الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصدفة
1 -
معنى الصدفة في اللغة:
صادفت فلاناً أي لقيته1، ووجدته2، والمصادفة الموافقة3. وصادف فلاناً لقيه ووجده من غير موعد ولا توقع4. وصادفه مصادفة وجده ولقيه على غير قصد5.
فالمصادفة في اللغة تدل على وقوع الشيء اتفاقاً، من غير قصد وترتيب مسبق.
2 -
معنى الصدفة في الاصطلاح:
ورد في المعجم الفلسفي أن "الصدفة اتفاق مجهول العلة، أو تزامن لسلسلتين عليتين مستقلتين، أو هي سلب الضرورة"6.
والمصادفة عند أرسطو هي اللقاء العرضي الشبيه باللقاء القصدي، أو هي العلة العرضية المتبوعة بنتائج غير متوقعة، تحمل طابع الغائية7.
وقيل إن المصادفة هي الأمر الذي لا يمكن تفسيره بالعلل الفاعلة، ولا بالعلل الغائية8.
وقيل المصادفة هي "خلو النظام الكوني من الإله"9، وهو قول بعض الملاحدة أن هذا العالم بكل ما فيه من إتقان وإبداع باهر وجد بطريق الصدفة، وليس له موجد أوجده، ولا يمكن تفسيره بأنه له علة فاعلة، ولا علة غائية.
1 - انظر: العين 7/102.
2 -
انظر: الصحاح 4/1384، لسان العرب 9/188.
3 -
انظر: لسان العرب9/188.
4 -
انظر: المعجم الوسيط 1/510.
5 -
انظر: محيط المحيط ص502.
6 -
المعجم الفلسفي للدكتور الحفني ص166.
7 -
انظر: المعجم الفلسفي للدكتور جميل صليبا 2/383.
8 -
انظر: المرجع السابق 2/383.
9 -
العناية والمصادفة في الفكر الغربي المعاصرد. سارة بنت عبد المحسن ص23.
3 -
الرد على القائلين بالصدفة:
إن القول بأن هذا العالم بما فيه من بديع الصنع، وعجيب الخلق، قد وجد صدفة من تلقاء نفسه، وليس له موجد أوجده، قول مخالف للعقل والفطرة التي فطر الناس عليها؛ فإنها تشهد بضرورة وجود خالق عظيم أبدع هذا الكون، يقول الشهرستاني:"أما تعطيل العالم عن الصانع العليم، القادر الحكيم، فلست أراها مقالة، ولا عرفت عليها صاحب مقالة، إلا ما نقل عن شرذمة قليلة من الدهرية، أنهم قالوا: كان العالم في الأزل أجزاء مبثوثة، تتحرك على غير استقامة، فاصطكت اتفاقاً، فحصل منها العالم بشكله الذي تراه عليه، ودارت الأكوار، وكرت الأدوار، وحدثت المركبات، ولست أرى صاحب هذه المقالة ممن ينكر الصانع، بل هو معترف بالصانع، لكنه يحيل سبب وجود العالم على البخت والاتفاق، احترازاً عن التعطيل، فما عدت هذه المسألة من النظريات التي يقام عليها برهان، فإن الفطرة السليمة الإنسانية شهدت - بضرورة فطرتها، وبديهة فكرتها - على صانع حكيم، قادر عليم، {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} [إبراهيم - 10] "1.
ومن الأدلة العقلية التي تبطل القول بالصدفة ما يحكى عن أبى حنيفة رحمه الله "أن قوما من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم: أخبروني - قبل أن نتكلم في هذه المسألة - عن سفينة في دجلة، تذهب فتمتلىء من الطعام والمتاع وغيره بنفسها، وتعود بنفسها، فترسي بنفسها، وتتفرغ وترجع، كل ذلك من غير أن يدبرها أحد؟ فقالوا: هذا محال، لا يمكن أبداً! فقال لهم: إذا كان هذا محالاً في سفينة، فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟ "2.
ومثل ذلك ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله في الرد على القائلين بالصدفة، حيث قال: "فسل المعطل الجاحد ما تقول في دولاب دائر على نهر، قد أحكمت آلاته وأحكم تركيبه، وقدرت أدواته أحسن تقدير وأبلغه، بحيث لا يرى الناظر فيه خللاً في مادته ولا في صورته، وقد جعل على حديقة عظيمة، فيها من كل أنواع الثمار والزروع، يسقيها
1 - نهاية الإقدام ص123 - 124.
2 -
شرح العقيدة الطحاوية 1/35 - 36.
حاجتها، وفي تلك الحديقة من يلم شعثها، ويحسن مراعاتها وتعهدها، والقيام بجميع مصالحها، فلا يختل منها شيء، ولا تتلف ثمارها، ثم يقسم قيمتها عند الجذاذ على سائر المخارج، بحسب حاجاتهم وضروراتهم، فيقسم لكل صنف منهم ما يليق به، ويقسمه هكذا على الدوام، أترى هذا اتفاقاً بلا صانع ولا مختار ولا مدبر؟ بل اتفق وجود ذلك الدولاب والحديقة وكل ذلك اتفاقاً من غير فاعل ولا قيم ولا مدبر، أفترى ما يقول لك عقلك في ذلك لو كان؟ وما الذي يفتيك به؟ وما الذي يرشدك إليه؟ "1.
ويقول عالم الوراثة والبيئة الدكتور جون وليام كلوتس: "إن هذا العالم الذي نعيش فيه قد بلغ من الإتقان، والتعقيد، درجة تجعل من المحال أن يكون نشأ بمحض المصادفة، إنه مليء بالروائع، والأمور المعقدة، التي تحتاج إلى مدبر، والتي لا يمكن نسبتها إلى قدر أعمى. ولا شك أن العلوم قد ساعدتنا على زيادة فهم، وتقدير، ظواهر هذا الكون المعقدة، وهي بذلك تزيد من معرفتنا بالله، ومن إيماننا بوجوده"2.
ويقول الفلكي كريسي موريسون: "ومثل هذه المجموعة من المعجزات لا يوجد، ولا يمكن أن يحدث بأي حال في غيبة الحياة، وكل ذلك يتم في نظام كامل، والنظام مضاد إطلاقاً للمصادفة، أليس ذلك كله من صنع الخالق؟ "3.
ويقال للقائلين بالصدفة:" لو أن هزة أرضية قلبت صناديق الحروف في مطبعة، بها نصف مليون حرف فخلطتها ببعضها، فأخبرنا صاحب المطبعة أنه تكون من اختلاط الحروف صدفة عشر كلمات متفرقة، فالمسألة تحتمل التصديق وتحتمل النفي، لكنه لو أخبرنا بأن الكلمات العشر كونت جملة مفيدة لازدادت درجة النفي، والاستبعاد، لكننا قد لا نجزم بالاستحالة، ولو أخبرنا بأن الحروف المبعثرة كونت كتاباً من مائة صفحة، وبه قصيدة كاملة منسجمة بألفاظها، وأوزانها، فالاستحالة في هذه الحالة بحكم البديهية. والمسألة في الكون وأجزائه، وما فيها من إتقان وإحكام وعناية، أعقد بكثير من مثال حروف المطبعة،
1 - مفتاح دار السعادة 2/69.
2 -
الله يتجلى في عصر العلم ص54.
3 -
العلم يدعو للإيمان تأليف أ. كريسي موريسون ص 156.
لأن الحروف هنا جاهزة معبأة في صناديقها. إن الصدفة في مجال الكون مستحيلة في ذاتها فضلاً عن أن ينبثق عنها هذا الإحكام والنظام، ولو سلمنا جدلاً بصدفة واحدة في البداية، فهل يقبل عقلنا بسلسلة طويلة متتابعة من المصادفات؟ "1.
فالقول بالصدفة إذاً ليس مذهبا أقيم عليه شيء من البرهان، بل هو محض افتراض، مرفوض بالعقل والفطرة والحس.
1 - عقيدة التوحيد للدكتور محمد ملكاوي ص149 - 150.