الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التولد
1 -
معنى التولد في اللغة:
قال الخليل: "الولد اسم يجمع الواحد، والكثير، والذكر، والأنثى سواء، والوليد الصبي، والوليدة الأمة..ويقال ماله وولده أي ورهطه..والولادة وضع الوالدة ولدها، وجارية مولدة: ولدت بين العرب، ونشأت مع أولادهم، ويغذونها غذاء الولد، ويعلمونها من الأدب مثل ما يعلمون أولادهم، وكذلك المولد من العبيد، وكلام مولد مستحدث لم يكن من كلام العرب"1.
وقال الجوهري: "وتوالدوا أي كثروا، وولد بعضهم بعضاً..ويقال ولَّد الرجل غنمه توليداً، كما يقال نتج إبله نتجاً"2. ويقول ابن فارس: "وتولَّد الشيء عن الشيء: حصل عنه"3.
فالتوالد والتوليد هو التكاثر والإنتاج، وحصول الشيء عن الشيء.
2 -
معنى التولد في الاصطلاح:
التولد بمعناه اللغوي موجود عند الفلاسفة في حق الله - تعالى -، وإن لم يعبروا عنه بلفظ التولد. فالفلاسفة يرون بأن العقول والنفوس متولدة عن الله، تولداً أزلياً لازماً لذاته، والعالم متولد عن ذلك، فالعالم كله متولد عندهم عن الله تولداً أزلياً لازماً لذاته، وإن كانوا قد لا يعبرون بلفظ الولد، فهم يعبرون بلفظ المعلول والعلة، وهو أخص أنواع التولد، ويعبرون بلفظ الموجِب والموجَب4.
1 - العين 8/71.
2 -
الصحاح 2/554، وانظر: لسان العرب 3/467.
3 -
معجم مقاييس اللغة 6/143.
4 -
انظر: الصفدية1/216.
كما يعبرون عنه بلفظ الصدور.
كما يرد لفظ التولد والتوليد عند المعتزلة، فالمتولد عندهم هو الفعل الذي يكون بسبب مني ويحل في غيري. وقيل: هو الفعل الذي أوجبت سببه فخرج من أن يمكنني تركه، وقد أفعله في نفسي وأفعله في غيري.
وقال بعضهم: كل فعل يتهيأ وقوعه على الخطأ، دون القصد إليه، أو الإرادة له فهو متولد1.
وقال الجرجاني: "التوليد هو أن يحصل الفعل عن فاعله بتوسط فعل آخر، كحركة المفتاح بحركة اليد"2.
وقد اختلف المتكلمون في الأفعال المتولدة عن الإنسان؛ فمنهم من قال ليست مفعولة له بحال، بل هي مفعولة لله - تعالى -، كما يقول ذلك كثير من متكلمي المثبتين للقدر، ومنهم من يقول بل هو مفعول له على طريق التولد كما هو قول بعض المعتزلة، ويحكى عن بعضهم أنه قال لا فاعل لها بحال3. فالمتكلمون على طرفي نقيض في الأفعال المتولدة عن الإنسان حيث يجعلها الأشاعرة والماتريدية مخلوقة لله وليس للإنسان دور فيها وأبطلوا بذلك ربط الأسباب بمسبباتها. بينما يجعلها المعتزلة مخلوقة للإنسان وناتجة عن فعله وحده، دون تدخل لأسباب أخرى.
3 -
معنى التولد في الشرع، والرد على المخالفين:
لم يرد لفظ التولد أو التوليد في القرآن والسنة، ولكن ورد لفظ الولد في القرآن الكريم بتصريفات عدة، كما ورد في السنة، حيث نفى الله - تعالى - عن نفسه الولد في أكثر من آية، قال - تعالى -:{أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام - 101]، وقال - سبحانه -:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون - 91]، ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أصبر على أذى
1 - انظر: مقالات الإسلاميين 2/92 - 93.
2 -
التعريفات ص98.
3 -
انظر: درء التعارض 9/340، مقالات الإسلاميين 2/86 - 92.
يسمعه من الله عز وجل، إنه يشرك به، ويجعل له الولد، ثم هو يعافيهم، ويرزقهم" 1. وما ذكره الله في كتابه من إبطال التولد، وهو حصول الولد، يبطل قول الفلاسفة عقلاً وسمعاً، قال - تعالى -: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام - 101] ، وذلك أن التولد لا يكون إلا عن أصلين، فيمتنع أن يكون له ولد من غير صاحبة، وهو - سبحانه - لم يكن له كفواً أحد، والفلاسفة جعلوه واحداً، وجعلوا العالم معلولاً عنه، وقالوا: الواحد لا يصدر عنه إلا واحد وهذا باطل، فإن الواحد البسيط لا يصدر عنه وحده شيء، بل الواحد الذي قدروه إنما يوجد في الأذهان لا في الأعيان، ولا يصدر في العالم العلوي والسفلي أثر إلا عن سببين فأكثر، فالنار إذا أحرقت إنما تحرق بشرط قبول المحل لإحراقها، وكذلك جميع الأمور، قال الله - تعالى -: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات - 49] ، فلو كان العالم معلولاً متولداً عن الله، لكان له مقارناً، يصدر التولد عنهما جميعاً، فإن التولد لا يكون إلا عن أصلين، فإثبات التعليل والتولد، يقتضي إثبات شريك في إبداع العالم، وهذا لازم لهم لا محيد عنه2.
وفي قوله - تعالى -: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنعام - 101]، ثلاث أدلة على نفي الولد والتولد عنه:
أحدها: كونه ليس له صاحبة فهذا نفي الولادة المعهودة.
وقوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} نفي للولادة العقلية وهي التولد، لأن خلق كل شيء ينافي تولدها عنه.
وقوله: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يشبه - والله أعلم - أن يكون لما ادعت النصارى أن المتحد به هو الكلمة، التي يفسرونها بالعلم، والصابئة القائلون بالتولد، والعلة، لا يجعلونه عالماً بكل شيء، ذكر أنه بكل شيء عليم لإثبات هذه الصفة له رداً على الصابئة، ونفيها عن غيره ردا على النصارى3.
1 - سبق تخريجه ص168 من البحث.
2 -
انظر: الصفدية1/216، 217، الدرء7/369، الجواب الصحيح 4/475.
3 -
انظر: مجموع الفتاوى 2/445، بدائع الفوائد 4/961 - 962.
وبهذا يعلم أن الفلاسفة الذين يقولون بتولد العقول والنفوس عنه بواسطة أو بغير واسطة، شر من النصارى، وأن من زعم أن العالم قديم فقد أخرجه عن كونه مخلوقاً لله1.
وأما التولد عند المتكلمين، وهو الأمور المنفصلة عن الإنسان، التي يقال إنها متولدة عن فعله، فحقيقة الأمر أن تلك قد اشترك فيها الإنسان والسبب المنفصل عنه، فإنه إذا ضرب بحجر فقد فعل الحذف، ووصول الحجر إلى منتهاه حصل بهذا السبب، وبسبب آخر من الحجر والهواء2، وهي من خلق الله، فلا يكون الإنسان مستقلاً بإحداث هذه الأفعال المتولدة.
1 - انظر: مجموع الفتاوى 2/445، بدائع الفوائد 4/962.
2 -
انظر: درء التعارض 9/341.