الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَتِمَّة
مِنْ وُجُوْهِ تَحْسِيْنِ الْكَلَامِ الْمَعْنَوِيَّةِ:
المُشاكَلَةُ: وَهِيَ ذِكْرُ الشَّيْءِ بِلَفْظِ غَيْرِهِ؛ لِوُقُوْعِهِ فِيْ صُحْبَتِهِ، تَحْقِيْقاً أَوْ تَقْدِيْراً. (1)
1 -
فَالْأَوَّلُ: كَقَوْلِهِ: [الكامل]
قَالُوْا: اقْتَرِحْ شَيْئاً نُجِدْ لَكَ طَبْخَهُ
…
قُلْتُ: اطْبُخُوْا لِيْ جُبَّةً وَقَمِيْصَا (2)
أَيْ: خَيِّطُوْا. وَذَكَرَ خِيَاطَةَ الْجُبَّةِ بِلَفْظِ الطَّبْخِ؛ لِوُقُوْعِهَا فِيْ صُحْبَةِ طَبْخِ الطَّعَامِ (3).
2 -
وَالثَّانِيْ: نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ} [البقرة: 136] إِلَى قَوْلِهِ: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} [البقرة: 138]،
(1) انظر: انظر: معجم المصطلحات البلاغيّة وتطوّرها ص 621، والتَّلخيص ص 96، والمطوَّل ص 648.
(2)
لأبي الرَّقَعْمَق في معاهد التّنصيص 2/ 252؛ نقلاً عن قطب السّرور في أوصاف الخمور، ونسبَه الثّعالبيّ في خاصّ الخاصّ ص 138 لجحظة البرمكيّ، وليس في ديوانه، وبلا نسبة في مفتاح العلوم ص 533، والمصباح ص 213، والإيضاح 6/ 27، وإيجاز الطّراز ص 417، وشرح الكافية البديعيّة ص 182، وخزانة الحمويّ 4/ 6، والقول البديع ص 127، وأنوار الرّبيع 5/ 284.
(3)
حكى أبو الرّقعمق خبرَ أبياته: «كان لي إخوانٌ أربعة، وكنتُ أنادمُهم أيامَ الأستاذ كافور الإخشيديّ، فجاءني رسولُهم في يوم باردٍ، وليست لي كسوةٌ تحصّنُني من البرد، فقال: إخوانك يقرؤون عليك السلام، ويقولون لك: قد اصطبحنا اليوم وذبحنا شاة سمينة، فاشتهِ علينا ما نطبخ لك منها، فكتبت إليهم:
إخوانُنا قصدُوا الصَّبوحَ بسُحْرَةٍ
…
فأتى رسولُهُمُ إليَّ خُصوصا
قالوا: اقترحْ شيئاً نُجِدْ لك طَبْخَهُ
…
قلتُ: اطبخوا لي جُبّةً وقميصا»
انظر: معاهد التّنصيص 2/ 252.
فَـ (صِبْغَةَ اللهِ) مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِـ (آمَنَّا بِاللهِ) أَيْ: تَطْهِيْرَ اللهِ؛ لِأَنَّ الْإِيْمَانَ يُطَهِّرُ النُّفُوْسَ.
وَالْأَصْلُ فِيْهِ أَنَّ النَّصَارَى كَانُوْا يَغْمِسُوْنَ أَوْلَادَهُمْ فِيْ مَاءٍ أَصْفَرَ، يُسَمُّوْنَهُ الْمَعْمُوْدِيَّةَ، وَيَقُوْلُوْنَ: إِنَّهُ تَطْهِيْرٌ لَهُمْ. فَعُبِّرَ عَنِ الْإِيْمَانِ بِاللهِ بِـ (صِبْغَةِ اللهِ) لِلْمُشَاكَلَةِ؛ لِوُقُوْعِهِ فِيْ صُحْبَةِ صِبْغَةِ النَّصَارَى؛ تَقْدِيْراً، بِهَذِهِ الْقَرِيْنَةِ الْحَالِيَّةِ، الَّتِيْ هِيَ سَبَبُ النُّزُوْلِ فِيْ غَمْسِ النَّصَارَى أَوْلَادَهُمْ فِي الْمَاءِ الْأَصْفَرِ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ ذَلِكَ لَفْظاً (1).
وَمِنْهَا (2)(الْمُزَاوَجَةُ): وَهِيَ أَنْ يُزَاوَجَ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ؛ كَقَوْلِهِ: [الطّويل]
إِذَا مَا نَهَى النَّاهِيْ، فَلَجَّ بِيَ الْهَوَى
…
أَصَاخَتْ إِلَى الْوَاشِيْ، فَلَجَّ بِهَا الْهَجْرُ (3)
زَاوَجَ بَيْنَ (نَهْيِ النَّاهِيْ) وَ (إِصَاخَتِهَا إِلَى الْوَاشِيْ)، فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ؛ بِأَنْ رَتَّبَ عَلَيْهِمَا لِجَاجَ شَيْءٍ. (4)
وَمِنْهَا (الْمُبَالَغَةُ)(5): وَهِيَ أَنْ يُدَّعَى لِوَصْفٍ بُلُوْغُهُ فِي الشِّدَّةِ أَوِ
(1) انظر: الكشّاف 1/ 335، والتَّحرير والتَّنوير 1/ 744.
(2)
أي: ومن المحسِّنات المعنويّة.
(3)
للبحتريّ في ديوانه 2/ 844، والموازنة ق 1 ج 2 ص 36، ودلائل الإعجاز ص 93، ونهاية الإيجاز ص 171، والبرهان الكاشف ص 211، والإيضاح 6/ 34، وشرح الكافية البديعيّة ص 307، وخزانة الحمويّ 4/ 324، ومعاهد التّنصيص 2/ 255، ونفحات الأزهار ص 140، وأنوار الرّبيع 6/ 101، وبلا نسبة في مفتاح العلوم ص 534، والمصباح ص 195، وإيجاز الطّراز ص 427، ومعترك الأقران 1/ 412. يعني: إذا نهاني النَّاهي ومَنَعَني عن حبِّها لجَّ بي الهوى، صارت هي تستمع إلى الواشي وتُصدِّقُ افتراءاتِه عَلَيَّ فلجَّ بها الهجرُ.
(4)
انظر: معجم المصطلحات البلاغيّة ص 309، والتَّلخيص 97، والمطوَّل ص 649.
(5)
انظر: معجم المصطلحات البلاغيّة ص 582، والتّلخيص 102، والمطوَّل 665.
الضَّعْفِ حَدّاً مُسْتَحِيْلاً أَوْ مُسْتَبْعَداً؛ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَنَاهٍ فِيْهِ (1). وَتَنْحَصِرُ فِي (التَّبْلِيْغِ، وَالْإِغْرَاقِ، وَالْغُلُوِّ)؛ لَا بِمُجَرَّدِ الِاسْتِقْرَاءِ، بَلْ بِالدَّلِيْلِ الْقَطْعِيِّ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ:
1 -
الْمُدَّعَى إِنْ كَانَ مُمْكِناً عَقْلاً وَعَادَةً: فَتَبْلِيْغٌ؛ كَقَوْلِهِ: [الطّويل]
فَعَادَى عِدَاءً بَيْنَ ثَوْرٍ وَنَعْجَةٍ
…
دِرَاكاً فَلَمْ يُنْضَحْ بِمَاءٍ فَيُغْسَل (2)
أَيْ: لَمْ يَعْرَقْ، فَلَمْ يُغْسَلْ.
اِدَّعَى: أَنَّ فَرَسَهُ أَدْرَكَ ثَوْراً وَنَعْجَةً فِي مِضْمَارٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَعْرَقْ. وَهَذَا مُمْكِنٌ عَقْلاً وَعَادَةً.
2 -
فَإِنْ كَانَ مُمْكِناً عَقْلاً لَا عَادَةً: فَإِغْرَاقٌ؛ كَقَوْلِهِ: [الوافر]
وَنُكْرِمُ جَارَنَا مَا دَامَ فِيْنَا
…
وَنُتْبِعُهُ الْكَرَامَةَ حَيْثُ مَالَا (3)
وَهَذَا مُمْكِنٌ عَقْلاً لَا عَادَةً، بَلْ فِيْ زَمَانِنَا يَكَادُ يَلْحَقُ بِالْمُمْتَنِعِ عَقْلاً!
(1) أي: في الشّدة والضّعف.
(2)
لامرئ القيس في ديوانه ص 22، والإنصاف 2/ 751، وتحرير التّحبير ص 154، والإيضاح 6/ 61، وإيجاز الطّراز ص 454، ومعاهد التّنصيص 3/ 16، وأنوار الرّبيع 4/ 212، وبلا نسبة في نقد النّثر ص 83.
(3)
لعَمرو بن الأهتم (أعشى تغلب) في كتاب الصبح المنير ص 271، وفي شعر الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم ص 98، وتحرير التحبير ص 147، ومعاهد التنصيص 3/ 25، ولعُمَيْر بن الأيْهَم التغلبيّ في نقد الشعر ص 141، ولعُمير بن الأهتم في الصناعتين ص 366، ولعمرو بن الأيهم التغلبي في كفاية الطالب ص 198، ولعُمَير بن كريم التغلبي في نهاية الأرب 7/ 103، ولعُمَير بن كريم الثعلبي في خزانة الحموي 3/ 135، ولعمرو بن كرب الثعلبي في نفحات الأزهار ص 247، وبلا نسبة في إعجاز الباقلاني ص 332، وقانون البلاغة ص 96، والإيضاح 6/ 62، وإيجاز الطراز ص 454، وأنوار الربيع 4/ 214.
وَالتَّبْلِيْغُ وَالْإِغْرَاقُ مَقْبُوْلَانِ.
3 -
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِناً عَقْلاً وَلَا عَادَةً: فَغُلُوٌّ؛ كَقَوْلِهِ: [الكامل]
/وَأَخَفْتَ أَهْلَ الشِّرْكِ حَتَّى إِنَّهُ
…
لَتَخَافُكَ النُّطَفُ الَّتِي لَمْ تُخْلَقِ (1)
فَإِنَّ خَوْفَ النُّطَفِ غَيْرِ الْمَخْلُوْقَةِ مُمْتَنِعٌ عَقْلاً وَعَادَةً.
وَالْمَقْبُوْلُ مِنَ الْغُلُوِّ أَصْنَافٌ مِنْهَا:
أمَا أُدْخِلَ عَلَيْهِ مَا يُقَرِّبُهُ إِلَى الصِّحَّةِ؛ كَلَفْظِ (يَكَادُ) فِيْ: (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ)[النّور: 35]؛ فَإِنَّ الْإِضَاءَةَ فِي الزَّيْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمْسَسْهُ النَّارُ مُمْتَنِعَةٌ عَادَةً وَعَقْلاً، لَكِنْ لَمَّا أُدْخِلَ (يَكَادُ) قرَّبَتْهُ إِلَى الصِّحَّةِ.
ب وَمِنْهَا مَا تَضَمَّنَ نَوْعاً حَسَناً مِنَ التَّخْيِيْلِ؛ كَقَوْلِهِ: [الكامل]
عَقَدَتْ سَنَابِكُهَا عَلَيْهَا عِثْيَراً
…
لَوْ تَبْتَغِيْ عَنَقاً عَلَيْهِ لَأَمْكَنَا (2)
ادَّعَى أَنَّ تَرَاكُمَ الْغُبَارِ الْمُرْتَفِعِ مِنْ سَنَابِكِ الْخَيْلِ فَوْقَ رُؤُوْسِهَا، بِحَيْثُ صَارَ أَرْضاً يُمْكِنُ سَيْرُهَا عَلَيْهَا، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ عَقْلاً وَعَادَةً، لَكِنَّهُ تَخْيِيْلٌ حَسَنٌ.
(1) لأبي نُوَاس في ديوانه ص 413، وعِيار الشّعر ص 81، ونقد الشّعر ص 60، والوساطة ص 62 - 428، والموشّح ص 102 - 308 - 325 - 337 - 351 - 352، والعمدة 2/ 675، والمثل السّائر 3/ 192، وكفاية الطّالب ص 202، ونهاية الأرب 7/ 103، والإيضاح 6/ 63، وإيجاز الطّراز ص 455، وشرح الكافية البديعيّة ص 155، وخزانة الحمويّ 3/ 152، ومعاهد التّنصيص 3/ 27، ونفحات الأزهار ص 203.
(2)
للمتنبّي في ديوانه 4/ 204، والوساطة ص 166 - 360، والمثل السّائر 3/ 193، والإيضاح 6/ 63، وإيجاز الطّراز ص 455، وخزانة الحمويّ 3/ 150، ونفحات الأزهار ص 202، وأنوار الرّبيع 4/ 239. عِثْيَر: غبار، العَنَق: ضرب من السّير شديد. وفي الدّيوان ضُبطت فاء «عَثْيَر» بالفتح، وهو ممتنعٌ، وليس في كلامهم «فَعْيَل» سوى «ضَهْيَد» وهو مصنوع كما زعم الخليل (العين: هملع).
وَقَدِ اجْتَمَعَ مَا يُقَرِّبُهُ إِلَى الصِّحَّةِ، وَتَضَمُّنُ التَّخْيِيْلِ الْحَسَنِ فِيْ قَوْلِهِ:[الطّويل]
يُخَيَّلُ لِيْ أَنْ سُمِّرَ الشُّهْبُ فِي الدُّجَى
…
وَشُدَّتْ بِأَهْدَابِيْ إِلَيْهِنَّ أَجْفَانِيْ (1)
أَيْ: يُوْقَعُ فِيْ خَيَالِي أَنَّ الشُّهُبَ مُحْكَمَةٌ بِالْمَسَامِيْرِ، لَا تَزُوْلُ عَنْ مَكَانِهَا، وَأَنَّ أَجْفَانَ عَيْنِي قَدْ شُدَّتْ بِأَهْدَابِهَا إِلَى الشُّهُبِ؛ لِطُوْلِ ذَلِكَ اللَّيْلِ وَغَايَةِ سَهَرِيْ فِيْهِ.
وَهَذَا تَخْيِيْلٌ حَسَنٌ، وَلَفْظَةُ (يُخَيَّلُ) تَزِيْدُهُ حُسْناً.
ت وَمِنْهَا مَا أُخْرِجَ مُخْرَجَ الْهَزَلِ وَالْخَلَاعَةِ؛ كَقَوْلِهِ: [المنسرح]
أَسْكَرُ بِالْأَمْسِ، إِنْ عَزَمْتُ عَلَى الشْـ
…
شُرْبِ غَداً، إِنَّ ذَا مِنَ الْعُجْبِ (2)
وَمِنْهَا: (الِاسْتِتْبَاعُ)(3): وَهُوَ الْمَدْحُ بِشَيْءٍ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَتْبِعُ الْمَدْحَ بِشَيْءٍ آخَرَ؛ كَقَوْلِهِ: [الطّويل]
نَهَبْتَ مِنَ الْأَعْمَارِ مَا لَوْ حَوَيْتَهُ
…
لَهُنِّئَتِ الدُّنْيَا بِأَنَّكَ خَالِدُ (4)
(1) للأرَّجانيّ في ديوانه 3/ 1419، والإيضاح 6/ 64، وخزانة الحمويّ 3/ 151، ومعاهد التّنصيص 3/ 36، وأنوار الرّبيع 4/ 240.
(2)
البيت مُغفَل النّسبة في الإيضاح 6/ 46، وإيجاز الطّراز ص 455، وخزانة الحمويّ 3/ 152، ومعاهد التّنصيص 3/ 46، ونسبَه النّابلسيّ في نفحات الأزهار ص 203 لأبي نواس وليس في ديوانه.
(3)
انظر: معجم المصطلحات البلاغيّة ص 63، والتَّلخيص ص 106، والمطوَّل ص 676.
(4)
للمتنبّي في ديوانه 1/ 277، والوساطة ص 109، والإعجاز والإيجاز ص 259، والأمالي الشَّجريّة 3/ 136 - 238، وحدائق السِّحر ص 131، ونهاية الإيجاز ص 176، ومنهاج البلغاء ص 110، والإيضاح 6/ 78، وإيجاز الطّراز ص 464، وشرح الكافية البديعيّة ص 289، وخزانة الحمويّ 4/ 255، ومعاهد التّنصيص 3/ 132، ونفحات الأزهار ص 295، وبلا نسبة في الصّناعتين ص 424، ومفتاح العلوم ص 539، والقول البديع ص 134. والبيت في مدح سيف الدّولة، وقد أراد الذّهاب إلى خرشنة، فعاقَه الثّلج.
مَدَحَهُ بِالنِّهَايَةِ فِي الشَّجَاعَةِ؛ حَيْثُ جَعَلَ قَتْلَاهُ بِحَيْثُ يَخْلُدُ وَارِثُ أَعْمَارِهِمْ، عَلَى وَجْهٍ اسْتَتْبَعَ مَدْحَهُ بِكَوْنِهِ سَبَباً لِصَلَاحِ الدُّنْيَا وَنِظَامِهَا؛ إِذْ لَا تَهْنِئَةَ لِأَحَدٍ بِشَيْءٍ لَا فَائِدَةَ لَهُ فِيْهِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ عِيْسَى الرَّبْعِيُّ (1):
«وَفِي الْبَيْتِ وَجْهَانِ آخَرَانِ مِنَ الْمَدْحِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَهَبَ الْأَعْمَارَ دُوْنَ الْأَمْوَالِ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى عُلُوِّ الْهِمَّةِ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ظَالِماً فِيْ قَتْلِهِمْ، وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِلدُّنْيَا سُرُوْرٌ بِخُلُوْدِهِ» (2).
وَمِنْهَا: (الْإِدْمَاجُ)(3): وَهُوَ أَنْ يُضَمَّنَ كَلَامٌ سِيْقَ لِمَعْنًى - مَدْحاً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ - مَعْنًى آخَرَ، فَهُوَ لِشُمُوْلِهِ الْمَدْحَ وَغَيْرَهُ أَعَمُّ مِنَ الِاسْتِتْبَاعِ؛ لِاخْتِصَاصِ الِاسْتِتْبَاعِ بِالْمَدْحِ؛ كَقَوْلِهِ:[الوافر]
أُقَلِّبُ فِيْهِ أَجْفَانِيْ، كَأَنِّيْ
…
أَعُدُّ بِهَا عَلَى الدَّهْرِ الذُّنُوْبَا (4)
فَإنَّهُ ضَمَّنَ وَصْفَ اللَّيْلِ بِالطُّوْلِ الشِّكَايَةَ مِنَ الدَّهْرِ.
(1) أبو الحسَن، عالِم بالعربيّة، له:«التّنبيه على خطأ ابن جنّيّ في فَسْر شِعر المتنبّي» ، ت 420 هـ. انظر: الأعلام 4/ 318.
(2)
ورد القول منسوباً للرّبعيّ في الأمالي الشّجريّة 3/ 137، وشرح الدّيوان للعكبريّ 1/ 276، وفيه وجهان آخران لاستحسان هذا المدح: الثّالث: أنّه جعلَ خلودَه صلاحاً لأهل الدُّنيا؛ بقوله: (لهنّئت الدّنيا). الرّابع: أنّ قتلاه لم يكن ظالماً في قتلِهم؛ لأنّه لم يقصد بذلك إلّا صلاح الدُّنيا وأهلها، فهم مسرورون ببقائه، فلذلك قال:(لهنّئت الدّنيا).
(3)
انظر: معجم المصطلحات البلاغيّة ص 52، والتَّلخيص ص 106، والمطوَّل ص 677.
(4)
للمتنبّي في ديوانه 1/ 140، والوساطة ص 168، والعمدة 2/ 638، وكفاية الطّالب ص 190، وتحرير التّحبير ص 445، والإيضاح 6/ 79، وإيجاز الطّراز ص 477، والمنزع البديع ص 469. وقال العكبريّ في شرحه:«كما أنّ ذنوب الدّهر لا تفنى، كذلك أجفاني لا تفتر» ، والهاء في (فيه) تعود على اللّيل المفهوم من البيت السّابق:
كأنّ دُجاهُ يَجذِبُها سُهادِي
…
فليس تغيب إلّا أنْ يَغيبا
= وَمِنْهَا: (الِاطِّرَادُ)(1): وَهُوَ أَنْ يُؤْتَى بِأَسْمَاءِ الْمَمْدُوْحِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَسْمَاءِ آبَائِهِ عَلَى تَرْتِيْبِ الْوِلَادَةِ، مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فِي السَّبْكِ؛ كَقَوْلِهِ:[الكامل]
إِنْ يَقْتُلُوْكَ فَقَدْ ثَلَلْتَ عُرُوْشَهَمْ
…
بِعُتَيْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شِهَابِ (2)
يَعْنِيْ: إِنْ تَبَجَّحُوْا بِقَتْلِكَ، وَفَرِحُوْا بِهِ، فَقَدْ أَثَّرْتَ فِيْ عِزِّهِمْ، وَهَدَمْتَ أَسَاسَ مَجْدِهِمْ؛ بِقَتْلِ رَئِيْسِهِمْ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «الْكَرِيْمُ، بْنُ الْكَرِيْمِ، بْنِ الْكَرِيْمِ، بْنِ الْكَرِيْمِ، يُوْسُفُ، بْنُ يَعْقُوْبَ، بْنِ إِسْحَاقَ، بْنِ إِبْرَاهِيْمَ» (3).
وَمِنْهَا (الِاسْتِطْرَادُ)(4): قَالَ ابْنُ حِجَّةَ (5): «الِاسْتِطْرَادُ فِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ أَنْ تَكُوْنَ فِي غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِ الشِّعْرِ، تُوْهِمُ أنَّكَ مُسْتَمِرٌّ فِيْهِ، فَتَخْرُجُ
(1) انظر: معجم المصطلحات البلاغيّة ص 131، والتَّلخيص ص 108، والمطوَّل ص 681.
(2)
لرُبَيِّعَة بن عُبَيْد القُعَيْنِي «أبي ذُؤَاب» في الحماسة البصريّة 2/ 680. وهذا البيت مع مقطوعته أودى بحياة ذؤاب في خبر عجيب: قتلَ ذؤابُ عتيبةَ بن الحارث بن شهاب، ثم أسَرَ الرّبيعُ بن عتيبة بن الحارث ذؤاباً في ذلك اليوم، وهو لا يعلم أنّه قاتلُ أبيه، ثُمّ أتاه أبو ذؤاب وافتدى ولدَه بشيء معلوم، وتواعدا بسوق عكاظ، فلمّا دخلت الأشهر الحرم وافى أبو ذؤاب بالإبل الموسمَ، وتخلّف الرّبيعُ بن عتيبة؛ لِشُغْلٍ عرَضَ له فلم يوافِ بالأسير، فقدّر أبو ذؤاب أنّ الرّبيعَ علمَ أنّ ذؤاباً قتلَ أباه فقتله به، فرثاه بهذه الأبيات. وبلغت بني يربوع، فعلموا أنّ ذؤاباً قاتلُ عتيبة فأقادوه به! .
وله في إعجاز الباقلّانيّ ص 208، ودلائل الإعجاز ص 253، وقانون البلاغة ص 148، ومعاهد التّنصيص 3/ 201. وبلا نسبة في الإيضاح 6/ 89، وإيجاز الطّراز ص 412، ونفحات الأزهار ص 130.
(3)
انظر: جامع الأصول 8/ 513.
(4)
انظر: معجم المصطلحات البلاغيّة ص 79، وتحرير التَّحبير ص 130.
(5)
انظر: خزانة الحمويّ 1/ 477 - 478.
مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ؛ لِمُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا - وَلَا بُدَّ مِنَ التَّصْرِيْحِ بِاسْمِ الْمُسْتَطْرَدِ بِهِ، بِشَرْطِ أَلَّا يَكُوْنَ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ - ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ، وَتَقْطَعُ الْكَلَامَ، فَيَكُوْنُ الْمُسْتَطْرَدُ بِهِ آخِرَ كَلَامِكَ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْإِيْضَاحِ (1): الِاسْتِطْرَادُ: هُوَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَعْنًى إِلَى مَعْنًى آخَرَ مُتَّصِلٍ بهِ. وَقِيْلَ: إِنَّ أوَّلَ شَاهِدٍ وَرَدَ فِي هَذَا النَّوْعِ قَوْلُ السَّمَوْءَلِ (2): [الطّويل]
وَإِنَّا لَقَوْمٌ لَا نَرَى الْقَتْلَ سُبَّةً
…
إِذَا مَا رَأَتْهُ عَامِرٌ وَسَلُوْلُ
فَانْظُرْ إِلَى خُرُوْجِهِ الدَّاخِلِ مِنَ الِافْتِخَارِ إِلَى الْهَجْوِ، وَحُسْنِ عَوْدِهِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الِافْتِخَارِ؛ بِقَوْلِهِ:
يُقَرِّبُ حُبُّ الْمَوْتِ آجَالَنَا لَنَا
…
وَتَكْرَهُهُ آجَالُهُمْ فَتَطُوْلُ (3)»
اِنْتَهَى.
وَمِنْهَا (الِاحْتِبَاكُ): قَالَ الْبُرْهَانُ الْبِقَاعِيُّ (4): «وَهُوَ: أَنْ يُحْذَفَ مِنَ الْأَوَّلِ مَا أُثْبِتَ نَظِيْرُهُ فِي الثَّانِي، وَمِنَ الثَّانِي مَا أُثْبِتَ نَظِيْرُهُ فِي الْأَوَّلِ» (5).
(1) 6/ 30.
(2)
ت نحو 65 ق هـ. انظر: الأعلام 3/ 140.
(3)
له في ديوانه ص 12، والبيان والتّبيين 4/ 68، وبديع ابن المعتزّ ص 61، ونقد الشّعر ص 194، والصّناعتين ص 399، والعمدة 2/ 629 - 887، وكفاية الطّالب ص 186، وتحرير التّحبير ص 132، وشرح الكافية البديعيّة ص 73، والمنزع البديع ص 458 - 459، وخزانة الحمويّ 1/ 478، ومعاهد التّنصيص 1/ 383، ولعبد الكريم بن عبد الرّحيم الحارثيّ في عيار الشّعر ص 107، وبلا نسبة في البديع في نقد الشّعر ص 116، والإيضاح 6/ 30.
(4)
ت 885 هـ. انظر: الأعلام 1/ 56.
(5)
انظر: تفسير البِقاعيّ (نَظْم الدُّرَر) ففيه العبارةُ بالمعنى في 1/ 402، و 1/ 515. وذكَر في 1/ 83 أنّه صنّف في الاحتباك كتاباً، وأسماه: «الإدراك لفن الاحتباك»، ولمّا أقف عليه. وهو من مصطلحات البقاعيّ. انظر: البلاغة في تناسب سور القرآن الكريم وآياته ص 126.