الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جَزَى رَبُّهُ عَنِّيْ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ
…
جَزَاءَ الْكِلَابِ الْعَاوِيَاتِ، وَقَدْ فَعَلْ (1)
وَقَوْلِهِ: [السّريع]
لَمَّا عَصَى أَصْحَابُهُ مُصْعَباً
…
. . . . . . . . . . . . . . (2)
قُلْتُ: «قَدْ أُجِيْبَ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّمِيْرَ لِلْمَصْدَرِ الْمَدْلُوْلِ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ؛ وَالتَّقْدِيْرُ:
فِي الْأَوَّلِ: (رَبُّ الْجَزَاءِ)، وَفِي الثَّانِي:(أَصْحَابُ الْعِصْيَانِ)؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] أَيِ: الْعَدْلُ». هَكَذَا ذَكَرَهُ التَّفْتَازَانِيُّ (3).
* * *
8 - وَهْوَ مِنَ التَّعْقِيْدِ أَيْضاً خَالِيْ
…
وَإِنْ يَكُنْ مُطَابِقاً لِلْحَال
وَهْوَ مِنَ التَّعْقِيْدِ أَيْضاً خَالِيْ:
· وَالتَّعْقِيْدُ: كَوْنُ الْكَلَامِ مُعَقَّداً، وَهُوَ ضَرْبَانِ:
(1) لأبي الأسود الدُّؤَلي في ديوانه ص 401، وللنَّابغة في الخصائص 1/ 295 ولعلّ الوهم وقع في نسبته أنَّ للنّابغة بيتاً له العجز عينُه:
جزى الله عبساً عبسَ آل بغيض
…
جزاءَ الكلابِ العاوياتِ وقد فعلْ
ولا شاهدَ فيه.
وبلا نسبة في الأمالي الشّجريّة 1/ 153 وانظر فيه تعليقَ د. الطّناحي على نسبة البيت، والإيضاح 1/ 29، وابن عقيل 1/ 496، وخزانة البغداديّ 1/ 277.
(2)
وتمامُه: أدّى إليه الكَيلَ صاعاً بصاعْ.
للسَّفَّاح بن بُكَيْر بن مَعْدَان اليَرْبُوعيّ في خزانة البغداديّ 1/ 279 - 289 - 290، وله في المفضّليّات ص 323؛ برواية:
لمَّا جَلا الخُلَّانُ عن مصعبٍ
…
أدّى إليه القَرْضَ صاعاً بصاع
ولا شاهد حينئذٍ.
(3)
انظر: المطوّل ص 145.
1 -
تَعْقِيْدٌ لَفْظِيٌّ: وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي النَّظْمِ؛ بِسَبَبِ تَقْدِيْمٍ أَوْ تَأْخِيْرٍ أَوْ حَذْفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوْجِبُ صُعُوْبَةَ فَهْمِ الْمُرَادِ؛ كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ (1) فِي خَالِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ (2)؛ وَهُوَ إِبْرَاهِيْمُ بْنُ هِشَامِ بْنِ إِسْمَاعِيْلَ الْمَخْزُوْمِيُّ (3): [الطّويل]
وَمَا مِثْلُهُ فِي النَّاسِ إِلَّا مُمَلَّكاً
…
أُبُوْ أُمِّهِ حَيٌّ أَبُوْهُ يُقَارِبُهْ (4)
أَيْ: لَيْسَ مِثْلَهُ فِي النَّاسِ (حَيٌّ يُقَارِبُهُ) أَيْ: أَحَدٌ يُشْبِهُهُ فِي الْفَضَائِلِ (إِلَّا مُمَلَّكاً) أُعْطِيَ الْمَالَ وَالْمُلْكَ - أَعْنِيْ هِشَاماً - (أَبُوْ أُمِّهِ) أَيْ: أُمِّ ذَلِكَ الْمُمَلَّكِ، (أَبُوْهُ) أَيْ: أَبُوْ إِبْرَاهِيْمَ الْمَمْدُوْحِ، وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ [مُمَلَّكاً]. أَيْ:(لَا يُمَاثِلُهُ أَحَدٌ إِلَّا ابْنُ أُخْتِهِ الَّذِيْ هُوَ هِشَامٌ).
فَفِيْهِ:
أ-فَصْلٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ (5): أَعْنِيْ: (أَبُوْ أُمِّهِ أَبُوْهُ) بِالْأَجْنَبِيِّ
(1) ت 110 هـ. انظر: الأعلام 8/ 93.
(2)
ت 125 هـ. انظر: الأعلام 8/ 86.
(3)
أمير المدينة المنوّرة، اشتهر بشدّته وعتوّه، ت بعد 115 هـ. انظر: الأعلام 1/ 78.
(4)
له في ديوانه 1/ 108، وهو من إنشادات أبي الحسن الأخفش على نسخته من كتاب سيبويه 1/ 32، والكامل 1/ 42 ووصفَه بأنّه:«من أقبح الضّرورة، وأهجن الألفاظ، وأبعد المعاني» ، وعيار الشّعر ص 72، وكتاب الشّعر 1/ 267، والصّناعتين ص 395، والعمدة 2/ 739 - 1045، وسرّ الفصاحة ص 153، وأسرار البلاغة ص 20، ودلائل الإعجاز ص 83، والبديع في نقد الشّعر ص 259، ونهاية الإيجاز ص 165، ومفتاح العلوم ص 257، والجامع الكبير ص 231، وكفاية الطّالب ص 218، وشرح الكافية البديعيّة ص 233، وخزانة الحمويّ 3/ 176 - 4/ 335. وبلا نسبة في نقد النّثر ص 87، والخصائص 1/ 147 - 330 - 2/ 395.
(5)
وأوّلُ مَن بعَج القول في هذا البيت - على هذا النّحو - أبو عليّ الفارسيّ. انظر: كتاب الشِّعر باب: «ما جاء في الشّعر من الفصل بين المبتدأ وخبره وبين غيرِهما بالأجنبيّ» 1/ 267.
الَّذِيْ هُوَ (حَيٌّ)، وَبَيْنَ الْمَوْصُوْفِ وَالصِّفَةِ؛ أَعْنِيْ (حَيٌّ يُقَارِبُهْ) بِالْأَجْنَبِيِّ الَّذِيْ هُوَ (أَبُوْهُ).
ب وَتَقْدِيْمُ الْمُسْتَثْنَى - أَعْنِيْ (مُمَلَّكاً) - عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ: أَعْنِيْ (حَيٌّ)، وَلِهَذَا نَصَبَهُ، وَإِلَّا فَالْمُخْتَارُ الْبَدَلُ (1)، فَهَذَا التَّقْدِيْمُ سَائِغُ الِاسْتِعْمَالِ، لَكِنَّهُ أَوْجَبَ زِيَادَةً فِي التَّعْقِيْدِ.
2 -
وَتَعْقِيْدٌ مَعْنَوِيٌّ: وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي الِانْتِقَالِ؛ أَيْ: لَا يَكُوْنُ ظَاهِرَ الدَّلَالَةِ/ عَلَى الْمُرَادِ؛ لِخَلَلٍ فِي انْتِقَالِ الذِّهْنِ مِنَ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ الْمَفْهُوْمِ بِحَسَبِ اللُّغَةِ إِلَى الثَّانِي الْمَقْصُوْدِ؛ وَذَلِكَ بِسَبَبِ إِيْرَادِ اللَّوَازِمِ الْبَعِيْدَةِ الْمُفْتَقِرَةِ إِلَى الْوَسَائِطِ الْكَثِيْرَةِ، مَعَ خَفَاءِ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَقْصُوْدِ؛ كَقَوْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ (2):[الطّويل]
سَأَطْلُبُ بُعْدَ الدَّارِ عَنْكُمْ لِتَقْرُبُوا
…
وَتَسْكُبُ عَيْنَايَ الدُّمُوْعَ لِتَجْمُدَا (3)
فَجَعَلَ سَكْبَ الدُّمُوْعِ - وَهُوَ الْبُكَاءُ - كِنَايَةً عَمَّا يَلْزَمُ فِرَاقَ الْأَحِبَّةِ مِنَ الْكَآبَةِ وَالْحُزْنِ، وَأَصَابَ؛ لِأَنَّهُ كَثِيْراً مَّا يُجْعَلُ دَلِيْلاً عَلَيْهِ؛ يُقَالُ: أَبْكَانِيْ وَأَضْحَكَنِيْ؛ أَيْ: سَاءَنِيْ وَسَرَّنِيْ.
وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ فِي الْكِنَايَةِ عَمَّا يُوْجِبُهُ دَوَامُ التَّلَاقِي وَالْوِصَالِ مِنَ الْفَرَحِ
(1) انظر: شرح المراديّ على الألفيّة 1/ 336، وشرح ابن عقيل 1/ 599.
(2)
ت 192 هـ. انظر: الأعلام 3/ 259.
(3)
له في ديوانه ص 106، والوساطة ص 234، والموازنة 1/ 74، ودلائل الإعجاز ص 268، والإيضاح 1/ 34، ومعاهد التّنصيص 1/ 51، وبلا نسبة في الكامل 1/ 263، وأمالي الزّجّاجيّ ص 58، والصّناعتين ص 219. ويزعمون أنّ أبا تمّام سرقَه فقال:[الوافر]
أَآلِفَةَ النَّحِيبِ كَمِ افتراقٍ
…
أَظَلَّ فكانَ داعِيةَ اجتماع
وليسَتْ فرحةُ الأوباتِ إلّا
…
لِمَوقُوفٍ على تَرَحِ الوَدَاع
(ديوانه 2/ 336)
وَالسُّرُوْرِ = بِجُمُوْدِ الْعَيْنِ؛ فَإِنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ جُمُوْدِ الْعَيْنِ إِنَّمَا يَكُوْنُ إِلَى بُخْلِهَا بِالدُّمُوْعِ حَالَ إِرَادَةِ الْبُكَاءِ- وَهِيَ حَالَةُ الْحُزْنِ عَلَى مُفَارَقَةِ الْأَحِبَّةِ - لَا إِلَى مَا قَصَدَهُ الشَّاعِرُ مِنَ السُّرُوْرِ الْحَاصِلِ بِمُلَاقَاةِ الْأَصْدِقَاءِ وَمُوَاصَلَةِ الْأَحِبَّةِ.
قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ (1): «وَمَعْنَى الْبَيْتِ: إِنِّيَ الْيَوْمَ أَطِيْبُ نَفْساً بِالْبُعْدِ وَالْفِرَاقِ، وَأُوَطِّنُهَا عَلَى مُقَاسَاةِ الْأَحْزَانِ وَالْأَشْوَاقِ، وَأَتَجَرَّعُ غُصَصَهَا، وَأَحْتَمِلُ لِأَجْلِهَا حُزْناً يُفِيْضُ الدُّمُوْعَ مِنْ عَيْنَيَّ؛ لِأَتَسَبَّبَ بِذَلِكَ إِلَى وَصْلٍ يَدُوْمُ، وَمَسَرَّةٍ لَا تَزُوْلُ، فَإِنَّ الصَّبْرَ مِفْتَاحُ الْفَرَجِ» اِنْتَهَى.
فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ تَرَكَ النَّاظِمُ فِيْ فَصَاحَةِ الْكَلَامِ قَيْدَ فَصَاحَةِ الْكَلِمَاتِ، مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ؟
قُلْتُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ إِنَّمَا تَرَكَهُ؛ اعْتِمَاداً عَلَى مَا هُوَ الْمُقَرَّرُ عِنْدَ عُلَمَاءِ هَذَا الفَنِّ، مِنْ أَنَّ فَصَاحَةَ الْمُفْرَدِ قَيْدٌ فِيْ فَصَاحَةِ الْكَلَامِ؛ كَمَا بَيَّنَّاهُ آنِفاً. وَاللهُ أَعْلَمُ.
وَسَيَأْتِيْ تَعْرِيْفُ فَصَاحَةِ الْمُتَكَلِّمِ.
وَقَوْلُ الشَّارِحِ: «ولَمَّا فَرَغَ مِنْ تَعْرِيْفِ الْفَصَاحَةِ شَرَعَ فِيْ تَعْرِيْفَ الْبَلَاغَةِ» (2) فِيْهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فَصَاحَةَ الْمُتَكَلِّمِ سَتَأْتِيْ فِيْ قَوْلِهِ: «وَبِالْفَصِيْحِ مَنْ يُعَبِّر نَصِفُهْ» . قَالَ:
وَإِنْ يَكُنْ: أَيِ الْكَلَامُ الْفَصِيْحُ
مُطَابِقاً لِلْحَالِ: أَيْ: مُطَابِقاً لِمُقْتَضَى الْحَالِ.
وَالْمُرَادُ بِالْحَالِ: الْأَمْرُ الدَّاعِيْ إِلَى التَّكَلُّمِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوْصٍ،
(1) ص 12. وانظر: المطوّل ص 149.
(2)
انظر: شرح منظومة ابن الشِّحنة للحمويّ، ورقة 6.