتْ على دُهْمِ المَهاري رِحالُنا
…
ولم ينظُرِ الغادي الذي هو رائحُ
أَخذْنا بأطرافِ الأحاديثِ بينَنا
…
وسالَتْ بأعناقِ المَطِيِّ الأباطِحُ
أبيات سيّارة مضطربة النِّسبة لكُثَيِّر في ديوانه - قسم الأبيات المنسوبة له - ص 525، والإيضاح 5/ 241، ومعاهد التّنصيص 2/ 134، وخزانة الحمويّ 3/ 38، وأنوار الرّبيع 1/ 249 - 4/ 46. وليزيد بن الطَّثْريّة في ديوانه ص 64، والوساطة 35. وللمُضَرَّب - بالفتح - عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى في أمالي المرتضى 1/ 434. وبلا نسبة في عيار الشّعر ص 138، ونقد الشّعر ص 35، والصّناعتين ص 59، وإعجاز الباقلاني ص 221، وأسرار البلاغة ص 21، ودلائل الإعجاز ص 74 - 75 - 294 - 296، والبديع في نقد الشّعر ص 224، ونهاية الإيجاز ص 150، والجامع الكبير ص 70، والمثل السّائر 2/ 53، والبرهان الكاشف ص 123، ونضرة الإغريض ص 149، وإيجاز الطّرازص 370، والمنزع البديع ص 211.