الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبيعة
1 -
معنى الطبيعة في اللغة:
قال الخليل: "الطَّبَع الوسخ الشديد على السيف، والرجل إذا لم يكن له نفاذ في مكارم الأمور..وفلان مطبوع على خلق سيء، وعلى خلق كريم..وما جعل في الإنسان من طباع المأكل، والمشرب، وغيره من الأطبعة التي طبع عليها، والطبيعة الاسم، بمنزلة السجية والخليقة ونحوه، والطَّبْع الختم علي الشيء..وطَبَع الله الخلق: خلقهم"1.
وقال ابن منظور: "طبعه الله على الأمر يطبعه طبعاً فطره، وطبع الله الخلق على الطبائع التي خلقها، فأنشأهم عليها..والطباع ما ركب في الإنسان من جميع الأخلاق، التي لا يكاد يزاولها من الخير والشر، والطبع ابتداء صنعة الشيء، تقول طبعت اللبن طبعاً، وطبع الدرهم والسيف وغيرهما يطبعه طبعاً صاغه"2.
فالطبيعة في اللغة السجية والخليقة، وما ركب في الإنسان من جميع الأخلاق.
2 -
معنى الطبيعة في الاصطلاح:
ورد لفظ طبع ويطبع ونحوها في كتاب الله، قال - تعالى -:{فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المنافقون - 3]، وقال - سبحانه -:{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} [الأعراف - 101]، ومن السنة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً"3. قال الراغب: "الطبع أن تصور الشيء بصورة ما، كطبع السكة، وطبع الدراهم، وهو أعم من الختم، وأخص من النقش..وبه
1 - العين 2/22 - 23، وانظر: الصحاح 3/1252 - 1253، معجم مقاييس اللغة 3/438.
2 -
لسان العرب 8/232 - 234، وانظر: المصباح 2/268 - 269، المغرب ص287.
3 -
أخرجه مسلم في كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين 4/2050، ح 2661.
اعتبر الطبع، والطبيعة، التي هي السجية؛ فإن ذلك هو نقش النفس بصورة ما؛ إما من حيث الخلقة؛ وإما من حيث العادة، وهو فيما ينقش به من حيث الخلقة أغلب"1.
ويقول الإمام ابن القيم: "الطبيعة التي هي بمعنى الجبلة، والخليقة"2.وقال رحمه الله: "الطبيعة قوة وصفة، فقيرة إلى محلها، محتاجة إلى حامل لها"3.
ويقول الجرجاني: "الطبيعة عبارة عن القوة السارية في الأجسام، بها يصل الجسم إلى كماله الطبيعي"4.
والطبيعة عند جمهور المسلمين صفة قائمة بالأجسام، وهي القوى التي خلقها الله في الأجسام5، وتجري بها كيفيات الأجسام على ما خلقها الله عليه، مؤثرة وفق تدبير الله لها.
فجمهور المسلمين يقولون بالحق الذي دل عليه المنقول والمعقول، فيثبتون ما لله في خلقه وأمره من الأسباب والحِكَم، وما جعله الله في الأجسام من القوى، والطبائع، في الحيوان، وفي الجماد، لكنهم مع إثباتهم للأسباب، والحِكَم، لا يقولون بقول الطبائعية من الفلاسفة وغيرهم، بل يقولون إن الله خالق كل شي وربه ومليكه، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ويعلمون أن الأسباب هي مخلوقة لله، بمشيئته وقدرته، ولا تزال مفتقرة إلى الله، لا يقولون أنها معلولة له، أو متولدة عنه، كما يقوله الفلاسفة، ولا أنها مستغنية عنه بعد الإحداث، كما يقوله من يقوله من أهل الكلام، بل كل ما سوى الله - تعالى - دائم الفقر والاحتياج إليه6.
1 - المفردات ص515.
2 -
أحكام أهل الذمة 2/1043.
3 -
طريق الهجرتين ص204.
4 -
التعريفات ص 182، وانظر: التوقيف ص478.
5 -
انظر: الصفدية 1/154بتصرف.
6 -
انظر: الصفدية 1/154، إعلام الموقعين 2/298 - 299، طريق الهجرتين ص204.
3 -
معنى الطبيعة عند الفلاسفة:
يقول جابر بن حيان في تعريف الطبيعة: "وأما حد الطبيعة، فإنها من حيث الفعل مبدأ حركة وسكون عن حركة "1.
ويقول الخوارزمي: "الطبيعة هي القوة المدبرة لكل شيء مما هو في العالم الطبيعي، والعالم الطبيعي هو كل ما تحت فلك القمر إلى مركز الأرض"2.
وقال ابن سينا: "الطبيعة مبدأ أول بالذات لحركة ما هي فيه بالذات، وسكونه بالذات، وبالجملة لكل تغير وثبات ذاتي"3.
ويوضح هذه الأقوال قول ابن رشد: "أكثر ما تطلق الحكماء اسم الطبيعة، على كل قوة تفعل فعلاً عقلياً، أي جارياً مجرى الترتيب والنظام الذي في الأشياء العقلية، لكن نزهوا السماء عن مثل هذه القوة؛ لكونها عندهم هي التي تعطي هذه القوة المدبرة، في جميع الموجودات"4. ويقول: "إن الطبيعة إذا كانت تفعل فعلاً في غاية النظام، من غير أن تكون عاقلة، إنها ملهمة من قوى فاعلة هي أشرف منها وهي المسمى عقلاً"5.
فالطبيعة عند الفلاسفة قوة تفعل فعلاً عقلياً، تدبر فيه كل ما تحت فلك القمر إلى الأرض، وهي مبدأ أول لذلك. فهي قوة مستقلة بالتأثير عما فوقها، وإن كانت متولدة عنها.
ومن الطبيعيين من يقول بأن الطبيعة هي التي أوجدت نفسها، وهي التي تخلق بنظام، وبدون نظام، يقول دارون:"إن الطبيعة تخلق كل شيء، ولا حد لقدرتها على الخلق"، وقال:"إن الطبيعة تخبط خبط عشواء"6.
وأهل الطبايع هم الذين قالوا بقدم الأرض والماء والنار والهواء7.
1 - الحدود لجابر بن حيان ضمن المصطلح الفلسفي للأعسم ص 184.
2 -
الحدود للخوارزمي ضمن المصطلح الفلسفي للأعسم ص210.
3 -
الحدود لابن سينا ضمن المصطلح الفلسفي للأعسم ص247.
4 -
تهافت التهافت ص266.
5 -
تفسير ما بعد الطبيعة ص1502.
6 -
مذاهب فكرية معاصرة ص94.
7 -
انظر: أصول الدين للبغدادي ص59.
4 -
الرد على الفلاسفة والطبائعيين:
قول الفلاسفة، والطبائعيين، في أن الطبيعة هي المدبرة لما في العالم، قول في غاية الفساد، ولم يقدم الطبائعيون دليلاً على ما صاروا إليه من القول بقدرة الطبيعة على الخلق، بل العلم الحديث يبطل ما قالوه، ومن وجوه بطلان قولهم:
أولاً: أن الفعل المنسق المنتظم لا يكون إلا من عالم حكيم، فكيف يفعل من ليس عالماً، وليس قادراً؟ فإن قالوا: ولو كان الفاعل حكيماً لم يقع في بنائه خلل، ولا وجدت هذه الحيوانات المضرة، فعلم أنه بالطبع. قلنا: ينقلب هذا عليكم بما صدر منه من الأمور المنتظمة المحكمة، التي لا يجوز أن يصدر مثلها عن طبع، فأما الخلل المشار إليه فيمكن أن يكون للابتلاء، والردع، والعقوبة، أو في طيه منافع لا نعلمها1.
ثانياً: أن يقال للطبائعيين: ماذا تعنون بكلمة الطبيعة؟ هل تعنون بها ذات الأشياء، أو صفاتها؟ فإن عنوا بالطبيعة ذات الأشياء فيكون على قولهم كل شيء خلق نفسه، فالسماء خلقت السماء، والأرض خلقت الأرض، فيصبح كل شيء هو الخالق والمخلوق، وبما أن المخلوق مفتقر إلى الخالق، فيكون هذا الشيء مفتقراً لنفسه، وهو موجود، فيجتمع فيه النقيضان، لاستحالة أن يكون موجوداً معدوماً بنفس الوقت، كما يستحيل أن يكون خالقاً ومخلوقاً، وبهذا يظهر بطلان هذا الادعاء وتهافته.
وإن عنوا بكلمة الطبيعة صفات الأشياء وقابلياتها من حرارة وبرودة وملاسة وخشونة، فقولهم هذا أكثر تهافتاً من سابقه، لأن من البديهيات أن الصفات والقابليات لا تقوم إلا بذات الأشياء، فهي مفتقرة للأشياء، فالصفة دائماً مفتقرة إلى الموصوف لأنها لا تظهر إلا به، وإذا كانت الأشياء الموصوفة ذاتها عاجزة عن إيجاد نفسها، فعجز الصفة والقابلية عن إيجاد موصوفاتها من باب أولى، بل إن الصفة نفسها بحاجة إلى موجد يوجدها في موصوفها، لأن الموصوف كما هو عاجز عن إيجاد نفسه، فهو عاجز عن إيجاد صفته2.
1 - انظر: تلبيس إبليس ص58.
2 -
انظر: عقيدة التوحيد في القرآن الكريم للدكتور محمد ملكاوي ص144 - 145، مفتاح دار السعادة1/261.
ثالثاً: أن الطبع لا يكون مبدءاً لحركة الجسم، وانتقال أصله، إلا إذا أخرج عن طبعه بغير طبعه، كما يجمع بين الأجسام بالمزج والخلط، فتنتقل عن مراكزها ومحالها، المخالف لمقتضي طبعها، وعند التحقيق يعود الطبع إلى أنه ليس فيها سبب للحركة عن حالها وسكونها، فيكون الطبع بمنزلة السكون وعدم الحركة، أو أمراً وجودياً منافياً للحركة، فالحركة الواردة عليها مخالفة له، والطبع جمود، وهي تنتقل عن إرادة وحركة فعلم بطلان إصابة شيء من الحوادث العرضية عن مجرد الطبع الذي في الموات، فكيف بالحوادث الجوهرية. والإرادة والاختيار مستلزمة للحياة والعلم، كما أن الحياة أيضاً مستلزمة للعلم وللإرادة بل وللإرادة والحركة كما قرر ذلك عثمان بن سعيد وغيره من أئمة السنة1.
رابعاً: أن يقال: "من أين للطبيعة هذا الاختلاف، والفرق الحاصل في النوع الإنساني بين صورهم؟ فقلّ أن يرى اثنان متشابهان من كل وجه، وذلك من أندر ما في العالم، بخلاف أصناف الحيوان كالنعم والوحوش والطير وسائر الدواب..والحكمة البالغة في ذلك أن الناس يحتاجون إلى أن يتعارفوا بأعينهم، وحلاهم، لما يجرى بينهم من المعاملات، فلولا الفرق والاختلاف في الصور، لفسدت أحوالهم، وتشتت نظامهم، ولم يعرف الشاهد من المشهود عليه، ولا المدين من رب الدين، ولا البائع من المشتري..وفي ذلك أعظم الفساد والخلل، فمن الذي ميز بين حلاهم، وصورهم، وأصواتهم، وفرق بينها بفروق لا تنالها العبارة، ولا يدركها الوصف؟ فسل المعطل: أهذا فعل الطبيعة؟ وهل في الطبيعة اقتضاء هذا الاختلاف والافتراق في النوع؟ وأين قول الطبائعيين أن فعلها متشابه لأنها واحدة في نفسها، لا تفعل بإرادة ولا مشيئة فلا يمكن اختلاف أفعالها! فكيف يجمع المعطل بين هذا وهذا؟ {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج - 46] "2.
ويقول أحد العلماء الغربيين:"..مما لا يتفق مع العقل والمنطق، أن يكون ذلك التصميم البديع للعالم من حولنا، إلا من إبداع إله أعظم، لا نهاية لتدبيره وإبداعه..حقيقة إن هذه طريقة قديمة من طرق الاستدلال على وجود الله، ولكن العلوم الحديثة قد جعلتها أشد
1 - انظر: قاعدة في المحبة ص195 - 196.
2 -
مفتاح دار السعادة 2/213 - 214.
بياناً، وأقوى حجة منها في أي وقت مضى..إن الطبيعة لا تستطيع أن تصمم أو تبدع نفسها، لأن كل تحول طبيعي، لابد أن يؤدي إلى نوع من أنواع ضياع النظام، أو تصدع البناء العام"1.
ويقول جورج إيل دافز، عالم الطبيعة:"فالمنطق الذي نستطيع أن نأخذ به، والذي لا يمكن أن يتطرق إليه الشك، هو أنه ليس هناك شيء مادي يستطيع أن يخلق نفسه"2.
وبهذا يتبين أن قول الطبائعيين ظاهر الفساد، ومناقض للفطرة والعلم والعقل.
1 - الله يتجلى في عصر العلم ص97 - 99.
2 -
المرجع السابق ص41.