الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الكلمة المفرَدة)، فإذا انتهى إلى تلك الصُّورةِ الّتي انتهى إليها وقفَ عندَها شارحاً ومُمثِّلاً.
ولكنَّ هذه الطَّريقةَ - على شُيوعِها - قد يُحسُّ القارئُ بوطأتِها في بعضِ مواضعِ الشَّرح، فهي لكثرةِ أجزائِها تتطلَّبُ مِنَّا قدْراً أكبرَ من التَّركيز.
وكأنَّ العمريَّ أدركَ أنْ ليسَ لديه الكثيرُ مِمَّا يُضيفُه إلى جهودِ أسلافِه المصنِّفين؛ إلَّا في بابِ العَرْضِ، والإيضاح، وحُسْنِ التَّرتيب، أمَّا مادَّةُ البلاغةِ فمُوطَّأةُ الأكناف، وهو مسبوقٌ إلى فَهْمِ كلامِ النَّاظم.
•
مَيْل العمريّ إلى المناقشة، والرَّدِّ، وإبداء الرَّأي:
سلَفَ أنَّه كانَ شديدَ المتابعةِ لشرحِ الحمويّ، وهذا الشَّرحُ أصابَه من مناقشات العمريّ واستدراكاتِه النَّصيبُ الأوفى، وكلُّ ما نقلَه عنه شاهدٌ على ذلك.
فقد تعرَّضَ لأقوالِ بعضِ العلماء، وردَّ ما ثبتَ أنَّه ضعيفٌ أو غلط، وأمَّا متنُ مئة المعاني والبيان فلحقَه شيءٌ من هذا، ولكنْ على استحياء.
ومناقشاتُ العمريّ للحمويّ يمكنُ إجمالُها في أنَّ هذه الوقفاتِ قد تكونُ للاعتراضِ على رأيه، أو لتصويب وَهْمه في فَهْمِ شاهدٍ بلاغيّ، أو لبيان وَهْمه في فَهمِ كلامِ بعضِ العلماء، أو للتَّنبيه على تقصيرِه في شرح مسألة، أو تقصيرِه في فَهم الأرجوزة، أو ضَبْطِها بالشَّكل، أو لتصحيح وَهْمٍ منه في فَكِّ عبارةِ النَّظْمِ، ولإسقاط اعتراضٍ له على النَّاظم، أو لإسقاطِ اعتراضٍ له على القزوينيّ أو التَّفتازانيّ، وبعضُ هذه المناقشات كانَ للنَّيل من الحمويّ انصبَّت على أسلوبه وركاكة لُغتِه، على أنَّ هذه الوقفةَ قد تكونُ أيضاً للاستشهاد بقولِه.
والحقُّ أنّ هذه الاستدراكاتِ والاعتراضاتِ التي تدلُّ على اطّلاع
العمريّ في كُتب الفنّ، وحُسْنِ فهمِه لكلام العلماء، لم تأتِ لِتسُدَّ ثغرةً في علوم البلاغة؛ وإنَّما لِتُصَحِّحَ أوهامَ الحمويّ، الذي بقي شرحُه للأرجوزةِ مُعتمَداً حتَّى اشتهار كتاب الدُّرَر.
ووراءَ هذا الشَّرح ليسَ للعمريِّ من المناقشات والرُّدودِ سوى بعضِ المواضعِ التي خالَفَ فيها مصادرَه؛ ومنها قولِه: «والإبهامُ: قالَ ابنُ حِجَّة بباءٍ معجمةٍ بواحدة
…
هذا ما مشى عليه الشَّارحُ، والأولى أنْ يُضْبَطَ لفظُ النَّاظمِ بالياءِ المُثنَّاةِ من تحت؛ لأنَّ الإبهامَ بالباءِ جعلَه القزوينيُّ وغيرُه داخلاً في التوجيه».
ومنها دَفْعُه الضِّمنيُّ لكلام القزوينيِّ حيثُ أوردَ في باب الفصاحة عبارتَه: «مُخالَفة القياس» ، ثُمَّ أتبعَها بكلامٍ للتَّفتازانيّ فيه مخالَفةٌ لهذه العِبارة؛ بقولِه:«بل المُخالَفة ما لا يكونُ على وَفْقِ ما ثَبَتَ عن الواضع» .
وأمَّا المناقَشاتُ والاختياراتُ الّتي ظهرَتْ في أثناءِ عَرْضِ مسائل الخلاف فليس للعمريِّ فيها إلّا النَّقْل، لأنَّ هذه المسائلَ وما فيها من مذاهب، وما قد يترجَّحُ به مذهبٌ على مذهب مُمهَّدةٌ قبلَه، وقد أشرتُ في قسم التَّحقيق إلى جُلِّ مصادرِه فيها.
لكن هذا لا ينفي أنْ تكونَ له بعضُ التَّحقيقاتِ والاختياراتِ الّتي تدلُّ على رغبتِه في إظهارِ شخصيَّتِه البلاغيّة، يظهرُ ذلك في نحو:«وقولي .. » ، و «أقولُ» ، و «فرأيتُه قد قصَّرَ» ، و «وسمَّيتُه» ، و «قلتُ» ، و «هجسَ في الضّميرِ
…
أن أكتُبَ».
وأخيراً فإنَّ مَيْلَ الشَّارحِ العمريِّ إلى المناقشةِ تراءَتْ معالِمُه كذلك في اللُّجوء إلى أسلوب الحوار والجدَل أو ما يُدعى بالفَنْقَلَة؛ بقَصدِ إزالةِ الشَّكِّ، وما قد يتبادرُ إلى الذِّهن من إبطالٍ لِما يقولُه، فانتشرت في الشَّرح عباراتٌ؛ من نحو:«وأقولُ» ، و «قال الشَّارحُ
…
قلتُ»، و «فإنْ قلتَ
…
قلتُ»، و «فإنْ قيلَ
…
قلتُ»، و «فإنْ قيلَ
…
فجوابُه»، وهذه المجادلةُ قد تطولُ في بعض المواضع.
وأمَّا عبارةُ العمريِّ في باب المناقشةِ والرَّدِّ؛ فالغالبُ عليها مَيلُهُ إلى الاعتدال، والرَّغبة عمَّا فيه حِدَّةٌ أو تجريح، ولكنَّه - على ميلِه إلى الاعتدال - لم تكنْ عبارتُه واحدةً في جميع الأوقات؛ فهي غالباً ما تجنحُ إلى التَّأدُّبِ مع النَّاظم، بل هو دوماً يحاولُ الاعتذارَ له كما سلَف، وكثيراً ما تجنحُ إلى الحِدَّة مع الشَّارح الحمويّ، وما سِواهما فَبَيْنَ بَيْن.
وأمَّا النَّاظمُ فقد استدركَ العمريُّ عليه في إغفالِه بعضَ المسائل، وفي ترتيب النَّظْم، ومع ذلك لا يكادُ يشعرُ القارئُ بهذا الاستدراك؛ لأنَّه لا يُشير إليه، وإنْ أشارَ إلى ذلك فبألطفٍ عبارة؛ كقوله: «لم يذكُرِ النَّاظمُ، رحمه الله، في أحوال
…
»، و «واعلَم أنَّ
…
غيرُ مُنحصِرٍ بما ذكَرَهُ النَّاظمُ
…
».
وأمَّا الحمويُّ فالأمرُ معَه مختلِفٌ، فالحمويُّ هو «الشَّارح» السَّابق للأرجوزة، وكلامُه «فيه نظَر» ، وقولُه «فيه ركاكة لا تخفى على الفَطِن» ، وتفسيرُه «غيرُ ظاهرٍ» ، و «لا يُستفادُ من كلامه» ، و «العجبُ منه» ، فقد «وَهِمَ» ، و «سقطَ اعتراضُه» ، و «ذَهَلَ عمَّا نقلَه .. وأمَرَ بالتَّأمُّل! » ، و «وصنيعُه يؤذِنُ بكذا وهو مخالِفٌ .. فتأمَّل» ، و «هذا عجبٌ منه» .
تلكَ هي أبرزُ السِّمات الّتي استطعتُ أنْ أتلمَّسَها في هذا الشَّرح، ولعلَّ فيها ما يُعينُ على تبيُّنِ معالمِ المنهجِ الَّذي سلكَه العمريّ، ولا يعني هذا أنَّه انفردَ بكُلِّ ما ذكرتُه؛ فإنَّ مسالكَ الشُّرَّاح متقارِبة، والاختلافُ بينَهم مَبْنيٌّ على تفاوُتِ الأثرِ الَّذي تتركُه هذه السِّماتُ في أحدِهم دونَ الآخَر، وكَوْنِ بعضِ السِّماتِ أشدَّ لُصوقاً بشخصيَّةِ صاحبِها.