الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورُبَّما توقَّفَ في أثناء كلامه عندَ شرحِ سابقِه مُحِبّ الدِّين الحمويّ، وكانَ أبانَ في خُطبتِه أنَّ سببَ تأليفِه كتابَ الدُّرَر هو التَّعرُّضُ لبعضِ مواضعَ قصَّر الحمويُّ فيها، فيوردُ قولَه مسبوقاً بـ «قال الشَّارح» ، ثُمَّ يقفُ عند هذا القولِ، معترِضاً غالباً، على ما سيأتي.
والمنظومةُ - لفَرْطِ وجازتِها - غزيرةُ المادّة، عاريةٌ عن الأمثلةِ، لا تشيرُ إلى المذاهب والأقوال المختلفة، فالتزمَ العمريُّ أنْ يوضِّحَ ذلك كلَّه غايةَ الإيضاحِ، فذكَر لكلِّ مسألةٍ أمثلةً بلاغيّة كافيةً، وبسَطَ أقوالَ العُلماء ومذاهبَهم وما اختلفُوا فيه، مُرجِّحاً بينها أحياناً.
•
طريقة العمريّ في تناوُل مصادرِه:
العمريُّ في أثناءِ شَرْحِه لمضمون المتن لم يكنْ يُرسلُ كلامَه غُفْلاً في كُلِّ ما يقولُ، بل استعانَ بطائفةٍ من المصادرِ كانَتْ زادَهُ في إيضاح مكنونِ كلام النَّاظم، والتَّمثيل لغرضِه، وهذهِ المصادرُ كانت أيضاً تُكَأَةً له في تضعيفِ بعضِ الآراءِ ورَدِّها، وإلى ذلك هي عُمدتُه في بَسْطِ المذاهب والأقوال، واختيارات العلماء.
وليسَ هذا محلَّ عَرْضِها، والَّذي يعنينا ههنا التَّوقُّفُ عندَ بعضِ الجوانبِ الّتي تتَّصِلُ بطريقةِ تناوُلِه لمصادرِه، وكيفيَّةِ أَخذِهِ عنها:
فمن ذلك أنَّه كثيرُ الإغفال لِما ينقُلُه، وهو - وإنْ صرَّحَ بنقْلِه عن هذا الكتابِ أو ذاك - ضَنينٌ؛ فإنَّ ما أخذَهُ عن هذه الكُتُبِ نفسِها من غيرِ تصريحٍ أضعافُ ما نصَّ عليه، وسيأتي بيانُه عند دراسةِ مصادرِه.
فمن ذلك أنّه لم يكنْ يُصرِّح أحياناً بأسماء مَن نقلَ عنهم، واكتفى في أثناء ذلك بإشاراتٍ لا تخلو من إبهامٍ، فنقلَ عمَّن سمَّاهُم:«بعضُ المحشِّين على المختصَر» ، و «كما ذهَبَ إليه بعضهم» ، واستخدمَ أفعالاً مِن نحو:«قيل» ، و «أُجيبَ» ، وسوى ذلك مِمَّا يقفُ عليه القارئُ في الشَّرح.
ومِنْ ذلك أنَّ ما عوَّلَ عليه من مصادرَ لم تكنْ غايتُه من الأخذِ عنها واحدةً؛ إذْ لم يكنْ يرمي مِن ورائِها جميعاً إلى إثراءِ شَرْحِهِ، وإيضاحِ كلام النَّاظم بما فيها من مادَّةٍ تعينُه على ما أرادَ، بل لكُلٍّ منها منزلتُه، فالمطوَّل وخزانةُ ابن حِجَّة لَقيَا منه قبولاً ورِضاً، يُسلِّمُ غالباً بما فيهما ولا يتعرَّضُ لهما بِرَدٍّ أو استدراك، فكانا حُجَّتَه في جُلِّ ما نقلَ عنهما، وأمَّا شرحُ معاصرِه الحمويّ فإنَّه لا ينقلُ عنه غالباً إلَّا في مواضعِ الرَّدِّ عليه.
ومنها أنَّه - على أمانتِه وتوخِّيه الدِّقَّة فيما نقلَه مُصرِّحاً - عَمَدَ إلى بعضِ المسالك الغريبة في أَخذِه عن المصادر:
فهو يسوقُ كلاماً ينصُّ في آخرِه على أنَّه منقولٌ عن كتابٍ مّا، فيظنُّ القارئُ أنَّ آخرَ المنقولِ ههنا، لكنّه يعجَبُ بعد الرُّجوع إلى مَصدرِه المذكور حينَ يجدُ الكلامَ الآتيَ بعد ذلك هو مِن تمام ما تقدَّمَه، نقلَه الشَّارحُ عن المصدرِ نفسِه، وساقَه على أنَّه من كلامِه هو، وأمثلةُ هذا كثيرةٌ، تكادُ تكونُ مستفيضةً.
وقريبٌ مِن هذا المسلَكِ ما ينقلُه عن المطوَّل، أو المختصَر، أو خزانة ابن حِجّة، فيقول:«وقال في المختصر» ، و «وذُكِرَ في المطوَّل» ، وغير ذلك، والكلامُ قبلَه هو لصاحب المطوّل أيضاً، ولا يدري القارئُ أنَّه له إلَّا بعدَ الرُّجوعِ إلى كتابِه المذكور.
ومِن مواطنِ الإبهامِ في بعضِ ما نقلَه ما نقفُ عليه عندَ قولِه: «هكذا ذُكِرَ في المطوَّل» ، أو:«كما أشارَ إليه السَّيِّدُ في حاشية المطوَّل» ، أو «فالشَّاهدُ كما أشارَ إليهِ التَّفتازانيّ» ، أو «وَجهُهُ ما ذَكَرَهُ الشَّريفُ» ، فلا ندري أين هو مَبدأُ كلامِه إلَّا بمُعاودة الكتاب المذكور.
وثمَّةَ صورةٌ خفيّة لهذا الإبهام نقفُ عليها بعدَ المقارَنة، وشيءٍ من التَّأمُّل، فالعمريُّ في أثناءِ ما كانَ ينقلُه عن صاحبِ المطوَّل - من غيرِ عَزْوٍ