الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَنْ رَامَ اسْتِيْفَاءَ الْأَدِلَّةِ فَعَلَيْهِ بِالْمُطَوَّلَاتِ (1).
وَالْإِطْنَابُ:
1 -
إِمَّا بِالْإِيْضَاحِ بَعْدَ الْإِبْهَامِ: كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: 25]؛ فَإِنَّ (اِشْرَحْ لِيْ) يُفِيْدُ طَلَبَ (2) شَرْحٍ لِشَيْءٍ مَّا لِلطَّالِبِ، وَ (صَدْرِيْ) يُفِيْدُ تَفْسِيْرَ ذَلِكَ الشَّيْءِ.
وَمِنَ الْإِيْضَاحِ بَعْدَ الْإِبْهَامِ التَّوْشِيْعُ؛ وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
* * *
74 - وَجَاءَ لِلتَّوْشِيْعِ بِالتَّفْصِيْلِ
…
ثَانٍ، وَالِاعْتِرَاضِ، وَالتَّذْيِيْل
وَجَاءَ لِلتَّوْشِيْعِ بِالتَّفْصِيْلِ ثَانٍ: أَيْ جَاءَ الثَّانِيْ - وَهُوَ الْإِطْنَابُ - لِلتَّوْشِيْعِ.
وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: لَفُّ الْقُطْنِ الْمَنْدُوْفِ.
وَفِي الِاصْطِلَاحِ: أَنْ يُؤْتَى فِي عَجُزِ الْكَلَامِ بِمُثَنًّى مُفَسَّرٍ بِاسْمَيْنِ؛ ثَانِيْهِمَا مَعْطُوْفٌ عَلَى الْأَوَّلِ؛ نَحْوُ: «يَشِيْبُ ابْنُ آدَمَ وَيَشِيْبُ (3) مَعَهُ (4) خَصْلَتَانِ: الْحِرْصُ، وَطُوْلُ الْأَمَلِ» (5).
2 -
وَإِمَّا بِذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ: لِلتَّنْبِيْهِ عَلَى فَضِيْلَةِ الْخَاصِّ؛ حَتَّى
(1) انظر: المطوّل ص 490 - 491. وبحثُ الحذفِ واسعٌ جدّاً؛ للاستزادة يُنظَر كتاب: أسلوب الحذف في اللّغة العربيّة من الوجهة النّحويّة والبلاغيّة.
(2)
صل: طالب، تحيف.
(3)
جز: (تَشِبُّ)، ب، د:(يَشِبُّ) ولعلّها (يَشِبُّ - تَشِبُّ) الرّوايةُ الأمدحُ للمعنى ممّا أثبتناه - مع أنّ كلا الرّوايتين في مُصنّفات الحديث. لأنّ (تشبّ) فيه معنى الازدياد والاشتداد والاستعار لهاتين الخصلتين مع تقدّم السّنّ، و (تشيب) فيه معنى أنّ هاتين الخَصلتين تُرافقان الإنسانَ حتّى آخرِ عمره؛ لأنّهما أصلٌ في غريزته. وأثبتُّ في المتن ما انفردت به النّسخةُ الأصلُ؛ لأنّي لم أعتمد منهج التَّلفيق بين النُّسخ.
(4)
ب، د: فيه.
(5)
انظر: الأربعون الصّغرى للبيهقيّ ص 73، وجامع الأصول 3/ 627.
كَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْعَامِّ؛ نَحْوُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]؛ أَيِ الْوُسْطَى مِنَ الصَّلَوَاتِ، أَوِ الْفُضْلَى؛ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلْأَفْضَلُ: الْأَوْسَطُ. وَهِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ (1). وَمِنْهُ: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} (2)[البقرة: 98].
3 -
وَإِمَّا بِالتَّكْرَارِ لِنُكْتَةٍ: لِيَكُوْنَ إِطْنَاباً لَا تَطْويْلاً، وَتِلْكَ النُّكْتَةُ؛ كَتَأْكِيْدِ الْإِنْذَارِ فِي:{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 3 - 4]؛ فَقَوْلُهُ: (كَلَّا) رَدْعٌ عَنِ الِانْهِمَاكِ فِي الدُّنْيَا وَتَنْبِيْهٌ، وَ (سَوْفَ تَعْلَمُوْنَ) إِنْذَارٌ وَتَخْوِيْفٌ؛ أَيْ: سَوْفَ تَعْلَمُوْنَ الْخَطَأَ فِيْمَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ إِذَا عَايَنْتُمْ مَا قُدَّامَكُمْ مِنْ هَوْلِ الْمَحْشَرِ، وَفِيْ تَكْرِيْرِهِ التَّأْكِيْدُ لِلرَّدْعِ وَالْإِنْذَارِ.
4 -
وَإِمَّا بِالْإِيْغَالِ: وَهُوَ خَتْمُ الْبَيْتِ بِمَا يُفِيْدُ نُكْتَةً يَتِمُّ الْمَعْنَى بِدُوْنِهَا (3)؛ كَزِيَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي قَوْلِ الْخَنْسَاءِ (4): [البسيط]
وَإِنَّ صَخْراً لَتَأْتَمُّ الْهُدَاةُ بِهِ
…
كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِيْ رَأْسِهِ نَارُ (5)
فَقَوْلُهَا: (كَأَنَّهُ عَلَمٌ) وَافٍ بِالْمَقْصُودِ؛ أَعْنِي التَّشْبِيْهَ بِمَا يُهْتَدَى بِهِ، إِلَّا أَنَّ فِيْ قَوْلِهَا:(فِيْ رَأْسِهِ نَارُ) زِيَادَةَ مُبَالَغَةٍ (6).
(1) انظر: تفسير الجلالين ص 39، والتّحرير والتّنوير 2/ 467.
(2)
صل، ب، د: أُقحِمَت «قُلْ» برأس الآية، (قل مَن
…
)، وهو تخليط بآياتٍ أُخَر.
(3)
الإيغال لا يختصّ بالشِّعر دون النّثر؛ كما عرَّفَه العمريُّ هنا؛ مُتابعاً القزوينيّ في التّلخيص ص 69.
(4)
ت 24 هـ. انظر: الأعلام 2/ 86.
(5)
لها في الدّيوان ص 27، والبخلاء ص 243، والكامل 1/ 293 - 2/ 921 - 3/ 1412، والصّناعتين ص 391، والعمدة 2/ 667 - 700، والكشّاف 5/ 413، وكفاية الطّالب ص 208، وتحرير التّحبير ص 234، والإيضاح 3/ 202، وإيجاز الطّراز ص 284، وخزانة الحمويّ 3/ 170، وأنوار الرّبيع 5/ 334، وبلا نسبة في البديع في نقد الشّعر ص 90، ومفتاح العلوم ص 262.
(6)
وللإيغال أغراضٌ بلاغيّة أُخرى، انظر: المطوّل ص 495 وما بعدها.
5 -
وَإِمَّا بِالِاعْتِرَاضِ: الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
وَالِاعْتِرَاضِ: وَهُوَ أَنْ يُؤْتَى - فِيْ أَثْنَاءِ الْكَلَامِ، أَوْ بَيْنَ كَلَامَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ مَعْنًى - بِجُمْلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ؛ لِنُكْتَةٍ:
1 -
كَالتَّنْزِيْهِ: فِيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} [النّحل: 57]؛ فَقَوْلُهُ: «سُبْحَانَهُ» جُمْلَةٌ - لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِتَقْدِيْرِ الْفِعْلِ - وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: «وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُوْنَ» عَطْفٌ/ عَلَى قَوْلِهِ: «لِلهِ الْبَنَاتِ» ؛ وَالنُّكْتَةُ فِيْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ تَنْزِيْهُ اللهِ تَعَالَى وَتَقْدِيْسُهُ.
2 -
وَالدُّعَاءِ: كَقَوْلِهِ: [السّريع]
إِنَّ الثَّمَانِيْنَ، وَبُلِّغْتَهَا،
…
قَدْ أَحْوَجَتْ سَمْعِيْ إِلَى تُرْجُمَانِ (1)
أَيْ: مُفَسِّرٍ وَمُكَرِّرٍ.
فَقَوْلُهُ: «بُلِّغْتَهَا» اعْتِرَاضٌ فِيْ أَثْنَاءِ الْكَلَامِ؛ لِقَصْدِ الدُّعَاءِ، وَالْوَاوُ فِي مْثِلِه (2) تُسَمَّى اعْتِرَاضِيَّةً، لَيْسَتْ بِعَاطِفَةٍ، وَلَا حَالِيَّةٍ.
وَ: إِمَّا بِـ
التَّذْيِيْلِ: وَهُوَ تَعْقِيْبُ جُمْلَةٍ بِجُمْلَةٍ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْنَاهَا - أَيْ مَعْنَى
(1) لعَوْف بن مُحَلِّم السَّعْدِيّ في الحماسة البصريّة 2/ 575، وخاصّ الخاصّ ص 128، والعمدة 2/ 644، والأمالي الشّجريّة 1/ 329، وكفاية الطّالب ص 190، والجامع الكبير ص 130، وتحرير التّحبير ص 292 - 360، ومنهاج البلغاء ص 315، ونهاية الأرب 7/ 123، والإيضاح 3/ 215، وشرح الكافية البديعيّة ص 321، والمنزع البديع ص 452، وخزانة الحمويّ 2/ 473 - 4/ 53، ومعاهد التّنصيص 1/ 369، ونفحات الأزهار ص 253، ولجرير في الصّناعتين ص 49، ولأبي تمّام في إيجاز الطّراز ص 287 - 435، وبلا نسبة في إحكام صنعة الكلام ص 83، وحدائق السّحر ص 153، والبديع في نقد الشّعر ص 190.
(2)
صل، د: الأمثلة، تحريف.
الْجُمْلَةِ الْأُوْلَى - لِلتَّوْكِيْدِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ:
1 -
ضَرْبٌ لَمْ يُخْرَجْ مُخْرَجَ الْمَثَلِ: بِأَنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِإِفَادَةِ الْمُرَادِ، بَلْ تَوَقَّفَ عَلَى مَا قَبْلَهُ؛ نَحْوُ:{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 17] عَلَى وَجْهٍ؛ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ (وَهَلْ يُجَازَى ذَلِكَ الْجَزَاءَ الْمَخْصُوْصَ؟ ) فَيَتَعَلَّقَ بِمَا قَبْلَهُ.
2 -
وَضَرْبٌ أُخْرِجَ مُخْرَجَ الْمَثَلِ: بِأَنْ يُقْصَدَ بِالْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ حُكْمٌ كُلِّيٌّ مُنْفَصِلٌ عَمَّا قَبْلَهُ جَارٍ مَجْرَى الْأَمْثَالِ فِي الِاسْتِقْلَالِ وَفُشُوِّ الِاسْتِعْمَالِ؛ نَحْوُ: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} حُكْمٌ كُلِّيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ.
قَالَ فِي الْمُطَوَّلِ (1): «وَقَدِ اجْتَمَعَ الضَّرْبَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء: 34 - 35].
- فَقَوْلُهُ: «أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُوْنَ؟ » تَذْيَيْلٌ مِنَ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ.
- وَقَوْلُهُ: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ» مِنَ الضَّرْبِ الثَّانِي.
فَكُلٌّ مِنْهُمَا تَذْيِيْلٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ». اِنْتَهَى.
وَثَمَّ أَبْحَاثٌ جَلِيْلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْإِطْنَابِ، فَمَنْ رَامَهَا فَعَلَيْهِ بِالْمُطَوَّلِ (2)، وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَهُنَا انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْفَنِّ الْأَوَّلِ بِعَوْنِ اللهِ وَحُسْنِ تَوْفِيْقِهِ، وَنَسْأَلُهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْفَنَّيْنِ الآتِيَيْنِ هِدَايَةَ طَرِيْقِهِ.
(1) ص 497.
(2)
ص 491 - 505. وقد اختصرَ العمريُّ في شرح الإطناب اختصاراتٍ كبيرةً؛ لم نسعَ إلى استدراكِها في الحواشي؛ لكثرتها، ولوضوحها في المطوَّلات.