الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثاني
فِيْ بَيَانِ أَحْوَالِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ
(1)
وَإِنَّمَا قَدَّمَ بَيَانَ أَحْوَالِ الْمُسنَدِ إِلَيْهِ عَلَى أَحْوَالِ الْمُسنَدِ؛ لِأَنَّ الْمُسنَدَ إِلَيْهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُسْنَدِ؛ لِمَا سَيَأْتِيْ بَيَانُهُ، وَمَا كَانَ مُقَدَّماً ذَاتاً فَأَوْصَافُهُ مُقَدَّمَةٌ لِذَلِكَ.
وَالْمُرَادُ بِالْأَحْوَالِ: الْأُمُوْرُ الْعَارِضِةُ لَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُسَنْدٌ إِلَيْهِ كَـ: (حَذْفِهِ، وَذِكْرِهِ، وَتَعْرِيْفِهِ، وَتَنْكِيْرِهِ)، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الِاعْتِبَارَاتِ الرَّاجِعَةِ إِلَيْهِ لِذَاتِهِ لَا بِوَاسِطَةِ الْحُكْمِ أَوِ الْمُسْنَدِ مَثَلاً كَكَوْنِهِ مُسْنَداً إِلَيْهِ لِحُكْمٍ مُؤَكَّدٍ أَوْ مَتْرُوْكِ التَّأْكِيْدِ، وَكَوْنِهِ مُسْنَداً إِلَيْهِ لِمُسْنَدٍ مُقَدَّمٍ أَوْ مُؤَخَّرٍ، مُعَرَّفٍ أَوْ مُنَكَّرٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
* * *
19 - الْحَذْفُ: لِلصَّوْنِ، وَلِلْإِنْكَارِ،
…
وَالِاحْتِرَازِ، أَوْ لِلِاخْتِبَار
الْحَذْفُ: أَيْ حَذْفُ الْمُسنَدِ إِلَيْهِ، قَدَّمَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَحْوَالِ؛ لِأَنَّهُ
(1) وهي: (الحَذْفُ، والذِّكْرُ، والتَّعريفُ، والتَّنكيرُ، والتَّقييدُ، والتَّقديمُ، والتَّأخيرُ، وإخراجُ الكلام على خلاف مقتضى الظّاهر، ونظيرُه في غير باب المسند إليه) وإنْ كانَ النَّاظِمُ - كغيرِه - أغفَلَ التَّأخيرَ؛ استغناءً بِما سَيُورِدُه في تقديمِ المسندِ.
عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْإِتْيَانِ؛ لِتَأَخُّرِ وُجُوْدِ الْحَادِثِ عَنْ عَدَمِهِ.
وَذَكَرَه - هَهُنَا - بِلَفْظِ الْحَذْفِ، وَفِي الْمُسْنَدِ بِلَفْظِ التَّرْكِ؛ تَنْبِيْهاً عَلَى أَنَّ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ هُوَ الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ الشَّدِيْدُ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُذْكَرْ فَكَأنَّهُ أُتِيَ بِهِ ثُمَّ حُذِفَ، بِخِلَافِ الْمُسْنَدِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، فَكَأنَّهُ تُرِكَ عَنْ أَصْلِهِ (1).
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَذْفَ مُفْتَقِرٌ إِلَى أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: قَابِلِيَّةُ الْمَقَامِ؛ وَهُوَ: أَنْ يَكُوْنَ السَّامِعُ عَارِفاً بِهِ، لِوُجُوْدِ الْقَرَائِنِ (2).
وَالثَّانِيْ: الدَّاعِي الْمُوْجِبُ لِرُجْحَانِ الْحَذْفِ عَلَى الذِّكْرِ.
وَلَمَّا كَانَ الْأَوَّلُ مَعْلُوْماً مُقَرَّراً فِيْ عِلْمِ النَّحْوِ (3) - أَيْضاً- دُوْنَ الثَّانِيْ قَصَدَ إِلَى تَفْصِيْلِ الثَّانِيْ، مَعَ إِشَارَةٍ مَّا ضِمْنِيَّةٍ إِلَى الْأَوَّلِ، فَقَالَ:
لِلصَّوْنِ: أَيْ صَوْنِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَنْ لِسَانِكَ:
- لِتَعْظِيْمِهِ: نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} (4)[الشّعراء: 24] أَيْ: هُوَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ.
(1) للحذف نحوٌ من خمسين مصطلحاً. انظرها مع الفروقات الطّفيفة بينها في: أسلوب الحذف في اللّغة العربيّة من الوجهة النّحويّة والبلاغيّة (أ. د. أيمن عبد الرّزّاق الشّوّا) ص 16 - 62.
(2)
كقرينة الحال، أو قرينة المقال، أو اللّوازم الفكريّة المنطقيّة؛ وكان المخاطَب من الّذين تكفيهم دلالات القرائن واللّوازم الفكريّة. انظر: المصدر السّابق ص 5.
(3)
انظر: سيبويه 2/ 130، والمقتضب 4/ 129، والخصائص 2/ 362، ومغني اللّبيب 2/ 853.
(4)
والكلام في الآية هو جوابٌ لسؤالٍ قبلُ: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشّعراء: 23].
- أَوَ صَوْنِ لِسَانِكَ عَنْهُ تَحْقِيْراً لَهُ، نَحْوُ:(فَاسِقٌ فَاجِرٌ).
وَلِلْإِنْكَارِ: أَيْ تأَتِّي الْإِنْكَارِ لَدَى الْحَاجَةِ، نَحْوُ:(فَاجِرٌ فَاسِقٌ) عِنْدَ قِيَامِ الْقَرِيْنَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ زَيْدٌ؛ لِيَتَأَتَّى لَكَ أَنْ تَقُوْلَ: مَا أَرَدْتُ زَيْداً، بَلْ أَرَدْتُ غَيْرَهُ.
وَالِاحْتِرَازِ: أَيْ عَنِ الْعَبَثِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ؛ لِدَلَالَةِ الْقَرِيْنَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيْقَةِ هُوَ رُكْنٌ مِنَ الْكَلَامِ.
أَوْ تَخْيِيْلِ الْعُدُوْلِ إِلَى أَقْوَى الدَّلِيْلَيْنِ مِنَ الْعَقْلِ وَاللَّفْظِ: فَإِنَّ الِاعْتِمَادَ عِنْدَ الذِّكْرِ عَلَى دَلَالَةِ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، وَعِنْدَ الْحَذْفِ عَلَى دَلَالَةِ الْعَقْلِ، وَهُوَ أَقْوَى؛ لِافْتِقَارِ اللَّفْظِ إِلَيْهِ، كَقَوْلِهِ:[الخفيف]
قَالَ لِيْ: كَيْفَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: عَلِيْلُ
…
. . . . . . . . . . . . . . . (1)
لَمْ يَقُلْ: (أَنَا) عَلِيْلٌ؛ لِلِاحْتِرَازِ وَالتَّخْيِيْلِ الْمَذْكُوْرَيْنِ.
أَوْ لِلِاخْتِبَارِ: أَيِ اخْتِبَارِ تَنَبُّهِ السَّامِعِ عِنْدَ الْقَرِيْنِةِ؛ هَلْ يَتَنَبَّهُ أَمْ لَا؟ أَوِ اخْتِبَارِ مِقْدَارِ تَنَبُّهِهِ هَلْ يَتَنَبَّهُ بِالْقَرَائِنِ الْخَفِيَّةِ أَمْ لَا؟ (2)
وَاعْلَمْ أَنَّ حَذْفَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ بِمَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ، بَلْ قَدْ يَكُوْنُ لِأُمُوْرٍ أُخَرَ غَيْرِ مَا ذَكَرَهُ؛ كَأَنْ يُحْذَفَ لِضِيْقِ الْمَقَامِ عَنْ ذِكْرِهِ (3)، أَوْ
(1) تمامه: «سَهَرٌ دائمٌ وحُزْنٌ طويلُ» وهو بيت دائر، مُغفَل النِّسبة في دلائل الإعجاز ص 238، ومفتاح العلوم ص 266، والإيضاح 2/ 5 - 3/ 121، وإيجاز الطّراز ص 243، ومعاهد التّنصيص 1/ 100 - 280.
(2)
كقولك: «قاهرُ الصَّليبيّين» تريد: صلاح الدّين الأيوبيّ. وكقولك: «كيدهُنَّ عظيمٌ» تريد: النِّساء. انظر: المفصّل في علوم البلاغة ص 98، وما بعدها.
(3)
بسبب:
ضيقٍ أو سآمة: كقوله تعالى: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} [الذّاريات: 29]، فلم تقلْ: أنا عجوز؛ لِما تُحِسُّه من ضيقِ الصَّدر؛ فهي لم تَلِدْ قَطُّ، وعُمرُها تسعٌ وتسعون سنةً، وعُمر إبراهيمَ مئةُ سنةٍ.
أو خشيةِ فَواتِ فُرْصَة: كقول الصَّيّاد: «غزالٌ» ؛ فإنّ المقامَ لا يَسَعُ أن يُقال: هذا غزالٌ فاصطادوه.