الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
84 - فَبِاعْتِبَارِ كُلِّ رُكْنٍ اقْسِمِ
…
أَنْوَاعَهُ. ثُمَّ الْمَجَازُ فَافْهَم
فَبِاعْتِبَارِ كُلِّ رُكْنٍ: مِنْ أَرْكَانِهِ الْأَرْبَعَةِ، أَعْنِي:(الطَّرَفَيْنِ، وَالْوَجْهَ، وَالْأَدَاةَ، وَالْغَرَضَ مِنْهُ).
اقْسِمِ أَنْوَاعَهُ: أَيْ أَنْوَاعَ ذَلِكَ الرُّكْنِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ
التَّشْبِيْهَ بِاعْتِبَارِ طَرَفَيْهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ
لِأَنَّهُ إِمَّا:
1 -
تَشْبِيْهُ مُفْرَدٍ بِمُفْرَدٍ: وَهُمَا أَيِ الْمُفْرَدَانِ:
أغَيْرُ مُقَيَّدَيْنِ: كتشبيهِ الخَدِّ بالوردِ.
ب أَوْ مُقَيَّدَانِ: كَقَوْلِهِمْ لِمَنْ لَا يَحْصُلُ مِنْ سَعْيِهِ عَلَى طَائِلٍ: (هُوَ كَالرَّاقِمِ عَلَى الْمَاءِ). فَالْمُشَبَّهُ هُوَ: السَّاعِي الْمُقَيَّدُ بِأَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ سَعْيِهِ عَلَى شَيْءٍ. وَالْمُشَبَّهُ بِهِ هُوَ: الرَّاقِمُ الْمُقَيَّدُ بِكَوْنِ رَقْمِهِ عَلَى الْمَاءِ. لِأَنَّ وَجْهَ الشَّبَهِ هُوَ: التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَعَدَمِهِ (فِيْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ)، وَهُوَ مَوْقُوْفٌ عَلَى اعْتِبَارِ هَذِيْنِ الْقَيْدَيْنِ.
ج- أَوْ مُخْتَلِفَانِ: أَحَدُهُمَا مُقَيَّدٌ، وَالْآخَرُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ؛ كَقَوْلِهِ:[الرّجز]
وَالشَّمْسُ كَالْمِرْآةِ فِيْ كَفِّ الْأَشَلّ (1)
(1) لجَبَّار بن جَزْء بن ضِرار بن أخي الشَّمَّاخ في ديوان الشّمّاخ ص 396، وعيار الشّعر ص 28، ولابن المعتزّ في نهاية الإيجاز ص 119 - 128، وقال في معاهد التّنصيص:«اختُلِف في قائله؛ فقيل: الشَّمَّاخ، وقيل: ابنُ أخيه، وقيل: أبو النَّجْم، وقيل: ابن المعتزّ» ، وبلا نسبة في أسرار البلاغة ص 158 - 180، وإيجاز الطّراز ص 321 - 489. والأَشَلّ: هو الّذي يَبِسَتْ يدُه أو ذهبت.
فَالْمُشَبَّهُ بِهِ (أَعْنِيْ: الْمِرْآةَ) مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ فِيْ كَفِّ الْأَشَلِّ، بِخِلَافِ الْمُشَبَّهِ (أَعْنِيْ: الشَّمْسَ).
وَعَكْسِهِ (1): أَيْ تَشْبِيْهِ الْمِرْآةِ فِيْ كَفِّ الْأَشَلِّ بِالشَّمْسِ؛ فَالْمُشَبَّهُ مُقَيَّدٌ دُوْنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ.
2 -
وَإِمَّا تَشْبِيْهُ مُرَكَّبٍ بِمُرَكَّبٍ: بِأَنْ يَكُوْنَ كُلٌّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ كَيْفِيَّةً حَاصِلَةً مِنْ مَجْمُوْعِ أَشْيَاءَ قَدْ تَضَامَّتْ وَتَلَاصَقَتْ حَتَّى عَادَتْ شَيْئاً وَاحِداً؛ كَمَا فِيْ بَيْتِ بَشَّارٍ: [الطّويل]
كَأَنَّ مُثَارَ النَّقْعِ ..... الْبَيْتَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
3 -
وَإِمَّا تَشْبِيْهُ مُفْرَدٍ بِمُرَكَّبٍ: كَمَا مَرَّ مِنْ تَشْبِيْهِ الشَّقِيْقِ (وَهُوَ مُفْرَدٌ) بِأَعْلَامِ يَاقُوْتٍ نُشِرْنَ عَلَى رِمَاحٍ مِنْ زَبَرْجَدَ (وَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ عِدَّةِ أُمُوْرٍ).
4 -
وَإِمَّا تَشْبِيْهُ مُرَكَّبٍ بِمُفْرَدٍ: كَقَوْلِهِ: [الكامل]
يَا صَاحِبَيَّ تَقَصَّيَا نَظَرَيْكُمَا
…
تَرَيَا وُجُوْهَ الْأَرْضِ كَيْفَ تَصَوَّرُ
تَرَيا نَهَاراً مُشمِساً قد شابَهُ
…
زَهْرُ الرُّبا فكأنَّما هو مُقْمِرُ (2)
فَالْمُشَبَّهُ: مُرَكَّبٌ، وَهُوَ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ مِنِ اجْتِمَاعِ النَّبَاتِ الشَّدِيْدِ الْخُضْرَةِ مَعَ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَهُوَ مُرَكَّبٌ. وَالْمُشَبَّهُ بِهِ: ضَوْءُ الْقَمَرِ، وَهُوَ مُفْرَدٌ.
وَأَيْضاً تَقْسِيْمٌ آخَرُ لِلتَّشْبِيْهِ بِاعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ تَعَدَّدَ طَرَفَاهُ فَهُوَ:
(1) معطوف على (كقوله).
(2)
سبق تخريجه.
1 -
إِمَّا (مَلْفُوْفٌ): وَهُوَ مَا أُتِيَ فِيْهِ بِالْمُشَبَّهَيْنِ ثُمَّ بِالْمُشَبَّهِ بِهِمَا؛ كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ: [الطّويل]
كَأَنَّ قُلُوْبَ الطَّيْرِ رَطْباً وَيَابِساً
…
لَدَى وَكْرِهَا الْعُنَّابُ وَالْحَشَفُ الْبَالِيْ (1)
2 -
أَوْ (مَفْرُوْقٌ): وَهُوَ أَنْ يُؤْتَى بِمُشبَّهٍ وَمُشبَّهٍ بِهِ ثُمَّ آخَرَ وَآخَرَ؛ كَقَوْلِ الْمُرَقِّشِ الْأَكْبَرِ (2): [السّريع]
النَّشْرُ مِسْكٌ، وَالْوُجُوْهُ دَنَا
…
نِيْرٌ، وَأَطْرَافُ الْأَكُفِّ عَنَمْ (3)
3 -
وَإِنْ تَعَدَّدَ طَرَفُهُ الْأَوَّلُ - يَعْنِي الْمُشَبَّهَ - دُوْنَ الثَّانِي، سُمِّيَ (تَشْبِيْهَ التَّسْوِيَةِ)؛ كَقَوْلِهِ:[المجتَثّ]
(1) له في ديوانه ص 38، وبديع ابن المعتزّ ص 69، وعيار الشّعر ص 26، وأخبار أبي تمّام ص 17، ونقد النّثر ص 89، والصّناعتين ص 245 - 250، وإعجاز الباقلانيّ ص 72، وأسرار البلاغة ص 192 - 199، ودلائل الإعجاز ص 95 - 536، والعمدة 1/ 421 - 474 - 592، والجمان في تشبيهات القرآن ص 265 - 266، والكشّاف 1/ 199، ونهاية الإيجاز ص 79، وتحرير التّحبير ص 163، وإيجاز الطّراز ص 323، وشرح الكافية البديعيّة ص 231، وخزانة الحمويّ 3/ 21، ونفحات الأزهار ص 198، وبلا نسبة في مفتاح العلوم ص 445، والبرهان الكاشف ص 130، والمنزع البديع ص 347. شبّه الرَّطْبَ الطَّرِيَّ من قلوب الطّير بالعَنّاب، واليابسَ العتيقَ منها بالحَشَفِ البالي، وهو أردأ أنواع التَّمر.
(2)
ت نحو 75 ق هـ. انظر: الأعلام 5/ 95.
(3)
له في ديوان المرقِّشَين ص 68، والصّناعتين ص 249، والعمدة 1/ 477، وكفاية الطّالب ص 167، ومعاهد التّنصيص 2/ 81. وبلا نسبة في أسرار البلاغة ص 109، ودلائل الإعجاز ص 535، والجمان في تشبيهات القرآن ص 406، ومفتاح العلوم ص 661، وإيجاز الطّراز ص 323.
النَّشْر: ريح فم المرأَة وأَنفها وأَعطافها بعد النّوم. والعَنَم: شجر ليِّنُ الأغصان لطيفُها يُشبَّه به البَنان: «كأَنّه بَنان العَذارى» . (اللّسان: نشر- عنم)
صُدْغُ الْحَبِيْبِ وَحَالِيْ
…
كِلَاهُمَا كَاللَّيَالِيْ (1)
4 -
وَإِنْ تَعَدَّدَ طَرَفُهُ الثَّانِيْ - يَعْنِي الْمُشَبَّهَ بِهِ - دُوْنَ الْأَوَّلِ، سُمِّيَ (تَشْبِيْهَ الْجَمْعِ)؛ كَقَوْلِ الْبُحْتُرِيِّ:[السّريع]
كَأَنَّمَا يَبْسِمُ عَنْ لُؤْلُؤٍ
…
مُنَضَّدٍ، أَوْ بَرَدٍ، أَوْ أَقَاحْ (2)
شَبَّهَ ثَغْرَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ.
وَبِاعْتِبَارِ وَجْهِهِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:
(تَمْثِيْلٌ، وَغَيْرُ تَمْثِيْلٍ)، (وَمُجْمَلٌ، وَمُفَصَّلٌ)، (وَقَرِيْبٌ، وَبَعِيْدٌ).
1 -
فَالتَّمْثِيْلُ: وَهُوَ التَّشْبِيْهُ الَّذِيْ وَجْهُهُ وَصْفٌ مُنْتَزَعٌ مِنْ مُتَعَدِّدٍ؛ أَمْرَيْنِ، أَوْ أُمُوْرٍ؛ كَمَا مَرَّ مِنْ:
- تَشْبِيْهِ الثُّرَيَّا (3).
(1) للوَطْواط في كتابه حدائق السِّحْر ص 144. وبلا نسبة في نهاية الإيجاز ص 108، والبرهان الكاشف ص 129، ونهاية الأرب 7/ 38، والإيضاح 4/ 89، وإيجاز الطّراز ص 326، ومعاهد التّنصيص 2/ 88 - 91، وأنوار الرّبيع 5/ 242.
الصُّدغ: ما انحدرَ من الرّأْس إلى مركب اللَّحيَيْن، وههنا مجازاً أريد الشَّعْر المتدلّي على هذا الموضع؛ منْ إطْلاقِ المَحَلِّ على الحالِّ.
(2)
له في ديوانه 1/ 435، والموازنة ق 1 ج 2 ص 106، وأمالي المرتضى 2/ 156، والعمدة 1/ 476 - 477، ومقامات الحريريّ (الحلوانيّة) 1/ 98، وحدائق السّحر ص 140، وتحرير التّحبير ص 162 - 564، والإيضاح 4/ 89 - 124، وإيجاز الطّراز ص 324، ومعاهد التّنصيص 2/ 88، وأنوار الرّبيع 5/ 239، وبلا نسبة في المنزع البديع ص 226.
(3)
يُشير إلى تشبيه الثُّريّا وقتَ الصّباح بالمُلّاحيّة وقتَ إزهارِها في قولِ أبي قيس بن الأسلت: [الطّويل]
وقَدْ لاحَ في الصُّبْحِ الثُّريّا كما ترى
…
كعنقودِ مُلَّاحيّةٍ حينَ نَوَّرا
- وَتَشْبِيْهِ مُثَارِ النَّقْعِ مَعَ الْأَسْيَافِ (1).
- وَتَشْبِيْهِ الشَّمْسِ بِالْمِرْآةِ فِيْ كَفِّ الْأَشَلِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
2 -
وَغَيْرُ التَّمْثِيْلِ: وَهُوَ مَا لَا يَكُوْنُ وَجْهُهُ مُنْتَزَعاً مِنْ مُتَعَدِّدٍ؛ كَتَشْبِيْهِ (الْخَدِّ بِالْوَرْدِ فِي الْحُمْرَةِ) مَثَلاً.
3 -
وَالْمُجْمَلُ: وَهُوَ مَا لَمْ يُذْكَرْ وَجْهُهُ؛ فَمِنْهُ مَا هُوَ:
أظَاهِرٌ يَفْهَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ؛ نَحْوُ: (زَيْدٌ كَالْأَسَدِ)(2).
ب وَمِنْهُ خَفِيٌّ لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا الْخَاصَّةُ؛ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ: (هُمْ كَالْحَلْقَةِ الْمُفْرَغَةِ، لَا يُدْرَى أَيْنَ طَرَفَاهَا) أَيْ: هُمْ مُتَنَاسِبُوْنَ فِي الشَّرَفِ، يَمْتَنِعُ تَعْيِيْنُ بَعْضِهِمْ فَاضِلاً وَبَعْضِهِمْ أَفْضَلَ مِنْهُ. كَمَا أَنَّ الْحَلْقَةَ الْمُفْرَغَةَ مُتناسِبَةُ الْأَجْزَاءِ فِي الصُّوْرَةِ، يَمْتَنِعُ تَعْيِيْنُ بَعْضِهَا طَرَفاً وَبَعْضِهَا وَسَطاً. وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَهُمَا هُوَ التَّنَاسُبُ الَّذِيْ يَمْتَنِعُ مَعَ التَّعَاقُبِ، إِلَّا أَنَّهُ فِي الْمُشَبَّهِ فِي الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ، وَفِي الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الصُّوْرَةِ (3).
4 -
وَالْمُفَصَّلُ: وَهُوَ مَا ذُكِرَ وَجْهُهُ؛ كَقَوْلِهِ: [المجتَثّ]
وَثَغْرُهُ فِيْ صَفَاءٍ
…
وَأَدْمُعِيْ كَالْلَّآلِيْ (4)
5 -
وَالْقَرِيْبُ مُبْتَذَلٌ مُتَنَاوَلٌ مَشْهُوْرٌ: وَهُوَ مَا يُنْتَقَلُ فِيْهِ مِنَ الْمُشَبَّهِ إِلَى
(1) يُشير إلى تشبيه مشهد مُثارِ النّقع المظلِم ولمعان السيوف التي تتحرّك بسرعة بمشهد اللّيل المظلِم الذي تتساقطُ نجومُه المضيئة بسرعة في قولِ بشّار: [الطّويل]
كأنّ مُثارَ النَّقعِ فوقَ رُؤُّوسِنا
…
وأسيافَنا ليلٌ تَهاوى كواكبُه
(2)
صل: زيد أسد، وما أثبتاه في المتن موافقٌ رواية التّلخيص وشروحه.
(3)
للمجمَل تقسيماتٌ أُخرى؛ انظر: المطوَّل ص 555.
(4)
وجهُ الشّبه هنا الصّفاء. والبيتُ للوَطْوَاط. سَبَق تخريجُه مع سابقه:
صُدْغُ الْحَبِيْبِ وَحَالِيْ
…
كِلَاهُمَا كَاللَّيَالِيْ
الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَدْقِيْقِ نَظَرٍ؛ لِظُهُوْرِ وَجْهِهِ فِيْ بَادِئِ الرَّأْيِ (أَيْ: فِيْ ظَاهِرِهِ):
- إِمَّا لِكَوْنِهِ أَمْراً جُمْلِيّاً لَا تَفْصِيْلَ فِيْهِ (1).
- أَوْ لِكَوْنِ وَجْهِ الشَّبَهِ قَلِيْلَ التَّفْصِيْلِ، مَعَ غَلَبَةِ حُضُوْرِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الذِّهْنِ:
(عِنْدَ حُضُوْرِ الْمُشَبَّهِ)؛ لِقُرْبِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ؛ (كَتَشْبِيْهِ الْجَرَّةِ الصَّغِيْرَةِ بِالكُوْزِ فِي الْمِقْدَارِ وَالشَّكْلِ)، فَإِنَّهُ قَدِ اعْتُبِرَ فِيْ وَجْهِ الشَّبَهِ تَفْصِيْلٌ - أَعْنِي الْمِقْدَارَ وَالشَّكْلَ - إِلَّا أَنَّ الْكُوْزَ غَالِبُ الْحُضُوْرِ عِنْدَ حُضُوْرِ الْجَرَّةِ.
(أَوْ مُطْلَقاً) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: (عِنْدَ حُضُوْرِ الْمُشَبَّهِ) أَيْ: سَوَاءٌ حَضَرَ الْمُشَبَّهُ أَوْ لَا؛ لِتَكَرُّرِهِ - أَيِ الْمُشَبَّهِ بِهِ - عَلَى الْحِسِّ؛ كَتَشْبِيْهِ الشَّمْسِ بِالْمِرْآةِ الْمَجْلُوَّةِ فِيْ الِاسْتِدَارَةِ وَالِاسْتِنَارَةِ؛ فَإِنَّ فِيْ وَجْهِ الشَّبَهِ تَفْصِيْلاً مَّا، لَكِنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ - أَعْنِي الْمِرْآةَ - غَالِبُ الْحُضُوْرِ فِي الذِّهْنِ مُطْلَقاً.
6 -
وَالْبَعِيْدُ غَرِيْبٌ: وَهُوَ مَا لَا يُنْتَقَلُ فِيْهِ مِنَ الْمُشَبَّهِ إِلَى الْمُشَبَّهِ بِهِ إِلَّا بَعْدَ فِكْرٍ وَتَدْقِيْقِ نَظَرٍ؛ لِعَدَمِ الظُّهُورِ:
1 -
إِمَّا لِكَثْرَةِ التَّفْصِيْلِ؛ كَقَوْلِهِ: [الرّجز]
وَالشَّمْسُ كَالْمِرْآةِ فِيْ كَفِّ الْأَشَلّ (2)
2 -
وَإِمَّا لِنُدُوْرِ حُضُوْرِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الذِّهْنِ (إِمَّا عِنْدَ حُضُوْرِ
(1) لأنَّ الذِّهنَ يسبقُ إلى إدراك الجملة قبلَ إدراك أجزائها.
(2)
تقدّم تخريجُه.
الْمُشَبَّهِ؛ لِبُعْدِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا؛ كَمَا مَرَّ (1). وَإِمَّا لِكَوْنِهِ وَهْمِيّاً (2)، أَوْ مُرَكَّباً خَيَالِيّاً (3)، أَوْ مُرَكَّباً عَقْلِيّاً (4))، كَمَا تَقَدَّمَ.
3 -
أَوْ لِقِلَّةِ تَكَرُّرِهِ عَلَى الْحِسِّ؛ كَمَا مَرَّ مِنْ تَشْبِيْهِ (الْمِرْآةِ فِيْ كَفِّ الْأَشَلِّ) فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَقْضِي الرَّجُلُ عُمْرَهُ وَلَا يَرَى مِرْآةً فِيْ كَفِّ الْأَشَلِّ.
وَبِاعْتِبَارِ أَدَاتِهِ
أَيْ: وَالتَّشْبِيْهُ (بِاعْتِبَارِ أَدَاتِهِ) نَوْعَانِ؛ لِأَنَّهُ:
1 -
إِمَّا مُؤَكَّدٌ: وَهُوَ مَا حُذِفَتْ أَدَاتُهُ؛ نَحْوُ: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النّمل: 88] أَيْ: مِثْلَ مَرِّ السَّحَابِ، وَمِنَ الْمُؤَكَّدِ مَا أُضِيْفَ الْمُشَبَّهُ بِهِ إِلَى الْمُشَبَّهِ بَعْدَ حَذْفِ الْأَدَاةِ؛ نَحْوُ قَوْلِهِ:[الكامل]
وَالرِّيْحُ تَعْبَثُ بِالْغُصُوْنِ، وَقَدْ جَرَى
…
ذَهَبُ الْأَصِيْلِ عَلَى لُجَيْنِ الْمَاءِ (5)
أَيْ: عَلَى مَاءٍ كَاللُّجَيْنِ - أَيِ الْفِضَّةِ - فِي الصَّفَاءِ وَالْبَيَاضِ. فَهَذَا تَشْبِيْهٌ مُؤَكَّدٌ أَيضاً.
2 -
أَوْ مُرْسَلٌ: وَهُوَ مَا ذُكِرَ أَدَاتُهُ فَصَارَ مُرْسَلاً مِنَ التَّأْكِيْدِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ حَذْفِ الْأَدَاةِ الْمُشْعِرِ- بِحَسَبِ الظَّاهِرِ- بِأَنَّ الْمُشبَّهَ عَيْنُ الْمُشَبَّهِ بِهِ؛ كَمَا مَرَّ فِي الْأَمْثِلَةِ الْمَذْكُوْرَةِ فِيْهَا أَدَاةُ التَّشْبِيْهِ.
(1) كتشبيه البنفسج بنار الكبريت.
(2)
كأنياب الأغوال.
(3)
كأعلام ياقوت منشورة على رماح من زبرجد.
(4)
كمثل الحمار يحمل أسفاراً.
(5)
لابن خَفَاجَة في ديوانه ص 357، وبلا نسبة في الإيضاح 4/ 125، وإيجاز الطّراز ص 320، والمطوّل ص 561، ومعاهد التّنصيص 2/ 95.